خليفة بن سلمان آل خليفة ..  أهو رجل طيب أم شرير؟

بعد توقيع معاهدة جلاء القوات البريطانية، من البحرين في 14 آب/ أغسطس 1971، بين سلطة الحماية البريطانية، وعائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين، أصدر حاكم البلاد الراحل، عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة، في اليوم التالي مباشرة، مرسوم بقرار أميري، إستبدل بموجبه لقب (صاحب العظمة حاكم البحرين وتوابعها) والتوابع كما هو معروف هي مجموعة جزر حوار المتنازع عليها في ذلك الوقت بين البحرين ودولة قطر، إلى مسمى (حضرة صاحب السمو أمير دولة البحرين المفدى) ومن بعد ذلك بوقت قصير للغاية، أصدر مرسوم آخر بقانون بشان إعادة التنظيم السياسي والاداري في البحرين، وتم بموجبه تكليف شقيقه الأصغر منه، خليفة بن سلمان آل خليفة، بتدشين مجلس الدولة (السلطة التنفيذية في البلاد) وتعيين اعضائه الاثني عشر عضوا لادارة شئون البلاد المحلية وعلى المستوى الخارجي.

ورويدا رويدا وبمرور الزمن استطاع، خليفة بن سلمان آل خليفة أن يجمع في كافة السلطات التنفيدية والتشريعية والاجرائية وغيرها  دفعة واحدة في يدة، وذلك بالرغم مهما قيل عن وجود رأس الدولة (حاكم البحرين) عيسى بن سلمان آل خليفة، ويساعده في ذلك أعضاء مجلس الدولة المعينين، بصورة إنتقائية من مختلف العائلات الثرية والمعروفة بتحالفاتها التجارية والمصلحية، مع كبار مشايخ العائلة الخليفية الحاكمة، والذين أصبحوا بعد التفضل بتعيينهم، يدينون بالولاء لرئيسهم المتفضل عليهم بهذا التعيين، خليفة بن سلمان آل خليفة، وليس لامير الدولة عيسى بن سلمان آل خليفة، والتي بقيت بعد ذلك غالبية صلاحياته الدستورية صورية.

وفيما يتعلق بشئون الامن والمخابرات، فان مجلس العائلة الحاكمة وبتوصية من خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس مجلس الدولة، الذي أستطاع أن يمسك بجميع خيوط اللعبة السياسية بعد تكريس وتعزيز مواقعة في السلطة، قد أبقى على عدد كبير من الخبراء والمستشارين الامنيين والعسكريين من بقايا عساكر وخبراء ومستشارين سلطة الحماية البريطانية في مواقعهم صامدين، ومن بين أبرز هؤولاء المستشارين البريطانيين كان حليفه القوي، والصديق الحميم الذي ظل يراهن عليه على امتداد أكثر من عقدين من الزمن، الجنرال البريطاني المتقاعد، ايان هندرسون مدير جهاز المخابرات (القسم الخاص ) والذي كان يلقب في حقبة سنوات قانون ومحكمة أمن الدولة السيئ الصيت بـ (جزار البحرين) لكثرة ما تلطخت أياديه بدماء الناس الأبرياء، وقيامه بشن حملات الاعتقال التعسفي خارج إطارات القانون، ضد مختلف قوى المعارضة الوطنية والاسلامية، وممارسات اغتصاب وتشريد  وتهجير ومطارة أو قتل كل من كان يشتبه بانه معارضا للحكومة، وممارسة انتهاكات فاضحة لحقوق الانسان، على امتداد اكثر من عقدين ونيف من الزمن.

والادهى من ذلك كله فان (خليفة بن سلمان آل خليفة) صار في خلال السنوات، التي أعقبت مراحل ماسمي ب (استقلال البحرين)، ينسب لنفسه الفضل وحده، في تشييد كيان الدولة الحديثة والمستقلة، ويدعي بانه  (قائد مسيرة التحديث والتجديد النموذجي) التي شهدتها البلاد، (انظر الى كتاب: خليفة بن سلمان رجل وقيام دولة) الصادر في العام 1996، والذي طبعت منه عشرات الآلاف من النسخ المجلدة، بأفضل وأرقى مستويات الطباعة الملونة الورقية الحديثة، وذلك من أموال وأرصدة فقراء البحرين، والذي تم فرض بيعه وتسويقه فرضا، على كافة وزارات وادارات الدولة ومؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية بقيمة (عشرة دنانير بحرينية) أي ما يعادل (27 دولاراً أمريكياً) للكتاب الواحد في ذلك الوقت، و ذهبت جميع تلك المبالغ في جيبه الخاص، وكذلك خزائنه الخاصة المكدسة في البنوك الوطنية والاجنبية.

ولكن وفي الحقيقة والواقع، اذا ما كان هناك من فضل في تحديث وتطوير وقيام الدولة الحديثة، فإنه يعود وبشكل مطلق، الى سلطة الحماية البريطانية، التي مهدت طريق البناء الحديث والنمودجي، القائمة على قواعده الصلبة جميع البنى التحتية للدولة العصرية في البحرين وجميع مؤسساتها الرسمية وجسمها المالي والاقتصادي، وليس إلى خليفة بن سلمان آل خليفة، أو أحدا غيره من شيوخ قبيلته الحاكمة، والتي استمرت سياساتها التقليدية القبلية، تحاكي إرث دكتاتورية عمرها أكثر من 260 سنة من الزمن، صنعتها أيادي غزوة جاهلية للبحرين، قادها (بطل الغزو) الجد الأكبر للعائلة، أحمد بن محمد آل خليفة، الملقب ب (الفاتح)، والذي كان قد أصر بقوة على تخليد إرثه التاريخي، وإلى الأبد، عبر توريث أبنائه وأحفاده من بعده، حكم البحرين طبقة بعد طبقة، وتهميش الآخرين ومنعهم من الوصول، إلى سدة السلطة أو الحكم، ودعم منفطع النظير من الحلفاء النافذين في المنطقة وخارجها لتكريس وتعزيز كل هذا التوجه.

إستمر، خليفة بن سلمان بن حمد آل خليفة، زهاء أكثر من 50 عاما من الزمن، رئيسا لمجلس الدولة ومن بعده مجلس الوزراء، وصار يتصرف هناك كما لو أنه صاحب القرار الأول والاخير على مستوى حياة الدولة والمجتمع، وظل يدير مجلس الوزراء، بمنتهى القسوة والغرور والاستعلاء، ولا يمكن له أن يعطي أية فرصة لجميع وزرائه بالمناقشة أوالمحاورة، سوى بالسماح لهم بتقديم بعض قشور المشورة والرأي، و من ثم الرضوخ لشخصه، وكان حذارا من أن تفرض عليه جدل، أو أن تعارض له رأي، فهذا من بين أشكال المحرمات الشديدة، وهو بذلك يظل يتمتع بجميع الصفات التي قد تخوله في القيام  بدور الحاكم والخبير والمستشار وقاضي التحقيق في آن واحد، داخل مجلس الوزراء، وامتدادا لسنواته الاولى من تولي منصب رئيس دائرة المعارف البحرينية، ومن بعده منصب رئيس المجلس البلدي، ثم مجلس التنظيم الاداري للدولة، مرورا بمجلس الدولة نفسه، وانتهاء بمجلس الوزراء، إنهمك خليفة بن سلمان آل خليفة، في مصادرة الرأي والرأي الآخر، وجمع الثروة غير المشروعة، وقام بتأسيس إمبراطورية تجارية ومالية مترامية الاطراف، ضمت العديد من شركات الاستثمار والمقايضات المالية داخل وخارج البلاد، ظلت تصل مواردها وأرباحها إلى عشرات مليارات الدولارات سنويا، هذا بالاضافة الى العمولات المالية التي ظل يحصل عليها من خلال تجارة (الرقيق الأبيض) التي أسس بنياتها القوية والصلبة، في حقبة سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وهي تجارة جلب الأيادي العاملة الرخصية إلى البلاد، عبر ما  كان يطلق عليه بنظام (فري فيزا) وهو نظام تراخيص مؤقتة أو دائمة لجلب العمالة الاجنبية الرخيصة إلى البحرين، والتي كان قد أغرق بها البلاد على امتداد سنوات طويلة بتلاوين الوافدين الاجانب، وذلك من دون قبوله لأي منافس.

وقد عمد في السنوات الاخيرة الى الاستيلاء على اراضي مملوكة للدولة في اليابسة والمردومة في أعماق البحر، و إستغلال بعضها لإقامة مبان ومجمعات تجارية نموذجية في العاصمة وضواحيها مثل مجمع (جيان) التجاري العملاق والمصمم على مستوى الطراز الاوروبي الحديث، وفي أرقى الاحياء التجارية الواقعة بمنطقة ساحل السيف، والذي لا يمكن فيه المبالغة، اذا قيل بأنه إستنزف الكثير من أموال الدولة الرسمية وغبر الرسمية لتتحقيق جميع هذه الانجازات، حيث كانت تشير كافة المعلومات الواردة من هنا وهناك، بأن جميع المبان والمنشأت والمجمعات التجارية الحديثة النموذجية، وغيرها التابعة لرئيس مجلس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، قد تم تشييدها واقامتها بأموال تعتبر مسروقة من خزائن هيئة الضمان الاجتماعي، وصندوق التأمينات التي تديرهما مؤسسة الدولة الرسمية لاستثمار ايداعات التقاعد والتامين الاجتماعي لغالبية العاملين في القطاعيين الخاص والحكومي، والتي قامت في حينها زوبعة من الانتقادات والمجادلات الشعبية، وكذلك أيضا، على مستوى (البرلمان البحريني) غير الشرعي، والذي ظل يتمتع غالبية أعضائه بالولاء المطلق إلى عائلة آل خليفة، وربما إلى رئيس الحكومة نفسه، كلها تشير إلى سياسة الاستيلاء على أموال خزائن الدولة من دون وجه حق.

وقد أستطاع رئيس مجلس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، وقتها أن يبعد عن نفسه كافة الشكوك والشبهات التي كانت تحوم حول مصادر حصوله على تلك الأموال، في ذلك الوقت، خاصة من جانب هيئة الضمان الاجتماعي وصندوق التعويضات، وذلك من خلال حملة اعلامية كبيرة مضادة قادها بنفسه وبجانبه جوقة داعمة من المساعدين والابواق، عبر مختلف وسائل الاعلام المحلية،على شكل إعلانات مدفوعة الثمن، تنفي تورطه بعمليات سلب واختلاس وتبييض أموال، وبسبب عدم وجود مؤسسات تشريعية ورقابية ودستورية صحيحة، وقادرة على محاسبة أو حتى مسائلة، رئيس مجلس الوزراء وجميع افراد العائلة الحاكمة، فان كل شيء في نظرهم جميعاً، كان قد أصبح من المسلمات المباحة.

وكان واضحاً  أن البحرين، بعد تحويلها من دولة الى مملكة قيل انها ” دستورية “، وبعد توقف عمليات القمع والاعتقالات السياسية في بدايات مرحلة ما سمي ب (مشروع الاصلاح) والانفراج السياسي الذي تلاه، كان لا ينظر الى البحرين لدى غالبية حكومات الدول الغربية على انها دولة قمعية وتنتهك حقوق الانسان، لانها استطاعت أن تدخل بعض قشور التغيير الجزئي في مستويات هذه الحقوق، رغم أن هناك منظمات حقوقية دولية كثيرة بما فيها لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة في جنيف، تحدثت بصراحة، عن وجود خروقات فاضحة في مجال الحريات العامة والتمييز الطائفي والعقائدي واستشراء السرقات والفساد في البحرين، وأن البلاد لا تمتلك دستوراً تعاقدياً ولا برلماناً يمتمتع بكافة الصلاحيات التشريعية والرقابية والدستورية، التي يمكن أن تؤهله لمسائلة ومحاسبة الحكومة امام الراي العام البحريني، إضافة إلى مختلف القيود المفروضة على عمل ونشاط ” الجمعيات السياسية ” وجمعيات النفع العام، التي تحاصرها قوانين وزارة العدل وتلاحقها أجهزة القمع في وزارة الداخلية البحرينية.

وبذلك فان خليفة بن سلمان وحكومته أستطاعوا منح أنفسهم كافة الوسائل التي تمكنهم من تنفيد كل ما يمكن طرحه من مشاريع سياسية واجتماعية وثقافية وأمنية على أرض الواقع، داخل أروقة ذلك البرلمان الصوري والعاجز عن المواجهة، مما مهد لهم ذلك بمواصلة طريق التفرد بصنع القرار. وقد تعهد حاكم البحرين الجديد، حمد بن عيسى آل خليفة، الذي ورث السلطة والحكم، بعد وفاة والده الامير الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة، في آذار/ مارس من العام 1999، اثناء طرحه لمشروع مثياق العمل الوطني الذي افضى الى تحويل دولة المراقبة الامنية، إلى ما سمي ب ” مملكة البحرين الدستورية “، وهي في الحقيقة والواقع (المملكة الخليفية الأولى) وليس بالمملكة الدستورية، بنسف جميع العيوب والاخطاء التي حدثت في عهد والده الراحل عيسى بن سلمان، والعمل بحق وحقيقة على إحترام دستور البحرين العقدي لعام 1973، ولكن الامير ومن بعده الملك، تخلى عن كل الوعود والتعهدات الكثيرة والبراقة، التي كان قد قطعها على نفسه وأمام المجتمع، بأن يكون خادمآ أمينآ على الدستور العقدي للعام 1973، والسياسات الأصلاحية الحقيقية الجوهرية، التي سوف تبقى مستمرة تحث الخطى، بعد اقرار ميثاق العمل الوطني في العام 2001، ولكنه للاسف الشديد أقدم على إلغاء الدستور التعاقدي، و إستبدله بدستور (المنحة الجديد للعام 2002) المثير للجدل، والذي كان قد أصبح مفصلاً بعناية فائقة على مقاسات قامته، ثم أطلق العنان بعدها للفوضى أن تحدث .

ومنذ ذلك الوقت، وطوال تربعه على كرسي رئأسة مجلس الوزراء، ظل، خليفة بن سلمان آل خليفة، وحده فقط يمثل دور اللاعب الرئيسي على مسرح السياسة البحرينية المحلية وعلى المستوى الخارجي، وذلك من دون أية منافسة مكشوفة أو ربما حتى مبطنة من أحد أفراد العائلة الحاكمة، بما في ذلك حاكم البلاد، حمد بن عيسى آل خليفة، وكذلك من أفراد المجتمع البحريني من المعارضين، حيث كانت لديه هناك، هيبة وهيمنة كاملة وراسخة على مجلس العائلة الحاكمة، كما كانت لديه مجموعة، أو بطانة وزراء صغار، ويعتبرون أشبه بالدمى، يأتمرون بأوامره ويداهنونه ويستجدونه في البقاء في مناصبهم الوزارية، وكذلك كانت له مصالح مشتركة ومتعددة مع كبار رجال الاعمال وتجار البحرين، وأعداد لا يستهان بها من الوجهاء وزعماء العشائر والطوائف البحرينية، بما في ذلك أعداد هائلة من التوابين، ومن بعض رجال الدين من الطائفتين السنية والشيعة على حد سواء، من ضعفاء النفوس، ممن استطاع كسبهم طوعيا، أو خداعهم أو إغرائهم بالأموال والمناصب الرسمية وغير الرسمية، وهناك مناطق معينة في البحرين، لازالت تجاهر بشدة وقوفها وتأييدها له، وتقيم المهرجانات الصاخبة عندما كان يزورها، ويتحدث فيها. ومن بين الامثلة الساطعة، على قوة سطوته ونفوذه السياسي الواسع النطاق، انه استطاع في فترة وجود المجلس الوطني المنتخب، أن يضغط بشدة على شقيقه أمير البحرين الراحل، عيسى بن سلمان آل خليفة، بأن يستخدم جميع صلاحياته كأمير للبلاد، ويقوم باصدار امرا اميريا بمرسوم يحل بموجبه المجلس الوطني المنتخب في العام 1975 وتعطيل المواد الحيوية من دستور البحرين العقدي للعام 1973، بعد أن وجد غالبية أعضاء هذا المجلس يشكلون عقبة قوية وصلبة في مواجهة جميع المشاريع المشبوهة والسياسات الخاطئة في البلاد، وكان تعطيل المواد الحيوية من الدستور، وحل المجلس الوطني، بمثابة ضربة قاضية لاول تجربة ديمقراطية حقيقية جرت في البحرين، وقد اتخد من اعلان حل المجلس الوطني المنتخب بواسطة الاقتراع الشعبي العام والمباشر، وتعطيل المواد الحيوية من الدستور، ذريعة كاملة وجازمة، للانقضاض الشرس على مختلف قوى التحرر الوطني، والزج بقياداتها وكوادرها وقواعدها في غياهب معتقلات وسجون، التي ضاقت بهم الزنازين المعتمة، وغرف التعذيب الوحشي النفسي والجسدي، لا لشيء بل لانهم عارضوا قرار حل المجلس، ووقفوا في وجه تطبيقات (قانون أمن الدولة) سيء الصيت، والذي بسببه تم حل هذا المجلس.

وأعقبت ذلك سنوات طويلة معتمة من القمع والاستبداد المطلق وخنق الحريات إستمرت تحث الخطى على امتداد اكثر من ربع قرن من الزمن. وفي مرحلة الانفراج السياسي التي شهدتها البحرين بعد الاعلان عن الأستفتاء على ميثاق العمل الوطني، إستطاع  خليفة بن سلنان، أن يعطل دور ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة، الذي خطف الاضواء في بداية مشروع الانفراج السياسي، والذي راهن عليه الكثيرون، حتى من بين قيادات ورموز المعارضة، التي كانت في الداخل، والتي عادت إلى البلاد، بموجب قرار أعلان العفو العام الشامل، وعودة المبعدين والمنفيين من دون أية شروط مسبقة، بانه سوف يصبح بمثابة فارس المرحلة القادمة في البحرين، نظرآ لكونه يمتلك رؤية جديدة وثاقبة حول الاوضاع الجارية في البلاد، وذلك خوفاً من تألقه وتفوقه وصعوده إلى الواجهة، كذلك وأيضا تحرره من بعض التوجهات السالبة القديمة، التي ظلت متعشعشة بجدارة في سياسات مجلس العائلة الحاكمة.

وتقول بعض الروايات، التي أشارت بصدق، أو من غير صدق، إلى أن خليفة بن سلمان آل خليفة، كان صديقآ حميمآ للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وكان دائمآ يتشبه بمواقفه، وبريق أناقته، ويعتبره مثله الاعلى، وذلك بعد ما كان قد أهداه (وسام الرافدين من الدرجة الاولى لجمهورية العراق) وأنه كان يحاول تقليد بعض صفاته وتصرفاته الطائشة والمتشددة، حتى بعد غزوه للكويت، واحتلاله بالقوة لدولة عربية خليجية عضو في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، وحتى بعد مقاطعة غالبية حكومات دول المجلس للنظام العراقي سياسيا ودبلوماسيا، بسبب ذلك الاحتلال، ظل خليفة بن سلمان آل خليفة، مبقياً على مد جسور العلاقة الوطيدة مع صدام حسين، في السر وأحيانا في العلن، عندما كان العراق يمتلك قوة وصلابة في المنطقة، وكان كلما اراد إبتزاز حكام الكويت، بالمال لتأسيس مشاريع عمرانية في البحرين، هددهم بامكانية استئناف العلاقة الدبلوماسية المقطوعة بين المنامة وبغداد، إذا لم تصل إليه تلك الأموال، وذلك بشكل يمكن أن يخرق الموقف الخليجي الموحد تقريبا، داخل مجلس التعاون، والذي قد تضامن بقوة وحماس، مع محنة الاشقاء في دولة الكويت المنكوبة، وأصر على مقاطعة نظام بغداد في ذلك الوقت، حتى بعد انسحابه القهقري، وأخراج جحافل قواته العسكرية والامنية عن طريق القوة .

بين ما تقدم وما تأخر، من تاريخ هذا الرجل، قد يصبح من الصعب جدا أن ينسى المتضررين من الناس، وكذلك عائلات جميع الضحايا الذين سقطوا في ساحات النضال الوطني دفاعا عن الشعب والوطن، وكذلك المهجرين والمنفيين بشكل قسري، في مختلف العواصم العربية والعالمية، والسياسيين والحقوقيين ورجال الدين، الاحياء منهم والاموات، كل سنوات القمع، التي مورست على امتداد عقود من الزمن، في ظل حكومة هذا الرجل، وربما قد تطالب غالبيتهم، أو بعضهم على الأقل بالتعويض جراء ما قد لحق بهم من كوارث .

واليوم، قد رحل عنا ذلك الرجل، التي اتسمت غالبية صفاته بقوة الغرور والوحشية، إلى جوار ربه خالق البشر، وخالق السماوات والأرض، بعد أن أثقلت كاهله بعض الامراض، واعتلال صحته، وكبر سنه، وارهاصات السنوات الطويلة، التي أمضاها يحث الخطى حاكما وحيدا، ومن دون أي منازع في السلطة، وهناك في رحاب هذا الجوار، سوف يتكشف رصيده في ممارسة السلطة والحكم لأكثر من أربعة عقود متتالية من الوقت، إن كان أهو رجل طيب أم شرر؟، وهناك أيضا سوف يواجه محكمة العدل الربانية، العادلة والصادقة والمنصفة والشفافة، والتي سوف يحاسب أمامها على جميع أفعاله وأعماله في الحياة العامة، وهي التي سيكون بيدها في النهاية القرار النهائي الأخير، بدخوله الجنة أم الجحيم، وليس هناك من مفر لقول الحقيقة وتأكيدها أمام الله تعالى، القاضي العادل والمنصف، والعالم بكل ذرة تتحرك وتجري على أسطح السماوات والأرض، وسيصدر في ختامها قرار الحكم على الرجل، وذلك بعد أن عجز الناس، وعجزت المحاكم البحرينية وغيرها عن مكاشفته ومحاسبته، بعد أن كان يمتلك هو وحده فقط مفاتيح الحكم وصنع القرارات في نطاق الدولة والمجتمع .

هاني الريس

14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020

Loading