ماهي الاسباب التي قضت على مشروع المصالحة بين المعارضة والحكومة في البحرين عام 1995؟

كيف دعمت الحكومة الكويتية السلطة البحرينية في صراعها مع المعارضة الوطنية، ولماذا فشلت الوساطة التي قام بها رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، لانهاء الصراع في البحرين، ولماذا تفجر اتفاق المصالحة بين السلطة وحركة أحرار البحرين ؟

في تقرير مفصل وموسع أعده، جون رايد المحلل السياسي، في هيئة الاذاعة البريطانية (لندن) في 5 نيسان/ ابريل 1995) تطرق فيه إلى تطورات الازمة البحرينية وتداعياتها على المنطقة، ودخول حكام الكويت على خط الازمة من أجل دعم أقربائهم حكام البحرين، قال التقرير: ينظر إلى الزيارة التي قام بها إلى البحرين وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الاحمد الصباح، في إطار كونها تعكس قلقا أقليميا متزايدا من استمرار الاجواء المضطربة في البحرين، ومع ذلك لم يتضح بعد بصورة كاملة، السبب الذي دفع بالكويت في هذه المرحلة وهي ليست جارة عربية قريبة للبحرين، إلى ارسال مسؤول رفيع المستوى إلى المنامة، ومن المفترض أن الزيارة تعكس ما تشعربه الدول الخمس الاعضاء الاخرى في مجلس التعاون الخليجي، من قلق عميق وإن لم تعبر عن ذلك بشكل علني من الوضع في البحرين، وتشعر المملكة السعودية بشكل خاص، بالقلق بكون الاضطرابات تركزت، في المناطق الشيعية المحيطة بالمنامة، من حيث أن السكان الشيعة فيها الذين يشكلون مجموعة كبيرة في الاقاليم الشرقية الغنية بالنفط والواقعة في مواجهة البحرين مباشرة، ويتم ارتباطهم بواسطة الجسر الرابط بين البحرين والاقاليم الشرقية في المملكة العربية السعودية، ولا شك أن الاضطرابات في البحرين ابرزت ما تشعر به الدول الخليجية العربية من قلق من شأنه دور نوايا الجمهورية الاسلامية في ايران، ومن غير الواضح تماما ما يعنيه العرض الكويتي، بتقديم الدعم المعنوي للبحرين في ازمتها الراهنة غير انه يعني افتراضا أن المنامة، يمكنها الاعتماد على دعم الكويت الدبلوماسي الواسع النطاق وعلى خطوات الدعم الاخرى من جارتها، ويبدو أن ما قدمته الكويت، كذلك من زيادة مساعداتها الاقتصادية للبحرين وهو اعتراف بأن بذور المشكلة التي تكمن وراء الاضطرابات المستمرة في البحرين تعود وبشكل واسع النطاق إلى عوامل اقتصادية، وقد برزت هذه المشكلات الاقتصادية بسبب ما تعانيه البحرين من مصاعب مالية تعود إلى تراجع الوضعية الاقتصادية العامة للصناعة الدولية للنفط، التي يعتمد عليها الازدهار الاقتصادي في البحرين إلى درجة كبيرة.

وفد برلماني كويتي يصل البحرين لدعم اجراءات السلطة ضد المعارضة.

وفي ذلك الوقت غادر وفدا برلمانيا يضم عشرة نواب كويتيين الى البحرين للتعبير عن مساندة مجلس الامة الكويتي للسلطة البحرينية، حول الاجراءات الامنية التي تتخذها ضد الحركة المطلبية، والتقى الوفد البرلماني، الذي كان يرأسه أمين سر مجلس الامة، طلال العيار، بحاكم البحرين عيسى بن سلمان آل خليفة، وعدد من كبار المسؤولين البحرينيين، من بينهم رئيس مجلس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، ووزير الداخلية محمد بن خليفة آل خليفة، وولي العهد وزير الدفاع حمد بن عيسى آل خليفة.

وقال النائب الكويتي، محمد المهمل، في تصريحات للصحفيين، أن الزيارة (تأتي في إطار التحرك لاحتواء أثار العريضة التي وقعها عدد من أعضاء مجلس الامة الكويتي (ثمانية نواب) ووجهوها للقيادة البحرينية، في كانون الاول/ ديسمبر 1996 ودعوا فيها إلى إعادة الديمقراطية والحياة البرلمانية في البحرين واطلاق سراح المعتقلين السياسيين البحرينيين، وعودة المبعدين والمنفيين.

واضاف العيار ( لايجوز لاي عضو في مجلس الامة الخوض في قضايا داخلية لاي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي، والمجلس يرفض أي تدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى.

وكان النائب الاسلامي عدنان عبد الصمد، قد إتهم السلطة البحرينية بأنها  (تتعامل مع شعبها بعقلية القرون الوسطى) وتمارس دورا تمييزيا ضد طائفة محددة من الطوائف البحرينية وهي الطائفة الشيعية التي تشكل الغالبية الساحقة في المجتمع، وقد جاء كلامه تعليقا على خبر نشرته صحيفة (السياسة) الكويتية، قبل يوم واحد من مغادرة الوفد، مفاده أن السلطات البحرينية منعت نائبا كويتيا لم تعلن اسمه، من زيارة البحرين، للوقوف على المشهد المتفجر في نطاق الساحة البحرينية، وتقصي الحقائق القائمة على أرض الواقع.

فشل محاولات الوساطة بين السلطة البحرينية والمعارضة التي كان بطلها رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين.

وفي غمرة التطورات السريعة للصراع السياسي بين السلطة البحرينية والمعارضة، ودخول البلاد في دوامة العنف والعنف المضاد الذي حصد أرواح العديد من الناس، وانسداد آفاق الحوار والمصالحة الوطنية بسبب تشدد جانبي الصراع، قام رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان، سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، بزيارة  خاصة إلى المملكة السعودية، وصفتها وسائل الاعلام السعودية بالتاريخية، وذلك في شهر أيلول/ سبتمبر 1996، وكانت بالاضافة إلى كونها رحلة ل (تأدية مناسك العمرة) تهدف للقيام بوساطة بين سلطة عائلة آل خليفة وقوى المعارضة البحرينية، عبر البوابة السعودية، وخلال تلك الزيارة القصيرة، التقى سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، كبار المسؤولين السعوديين، وفي مقدمتهم ولي العهد الامير عبدالله بن عبد العزيز آل سعود، والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الامير سلطان بن عبد العزيز آل سعود.

وتبادل معهم الحديث حول مختلف القضايا الساخنة المتعلقة بالوضع العربي بشكل عام، ولاسيما ” الوضع المؤسف والمأزوم ” القائم على الساحة البحرينية، مؤكدا لهم بأنه يقوم بمبادرة ” بمساع يمكن تسميتها وساطة ” وانه التقى شخصيات بحرينية ” سواء كانت (القيادات) المدنية أو الدينية الشيعية والسنية على حد سواء، وفي الوقت نفسه قام بمساع غير مباشرة مع كبار المسؤولين في حكومة البحرين، تتعلق بالشأن الداخلي البحريني، حيث تمر البلاد بمرحلة أمنية صعبة وخطيرة، موضحا أن مبادرته تهدف إلى عودة الامن والاستقرار والوحدة الوطنية في البحرين، وليست لاسباب أخرى، وذلك من خلال نقل المشكلة البحرينية، من  صيغة الجهة الامنية إلى صيغة الحوار السياسي المسؤول.

وفي لقاء موسع أجرته معه صحيفة ” الوسط ” السعودية، قال سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين: ” أنه يسعى لاصلاح ذات البين، بين أطراف الصراع في البحرين، بعد الانفجار الامني التي شهدته الساحة البحرينية، ونفى أن تكون المعارضة البحرينية، تتحفظ عن وساطة سعودية في الازمة البحرينية، مؤكدا أن ” هناك رغبة عميقة لدى قيادات المعارضة في الداخل والخارج، في لعب دور إيجابي وبناء للمملكة العربية السعودية في القيام بمساعيها لجمع الكلمة واصلاح  الاوضاع، ونقل الازمة من وضعها الامني الحالي والعنف والعنف المضاد إلى صيغة الحوار البناء والعقلاني ” والتي يجب أن تشارك فيه جميع أطراف الصراع في البحرين، وأضاف الشيخ شمس الدين :  أن موضوع البحرين كان ” حاضرا أثناء لقاءاتي المسؤولين السعوديين ولمست أهتمام قيادة المملكة بهذا الموضوع ” ولذا قد شعرت بالرغبة للقيام بدور الوساطة، ونأمل أن يحالفنا التوفيق ونصل إلى نهاية إيجابية لحل الازمة . .

وحول سؤال، هل من الضروري أن يكون للجمهورية الاسلامية الايرانية، دور في الوساطة، قال: ” هذا امر لا أستطيع القول أنه من الضرورة أو غير ذلك، فهو يعود إلى الجهات المعنية، ولكن من الضرورة أن يكون الوسيط محل ثقة عند الطرفين، والحصول على قبول حكومة البحرين وثقتها ضروري، واتمنى ان يكون لايران دور إيجابي في هذه الازمة “. وأضاف، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، أنه يهدف من خلال الوساطة أن : ” أن يعود الامن والاستقرار والوحدة الوطنية إلى مجتمع البحرين وليس لنا أي أسباب أخرى ” وذلك من خلال ” نقل المشكلة من صيغة الجهة الامنية إلى الحوار السياسي، كما الشأن في كل مجتمع ناضج، بصرف النظر هو ديمقراطي أو غير ديمقراطي حسب المفهوم الغربي للديمقراطية “، ورأى أن هناك نوعين للحوار المقترح هما الجانب السياسي والجانب الاجتماعي.

وتكتسب دعوة سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، إلى مسألة الحوار بين أطراف الصراع في البحرين، أهمية كبيرة لانها لم تكن إنجرارا وراء مواقف ومصالح أي طرف من هذه الاطراف، بل إنها جاءت لتعكس العديد من المخاوف على الاوضاع المتوترة  والمأزومة على الساحة البحرينية، التي تشهد تصعيدا مستمرا ونزف الدماء، لكن للاسف الشديد لم تستطع سلطة آل خليفة، بزعامة رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، بتكوين صورة واضحة عن حيثيات هذه الوساطة، وظلت تضع أمامها كافة العراقيل والمزاعم، التي أدت إلى فشلها، بعد أن وجهت الحكومة البحرينية انتقادات غير مباشرة إلى الوسيط، بإتهامه بالوقوف إلى جانب ” المعارضة الشيعية ” وبالتالي توظيف هذه الاتهامات في المعركة ضد المعارضة بتحركات مباشرة ضد مطالبها الوطنية المشروعة، ورفض الحكومة في إقامة حوار مع ” معارضة مدعومة من الخارج ” وبالتالي ظلت الازمة البحرينية مراوحة في مكانها، مع تصعيد في سياسات القمع والاستبداد، والتجاهل الكامل للارادة الشعبية، والمساعي الحميدة للقوى الاقليمية والدولية بشأن مبدأ الحوار المسؤول والمصالحة الوطنية، واحلال السلم والوئام في البحرين .

تفجير المصالحة بين المعارضة والسلطة 

وفي تلك الفترة كانت هناك اتفاقات أولية للمصالحة بين السلطة وحركة احرار البحرين الاسلامية جرت عبر وجهاء ورجال دين من الطائفة الشيعية، وبعضهم زار لندن للتباحث مع قيادة حركة احرار البحرين حول الترتيبات الاولية لعقد المصالحة، ولكن المهمة قد فشلت نتيجة تراجع السلطة البحرينية عن تعهداتها بتنفيذ نصوص الاتفاقات، والافراج عن جميع المعتقلين، وقال بيان لحركة احرار البحرين: ” لقد بدأ التوتر يعود مجددا للبلاد نتيجة ثلاث خطوات سلبية اقدمت عليها الحكومة لخصتها في مايلي :

أولا: اخطار مدير جامعة البحرين، بأمر من وزير التربية، عبدالعزيز الفاضل، الدكتورة منيرة فخرو بتوقيفها عن العمل، حتى “يبت ” في أمرها، وذلك في رسالة رسمية سلمت اليها شخصيا، وقد يؤدي البت في فصلها من العمل . وبهذا أصبحت الدكتورة منيرة فخرو ممنوعة من القاء محاضرات على طلبة الجامعة أو الحضور إلى مكتبها في الجامعة .

وكانت الدكتورة منيرة فخرو، قد شاركت في مؤتمر بكين للمراة المنعقد في جمهورية الصين الشعبية، مما أزعج ذلك الحكومة البحرينية التي ارسلت وفدا رسميا من بنات العائلة الحاكمة، وموظفات في وزارات مختلفة، كما أنها وقعت عريضة إلى جانب 200 شخص تطالب باعادة العمل بالدستور ورفع حالة الطوارىء، ووقف عمليات التعذيب، وكانت من ضمن الذين تينوا العريضة الشعبية التي تطالب باعادة الديمقراطية ووقع عليها 25 الف مواطن بين رجل وامرأة، ويبدوا أن ما دفع الحكومة إلى ايقاف الدكتورة فخرو على عمل محاضرة القتها عن اسباب الانتفاضة الشعبية في البحرين في ندوة اكاديمية في مدينة ميلانو الايطالية، وكانت الحكومة ايضا قد اقالت مجموعة من السيدات لانهن رفضن كتابة اعتذار عن مواقفهن الوطنية المطالبة بعودة الدستور من أمثال حصة الخميري وعزيزة البسام .

ثانيا: فشلت الحكومة في اطلاق العدد المتفق عليه بين السلطة والحركة، من السجناء مع قادة الانتفاضة الذين افرج عنهم مؤخرا، وبحسب هذا الاتفاق فقد كان على الحكومة الافراج عن 600 سجين سياسي مع الشيخ عبدالامير الجمري في موعد لا يتجاوز 30 أيلول/ سبتمبر، ولكنها لم تفرج إلا عن 200 معتقل إلى جانب الشيخ الجمري .

ثالثا: عودة الحكومة إلى فتح محاكمات للمعتقلين خلافا للاتفاق مع قادة الانتفاضة أمام محاكم أمن الدولة، وهناك الآن ثلاث قضايا أمام هذه المحاكم، يمثل في اثنتين منها شخصان ويمثل في الثالثة 12 شخص وتتلخص التهم الموجهة إلى المعتقلين في التظاهر وممارسة العمل السياسي .

وقال مراقبون متابعون للاوضاع في البحرين أن الهدوء النسبي الذي ساد البلاد على مدى شهرين من الوقت تعرض للانهيار والتوتر، حيث تعالت الاصوات مجددا مطالبة بالعودة إلى الانتفاضة كنتيجة لفشل اتفاق المصالحة الوطنية .

هاني الريس

14 تموز/ يوليو 2021

Loading