الدنمارك على أبواب الانتخابات المبكرة : ثلاثة أسابيع ساخنة تنتظر معركة تسلم دفة الحكم في الدنمارك

يأتي إعلان رئيسة وزراء الدنمارك، ميتي فريدريكسن، عن إجراء أنتخابات عامة مبكرة في الدنمارك في الاول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 بعد ضغوطات كبيرة واجهتها الحكومة من مختلف احزاب المعارضة في البرلمان ومن توسع رقعة الاستياء الشعبي من الاخطاء السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ارتكبتها طوال السنوات الاربع الماضية، وخاصة بعد القرار التي أتخذته في العام 2020 باعدام كامل تعداد (حيوانات المنك) في البلاد والبالغ عددها أكثر من 15 مليون، وذلك بذريعة الخوف من انتقال عدوى كورونا الفتاك من الحيوانات إلى البشر مما قد يعرض اللقاحات المستقبلية للخطر، وكذلك الاخلال ببعض الوعود التي قطعتها الحكومة على نفسها وأمام المجتمع في حملتها الانتخابية السابقة في العام 2018 بتجديد وتطوير أوضاع دولة الرفاه في الدنمارك .

وبعد إصدار الحزب الاشتراكي الليبرالي الدنماركي (الحليف للحكومة الحالية) بقيادة صوفي كارستن نيلسن، اندارا شديد اللهجة يطالب فيه بحجب الثقة عن حكومة ميتي فريدريكسن، بسبب تراكم الاخطاء ونكث الوعود والالتزامات، والدعوة إلى اجراء انتخابات عامة مبكرة، قبل المناقشة الاولى للبرلمان في تشرين الاول/ اكتوبر 2022 أي قبل حوالي سبعة أشهر من موعده، اضطرت رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن للهروب عن أعباء مواجهة التهديد بحجب الثقة واعلنت عن اجراء الانتخابات المبكرة رغم تصريحاتها بعدم ضرورة اجراء انتخابات عامة في خضم أزمة سياسية عالمية كبرى وتعتبر فيها الدنمارك طرفا محوريا في الصراع الدولي، خاصة بعد أن تضرر خطي أنابيب ينقلان الغاز من روسيا الاتحادية إلى اوروبا عبر بحر البلطيق خلال الفترة الاخيرة، وقالت في مؤتمر صحفي جرى في قاعة (المرآة) في مقر الحكومة، في يوم الاربعاء 5 تشرين الاول/ اكتوبر 2022 بان الانتخابات المبكرة سوف تجري في الاول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 وانها قد ابلغت ملكة الدنمارك مارجريت الثانية (اليوم) بهذا الاجراء، وانها تأمل في أن تكون هناك حكومة مستقبلية موسعة من مختلف أطياف الاحزاب السياسية في الدنمارك .

اتهمت احزاب المعارضة الرئيسية في البرلمان الدنماركي رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن باحتيال منهجي على القانون، وقامت باصدار قرار ليس له مستند وأساس قانوني لقتل أكثر من 15 مليون حيوان من المنك، وأمرت بأول اغلاق إجباري في أوروبا لقطاع زراعي بكامله، الامر الذي قد تسبب في تدمير صناعة المنك الدنماركية التي تعتمد عليها البلاد في التصدير العالمي حيث تعتبر الدنمارك واحدة من أكبر المصدرين الرئيسيين لتلك الصناعة الحيوانية العالم .

وقالت اللجنة الخاصة التي عينها البرلمان الدنماركي في حزيران/ يونيو الماضي، لمكاشفة ومسائلة رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، حول قرار قتل المنك، أن الحكومة كانت تفتقر إلى التبرير القانوني لاعدام 15 مليون من حيوانات المنك في الدنمارك، وأن رئيسة الوزراء أدلت بتصريحات “مضللة بشكل فاضح” عندما أمرت بأول اغلاق إجباري في اوروبا يتعلق بالقطاع الزراعي، في حين كانت عمليات الاعدام لم تتخد بصورة قانونية، على الرغم من موافقة اللجنة مع رئيسة الوزراء على أن ذلك الانتهاك للقانون لم يحدث بشكل مقصود .

ويذكر أنه قد تراجعت شعبية رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، بشكل نسبي بعد قرار الحكومة بقتل المنك، وبعد اجبار البرلمان الدنماركي وزير الزراعة والثروة الحيوانية والمائية، موغنس يانسن، على المكاشفة والمسائلة ومن ثم الاستقالة من صفوف الحكومة، بسبب تحمله مسؤولية القرار المتسرع والخاطىء الذي إتخده بشأن عمليات قتل المنك .

واظهر استطلاع أجرته وكالة الانباء الدنماركية (ريتزوا) قبل قرابة يومين من الاعلان عن موعد الانتخابات المبكرة، بأن الكتلة اليسارية الحمراء بقيادة رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، سوف تفوز بنسبة 86 مقعدا من 179 مقعدا في البرلمان، أي أكثر من الكتلة اليمينية الزرقاء المعارضة التي تضم 85 مقعدا، وكان من المتوقع أن يحصل (الحزب المعتدل) الجديد الذي أسسه حديثا رئيس الوزراء السابق لارس لوكة راسمونسن، على نسبة مقاعد برلمانية تتراوح مابين 4 إلى 9 مقاعد في الانتخابات المقبلة، والتي يتوقع المراقبون بأنها سوف تشهد معركة حامية وشرسة بين معسكري اليسار واليمين ( الاحمرـ والازرق) في الطريق للسيطرة على غالبية مقاعد البرلمان، والوصول إلى الحكم، وقيادة مستقبل البلاد السياسي، خاصة وأن غالبية إستطلاعات الرأي ظلت تشير إلى تقارب شديد في النقاط بين هذين المعسكرين في معركة كسر العظم الانتخابية المقبلة بين الطرفين.

ومن خلال المناظرة الاولى التي جرت عشية الاعلان عن موعد الانتخابات المبكرة، والتي جمعت رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، وقادة الاحزاب السياسية على القناة التلفزيونية الاولى، لم تحدث هناك أية علامات فارقة في طروحات وتوجهات وبرامج الاحزاب المتصارعة في ساحة المعركة، بما قد ريرضى عنه الجمهور ويطمئنه، ولم تستطيع أن تقدم الاجابات الكافية والشافية للجماهير الشعبية التي ظلت تشعر بالاستياء من جميع السياسات الخاطئة التي مورست في البلاد على امتداد عقود من الوقت، سوا من جانب حكومات اليسار أو اليمين، التي كانت قد دغدغت مشاعرهم بالوعود بتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والسير بهم قدما للامام ومواكبة العصر، وكانوا يريدون بأن تكف جميع تلك الحكومات عن فرض الضرائب الباهضة والانفاق وسن القوانين غير العادلة والمنصفة، وبالتأكيد فأن هذا التذمروالسأم الشعبي سوف ينعكس وبشدة على مجريات وواقع هذه الانتخابات .

هاني الريس

6 تشرين الاول/ أكتوبر 2022

Loading