ثورة شبابية في أكبر حزب سياسي في الدنمارك .. وزير الخارجية الدنماركية السابق جيبي كوفود في قلب العاصفة العاتية

كان وزير الخارجية الدنماركية في حكومة الحزب الاشتراكي الديمقراطي السابقة، جيبي كوفود، من بين العشرات من مرشحي الحزب الاشتراكي الديمقراطي (الحزب السياسي اليساري الاعرق والاوسع قاعدة جماهيرية في الدنمارك على امتداد عقود) الذين فشلوا في الحصول على أصوات الناخبين الدنماركيين التي تؤهلهم للوصول إلى قبة البرلمان الدنماركي الجديد، بعد انتخابات العام 2023، وربما قد تعود اسباب فشله في الحصول على مقعد جديد في البرلمان، إلى اثار التركة المشؤومة لماضيه الاخلاقي عندما كان قائدا للمنظمة الشبابية والطلابية للحزب، بعد ما كشفت عضوة شابة في المنظمة الطلابية تبلغ من العمر 15 عاما، للصحافة المحلية، عن أن قائد المنظمة، جيبي كوفود (34 عاما) قد مارس معها واقعة الجنس، بعد خروجها مباشرة من قاعة الاجتماعات في المقر الحزبي، ويومها اتخذت قيادة الحزب بزعامة هيلي تورنينغ سميث، إجراءات صارمة بحقه وجمدت عضويته في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلى أجل غير مسمى، وقد اختزنت هذه الحادثة في فكر الناس على امتداد سنوات طويلة ولم تمسح من الذاكرة، ولكن عندما تسلمت ميتي فريدريكسن، زعامة الحزب خلفا لهيلي تورنينغ سميث، المستقيلة من منصب زعيم الحزب بعد خسارتها في الانتخابات التشريعية الدنماركية للعام 2015، عادت به من جديد إلى أحضان الحزب كقيادي بارز، ومن بعد ذلك أوكلت إليه منصب كبير وحساس في الحكومة الجديدة، وزيرا لخارجية الدنمارك، رغم كونه صاحب سابقة أخلاقية خطيرة داخل الحزب .

منذ ذلك الوقت، ظلت ميتي فريدريكسن، تصر على بقاء الرجل في الواجهة السياسية الحزبية، على الرغم من تلقيه خسارة فادحة في الانتخابات البرلمانية المحلية الماضية 2023، وذلك عندما تقدمت بترشيح اسمه للحصول على مقعد في البرلمان الاوروبي في الانتخابات الاوروبية المزمع اجرائها العام المقبل 2024، لكن هذه المحاولة الجديدة من جانب زعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ورئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، لاعادة الاعتبار إليه، قد تعرضت للعديد من الاعتراضات والانتقادات من قبل غالبية أعضاء المنظمة الشبابية والطلابية للحزب، وكان في مقدمتهم عدد من رؤساء الفروع الحزبية في العاصمة كوبنهاجن ومختلف مناطق البلاد، الذين بلغ السيل الزبى لديهم جراء اختيار جيبي كوفود، ممثلا للدنمارك عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في انتخابات البرلمان الاوروبي، رغم معرفة تاريخه الاخلاقي السيء، الذي لم يعرف أن يفصل فيه بين هوى قلبه ومسؤوليته الحزبية ـ بحسب ـ وصفهم، وحثوا قيادة الحزب على الاستماع لاصواتهم، والبحث عن مرشح آخر قوي يستطيع أن يقوم بتلك المهمة على الوجه الأفضل، ويشرف سمعة الدنمارك، وليس الاصرار على اختيار “مرشح الماضي” الذي فشل في الانتخابات الوطنية العامة، ولا يمكن له أن يقدم أي شيء جديد في التغيير السياسي المطلوب الذي تتطلع له الاجيال الشابة الجديدة في الحزب، وعليه فانه كان ينبغي على الاشتراكيين الديمقراطيين الذين ظلوا يتمتعون بسمعة حسنة طوال تاريخهم السياسي والنضالي العريق، أن يتداركوا ذلك الأمر ويتصدون لمحاولة دخول جيبي كوفود، في المنافسة الاوروبية القادمة، حفاضا على تاريخ الحزب وهيبته وسمعته .

تقف على رأس المعارضين الكثيرين لترشيح جيبي كوفود، ممثلا للحزب الاشتراطي الديمقراطي في انتخابات البرلمان الاوروبي العام المقبل، نخبة من قيادات وكوادر المنظمة الشبابية والطلابية في الحزب، ويتزعمهم كل من، أنطوان باخ توماسن، وكاسبر دلوجاتش ستيزن، وآخرين، الذين أخدوا يلوحون بقائمة طويلة من أسماء المعترضين على ترشيح، جيبي كوفود، ويضغطون على قيادة الحزب لكي تستبدله بعضوا آخر يحمل السمعة الحسنة ، وإلا فانهم سوف يعملون على اعلان الثورة في داخل الحزب بين جيل الشباب المتململ من السياسات السلبية الأخيرة التي دفعت بالحزب نحو اليمين، والعمل على اثارة القاعدة الحزبية، إذا ما أصرت قيادة الحزب، على عدم اتخاذ موقف حازم في القضية، والتمسك بقرارها المتعلق بترشيح كوفود، ب “ماضيه السيئ” بحسب وصفهم، الذي مارس فيه واقعة الجنس المشؤومة، مع فتاة قاصر تبلغ من العمر 15 عاما، مع سلوك تعسفي للضحية التي مازالت تدفع ثمن إغراءات ممارسة الجنس مع مسؤولها في المنظمة الشبابية والطلابية، والتي عانت في فترات لاحقة من الوقت من متاعب نفسية بالغة الشدة والخطورة، لانهم يريدون سياسيين يملكون من السمعة الاخلاقية الحسنة والدهاء السياسي قدرا يتمكن من خلاله الحزب في الوصول إلى أوسع قاعدة جماهيرية في المجتمع .

خلفية تاريخية :

جيبي سيباستيان كوفود (من مواليد 14 مارس 1974 في كوبنهاغن) هو سياسي دنماركي من الاشتراكية الديمقراطية ، وكان وزيرًا للشؤون الخارجية الدنماركي من عام 2019 إلى عام 2022. كان عضوًا في البرلمان الدنماركي ‪1998-2014‬ ، وانتخب أولاً في دائرة مقاطعة بورنهولم و لاحقًا في دائرة بورنهولم الكبرى. من 2014 إلى 2019 ، كان عضوًا في البرلمان الأوروبي. في 28 فبراير 2023 ، أصبح نائبًا في البرلمان، كبديل لميت غيرسكوف ، التي كانت في إجازة مرضية.

ولد جيبي سيباستيان كوفود في 14 أذار/ مارس 1974 في كوبنهاجن. وكان طالب رياضيات، وحاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الاجتماعية من جامعة بورنهولم، وشهادة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة هارفارد، وكان معلما بديلا في إحدى المدارس الثانوية، وكان يعمل موسميا كنادل ومضيف في عدد من المقاهي والمطاعم المحلية، وكان منسق المشروعات في القسم الدولي للمنظمة الحزبية في جزيرة بورنهولم التابعة للحزب الاشتراكي الديمقراطي من العام 1995 وحتى العام 1998 .

سياسة الشباب

من العام 1990 إلى العام 1992، كان جيبي كوفود، عضوًا في مجلس إدارة منظمة الطلاب الدنماركية ، ولاحقًا في رابطة طلاب المدارس الثانوية الدنماركية وعضوًا في اللجنة التنفيذية لـ Operation Dagsværk. وكان رئيسًا لاتحاد DSU في بورنهولم ‪1990-1994‬ و ‪1996-1998‬ عضوًا في منظمة واللجنة التنفيذية للمنظمة في البرلمان الدنماركي في الفترة من 1998 و2014 .

في العام 1995 ، أصبح جيبي كوفود المرشح البرلماني للديمقراطيين الاشتراكيين في مقاطعة بورنهولم ومن ‪1998-2014‬ مثل مقاطعة بورنهولم ثم منطقة بورنهولم الكبرى كعضو في البرلمان عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

كان نائب رئيس الكتلة البرلمانية للاشتراكيين الديمقراطيين، وكان عضوًا في لجنة الدفاع بالبرلمان الدنماركي ولجنة التعليم ولجنة البلدية ولجنة الأعمال ولجنة غرينلاند ولجنة جزر فارو. ولبضع سنوات عمل في مجال السياسة الخارجية، على سبيل المثال كمتحدث باسم الشؤون الخارجية لمجموعة الديمقراطيين الاشتراكيين البرلمانية. وشغل منصب نائب رئيس مجلس السياسة الخارجية ‪2001-2008‬. بعد انتخابات العام 2011، وتم انتخابه رئيسًا لمجلس السياسة الخارجية الدنماركية.

حصل على أكبر نسبة أصوات شخصية في الدنمارك في العديد من الانتخابات الوطنية العامة. ومن ثم صوت أكثر من واحد من كل أربعة أشخاص في مقاطعة بورنهولم له شخصيًا في الانتخابات العامة لعام 2011

استقال من البرلمان الدنماركي في العام 2014 للتركيز على مهامه كعضو في البرلمان الأوروبي .

 

البرلمان الأوروبي

في العام 2013، في مؤتمر الديمقراطيين الاشتراكيين، تم انتخاب جيبي كوفود كمرشح رئيسي للحزب لانتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في العام 2014. وانتخب للبرلمان الأوروبي بـ 170739 صوتًا شخصيًا (رقم 2 بعد مورتن ميسرشميت) وفي هذا الصدد استقال من البرلمان الدنماركي. وكانت ولايته البرلمانية في 1 تموز/ يوليو 2014 وتولى منصب نائب الحزب الاشتراكي الديمقراطي جاكوب لوند. وفي انتخابات البرلمان الأوروبي للعام 2019، أعيد انتخابه مرة أخرى، ولكن بعد شهر واحد فقط تم تعيينه وزيراً للخارجية في حكومة ميتي فريدريكسن، وبعد ذلك حلت محله، ماريان فيند، في عضوية البرلمان الأوروبي.

 

المرشح البرلماني للعام 2022

في الانتخابات الدنماركية العامة للعام 2022، حصل جيبي كوفود، على أغلبية بنسبة 4279 صوتًا، وتصدر المركز الثامن بين مرشحي الاشتراكيين الديمقراطيين في دائرة زيلاند ستوركريدز، وعندما فاز الحزب بسبعة نواب في هذه الدائرة، أصبح جيبي كوفود نائبًا أول. في 28 شباط/ فبراير 2023 ، تم استدعاؤه كنائب عن ميتي غيرسكوف عندما كانت في إجازة مرضية.

فضيحة الجنس

في عيد الفصح عام 2008 ، ظهر جيبي كوفود البالغ من العمر 34 عامًا في وسائل الإعلام الدنماركية في قضية أخلاقية تتمحور حول ممارسة الجنس مع فتاة قاصر تبلغ من العمر 15 سنة، بعد أن انتهى من القاء محاضرة للشباب الديمقراطي الاشتراكي في الدنمارك، في أحد المقرات الرئيسية للحزب، ومن بين امور اخرى، أضطر جيبي كوفود إلى تقديم استقالته في اللجنة الطلابية، وكذلك منصبه كمتحدث للشؤون الخارجية للحزب، وصرح رئيس المنظمة الشبابية والطلابية العامة للاشتراكيين الديمقراطيين، أن كوفود، لم يعد مرحبا به في أوساط المنظمة بعد مخالفته للقواعد التنظيمية والاخلاقية .

وفي أيلول/ سبتمبر 2020 ، وبعد سنوات طويلة ظهرت قضيته على السطح من جديد، بعد تصريحات صوفي ليندي عضوة البرلمان الدنماركي عن حزب الراديكال اليساري، حول قضايا التحرشات الجنسية وانتهاكات حرمة النساء، في نطاق الاحزاب السياسية الدنماركية، التي أثارت بدورها زوبعة واسعة النطاق على مستوى الدولة والمجتمع، والتي أسفرت عن قول مقررة المساواة في حزب الراديكال اليساري، سميرة نوا (من أصول أفغانية) إن حزبها لم يكن راغبا ولا مرحبا في منح كوفود منصبًا وزاريًا نتيجة (اعتدائه جنسيا) على فتاة قاصر تبلغ من العمر15 عامًا.

وقد أدى رد الفعل حول هذا التصريح، إلى اعتذار جيبي كوفود مرة أخرى عن خطأه وخطيئته، ولكنه استمر في منصبه كوزير للخارجية الدنماركية، ولم يستقيل من منصبه على غرار ما فعله غيره من زعماء الاحزاب السياسية واعضاء البرلمان ورؤساء مجالس البلديات، من أمثال زعيم حزب الراديكال اليساري، مورتن استرجارد، وعمدة العاصمة كوبنهاجن، فرنك جنسن، وعضو البرلمان الدنماركي عن حزب الشعب المحافظ، ناصر خضر، الذين سارعوا بتقديم استقالاتهم من مناصبهم، بعد أن كشفت وسائل الاعلام المحلية “قصص وفضائح” حول التحرشات الجنسية التي مارسوها مع زميلات لهم في نطاق العمل .

هاني الريس

22 يونيو 2023

Loading