ادعاءات التحرش الجنسي والانتهاكات، أسقطت عروش زعماء كبار في عالم السياسة الدنماركي ..

” بالأمس كان زعيم الحزب اليساري الراديكالي، مورتن استرجارد، واليوم، عمدة العاصمة كوبنهاجن، فرنك جنسن، وغدا من سيكون بطل حكايات التحرش الجنسي في الدنمارك ؟

من المعتاد، وعبر عدة عقود طويلة، أن تتجنب النساء الدنماركيات، رفع دعاوى علنية حول التحرشات الجنسية والانتهاكات، ضد كبار، أو حتى صغار الشخصيات السياسية في الدنمارك، سواء على مستوى الاحزاب السياسية، أو الحكومات الرسمية، التي تعاقبت على حكم الدنمارك، ولكن في خلال الشهور الأخيرة من هذا العام 2020، وبسبب سخونة النقاش العام على المسرح السياسي، وفي اوساط الناس، حول مكافحة قضايا التحرش الجنسي والاغتصاب والانتهاكات، وطرح المطالب الحزبية والشعبية، بضرورة إصدار قانون وطني يحمي المرأة الدنماركية من التحرشات الجنسية، ويصون حقوقها، ارتفعت عقيرة العديد من النساء الدنماركيات، اللاتي تعرضن للمضايقات الجنسية والانتهاكات، ونشروا على مواقعهم الاجتماعية، الكثير من قصص وروايات التحرش الجنسي، التي صادفتهم، مع مسؤولين كبار على المسرح السياسي الدنماركي، سواء كان ذلك حقيقة، أم مجرد مخيلة .

موجة عاصفة من الادعاءات :
لقد ضربت أواخر هذا العام 2020، موجة عاصفة من الادعاءات بالتحرش الجنسي، السياسة الدنماركية، بأقوى شدة، واسقطت عن عروش السياسة زعماء كبار، وكان اول ضحاياء الموجة، زعيم حزب اليسار الليبرالي، الأكثر تشددا في البرلمان، مورتن اوسترجارد، التي بالغت رفيقته في نفس الحزب، لوت رود، في اتهامه بتلمس فخدها، في إحدى الحفلات الحزبية، قبل عشر سنوات مضت، وقضت بموجب ذلك الادعاء، على مستقبله السياسي ووظيفته الحزبية، واحدثت بعدها ما يشبه ” المذبحة السياسية ” في اوساط الحزب، يصعب عليهم نسيانها عبر السنوات الطويلة اللاحقة . ومن بعده جاء الدور، على عمدة العاصمة كوبنهاجن، ونائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في الدنمارك، فرنك جنسن، التي أيضآ بالغت رفيقته في نفس الحزب، ماريا جودمي، وعضو المجلس الإقليمي، في كوبنهاجن العاصمة، في اتهام الرجل بالتحرش بها جنسيا، قبل أكثر من 12 عام مضى، وقضت بدورها هي أيضا على مستقبله السياسي، الذي كان زاخرا بالنشاط والعطاء المثمر، واسقطت من على راسه التاج، ليس فقط كأفضل عمدة تسلم زمام الأمور في بلدية العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، في التاريخ الحديث، وقدم افضل الخدمات الاجتماعية لسكان هذه العاصمة، وجعلها من بين أبرز العواصم النموذجية في أوروبا، بل ايضا مستقبله كنائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم ، ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الراعية لسباق الدراجات الدنماركية _ الفرنسية، للعام 2022، ولم يعد معروف من سيكون ضحية الدور القادم من هذه الادعاءات؟ .

ويبدو من أن عشرات التهم المماثلة حول التحرش الجنسي والانتهاكات، تقلق مضاجع كبار السياسة الدنماركيين، وتلقي بظلالها، على العمل السياسي، وتثير موجة واسعة من الجدل في اوساط الناس، في ظل التساؤولات عن سلوك كبار وصغار القادة السياسيين، إلى حد أن وصف العديد من المحللين وخبراء الفقه القانوني، تلك الموجة، بأنها قد تكون بمثابة ” ثورة عارمة في القيم والمبادئ الاخلاقية” وانها ربما قد تطيح بالعديد من رجال السياسة في الدنمارك، ولو نظرنا بعيون وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في الدنمارك،. فإننا سنجد بأن الأمور سوف تمضي بسرعه البرق، في كشف المستور من مختلف قضايا التحرش الجنسي والانتهاكات، سواء كانت حقيقية أو مزيفة، في ظل الكشف عن وقوع أكثر من 27 الف ضحية من النساء الدنماركيات، من خلال اغتصابهن أو التحرش بهن، خلال السنوات الأخيرة الماضية .

النقاش سيظل ساخنا للغاية :
وفي هذا الصدد قال العديد من خبراء الرأى والفقه القانوني، في الدنمارك، بأن النقاش حول قضايا التحرش الجنسي والانتهاكات، سيظل ساخنا للغاية، وسوف تظهر هناك وبصورة مستمرة قصص جديدة، وضحايا جدد، ولكن على الرغم من كل هذا، فإنه لايمكن وصفها على إنها شكل من أشكال السلوك غير اللائق، وهذا يعني أنه بمقدور اي شخص بالدفاع عن نفسه أمام القانون، إذا ما سيقت ضده ادعاءات .

دعوات للمشاركة في النقاش العام حول التحرش الجنسي والانتهاكات :
من جانبها، ناشدت رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، على موقعها في الفيس بوك، في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بعد تزايد الشائعات والشائعات المضادة حول هذا الموضوع، جميع أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، بضرورة المشاركة الفاعلة والجدية، في النقاش العام المجتمعي، حول قضايا التحرش الجنسي والانتهاكات، وقالت :” أعزائي جميعا، يجب أن يكون هذا العام 2020، هو عام المناقشة الجادة والصريحة، التي يتوجب علينا جميعا، أن ناخذها على محمل الجد، حول قضايا التحرش الجنسي والانتهاكات، لأن الأمر لا يتعلق فقط بأنواع المغازلة أو العلاقات الجنسية العابرة للحدود، بل إساءة إستخدام السلطة، ولهذا السبب، أدعوكم للمشاركة في النقاش العام، وأن يبقى الجميع، دائما مستعدا للمواجهة الكبرى لهذا التحدي ” .

وأما بالنسبة لزعيمة حزب الشعب الاشتراكي اليساري، بيا اولسن داهر، فقد قالت، على موقعها في الفيس بوك، :” أنه لاينبغي لأية شابة في الدنمارك، أن تبدأ حياتها السياسية أو المهنية، بالشكل الذي حدث اليوم، ولكن للأسف الشديد ان ذلك يحدث ليس فقط على مستوى المسرح السياسي، بل في أماكن عامة داخل المجتمع، المكاتب، والمحال التجارية، والمطاعم، والمستشفيات وغيرها، ولهذا السبب يتوجب على الجميع، خوض غمار هذه المعركة الضارية، المتربصة بنا، على صعيد التحرش الجنسي والانتهاكات، وهي في الحقيقة والواقع، اكبر بكثير، من وضع اليد على الفخد، أو استقالة زعيم، أو رحيل العمدة .

هاني الريس
21 تشرين الأول/ أكتوبر 2020

Loading