شاعر الشباب الأغر (يحيى حسن) وداعا..ومثواك الأخير في جنة الخلد

عاش مضظهدا عائليا، وكان مدافعا شرسا عن قيم ومثل الحرية والديمقراطية والإنسانية في الدنمارك، وحول العالم.

إذا كانت تساورك، خيالات كثيرة حول الشاعر الشاب، الدنماركي، والفلسطيني الأصل، يحيى حسن، الذي لقي حتفه، قبل عدة أيام، في ظروف غامضة، في بيته، وفي مسقط راسه بمدينة ارهوس، فإنك لست وحدك، فهناك الكثير غيرك ممن لم يتعرف على سيرة حياته القاسية والمؤلمة، إلا في السنوات الأخيرة، بعد ان نال شهرة تاريخية في الدنمارك، من خلال، قصائده الملهمة، التي نشرها في ديوان شعره الأول تحت عنوان( يحيى حسن ) والذي تحدث فيه عن مختلف صور الظلم والتعسف العائلي الشديد، والنفاق الإجتماعي والديني للمسلمين المقيمين في الدنمارك، والاحتيال على أنظمة وقوانين الدولة الدنماركية من قبلهم، بالرغم من تسترهم بعباءات الدين والشريعة الإسلامية.

▪حقائق يقينية عرت أوراق التين:
بعد تجربة حياة قاسية وعنيفة، عاشها الشاعر الشاب، يحيى حسن، في أحضان أسرته الفلسطينية اللاجئة، في الدنمارك، قبل انفصال والده عن والدته، و من ثم طلاقهما لبعضهم البعض، وهو لايزال، في سن السابعة من عمره، رأى من العجب العجاب ما لا يستطيع أن يراه أحد، من النفاق والدجل الظاهر والمستتر بإسم الدين، ونصوص وقواعد الشريعة الإسلامية، الذي ظل يمارسه والده، واخرين من أمثاله، الذين قدموا إلى الدنمارك في خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي، تحت ذريعة الاضطهاد السياسي والديني، في بلدانهم الاصلية، وحصلوا من بعدها على حق اللجوء السياسي في الدنمارك، كمضطهدين سياسيين، وعقائديين، وأن كل ما كانوا يتذرعون به من قيم ومثل وتقاليد الإسلام، هو عاري تماما عن الحقيقة والواقع والممارسة، ورأى عبر ما كان قد نشره في ديوان شعره الأول، الذي صدر في العام 2013، تحت عنوان ” يحيى حسن” وهو ما يزال في عمر الثامنة عشرة، وبيعت منه أكثر من 11 ألف نسخة في عموم الدنمارك في ذلك الوقت، أن غالبية المسلمين في الدنمارك، ومن بينهم والده، هم منافقين ودجالين ومحتالين على الأنظمة والقوانين العادلة والمنصفة، المعمول بها في البلاد، وأن غالبية أبنائهم وبناتهم يمارسون الفواحش من خلف الستار، وخلف الأضواء، وهم يحتمون بقوة القوانين الديمقراطية والحريات الشخصية والعامة المتوفرة في الدنمارك.

▪أصبحت مواقفه وشجاعته حديث الجميع:
اصبح الشاعر الراحل، يحيى حسن، فجأة شاعرا مشهورا، في الدنمارك، بعد مقابلة، أجرتها معه القناة التلفزيونية الدنماركية الاولى، كشف خلالها، عن جميع المظالم، التي طالت حياته في ظل الرعاية الأبوية القاسية والظالمة، التي حرمته من التمتع ببراءة طفولته، وبالتالي اندماجه الحقيقي والفعلي في المجتمع الدنماركي الأصيل، والمؤمن بجميع الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وركوبه فيما بعد موجة الجريمة، وعالم السرقة والمخدرات، كما يفعل غيره من أبناء جيله التائه في بحر العذابات والاضطهاد، بسبب التربية الأبوية الطبقية القاسية والمتهورة، والظالمة، وقال في هذه المقابلة المتلفزة: ” إن جيل والده، من الرجال المتخلفين، والعاطلين عن الفكر والعمل، هم وحدهم من يخلق المشاكل والأزمات، التي يواجهها أبناء جيله من الشباب الأجانب في الدنمارك، لأنهم سعوا لتربيتهم، على فكرة أن من لا يشبههم، ولا يعجبهم، ولا يتبع معتقداتهم، فهو كافر، ويجب معاداته ومحاربيه، ولذلك نجد الآن جيلا كاملا من الأجانب السيئين، الذين لا يعرفون كيف يعيشون الحياة الحرة، ولا يعترفون بالمطلق بتقاليد وقيم ومثل المجتمع الدنماركي الأصيل، والمتسامح في كل شيء.

واضاف: ” في تصوري، أن الإسلام بصورته الراهنة، يحتوي على الكثير من العدائية للآخرين، وهناك فاصل حاد بين المؤمنين وغير المؤمنين، وهذا الدين في اعتقادي، هو المسؤول الأول والأخير، عن انعدام التفاعل الحقيقي والجوهري، مع المجتمع الاخر، ومع الأنسان المختلف، وبالنسبة، للإسلام فإن كل الآخرين على خطأ وهم أقل قيمة انسانية “.

▪37 الف نسخة من ديوان شعره الأول نفذت في الأسواق:
وبعد هذه المقابلة، الصريحة الواضحة، اصبح الشاعر الراحل يحيى حسن، محور سجال ساخن، في الإعلام الدنماركي، فالبعض قد رأى فيه، بأنه أصبح مثلا يحتذى، والبعض الآخر، رأى بأنه ينشر الغسيل القذر امام الناس، ويستغل مشاعر العداء للمسلمين، وإلى الإسلام، من اجل اكتساب الشهرة في الدنمارك، وهذا الجدل حول الموقف، أدى الى تلقيه أكثر من 27 رسالة تهديد من المسلمين المتشددين، تتوعده بالقصاص، وفي نفس الوقت، زادت نسبة مبيعات ديوانه الشعري الأول( يحيى حسن ) بشكل واسع النطاق، حتى أنها بلغت، أكثر من 37 ألف نسخة، في عموم الدنمارك.

وساهمت، دار النشر الدنماركية، التي طبعت ديوان الشعر، في زيادة سوء التفاهم من خلال تقديمها للشاعر الشاب، كمحطم للتابوهات، وكانت أول مقابلة صحفية له مع صحيفة ( بوليتكنك ) اليسارية الليبرالية، وواسعة الإنتشار في الدنمارك، وأثارت الكثير من الجدل الحاد، إذ كانت بمثابة الهجوم الشرس، على الجيل الأول من المهاجرين المسلمين، في الدنمارك، وتحملهم مسؤولية تربيتهم الخاطئة لأبنائهم.

▪رفض تطرف الإسلاميين، واليمينيين المتشددين على حد سواء:
وقال الشاعر الراحل يحيى حسن، خلال المقابلة الصحفية: ” نحن الذين نترك المدرسة، ونتوجه إلى الإجرام، ونصبح عديمي الجدوى، ليس بسبب نظام الدولة الاجتماعي والاقتصادي الممتاز، والعادل والمنصف، بل بسبب التربية الأبوية الخاطئة والفاشلة، وقد قلل الشاعر الشاب، من جميع الأعذار، التي يلجأ إليها، المهاجرين واللاجئين في الدنمارك، او في مجتمعات اخرى، لتبرير فشلهم فى الاندماج الحقيقي والجوهري، وكما أنه كان يرفض تطرف الاسلامويين، وينبذه، كان ايضا يرفض تشدد اليمينيين العنصريين، ضد رأي الآخر، إذ كان يصف، كلا المجموعتين بأنهما ( ظاهرتان لمتطرفين ومتشددين، يرغبون في وضع المجتمع كرهينة تحت قبضتهم ).

▪المثوى الأخير :
رحل الشاعر الشاب، يحيى حسن، إلى جوار ربه راضيا مرضيا، عن عمر ناهز ” 24 عاما ” في مثواه الأخير، وإلى جنة الخلد، حيث رويي جثمانه الثرى، يوم الثلاثاء 5 أيار/ مايو 2020، في مقبرة المسلمين في ” فيستري كير كجارد” في مدينة ارهوس، مسقط رأسه، والتي قد شهدت مآسي طفولته وصباه، وذلك بحضور المئات من المشيعين، الذين ادرفوا الدموع ونثروا الورود والزهور على القبر، وحملوا معهم أيضا علم فلسطين الخالدة، الذي رفرف في ذلك اليوم، في عنان سماء هذه المقبرة، حيث استغلوا سماح قانون الطوارئ الصحي في الدنمارك، الذي يستثني دفن الموتى، بالمشاركة الواسعة، في ظل أزمة وباء كورونا في الدنمارك.

▪اعتراف بالجميل:
وبعد سماع نبأ رحيل شاعر الشباب الأغر يحيى حسن، تواردت على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، كلمات الثناء، والرثاء، والتعزية، من جميع أصدقائه، وإخوته ومحبيه، وعشاق قصائد شعره، وفي هذه المناسبة، رثته زعيمة حزب الشعب الإشتراكي اليساري، بيا اولسن داهر، على صفحتها في ” الفيس بوك ” تقول: ” رحلة أخيرة سعيدة، شكرا لك على قصائدك، شكرا لك على شجاعتك، لقد فتحت اعيننا، والهمتنا باقوالك الصادقة حول الوحشية الأبوية، التي عانيتها في تربيتك وحياتك، أفكاري تذهب اليوم إلى عائلتك لمواساتها برحيلك، أنه وقت صعب، وأنه وقت مأساوي من أن ينتهي بك الأمر هكذا “.
رحم ألله الراحل من بيننا شاعر الشباب، وصاحب الرأي الحر والشجاع، يحيى حسن، واسكنه في جنة الخلد مع الصالحين والابرار.

هاني الريس
6 أيار/ مايو 2020

Loading