العنف ضد النساء… وباء عالمي

ليس هناك أكثر من الدعوات المطالبة بتحرير المرأة من قيود الأنظمة والقوانين الضاغطة على حياتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية ومساواتها بالرجل في مختلف هذه الميادين، وليس هناك أكثر من المعاهدات والمواثيق الدولية التي تدعو المجتمعات والحكومات إلى مواجهة مظاهر العنف ضد المرأة أو إساءة معاملتها خلال حياتها اليومية، ولكن على رغم تعدد هذه الدعوات والمناشدات التي تحث المجتمعات والأنظمة السياسية حول العالم على منع العنف المستمر ضد المرأة وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة والكفيلة بمنع كل هذه المظاهر أو استئصالها بشكل حاسم ونهائي، فإن موقع المرأة في الحياة العامة ومساواتها مع الرجل في مختلف مناحي الحياة لايزال يتعرض لأسباب القهر والتهميش والتعسف، إن في مستوى التعليم أو العمل أو السياسة والاقتصاد، بل وفي أحيان كثيرة يستخدم ضدها الإكراه والعنف غير المبرر، من أجل إرغامها على ممارسة أمور تتعدى أخلاقياتها ومشاعرها وطاقاتها الإنسانية.

ونظرا إلى المعاناة القاسية التي كانت تتعرض لها النساء منذ أقدم العصور وحتى الآن، وللتأكيد على أن حقوق النساء تبقى جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان، أعلنت الأمم المتحدة في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول، من كل عام، يوما عالميا لمناهضة العنف ضد المرأة، فقد ذكر تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2007، تحت عنوان: «حالة حقوق الإنسان في العالم/ أوقفوا العنف ضد النساء»، إن امرأة واحدة على الأقل من أصل ثلاث تتعرض للعنف، وهو ما يصل مجموعه إلى قرابة مليار امرأة حول العالم، وأن صنوف العنف ضد النساء تشمل الضرب أو الإكراه لممارسة الجنس أو الأذى أو التحرش الجنسي، كما تتعرض أكثر من 135 مليون امرأة أو فتاة لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، وتتعرض أكثر من مليوني امرأة إضافية لمثل هذا الخطر كل عام، وأكثر من 130 مليون امرأة يتعرضن لتشويهات جنينية متعددة، وأعداد هائلة من نساء العالم تتم المتاجرة بهن في أسواق الدعارة والرق الأبيض.

وتشير تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية إلى أن جرائم العنف ضد النساء، هي جرائم قديمة قدم التاريخ نفسه، حيث تتم عمليات وأد النساء واستعبادهن في مجتمعات كثيرة، وهي لا تقتصر على منطقة أو بلد أو عادات أو تقاليد أو ثقافة معينة، بل إنها أصبحت ظاهرة عالمية فمن الولايات المتحدة الأميركية إلى الغرب ومن الشمال والجنوب والشرق تسود كل مظاهر العنف ضد المرأة، فيجدها المرء تمارس بشكل قاطع وتعسفي حتى في تلك البلدان التي كرست أنظمتها وقوانينها ودساتيرها لخدمة قضايا المرأة ومنع استمرار التمييز ضدها، حيث لم يستثن بلد أو منطقة من مناطق العالم من مظاهر العنف والتحرش الجنسي ضد النساء، سواء في المجتمعات الشرقية التي تتصدى دائما لمختلف مظاهر تحرير المرأة من قيود التخلف والجهل، وتتجاهل الكثير من القوانين والتشريعات التي يمكن أن تنتصر لحياة المرأة في المجتمع، أو في المجتمعات الغربية التي شقت طريق تحرير المرأة ومساواتها بالرجل منذ عدة عقود من الزمن، فإن الأمر سيان بينهم، في ما يتعلق بهذه الممارسات العنيفة، ففي بعض البلدان التي تعتبر رائدة في مجالات حماية المرأة وتحررها، مثل السويد والدنمارك والنرويج وفرنسا وفنلندا، ترتكب هناك سلوكيات مشينة بحق النساء يتعرضن خلالها لمختلف صنوف العنف والاغتصاب والقهر النفسي، ففي دراسة موسعة نشرها المعهد النرويجي للبحوث المدنية والإقليمية، تضمنت عددا من الإحصاءات حول العنف ضد المرأة، أشارت الدراسة إلى أن واحدة من كل أربع نساء نرويجيات تتعرضن للعنف الأسري في حياتها اليومية، وأن عشرين ألف امرأة على الأقل سنويا، تتعرض للعنف أو التهديد باستخدام العنف من جانب شخص مشترك معهن في شراكة حميمة، وأن نحو ثمانية ألاف امرأة من مختلف الأعمار يقعن فريسة للاغتصاب الجنسي.

وبحسب نتائج الاستطلاع الذي نشر في النرويج خلال العام 2007، قال نصف الرجال النرويجيين إن المرأة نفسها مسئولة جزئيا عن تعرضها للاعتداء إذا كانت على علاقة بأكثر من رجل، وإنهم يعتبرون المرأة المبتذلة التي تستعرض مفاتنها مسئولة عن أي اعتداء جنسي قد تتعرض له.

وفي فرنسا كشف التقرير الصادر عن المرصد الدولي للجنوح في فرنسا للعامين 2006- 2007، إن عدد النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب الجنسي خلال تلك الفترة بلغ قرابة 130 ألف امرأة، وأن أكثر من 420 امرأة اعترفن للأجهزة الأمنية عن تعرضهن للعنف الجسدي والنفسي من قبل أزواجهن الجدد أو السابقين، وتسببت حالات العنف المنزلي في عموم فرنسا بمقتل 167 امرأة في العام 2007، بزيادة 30 في المئة عن العام 2006، حسب المصادر الحكومية الرسمية، وبحسب المصادر ذاتها، لقيت 137 امرأة فرنسية حتفهن جراء الضرب المبرح في العام 2006.

وفي الولايات المتحدة الأميركية، كشفت تقارير صادرة عن مؤسسات حقوقية من بينها منظمة هيومن رايتس الدولية، عن تنامي مظاهر العنف ضد النساء في مختلف مواقع العمل، وبشكل خاص في مؤسسات الدولة الرسمية، مع بروز مختلف مظاهر العنصرية بين السود والملونين، وتفيد بعض المعلومات، نقلا عن ضباط في هيئة العمليات بوكالة المخابرات المركزية الأميركية، أن أعدادا كبيرة من ضابطات الوكالة ومسئولاتها من النساء يشتكين من تغلغل التمييز العنصري والجنسي في نسيج الوكالة، وقد اعترفت إحدى السيدات أن مسئوليها مارسوا ضدها التمييز الجنسي لوقف ترقيتها الوظيفية في الوكالة على رغم سجلها الناصع في العمل، كما اتهمت بالباطل بارتكابها بعض الانحرافات من بينها الإدمان على الكحول ومحاولات إغواء مرؤوسيها من الرجال.

وعلى رغم وجود كل هذه المظاهر العنيفة والمروعة ضد المرأة في الولايات المتحدة الأميركية والغرب، إلا أنها لم تستطع أن تهز صورة المجتمعات التي قررت أن تفتح أبواب النقاش والحوار المسئول في مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والإعلامية، من أجل مراجعة شاملة لقوانينها وتشريعاتها ذات العلاقة بشأن المرأة، وتقديم الرعاية الأفضل لها وحمايتها من أية اعتداءات جسدية أو معنوية، قد تعترض سبيلها في الحياة.

وأما في البلدان العربية والإسلامية، فإنه بالرغم من توسع مظاهر الجريمة والعنف ضد المرأة إلى مستويات بالغة الخطورة على حياتها، وبالرغم من الحروب والمعارك الدبلوماسية والحقوقية التي تخوضها المنظمات النسائية لمكافحة العنف ضد المرأة، ومحاولات استئصال كل القوانين الحاطّة من شأنها على مستوى المجتمع، لاتزال الأنظمة السياسية الحاكمة وبعض رجالات الدين والبلاط يتجاهلون قضايا المرأة، وينتهكون القوانين والتشريعات الداعمة لها، ويتساهلون بشكل واضح في جرائم الشرف التي تحدث ضد النساء، خاصة عندما يكون الأمر يتعلق بكبار المسئولين أو الوجهاء في الدولة والمجتمع، فمتى يأتي اليوم الذي يتوقف فيه العنف ضد المرأة، وتشعر هي نفسها بأنها قد تحررت من قيود فرض القوة والقهر والتعسف المفرط في حياتها؟

Loading