الانتخابات الدنماركية 2022 .. سقوط كارثي لمعسكر البرجوازية والشعبوية ومعسكر اليسار الأحمر يحتفظ بقلعته الصامدة

في الانتخابات الدنماركية العامة، التي جرت في 1 تشرين الاول/ اكتوبر 2022 وتنافس فيها 1014 مرشحا من مختلف الاحزاب السياسية الدنماركية، وكانت فيها نسبة النساء المرشحات إلى البرلمان قد تجاوزت نسبة 41.8 في المئة، وهي نسبة مثلت أعلى معدل من السنوات المنصرمة ـ بحسب ـ هيئة الاحصاء الدنماركية، وخاض فيها 14 حزبا معارك شرسة للحصول على أكبر نسبة من أصوات الناخبين الدنماركيين، وشارك فيها 5.6 بالمئة من اصول عرقية غير دنماركية، و63.9 في المئة من المرشحين الذين لم يتم ترشيحهم في سنوات سابقة، وعلى غير العادة تنافس فيها مرشحان لمنصب رئيس الوزراء من معسكر واحد (البرجوازي) وهي الانتخابات التي تعتبر هي السبعين في تاريخ البرلمان الدنماركي، والتي وصفها المراقبون بأنها كانت صعبة ومثيرة حتى اللحظات الاخيرة، استطاع فيها معسكر اليسار الاحمر الذي يضم خمسة أحزاب، أن يحقق فوزا غاليا بسهولة في أصعب تحدي له في هذه الانتخابات، حيث حصد 87 مقعدا من مقاعد البرلمان، في حين خسر معسكر البرجوازية والشعبوية الازرق، جميع مراهناته الواثقة باحراز النصر على المنافسين، على الرغم من تراجع نسبة التصويت لاحزابه الرئيسية التاريخية، بسبب ما تعرضت لها من مشاكل داخلية وانقسامات، ولم يحصل سوى على 72 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 175 مقعدا، وتلقي حزب المعتدلين الوسطي الذي أسسه مؤخرا رئيس الوزراء السابق لارس لوك راسموسن، كحزب وسطي يمكن أن يجمع بين اليمين واليسار في ائتلاف حكومي موسع، ضربة موجعة لزعيمه لارس لوك راسموسن، الذي كان يأمل بان يصبح “صانع ملوك” لو أن أحد المعسكرين لم يحصل على الاغلبية في البرلمان، وفاز حزبه فقط ب 16 مقعدا في البرلمان، بعد أن كان يتوقع الحصول على أكثر من هذا العدد بكثير، لانه كان قد ركز على المطالبة بالتخلص من هيمنة أحد المعسكرين على السلطة ويصبح عائقا في وجه أي مشاركة سياسية عملية في صناعة قرارات الدولة والمجتمع، وأصبحت لديه قاعدة جماهيرية مساندة ومؤيدة لافكاره الوسطية، التي يمكن أن تنهي “نمط الهيمنة الحزبية الواحدة” التي لم تعد فعالة، ولم تعد ذات قوة سحرية تساعد على اجتياز العقبات وحل مشاكل المجتمع، وانه عندما تأكد فوز معسكر اليسار في هذه الانتخابات، سلم قادة أحزاب معسكر البرجوازية والشعبوية بانهم خسروا المعركة، واعترف زعيم المعارضة، جاكوب اليمان جنسن، بهزيمة معسكره الذي يضم تحالف ليبرالي محافظ مدعوم من ثلاثة احزاب شعبوية متشددة، فيما خرجت زعيمة المعسكر اليساري الاحمر، رئيسة الوزراء، ميتي فريدريكسن، مزهوة بالنصر في أصعب وأشد معركة انتخابية شهدتها البلاد منذ عدة عقود مضت، وقالت في كلمة شجاعة في ظهور متلفز أمام حشد كبير من أنصارها، في القاعة الكبرى في البرلمان الدنماركي، انه بفضل الجهود الحكومية الواسعة والمكثفة، التي تحققت خلال السنوات الاربع الماضية، وبخاصة في ما يتعلق بهزيمة جائحة كورونا الفتاك، ومواجهة اسعار الطاقة المرتفعة، والتضخم المتفشي، وانعدام الأمن في ظل الحرب الروسية الاوكرانية، تحقق هذا الانتصار العظيم، وأكدت على أن حملتها من أجل التغيير لم تنتهي، وانها سوف تفي بجميع وعودها وتعهداتها التي اطلقتها خلال الحملة الانتخابية الاخيرة بالعمل على تطوير دولة الرفاهية وتحسين مستويات المعيشة للمواطنين، وتعديل العديد من القوانين المجحفة، من أجل مستقبل أفضل للاجيال الحاضرة واللاحقة، وانها سوف تسعى إلى تفاهمات حقيقية مع معسكر اليمين، من أجل تبني حكومة وسطية، وتبني سياسات متوافق عليها لضمان مستقبل البلاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأضافت:” انه يتوجب علينا اليوم تسريع الطريقة التي نغير بها العمل في الدنمارك” ومن أهمها مشاريع اصلاح نظام الضمانات الاجتماعية العامة بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم ومساعدة كبار السن، والاسر الفقيرة وغيرها من الخدمات المطلوبة والقضايا المجتمعية المهمة، التي يتطلع لها المواطن الدنماركي .

ومن بين الامور المهمة والتحديات الكبيرة، والأكثر الحاحا، التي سوف تواجه زعيمة المعسكر اليساري الاحمر المنتصر والمنتشي في غمرة هذه الانتخابات بعد سحقة الكارثي للمعارضة، هو الوفاء بجميع الوعود والتعهدات التي قطعتها على نفسها وعلى الناخب الدنماركي، من انها سوف تعمل على اصلاح نظام الضمانات الاجتماعية المتعددة، وتكريس وتعزيز النظام الديمقراطي النموذجي في الدنمارك، ودولة الرفاهية، والتفاهمات السياسية مع احزاب اليمين البرجوازية والشعبوية من أجل تبني حكومة وسط، وتبني سياسات متوافق عليها، ولكنه يبقى من غير الواضح ما أن تكون حتى أضخم الخطوات الاصلاحية قادرة على كبح جماح المشاكل والازمات التي تعيشها البلاد في ظل الارتفاع الهائل لمواد الطاقة والتضخم المتفشي والحياة المعيشية اليومية الشديدة والصعبة التي أرهقت كاهل المواطنين، مع الارتفاع الهائل وغير المسبوق في أسعار المواد الاستهلاكية الاساسية اليومية، وان كانت لدى الدنمارك القدرة على المحاولة لكبح جماح تلك المشاكل والازمات، كما كانت تصرح بذلك رئيسة الوزراء، وبناءا على توقعات المراقبين، أن التعهدات بتشكيل إئتلاف موسع بين اليسار واليمين لقيادة حكومة جديدة للبلاد، سوف تواجه صعوبات ومشاكل معقدة بسبب المنافسات المفتوحة بين الطروحات والتوجهات والبرامج المختلفة بين أحزاب المعسكرين الاحمر والازرق، مما يقضي بصعوبة تشكيل حكومة مستقرة في الدنمارك، فانه مما تبدو عليه الأمور أن معسكر اليمين الذي قاد حكومات برجوازية متشددة وسيطر على صناعة القرار في البلاد لسنوات طويلة في السابق، أصبحت قاعدته الآن مفككة ومحبطة وقيادته غير متماسكة وغير موحدة حول برنامج واحد، واما معسكر اليسار فانه مازال متماسكا بعض الشيء في العديد من طروحاته وبرامجه، ولكل هذه الاسباب فانه ليست الثقة عالية بقدرة زعيمة معسكر اليسار ميتي فريدريكسن، على حل جميع أسباب هذه المعضلة بسهولة وفي فترة قريبة من الوقت، وقد شخصت بعض الاصوات الصحفية والاعلامية الدنماركية، الوضع الراهن الآن، بانه يبدو مرتبكا ومعقدا بالنسبة لها حيث يتوجب عليها قبل أي شيء آخر هو اضفاء المصداقية الحقيقية والفعلية على وعودها وتعهداتها أمام الجماهير، كما يتوجب عليها أيضا السعي لتشكيل ائتلاف من 90 مقعدا في البرلمان لضمان الاغلبية المريحة التي تمنح حكومتها القدرة على مواجهة التحديات والمشاكل التي تحاول تدليلها أو التخلص منها بسرعة من أجل قيادة البلاد والسير بها في الطريق الصحيح من أجل مستقبل مشرق ومجتمع أفضل في الدنمارك .

هاني الريس

3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022

Loading