الأقليات القومية في أوروبا… عنصرية وضرورة وجود

أشار تقرير لمؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان التابعة للاتحاد الأوروبي، إلى حدوث تطورات مقلقة وخطيرة في أجواء الديمقراطية وحقوق الإنسان، بالنسبة للأقليات القومية والعرقية ومعتنقي الأديان السماوية حول العالم.

وذكر تقرير المؤسسة الذي صدر قبل عدة شهور، أن الأقليات القومية والاثنية والعرقية ومعتنقي الأديان السماوية، يتعرضون في هذا الوقت إلى هجمة شرسة من الحقد والكراهية، من قبل مجموعات عنصرية وشوفينية معادية للمهاجرين في أوروبا، وإلى ارتفاع مخيف في نسبة الجرائم وأعمال العنف المتسمة بالتطرف الأعمى والتمييز والعنف ضد الأجانب.

وأضاف التقرير: «أن الأفراد والجماعات المعادية للأجانب، تواصل استخدام كافة السبل التحريضية، بما في ذلك شبكات الإنترنت للتعبير عن وجهات نظر سياسية وعقائدية وعنصرية ونازية جديدة، بهدف ترويج وتعميم الكراهية والعنف ضد المهاجرين في أوروبا».

واتهم التقرير، أعدادا كبيرة من المسئولين الحكوميين وقادة أحزاب سياسية متطرفة، بالوقوف خلف الجماعات المعادية للأجانب، والسعي لتوظيف قواعدها الشعبية للترويج لمبادئها وتوجهاتها ونشر أفكارها العنصرية.

وهذا ما كان يفسر بالضبط، انتصار اليمين المتطرف، في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة للعام 2009، حيث حققت الأحزاب المناهضة للمهاجرين، في الدنمارك وهولندا والنمسا وبريطانيا وسلوفاكيا والمجر، مكاسب كبيرة، في عدد أصوات الناخبين والمقاعد البرلمانية على حساب الأحزاب والقوى الداعمة للأقليات الأجنبية والمدافعة عن همومها.

إلى ذلك أعربت، تقارير أوروبية عن قلقها لما كانت تؤكد عليه المعلومات الرسمية والأهلية، حول تزايد حوادث العنف والتمييز العنصري وانبعاث النازية الجديدة في معظم دول القارة الأوروبية، بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن تفاقم الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها السلبية على السياسات العامة في البلدان الـ 56 التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبية، حيث أشارت معظم التقارير، إلى استمرار تضاعف الهجمات العنيفة على المهاجرين والعمال حتى ضد مواطني أوروبا الشرقية الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي، وأصبحت اليوم تشكل عنصرا رئيسيا جديدا، في سجلات جرائم الكراهية والعنف، وبخاصة في المملكة المتحدة البريطانية وايرلندا الشمالية واسكتلندا وإيطاليا وفرنسا ضد العمال البولنديين والرومان والبلغار وغيرهم من دول ماكان يعرف سابقا بالمعسكر الاشتراكي الشيوعي، حيث تتلقى مراكز الشرطة والأمن الوطني في هذه الدول شكاوى يومية حول عمليات السطو والتهديد والعنف واحيانا القتل غير المبرر، ضد الأجانب.

ولكن على الرغم من تصاعد موجات الكراهية والعنف ضد المهاجرين، تشعر معظم حكومات الغرب، بأنها قادرة على التقليل من المخاطر المحدقة بأوضاع وحياة المهاجرين الأجانب، وأنها بحاجة ماسة إلى توافد مهاجرين جدد، إلى أوروبا لتشكيل مرتكز بديل للنقص المتزايد في عدد المواليد وفي التضخم الملفت لأعداد الحاصلين على معاش التقاعد الطبيعي أو المبكر، والحفاظ على التوازن الاقتصادي والديمغرافي، بين دول القارة الأوروبية، فالأقليات الأجنبية المتزايدة في القارة الأوروبية تحتل اليوم موقعا حساسا في التوازن الجغرافي والاقتصادي الذي بات يقلق معظم دول الاتحاد.

فمن دون توافد المهاجرين والعمال الأجانب إلى أوروبا، بحسب إحدى دراسات المعهد الأوروبي للإحصاء، فإن الكثافة السكانية لدول الاتحاد، سوف تشهد خللا سكانيا ستكون له عواقب وخيمة على مستقبل الاتحاد الأوروبي وأمنه واستقراره، تقول الدراسة: «إن معدلات الولادة والوفيات في أوروبا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لم تتجاوز نسبة 21 بالمئة من حجم الزيادة المسجلة على عدد السكان، بينما قرابة 80 بالمئة من هذه الزيادة تعود إلى تنامي موجات الهجرة والأيدي العاملة الرخيصة من بلدان الشرق الأوسط وشرق أوروبا، حيث تتراجع نسبة المواليد في مجمل دول الاتحاد ولم يسجل منذ العام 2007، سوى نسبة صفر وخمسة من عشرة في المائة، فيما سجلت الهجرة الأجنبية نحو 2 مليون نسمة في الفترة ذاتها.

ومنذ العام 1992، تشير الإحصاءات الرسمية الأوروبية، إلى أن مساهمة المهاجرين والعمال الأجانب تسجل ارتفاعا مطردا في الكثافة السكانية تفوق مساهمة الأوروبيين أنفسهم في المجال نفسه، ويتجاوز تقديرات مجمل المعطيات والمؤشرات التي توحي بتغييرات البنى الديمغرافية والتوازنات الاقتصادية الأوروبية التي تسعى دول الاتحاد لتذليلها ومعرفة ضروراتها، في ظل تزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي لا قدرة لبعض الدول الأوروبية في تحمل أعبائها، ويجعل حلها في غاية الصعوبة بالنسبة للدول التي لايزال اقتصادها يترنح أمام تلاحق، ضربات الأزمة المالية العالمية.

Loading