أوضاع القوى السياسية المعارضة، ووضع السلطة الحاكمة، وحريات التعبير، والوضع الاقتصادي المعيشي المتردي في البحرين

وضع القوى السياسية البحرينية:

في نفس الوقت الذي باركت فيه القوى السياسية البحرينية والجمعيات السياسية، جميع الخطوات “الناجحة” التي قيل بانها قد تحققت من خلال ميثاق العمل الوطني ومشروع الاصلاح، والتي كانت قد جاءت اندفاعتهم فيها من أجل المشاركة في صقل وتطوير التجربة الديمقراطية الفتية تأكيدا على الرغبة الشعبية الجامحة نحو احداث تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية تاريخية وبما قد يتلائم مع الحد الادنى من رغباتها وتطلعاتها في المشاركة في الحياة السياسية العامة والمشاركة في صنع قرارات المجتمع، وفي نفس الوقت الذي كررت فيه القول بضرورة منح الحكم فرصة جديدة لتحديد توجهاته في مشروع الاصلاح والمضي فيه قدما من دون أية عوائق، وعدم الحكم مسبقا على جميع تلك التوجهات، حاول الحكم من تعزيز دعائمه والاستفادة القصوى من هذه الفرصة الذهبية المتاحة أمامه، وبدأ يتصرف كما لو انه وحده فقط المسؤول الاول والاخير عن احداث التغيير، وفجأة وبقدرة قادر انقلب على جميع الوعود والمواثيق، التي قد قطعها على نفسه وامام الشعب، بأن تكون المشاركة حتمية بينه وبين مختلف القوى السياسية والاجتماعية، التي تتطلع للتغيير، واستفرد وحده بصنع القرار من خلال دستور المنحة الجديد الذي صاغه بنفسه، ومن دون مشاورة الشعب، وترك انطباعا محزنا في النفس، عندما أمعن في احتكار جميع الحلول والسلطة، وضيق الخناق على عمل الجمعيات السياسية التي يفترض انها تمثل أصوات الشعب، ومنها عدم السماح لها بالمشاركة في صناعة القرار، ورسم لها الحدود في المشاركات الانتخابية النيابية والبلدية خلافا لاحكام مواد وبنود الدستور .

وقد تباينت المواقف والاتجاهات وردود الافعال لدي الجمعيات والقوى السياسية المتعددة في المجتمع ازاء كل هذه الممارسات الخاطئة والطائشة، وبشكل خاص ما يتعلق بالتعديلات الدستورية وقانون الانتخابات النيابية والبلدية والمسائل التشريعية المرتبطة بمجلس الشورى المعين بجميع اعضائه من قبل الحكم، وكذلك المجلس النيابي المنتخب، واستمر الجدل يدور حول معالجة هذه المعضلة المعقدة والخطيرة .

فبينما أيدت التيارات الاسلامية السنية وكافة القوى الموالية للسلطة، التعديلات الدستورية والاجراءات المتبعة لتنظيم الانتخابات العامة النيابية والبلدية، عارضتها بكل صراحة ووضوح جميع التيارات الاسلامية الشيعية وفي مقدمتها جمعية الوفاق الاسلامية التي تعد من أكبر الفصائل الشيعية من حيث النسبة العددية، وجمعية العمل الاسلامي ( الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين سابقا ) بالاضافة إلى بعض التيارات اليسارية والقومية، جمعية العمل الوطني الديمقراطي ” وعد ” التي ورثت النضال من الجبهة الشعبية في البحرين، وجمعية التجمع القومي، التي تمثل تيار البعث العربي الاشتراكي، بينما اخذت جمعية المنبر التقدمي، التي تعتبر نفسها الوريث الشرعي لجبهة التحرير الوطني البحرينية، موقفا واضحا وصريحا في الرغبة في المشاركة في هذه الانتخابات، رغم كل ما يعتريها من نواقص وأخطاء، وانها سوف تستمر في مواقفها المؤيدة والداعمة لمشروع السلطة، وشاركت بالفعل في انتخابات مشوهة ومزورة، وضاربة بذلك عرض الحائط كل التاريخ النضالي الثوري والعريق لجبهة التحرير الوطني البحرينية، والتضحيات الكبيرة التي قدمتها أجيال من قادتها واعضائها وانصارها وقاعدتها الشعبية .

وعلى العكس من المواقف المؤيدة والداعمة للانتخابات البرلمانية الاولى، جاء بيان الجمعيات السياسية الاربع، الوفاق الاسلامية، والعمل الوطني الديمقراطي، والعمل الاسلامي، والتجمع القومي، ومن خلال تصريحات لرؤسائها في ندوات سياسية ولقاءات تشاورية مشتركة، اعتراضها على التعديلات الدستورية الجديدة وقانون تنظيم الانتخابات، التي قللت من شأن ومهابة الجمعيات السياسية الاربع، وحرمانها من طرح برامجها الانتخابية والمرشحين باسمائها، وأكدت في بيانات مشتركة بأن السلطة البحرينية مارست ضغوطات واسعة ضدها وعملت باجراءات غير عادلة في توزيع الدوائر الانتخابية واعطت الافضلية التشريعية لمجلس الشورى المعين على حساب المجلس النيابي المنتخب، في خطوة اعتبرها الجميع محاولة لاعادة نتاج مجلس شورى عام 1992 غير الدستوري والذي عارضته جميع القوى السياسية البحرينية بوصفه احد ادوات السلطة .

وفي ضمن هذا السياق، أعلنت شخصيات وطنية ودينية معارضة مازالت تقيم في المنافي القسرية تأييدها لبيان الجمعيات السياسية الاربع التي دعت فيه لمقاطعة الانتخابات النيابية ( القادمة ) باعتبارها مخالفة للدستور وهي ليست أكثر من كونها مجرد لعبة يراد بها اعطاء صورة مقبولة للديمقراطية التي قد تخدم فقط اهداف وتطلعات السلطة .

وضع القيادة السياسية:

تبدو القيادة السياسية التي استفردت وحدها فقط بصنع قرارات الدولة والمجتمع، في وضع مريح للغاية، فالحاكم الجديد للبحرين، حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، استطاع أن يكسب الرهان على مشروعه الاصلاحي، وحصل على تأييد الغالبية الشعبية من خلال التصويت الواسع النطاق على ميثاق العمل الوطني، وأثبت انه يعرف كيف ينفد، وكيف يراوغ ويناور ويماطل في تنفيد الوعود والتعهدات، والاهم من ذلك كله انه كانت لديه طموحات هائلة للوصل إلى نهاية الطريق التي رسمها وخطط لها بدقة متناهية مع تعريفه لمفهوم ” الديمقراطية الدستورية ” المفصلة أكثر على مقاسات ” زعيم القبيلة ” وليس ملوك الممالك المتقدمة، وهو الامر الذي قد حدث وتجسد في جميع مؤسسات وهياكل الدولة الخليفية الجديدة .

ورئيس مجلس الوزراء خليفة بن سلمان بن حمد آل خليفة، وعلى الرغم من كثرة الانتقادات والاعتراضات الشعبية، التي حاولت التصدي لجميع سياساته الانتهازية والطائشة، إلا أنه لا يزال يعتبر الرجل القوي في الدولة، والذي لايزال يحظي بتأييد ودعم حاكم البلاد، حمد بن عيسى آل خليفة، وكذلك مجلس العائلة الحاكمة، ويمتلك قاعدة نفود قوية بين وزرائه، وداخل مؤسسات الدولة الامنية والعسكرية والاعلامية، وقد استطاع الحصول على المساندة القوية لوضعه في أوساط التجار والمستثمرين المحليين والدوليين من خلال دعمه للنشاط التجاري والاقتصادي، واللافت للنظر أنه لم يبرز أي دور رئيسي وملفت لولي العهد سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، الذي كان يكثر من الظهور في مختلف وسائل الاعلام في بدايات انطلاق مشروع الاصلاح وميثاق العمل الوطني، حيث ساد الاعتقاد بانه سوف يكون فارس المرحلة الانتقالية الجديدة في البحرين، وصاحب النفود الاوسع في السلطة، وكانت هناك شائعات تفيد بأن رئيس مجلس الوزراء، خليفة بن سلمان بن حمد آل خليفة، قد استطاع بخبرته وحنكته ودهائه السياسي، أن يسحب البساط من تحت أقدام ولي العهد، وينأى به عن الاضواء حتى لا يتحول إلى منافس رئيسي له في عمليات صنع القرار السياسي .

حريات التعبير:

أخذت حريات التعبير والرأي، في البحرين تتغير تدريجيا وبشكل جوهري، ومنذ الغاء قانون ومحاكم أمن الدولة في العام 2000  والذي كان قد اثار جدلا واسع النطاق على امتداد أكثر من ربع قرن من الزمن، حيث توقفت عمليات الاعتقال العشوائي وخارج اطار القانون ونظفت جميع السجون من المعتقلين السياسيين والنقابيين والحقوقيين وغيرهم من نخب وقواعد الحركة المطلبية، ولكن على الرغم من هذا الاجراء القانوني الذي أثلج الصدور وأشاع البهجة العارمة في النفوس، فانه على عكس ذلك ظل لن يسمح بشكل أو آخر لاية محاولة يراد من خلالها توجيه أي انتقاد أو اعتراض على سياسات السلطة والحكم، أو الدعوة لمكاشفة أو مسائلة ومحاسبة أي من المسؤولين السياسيين والامنيين الذين ارتكبوا جرائم في حق الانسانية، ففي بداية الاعلان عن قيام مشروع الاصلاح، أعطت السلطة البحرينية مساحات واسعة النطاق لتداول الرأي وعقد الندوات السياسية والاجتماعية والفكرية، وسمحت للصحف بنشر المقالات والبيانات الصادرة عن قوى المعارضة، ثم بعد ذلك قلصت هذه المساحات بفعل بعض القيود الاعلامية وخاصة في ما يتعلق بنشر المواضيع السياسية التي تنتقد الاجراءات الخاطئة للسلطة البحرينية، وكذلك أيضا الندوات، وقامت السلطة في الفترة الاخيرة بفرض قيود ورقابة صارمة على مواقع شبكة الانترنت واغلقت العديد منها، كما تعمدت ممارسة بعض صنوف الارهاب الفكري ضد بعض النشطاء السياسيين والحقوقيين والجماعات الدينية، وأخذت تتوعد الناس وتخيفهم من عواقب فشل أو تراجع مشروع الاصلاح حيث يمكن أن تحدث الفوضى العارمة في عموم البلاد، وتعود بعقارب الساعة إلى ما كانت عليه في الماضي القمعي التعسفي، قبل حدوث التحولات والتغيرات في البحرين .

الوضع الاقتصادي المعيشي:

بعد مضي أكثر من عام ونيف على الوعود الجميلة التي قدمتها السلطة البحرينية لتطوير وتنمية الاقتصاد الوطني، والعمل على تحسين ظروف المعيشة اليومية للمواطنين وبخاصة الطبقات الفقيرة وتوفير الفرص الاجتماعية والعمل لمختلف قطاعات المجتمع، فان السلطة لاتزال عاجزة عن تحقيق كا ما وعدت به، فلا الحياة المعيشية اليومية الصعبة لغالبية المواطنين الضعفاء قد تبدلت وتحسنت، ولم تنخفظ حتى الآن نسب البطالة العالية بين شرائح مجتمعية كثيرة، والدليل على ذلك هي تلك التظاهرات الاحتجاجية التي ظلت تحتشد يوميا تقريبا على بوابة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية المطالبة بتوفير فرص العمل وبخاصة بين اصحاب المؤهلات العلمية العالية من الاطباء والمهندسين والمعلمين واساتذة المعاهد والجامعات، وعلى الرغم من عدم توفير تقديرات دقيقة حول مستويات المعيشة للمواطنين، فانه يلاحظ بشكل عام  تفشي ظاهرة الفقر في نطاق مجتمع خليجي نفطي، وهناك فئات وشرائح اجتماعية معدومة وتعيش تحت مستوى خط الفقر وبخاصة في المناطق القروية التي تجد نفسها معزولة عن حياة التطور التي تعيشها معظم المدن البحرينية، وقد يلاحظ ذلك بشكل محسوس في المناطق البعيدة عن المنامة العاصمة وعن مدينة الرفاع التي تسكنها غالبية افراد العائلة الحاكمة، ويلاحظ أيضا بأن هناك عائلات فقيرة مازالت تعيش بين انقاض المباني الطينية المتهالكة للغاية، وسقوف صفائح التنك وحضائر السعف وجدوع الشجر والنخيل .

وبالاضافة إلى انتشار ظاهرة البطالة وهبوط مستويات الدخل المعيشي اليومي للمواطن البحريني، وتردي الاوضاع الصحية للسكن في مناطق عديدة في البحرين، برزت هناك ظواهر ملفتة لم يألفها المجتمع البحريني من قبل، ومن بينها بشكل خاص ظاهرة التسول بين المواطنيين الفقراء، وتفشي الفساد والرشى في العديد من الوزارات ومؤسسات الدولة الرسمية، ومازاد على ذلك الظلم كله هو قيام السلطة البحرينية بجلب مواطنين غرباء على المجتمع البحريني في حملة تجنيس عشوائية وواسعة النطاق من أجل ايجاد توازن ديمغرافي وشعبي، والغرض منه تنظيم طابور خامس يخدم اهداف السلطة وتطلعاتها في الحاضر وكذلك في المستقبل .

وتعاني المناطق الفقيرة في عموم البلاد، وبشكل اساسي من نقص واضح ومكشوف في الخدمات الاساسية الضرورية مثل العيادات الصحية والمستشفيات والمدارس والمنتزهات والحدائق العامة، والطرق المعبدة والاشارات الضوئية وغيرها من المستلزمات الضرورية والملحة للحياة اليومية، وعلى الفئات الفقيرة والمسحوقة في المجتمع صراع البقاء ضد الموجات المتتالية من الغلاء الفاحش وتفشي الفساد، وهذه سياسة مقيتة يتم فرضها من قبل السلطة البحرينية للضغط على حياة المواطن من أجل تجويعه وتركيعه حيث هي تبقى وحدها فقط فوق القانون وفوق الجميع .

هذا الوضع المأساوي في جميع المناطق البائسة والفقيرة يختلف شكلا ومضمونا عن المناطق الاخرى التي يقطنها افراد العائلة الحاكمة وكبار المسؤولين في الدولة وفئات التجار الاثرياء الكبار، حيث توجد هناك تنمية عالية وتطور مستمر في التنظيم العمراني ومختلف وسائل الترفيه والخدمات الاساسية وكل شيء قائم وظاهر بحسب الاصول وعلى ما يرام .

الحلقة القادمة .. العودة الثالثة إلى البحرين
الكبت والاحباط ومصادرة الحكم خيارات المواطنين والجمعيات السياسية، في نطاق السياسة والاقتصاد والمجتمع

هاني الريس
22 شباط/ فبراير 2023

Loading