الصين… وحقوق الإنسان

على الرغم من أن الصين، قد تخلصت من مختلف أنماط التخطيط المركزي التقليدي، الذي كان في المراحل السابقة، يشكل عقبة في مجالات مهمة، على طريق التنمية والإصلاح الاقتصادي، إلى ما كانت تصفه الدولة بـ «اقتصاد السوق الاشتراكي» البديل عن التخطيط المركزي، الذي يهدف بصفة شاملة لتوسعة قضايا الإصلاح وحشد الطاقات والموارد الاجتماعية البناءة، كما ورد في الدستور المعدل للحزب الشيوعي الصيني المجاز في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1992، والذي أوصل البلاد، إلى أن تصبح واحدة من عمالقة الاقتصاد في القارة الآسيوية وعلى مستوى العالم، على الرغم من وجود أعداد هائلة من الشعب الصيني لاتزال تعيش تحت خط الفقر، ولاسيما في أقاليم تعتبر ثرية بمواردها الطبيعية وصناعاتها الحيوية مثل إقليم شينغ يانغ، الذي حدثت فيه اضطرابات دامية، على خلفية المطالب القومية والثقافية والتوزيع العادل للثروة الوطنية، حيث توجد هناك فجوات كبيرة وتتزايد بشكل مستمر، في مستوى الازدهار الاقتصادي والاجتماعي، بين أقاليم الصين الساحلية الغنية وأقاليمها الداخلية، التي تعاني الكثير من التهميش والبطالة والركود في معدلات النمو الاقتصادي والتنمية البشرية.

وعلى رغم كل هذه التغيرات الثورية، التي خلصت البلاد من البيروقراطية المفرطة وحققت الكثير من المعجزات الاقتصادية المهمة، والتي غدت طوال العقود الماضية، من عمر الثورة الاشتراكية العمالية، عائقا في وجه التقدم التقني العام وتحديات المنافسة على صعيد الاقتصاد الدولي، ودفعت باقتصاد البلاد في الوقت الراهن نحو التفوق الكبير على اقتصاديات الكثير من الدول الكبرى في العالم، التي تتوق اليوم للدخول في السوق الصيني من أوسع الأبواب نظرا لتنوع الصناعات الصينية الجيدة ورخص ثمنها، وبرغم تركيز المسئولين الصينيين، على القول إن الصين التي تجمع فسيفساء أكثر من مليار ونصف المليار من البشر، وتتمتع بتنوع ثقافي مذهل هي «عائلة واحدة موحدة» يحميها ويصونها نظام الحكم الاشتراكي العادل، الذي يمنح كل المواطنين على قدم المساواة كافة الحقوق والواجبات الوطنية العامة، فان الصين لم تعد قادرة كما هو في الاقتصاد، أن تكرس النجاح الواضح والشامل في النظام السياسي الديمقراطي والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، فالمركزية السياسية التي تأصلت منذ قيام الثورة الفلاحية الماوية، لا تزال يدها مطلقة في رسم سياسات الدولة الشيوعية الصارمة في كل شيء، وحريات التعبير والتجمعات لاتزال مقموعة بقوة الحديد والنار، وأما التعددية السياسية وتداول السلطة والحقوق المدنية وحرية الصحافة، فإنها تبقى من المحرمات، في ظل نظام شمولي واحد يرفض المشاركة والمنافسة، ويتوعد بإنزال جيوشه العملاقة المدربة على العقيدة الشيوعية الصارمة لسحق المعارضين والمطالبين بأبسط حقوق المواطنة المشروعة، وتهديد قادتهم بأحكام الإعدام.

وفي نفس الوقت الذي ستكون فيه الصين، قادرة على مواجهة التحديات والتغلب عليها، والعيش في ظل الاستقرار الاقتصادي، الذي سيوفر لها مواصلة الاستمرار في تحقيق معدلات النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، ستبقى بحسب المراقبين، تواجه مشكلات كبيرة وحساسة على مستوى المطالب القومية والعرقية والاثنية ومجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي أخذت تشتد ضراوة في هذا الوقت بالذات، بسبب العولمة والتغييرات الإصلاحية التي شملت معظم الأنظمة السياسية الاستبدادية القمعية في العالم برمته، وحفزت الشعوب المضطهدة على القيام بـ «ثورات مخملية» للمطالبة بحقوقها.

وبحسب المراقبين، فان الحزب الشيوعي الصيني، الذي أعتاد منذ زمن بعيد على ممارسة الأساليب الاستبدادية وسفك الدماء للحفاظ على هيبة الحزب في السلطة والحكم، يتعسر عليه تغيير سياسات الأمر الواقع، التي أنهكت قوى غالبية الشعب، لصالح السماح بالحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان وتمتع القوميات العرقية والاثنية بحقوقها وثقافاتها الأصيلة، والدليل على كل ذلك ما حصل بالأمس في ساحة تيان ان (1989) حيث سحقت الانتفاضة الطلابية المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن بعدها إقليم التبت ذو الأغلبية البوذية وما هو حاصل اليوم، في إقليم شينغ يانغ، ضد القومية الأيغورية المسلمة، التي تعد ثاني أكبر عشر قوميات رئيسية في الصين (نحو 8 ملايين و400 ألف نسمة بحسب إحصاءات العام 2000) التي خرجت إلى الشوارع، تطالب بحقوقها التي حرمت منها على مدى أكثر من 60 سنة متواصلة، رغم مساهماتها الواضحة في تطوير اقتصاد الإقليم، وانصهار معظم أبنائها في جسم الحزب الشيوعي الصيني، ودفعت ثمن ذلك بمقتل 184 شخصا، واعتقال أكثر من 1500 عضو من أبنائها بحسب المصادر الرسمية، ممن شاركوا في الاحتجاجات المطلبية الأخيرة.

Loading