ستون عاما على النكبة

تحتفل «إسرائيل» بالذكرى الستين لتأسيسها التي يصفها الفلسطينيون والعرب بـ «يوم النكبة الكبرى» ويصوّرها الإسرائيليون على أنها «يوم الاستقلال» الذي نشأت فيه الدولة العبرية في العام 1948 بعد الحرب التي خاضها اليهود ضد السكان العرب في فلسطين الانتدابية وما بعدها.

ستون عاما مرت على اغتصاب الأرض الفلسطينية وتشريد أهلها إلى المنافي البعيدة لاجئين في مختلف العواصم العربية والعالمية. ولاتزال «إسرائيل» تتمسك بالأرض وتفرض إرادة القوة والقهر وترتكب المجازر اليومية ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وتهدم المباني وتدمر المنشآت وتفرض الحصار الظالم على قطاع غزة وتسعى الى زرع الفتنة وشق الصفوف بين أبناء الشعب الواحد، ولكن من دون ان تستطيع اذلال شعب فلسطين الصابر المجاهد، أو تكسر ارادته أو تمحو ذاكرته أو تجبره على نسيان القضية والأرض المقدسة.

ستون عاما ولايزال الفلسطينيون يطالبون العالم أجمع باستعادة الارض المغتصبة وعودة اهلها اللاجئين من الشتات، والقرارات العربية والاممية كثيرة، ولكن من دون ان يتم تنفيذ اي شيء منها على ارض الواقع.

فمنذ الاعلان المشؤوم لوعد بلفور وإتمام الانسحاب البريطاني من فلسطين التاريخية في 4 مايو/ أيار 1948 وإعلان أول رئيس حكومة في «إسرائيل» ديفيد بن غوريون قيام الدولة العبرية «المستقلة» التي أعلنت وصمدت، بحسب قوله.

وتجري المحاولات تلو الاخرى لطمس القضية الفلسطينية ومنع شعبها من حق تقرير المصير وحق العودة الى الديار، منذذاك حتى الآن اتخذت الامم المتحدة مئات القرارات ومن ضمنها بواقع الحال حق العودة ولكن كل هذه القرارات بقيت بالنسبة إلى «إسرائيل» مجرد حبر على ورق، فهناك الكثير من هذه القرارات تدين وتشجب وتستنكر اغتصاب الأرض الفلسطينية والممارسات الاسرائيلية.

ومن بين اهم هذه القرارات التي يتكرر بعضها كل عام تقريبا حق عودة اللاجئين وفلسطينيي الشتات وتعويضهم، وحقهم في تقرير المصير، وفي إقامة دولتهم المستقلة، وإزالة المستوطنات، ورفض قرارات «إسرائيل» جعل القدس عاصمة للدولة العبرية.

وقد يكون القرار الاممي 94 (الصادر في 11 ديسمبر/ كانون الاول 1948) الذي يصون حق الفلسطينيين في العودة الى وطنهم والتعويض عليهم أهمَّ القرارات الجدية والجوهرية بالنسبة إلى الفلسطينيين ويسعون بكل قوة لتحقيقه وجعله واقعا ملموسا، ولكن على رغم ان هذه القرارات جوهرية فإن الامم المتحدة لم تستطع حتى الآن فعل اي شيء بالنسبة إلى قرار حق العودة.

وبمناسبة احياء الذكرى الستين للنكبة، عقد فلسطينيو أوروبا مؤتمرهم السادس في العاصمة الدنماركية (كوبنهاغن) بمشاركة آلاف الفلسطينيين المقيمين في منافي القارة الاوروبية، لكي يجتمعوا ويتوحدوا ويبلغوا رسالتهم الى العالم.

ونظم المؤتمر تحت شعار «ستون عاما… وللعودة أقرب» من قبل الامانة العامة لمؤتمر فلسطينيي أوروبا ومركز العودة الفلسطيني والمنتدى الفلسطيني في الدنمارك بالتعاون مع عدد من المؤسسات الفلسطينية، وشدد المؤتمر – الذي حضرته شخصيات سياسية واجتماعية وثقافية وفكرية وحقوقية – على التمسك بحق العودة. مهما بالغت «إسرائيل» ومن معها من الدول العظمى في طمس ذلك الحق أو نكرانه.

وفي كلمته عبر الأقمار الاصطناعية للمؤتمر، تحدث رئيس الوزراء في الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية عن اصرار الشعب الفلسطيني على التمسك بالثوابت الوطنية، وحق العودة، واصفا المؤتمر بأنه «احياء ذكرى مؤلمة في الصميم على جميع المواطنين الفلسطينيين والعرب والمسلمين»، وأشار إلى ما وصفه بـ «الضغوط الكبيرة التي يحاول البعض فرضها على الفلسطينيين من أجل إجبارهم على التنازل عن حق العودة، وهو الامر الذي يرفضه الشعب الفلسطيني برمته»، ويرى التنازل عن هذا الحق خيانة وطنية.

المؤتمر قد اجتذب بطبيعة الحال جمهورا كبيرا من الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وأثارمشاعر التضامن والتلاحم والوحدة بينهم، والإصرار على تكريس مطلب حق العودة والتمسك بالأرض والقضية والمقاومة، ووقوف العرب والمسلمين صفا واحدا لنصرة فلسطين وشعبها، وخصوصا أنهم يتعرضون اليوم لمؤامرات دولية تحاك ضدهم وفتاوى دينية من حاخامات «إسرائيل» تطالب بطرد من تبقى منهم في مناطق 48 ومنح الاقامة لغيرهم من يهود العالم.

وعلى رغم ان هذا المؤتمر كان يرمز إلى وحدة الصف الفلسطيني وتماسكه، حيث برز ذلك في جميع كلمات ممثلي التنظيمات الفلسطينية المشاركة في المؤتمر ومداخلاتها، فإنه قد تعرض – بحسب رئيس مركز العودة الفلسطيني في لندن وعضو لجنة التنظيم ماجد الزير – لانتقادات واتهامات من جانب بعض المنظمات الفلسطينية في أوروبا وغيرها، ممن اعتقدوا ان اقامته في كوبنهاغن وفي هذا الوقت بالذات انما هي محاولة من جانب الجهات المنظمة له لمجاملة الدنمارك وتبييض صورتها، بعد اساءتها للرسول الكريم (ص)، بنشر الرسوم المسيئة، وسعي الاخيرة لتأكيد حرصها على طي تلك الصفحة لدى العالم الاسلامي، عندما قدمت سلطاتها جميع التسهيلات للمنظمين، وحرصت على حماية مقر المؤتمر خوفا من حدوث أي اعتداءات أو قلاقل، وخصوصا من جانب أتباع حزب التحرير، وهو التنظيم الإسلامي الفلسطيني الوحيد الدي عارض تنظيم المؤتمر، بحسب المسئولين في المنتدى الفلسطيني في الدنمارك. ولم تعترض على جمع التبرعات للفلسطينيين في الأراضي المحتلة والتي يمكن لها الوصول الى جميع المنظمات الفلسطينية باستثناء حركة حماس إذ يعتبر القانون الدنماركي الحركة منظمة إرهابية.

ولكن الشيخ رائد صلاح احد ابرز الشخصيات الفلسطينية من عرب 48 المشاركين في المؤتمر رد على تلك الاتهامات بالقول: «إننا لم نكن في يوم من الأيام دعاة حرب وقتال، بل كنا دائما نجنح إلى السَلم والتفاهم وعدم المواجهة مع الشعوب الاخرى حتى لو كنا ضحايا اعتداءاتها. فإذا وجدت أية مبادرة صادقة من قبل أية جهة حتى لو كانت قد اساءت للرسول الكريم (ص) وتريد اليوم مراجعة حساباتها فنحن نتقبل ذلك بصدر رحب».

وأضاف أن «الدولة الدنماركية ليست بالضرورة هي المسئولة عن ازمة الرسوم حتى نصب على الدولة والمجتمع الدنماركي كله جام غضبنا. فنحن عندما قررنا اقامة المؤتمر في كوبنهاغن، كنا نتطلع إلى أنه يجب ألا يفوت على الفلسطينيين اية فرصة ممكنة لكشف معاناتهم وتوصيل صوتهم للعالم، وأعتقد ان الظروف المحيطة بالمنظمين كانت قد جعلت الدنمارك المكان الاسهل لعقد هذا المؤتمر، ولو كانت هناك امكانات مؤاتية لعقده في اية دولة عربية او مسلمة لما اضطررنا لعقده هنا في الدنمارك».

وتبقى الاشارة الى ان السلطات الدنماركية – التي وفرت جميع التسهيلات الامنية والتقنية والاعلامية للمؤتمر – منعت القيادية الفلسطينية ليلى خالد ورئيس المؤتمر الوطني الفلسطيني بسام الشكعة من حضوره؛ لأسباب لم تأتِ هذه السلطات على ذكرها، فيما تخلف عن الحضور رئيس وزراء لبنان السابق سليم الحص بداعي المرض، وسفير السلطة الفلسطينية في الدنمارك، الذي اعتذر عن الحضور في اللحظات الاخيرة، من دون ذكر الأسباب.

Loading