واشنطن ولندن… الأمن وخرق الحريات

قررت السلطات الأمنية في كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة البريطانية وبلدان أخرى في القارة الأوروبية، المضي قدما في تطبيق الإجراءات الأمنية المشددة والصارمة، الخاصة بركاب رحلات الطيران المتجهة إلى هذين البلدين، من دول ومناطق عالمية كثيرة، أهمها نيجيريا والسعودية واليمن وباكستان وأفغانستان، حيث ستُخضع أميركا رعايا كل هذه الدول إلى عمليات تفتيش دقيق وإلزامي، في ما يمكن وصفه «انتهاكا صارخا للخصوصيات الشخصية» التي شدّدت عليها الدساتير الوطنية والمعاهدات والتشريعات المكرّسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .

فهذه البلدان، التي مازالت تترنح من تداعيات أعنف عمليات ما يسمى «الإرهاب» التي تسببت في إزهاق أرواح آلاف الأبرياء، تحاول اليوم بذريعة ضمانة الأمن والاستقرار، أن تبتكر أحدث الأساليب والأجهزة القمعية الأكثر تشددا في مواجهة المبادئ الثابتة للحرية الشخصية، وتنتهك حقوقا كانت قد تعهدت في دساتيرها وفي مختلف المعاهدات والبرتوكولات الدولية باحترامها وصيانتها والدفاع عنها .

وعلى الرغم مما أثارته هذه المسألة الإنسانية في أوساط المؤسسات الوطنية والمنظمات الحقوقية الدولية، حيث ندد كثيرون بالإجراءات الأمنية الدقيقة والصارمة التي فرضتها السلطات الأمنية والاستخبارية الأميركية على المسافرين عبر الرحلات المتجهة إلى الولايات المتحدة، بعد ما قيل عن إحباط «المحاولة الإرهابية» التي قام بها المواطن النيجيري عمر فاروق عبد المطلب، لتفجير طائرة نورثويست الأميركية المسافرة من مطار أمستردام إلى ديترويت عشية الاحتفالات بعيد الميلاد، وقيام السلطات البريطانية التي هي أيضا تعاني من مشكلات شبيهة، بإدخال أجهزة المسح الضوئي المتطورة في مطاراتها لمنع المشتبه فيهم من اختراق أمن المطارات البريطانية وخطف الطائرات وتفجيرها، بوصفه تصرف «يبعث الشعور بالقلق» وانتهاك صارخ للحريات والحقوق الشخصية، التي كفلتها جميع المواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، تصر كل من واشنطن ولندن، على القول بأن مثل هذه الإجراءات يجب أن تتم وبصورة أكثر صرامة من السنوات السابقة، لمواجهة التكتيكات والأساليب الجديدة للإرهاب الدولي، الذي أخذ يتمدد بشكل مخيف في أنحاء واسعة من العالم خلال السنوات الأخيرة من دون أن تقتصر مآسيه على أحد، حيث إن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأميركية في أعقاب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2000، التي تطلبت أخذ بصمات جميع الأجانب المسافرين في المطارات الأميركية وتصويرهم ووضعهم في قاعدة بيانات خاصة، وقيام الأجهزة الأمنية البريطانية بربط شبكات هائلة من كاميرات المراقبة الدقيقة في مختلف المواقع الرسمية والأهلية الحسّاسة والمدارس والجامعات ومحطات قطار الأنفاق، التي ظلت واضحة أمام الجميع، لم تستطع بحال من الأحوال أن تحقق أهدافها، أو حتى تستطيع أن تفك رموز الأساليب والأفكار التي يخطط لها ويتمسك بها بشدة «الإرهابيون» المدربون جيدا على فنون عمليات «الإرهاب» والحرص على تطبيق «فتاوى الجهاد» التي تقودها حركات إسلامية متشددة حول العالم .

وتعتبر كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة البريطانية، أكبر دولتين في العالم يتعرضان للتهديد بأعمال «إرهابية» نتيجة مواقفهما ودعمهما السياسي والعسكري للكيان الصهيوني والأنظمة السياسية القمعية الأخرى، التي تحارب المنظمات الجهادية وتقطع عليها الطريق لتحقيق حلمها بإقامة أنظمتها الإسلامية، وقد عانت الدولتان من مرارة التهديدات والهجمات الإرهابية المنظمة التي أودت بحياة الكثير من الأبرياء وتسببت في تدمير منشآت ومؤسسات ومبانٍ عديدة، ولكن بالرغم من الذعر الذي تعاني منه العاصمتان بسبب قضايا «الإرهاب» لا تجد المنظمات الحقوقية الدولية وجود مبررات بهذه القوة والصرامة، التي تنتهك خصوصيات الناس من أجناس معينة يشتبه بضلوعهم في تهديد الأمن القومي، بموجب تقنيات متطورة جدا تظهر «جميع مفاتن الإنسان المحرمة»، والتلويح باستخدام أدوات أكثر تشددا بذريعة ضمان عدم اختراق الأنظمة الأمنية وسرعة اكتشاف العمليات التي يمكن أن تهدد الأمن والاستقرار، والتي لا يمكن النظر إليها سوى إنها «رسائل تثير القلق» بصدمات مؤلمة لجميع المسافرين المتجهين إلى مطارات الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وتفتح المجال للمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان

Loading