الإسلام… يثير قلقا في النرويج

التحذيرات التي أطلقتها زعيمة حزب التقدم النرويجي (ثاني أحزاب المعارضة في البلاد) سيف يانسن، في كلمتها أمام المؤتمر السنوي العام للحزب الذي يعقد قبل إجراء الانتخابات التشريعية في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، بشأن ما وصفته بـ «الزحف الإسلامي الداهم على كيان الدولة النرويجية»، أطلق جدلا واسعا بين الأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها ومنظمات المجتمع المدني، وأثارت حساسيات ومشاعر غاضبة من قبل الأقليات القومية والعرقية التي أصبحت منذ عدة عقود إحدى العناصر الفاعلة في تشكيلة المجتمع النرويجي.

قيل الكثير في موضوع تنامي المهاجرين واللاجئين لأسباب سياسية وإنسانية، من مناطق ودول عربية وإسلامية كثيرة، في المملكة النرويجية خلال السنوات الأخيرة، فتحدث البعض عن قلقهم من وجود عناصر غريبة في جسم المجتمع الأصلي، يمكن لها على المدى الراهن والمستقبلي أن تؤثر على علاقة الانسجام والتعايش المشترك بين مختلف القوميات العرقية والإثنية، فيما يرى البعض الآخر، أن التنوع الاجتماعي والثقافي والعقائدي، الذي ترفده القوميات المهاجرة، يمكن أن يشكل مكسبا للبلاد، لأن المهاجرين واللاجئين منذ أمد بعيد قد أثروا النرويج بثقافات متعددة وعادات وتقاليد جديدة، لم يتعرف عليها المجتمع قبل ظهور هذا التنوع الاجتماعي.

لكن ما قالته سيف يانسن، من أن البعض يسعى الآن وبكل وسيلة ممكنة، إلى فرض أمر واقع على الحياة السياسية والاجتماعية والعقائدية في النرويج، من خلال طموحات بعض القوى الإسلامية، التي أخذت في الفترة الأخيرة ترفع شعارات «أسلمة النرويج»، وتطرح بعض المطالب المتعلقة بتعميم مناهج الشريعة الإسلامية في بعض المناطق ذات الكثافة السكانية الإسلامية، وارتداء الحجاب، وتوفير اللحم الحلال الخاص للنزلاء المسلمين في سجون النرويج، هو الأعنف في تاريخ البلاد، منذ فتح أبواب الهجرة واللجوء السياسي، في منتصف القرن الماضي.

ومنذ صدور دستور النرويج في العام 1905، الذي أكد على احترام الديمقراطية والتعددية وحق الأقليات العرقية والإثنية في التمتع بامتيازات وقوانين المجتمع، وحتى اللحظة الراهنة، لم يستطع أحدٌ من السياسيين حتى من أشدهم عنصرية وشوفينية، أن يجاهر بالقول، إن هناك من المسلمين من يحاول أن يفرض الإسلام في البلاد، مثل ما صارت تجاهر به اليوم زعيمة حزب التقدم.

لقد بالغت سيف يانسن، في تصريحاتها النارية ضد الجاليات الإسلامية، متجاهلة بذلك ردود الأفعال ونصوص دستور النرويج التي تؤكد على المساواة وتعدد الثقافات والحريات الاجتماعية والدينية، ولم تقدر خطورة هذه التصريحات وأبعادها السلبية، التي يمكن أن تلحق أضرارا بالغة بمستويات العلاقة والانسجام الاجتماعي التعددي داخل المجتمع النرويجي.

وإذا كانت سيف يانسن، الذي يحظى حزبها (التقدمي) بقاعدة جماهيرية واسعة في صفوف المعارضة، قد استغلت هذه المناسبة لإبقاء الأضواء مسلطة عليها وعلى حزبها للفوز في السباق الانتخابي المقبل، فهذا لا يعني أنها تستطيع تغيير الواقع السياسي والاجتماعي المعاش في البلاد، والذي تحميه قوانين وأنظمة ديمقراطية ودستورية عريقة، أو أن تقنع أحدا بأن المسلمين في النرويج الذين لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة جدا بين الأقليات المتعددة في البلاد، يستطيعون هم أيضا أن يغيّروا هذا الواقع المتأصل، في جذور الديمقراطية النرويجية.

غالبية الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية والدينية، استهجنت تصريحات زعيمة حزب «التقدم» اليميني، وقالت إن هذه التصريحات التي تهدف منها تحقيق مكاسب انتخابية صرفة، من شأنها أن تفصم العلاقة الحميمية في صورة التعايش السلمي بين مختلف القوميات في البلاد، حيث بدأ البعض يتخوّف من تراجع بعض الحريات نتيجة ذلك التشدّد.

الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، ليست وحدها من انتقد هذه التصريحات، ودافع عن حريات الرأي والمعتقدات الدينية في البلاد، فالملك هارلد الخامس نفسه، قد دافع في خطابه الأخير بمناسبة السنة الميلادية (2009) عن كل القيم الديمقراطية والإنسانية التي يفتخر بها الحكم البرلماني الدستوري في النرويج، وقال: «إن المجتمع النرويجي بطبيعته مجتمع متسامح، ويرفض التعامل مع الآخر على أساس اللون أو اللغة أو الدين»، وشدّد على أن المجتمع يرفض بقوة استغلال البعض لحريات التعبير من أجل انتهاك حقوق الآخر.

إن ما يمكن قوله في هذا الشأن، هو أن سيف يانسن، على رغم هذه التحذيرات، التي حاولت أن تدغدغ بها مشاعر البعض وخصوصا من القوميين المتعصبين، لم تستطع أن تدفع بحزبها نحو تحقيق انتصارات باهرة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بل على العكس، يمكن أن تؤثر هذه التصريحات في تراجع موقع الحزب، الذي بدأ فعلا يفقد بريقه بين بعض أنصاره، في مناطق مختلفة من البلاد نتيجة ذلك

Loading