(1 من 2) أوراق من تاريخ النضال الوطني لقوى المعارضة البحرينية في الخارج

مؤتمر سياسي موسع في لندن لتوحيد الصف والخروج بمشروع وطني متكامل عام 1996 وصراع فكري وسياسي عميق بين الجبهة الاسلامية، وحركة أحرار البحرين .. ومتسلق خطير من بين المشاركين يخرج عبدالرحمن النعيمي عن طوره.

في العام 1996 عندما إشتدت وطأة الانتفاضة الشعبية، وأخذت أدوات القمع التابعة لاجهزة السلطة البحرينية، تحصد أرواح الناس داخل المعتقلات والسجون، وخلال التظاهرات الشعبية السلمية الحاشدة، التي عمت مختلف المدن والقرى والمناطق البحرينية، وانسداد آفاق الحوار الوطني المسؤول، وقيام السلطة البحرينية الحاكمة بحملة إعتقالات هستيرية شملت بعض أعضاء لجنة العريضة الشعبية وقادة الحركة المطلبية الدستورية، وأعدادا هائلة تعد بالآلاف من قواعدها وكوادرها الوطنية.

ومن منطلق الحرص على توحيد فصائل الحركة الوطنية والاسلامية، بادرت حركة أحرار البحرين الاسلامية، بتوجيه الدعوة لجميع القوى الوطنية والاسلامية لعقد مؤتمر طارىء في لندن، وتولى تنسيقية العمل المشترك في المؤتمر، الدكتور مجيد العلوي، الذي يعد في ذلك الوقت بـ (الرجل الثالث) في الحركة، وكان الهدف من الانعقاد، هو الاتفاق على خطة سياسية وتعاون مشترك بين جميع فصائل الحركة الوطنية والاسلامية المناضلة في الخارج، وتوحيد صفوفها ويضع على المحك الطاقات الشاملة لديناميكيتها السياسية والتنظيمية في المرحلة الجديدة والحرجة، التي شهدتها الساحة البحرينية في ظل الانتفاضة الدستورية، ومواجهة الظروف الاستثنائية غير العادية، بخطوات مهمة تتناسب مع تطورات هذه المرحلة، وتغليب المصلحة الوطنية العليا على أي مصلحة ذاتية أو تنظيمية، والوعي العالي والجدية التامة والمسؤولية في الدروس والافكار التي تحملها الأجواء المحيطة بهذه الانتفاضة، والتي أصبحت بالفعل تتشارك فيها جميع فئات وتيارات وقوى وطوائف المجتمع البحريني، والتوصل إلى رؤية مشتركة وعمل سياسي مشترك ينسجم مع الواقع الجديد في البلاد، وإعطاء هذه الانتفاضة دفعا جديدا ينتج عنه وحدة الصف الوطني وتماسك الجبهة الداخلية، في ظل ذروة الهجمة الامنية السلطوية المسعورة لتركيع الحراك الوطني المطلبي.

وقد لبت جميع فصائل المعارضة البحرينية، اليسارية منها والاسلامية على حد سواء، وكذلك عدد من الشخصيات الوطنية والاسلامية المستقلة، تلك الدعوة، وحضرت متضامنة ومنسجمة وموحدة في لندن، متجاوزة معظم الخلافات والاختلافات السياسية والفكرية المتراكمة معها عبر عقود زمنية طويلة مضت.

عقد المؤتمر، في الفترة مابين 13 – 14 كانون الاول/ ديسمبر 1996 في بيت الدكتور سعيد الشهابي، وشارك فيه من جانب لجنة التنسيق بين الجبهة الشعبية وجبهة التحرير الوطني البحرينية، الأمين العام للجبهة الشعبية في البحرين، المهندس عبدالرحمن محمد النعيمي، وهاني الريس. ومن حركة أحرار البحرين الاسلامية، الأمين العام للحركة، الدكتور سعيد الشهابي، والدكتور منصور الجمري، والدكتور مجيد العلوي. ومن الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين، رئيس مجلس شورى الجبهة، الشيخ عبدالحميد الرضي، وكريم المحروس، وجواد عبدالوهاب، والشيخ عبدالمجيد العصفور، وقد تعذر على الأمين العام للجبهة الإسلامية، الشيخ محمد علي المحفوظ، المشاركة في المؤتمر، بسبب عدم حصوله على تأشيرة السفر من دمشق إلى لندن.

ومن جانب الشخصيات المستقلة، الشيوخ الثلاثة المبعدين من البحرين، الشيخ علي سلمان، والشيخ حمزة الديري، والسيد حيدر الستري، بالاضافة إلى عضو البرلمان البحريني المنحل، الدكتور عبدالهادي خلف. وكان من المفترض أن تشارك في هذا المؤتمر، الناشطة الحقوقية البحرينية حصة الخميري، التي كانت قد فصلت من وظيفتها الرسمية في وزارة التربية والتعليم كمديرة للتعليم المستمر، بتاريخ 14 حزيران/ يونيو 1995 في عهد وزير التربية والتعليم الاسبق، الدكتور على محمد فخرو، بعد أن أصرت هي وزميلتها المناضلة في صفوف الجبهة الشعبية في البحرين عزيزة البسام، مع نسبة قليلة من الناشطات البحرينيات، على رفض سحب تواقيعهن من صفحات العريضة النسائية، أبان مرحلة الانتفاضة الدستورية، في وقت كانت قد سحبت فيه عدة نساء تواقيعهن  خوفا من البطش، أو الفصل من العمل والوظيفة، واختارت الاقامة في لندن لمواصلة مسيرة نضالها الوطني من هناك، ولكنها للاسف الشديد، أعتذرت عن الحضور (لاسباب بدت انها طارئة).

وبالاضافة إلى كل هؤولاء القادة الرئيسيين المجتمعين في المؤتمر، كان هناك، حسن موسى شفيعي، الذي شارك في المؤتمر كممثل منتدب عن المنظمة البحرينية لحقوق الانسان، التي كان يرأسها الناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجة، في ذلك الوقت، ثم تخلى عن هذه الصفة التمثيلية، عندما أصبحت الأمور ناضجة وتسير بطريقة سلسة وواقعية وجادة، وأصبح مطلوبا من جميع المشاركين في المؤتمر، الالتزام بتفعيل جميع المقررات والتوصيات والتوقيع على البيان الختامي، وادعى بانه حضر المؤتمر بصفته كناشط حقوقي بحريني مستقل، وليس بالصفة التمثيلية للمنظمة البحرينية لحقوق الانسان، الأمر الذي القى بظلال الشكوك حول المهمة الأساسية التي من أجلها كان حاضرا في النقاش .

استعرض المؤتمر كافة المستجدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية، التي ظلت تحدث في عموم الساحة البحرينية، وردود الافعال المحتملة من جانب السلطة عندما يتطور مجرى الاحداث، وتنفلت جميع الأمور إلى حالة صارمة من أنواع العبثية والفوضوية غير محسوبة النتائج، وغير مدركة لخطورة الوضع الداخلي الفالت من عقاله، واحتمالات تدخل القوى الخارجية في الشأن الداخلي البحريني، وناقش جميع المسائل الضرورية والملحة المطلوب طرحها أمام الجميع لمعالجة الوضع غير الطبيعي والمحفوف بمخاطر كثيرة، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعب ومطالبه واهتماماته وتطلعاته الواقعية، في ظل حالة الاستياء الشديد من كل ممارسات وأخطاء السلطة البحرينية.

وتصدر محضر المؤتمر عدة قضايا مهمة وملحة وكان من أبرزها على الاطلاق، عودة الحياة النيابية العامة، وتفعيل المواد الحيوية المعطلة من دستور البحرين التعاقدي للعام 1973، والتمسك التام ببرنامج الإجماع الوطني كإطار نضالي لجميع قوى وفصائل الحركة الوطنية والاسلامية، والدعوة إلى منع المواجهة الامنية العنيفة والصارمة المتصادمة مع المحتجين السلميين، ووقف حملات الاعتقال التعسفي ونزيف الدماء، واعتبار العريضتين النخبوية والشعبية كأفضل وسيلة ممكنة للضغط على النظام من أجل إجراء حوار وطني شامل جاد ومسؤول، وتضع جميع قوى المعارضة البحرينية امام فرصة تاريخية لسحب البساط من تحت اقدام النظام البحريني الذي ظل يصف الانتفاضة الدستورية بطابع الشعبوية والطائفية .

وبفضل مستوى التفاهمات الايجابية والجدية، وتماسك الموقف النضالي الموحد والمشترك، تجاه جميع القضايا الوطنية الملحة والعاجلة، التي ظل يتطلبها الوضع الساخن في الساحة الداخلية، والحرص الشديد على توحيد الصف، وبعد معالجة قيصرية لجميع التحفظات المثيرة، من جانب الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين، بشأن مسار الانتفاضة الشعبية، وكيفية التعاطي معها بواقعية في جميع الأوقات الحرجة والصعبة، وقع جميع المشاركين في المؤتمر على كل ما ورد في طيات البيان الختامي، الذي حرره وتلاه داخل المؤتمر، عبدالرحمن محمد النعيمي، وذلك باستثناء حسن موسى شفيعي، الذي رفض من جانبه التوقيع على البيان، من دون ذكر أية أسباب لهذا الرفض الفج على لبيان. هذا الامر أثار حفيضة، عبدالرحمن النعيمي، وأخرجه عن طوره، وتصدى له بسؤال غاضب: “لماذا حضرت معنا هذا الاجتماع وأنت لا تمثل إلا نفسك؟ بالامس قلبت علينا الدنيا وقلت أنك تمثل المنظمة البحرينية لحقوق الانسان، وهي جهة مراقبة للاوضاع الداخلية ومحسوبة على المعارضة، واليوم عندما وضعت جميع الأمور موضع التركيز الجاد وتطلب من جميع المشاركين التوقيع على البيان الختامي، انقلبت على رأيك بشدة، واصريت على رفض التوقيع، فماهو إذن الهدف الأساسي المطلوب من حضورك هذا؟”.

الغريب في الأمر، أن شفيعي، ظل طيلة جلسات المؤتمر الصباحية والمسائية على حد سواء، بمثابة العنصر المستمع والمتفرج، على مشهد النقاشات الساخنة والجدية بخصوص واقع ومستقبل العمل المشترك. ولم يكون بوسعه أن يطرح شيء حتى فكرة صغيرة ومفيدة يمكن أن تنعش صورة النقاش العام الذي دار على مدى يومين من الزمن داخل المؤتمر، سوى تلك الهرطقات والهلوسات المثيرة، وبعض التعابير الحقوقية المراهقة والرنانة، التي ظل يتقاطع بها في بعض جوانب هذا النقاش، وذلك في صورة توحي بدرء الرماد في العيون، والتي يمكن أن يظهر من خلالها كما لو أنه كان حاضرا في النقاش، أو كما تفيد بها العبارة المشهورة، كان (إسمه حاضرا في الحصاد ومنجله مكسور) .

شذ وجذب داخل المؤتمر :

شهد المؤتمر، مناقشات مطولة وموسعة وعميقة، وكان بمثابة ميدان تتصارع حوله، التيارات المتناقضة والمختلفة حول المفاهيم الفكرية والعقائد المأدلجة والسياسات المعتدلة والوسطية والتغييرية الجوهرية، والمتشددة والاسقاطية. وخاصة بين “الأخوة الاعداء” في نطاق الحركة الاسلامية، قادة حركة أحرار البحرين الاسلامية، وخصومهم المفترضين قادة الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين، الذين عرفوا تاريخا طويلا من الشك ومن انعدام الثقة بين بعضهم البعض في المسائل السياسية والفقهية، وذلك حول المواقف المبدئية السياسية والتنظيمية والأيديولوجية في زمن الانتفاضة الدستورية، فقد رأت الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين، بأن التوقيت الزمني للانتفاضة لم يكن صالحا تماما في ظل الظروف السياسية والامنية الخطيرة والصعبة على المستويين الوطني والإقليمي، وفي ظل غياب مشروع وبرنامج وطني مشترك ورؤية موحدة بين جميع فصائل الحركة الاسلامية والوطنية، وفتاوى شرعية من رجال الدين الاعلام بالقبول أو المنع.

وفي هذا السياق اتُهمت حركة احرار البحرين الاسلامية بالميل المتزايد الى تفضيل التفرد بصنع القرار في الساحة على الترتيبات الجماعية المطلوبة، وبأنها خلقت لنفسها هالة سياسية اسطورية منذ الايام الاولى لانطلاقة الانتفاضة، مستفيدة من قوة شعبيتها في الداخل ووفرة امكانياتها المالية والاعلامية في الخارج، وأنها أشاحت بوجهها عن باقي أطراف المعارضة البحرينية، وتصرفت كما لو انها هي وحدها فقط  من يقود الساحة، والدليل على ذلك انها اصدرت عدة بيانات ونشرات كانت تعبر فيها عن آرائها ومواقفها المنفردة حول القضية الرئيسية في الانتفاضة، وتنسب لنفسها دور البطولة فيها، ولم ترجع حتى إلى العلماء الأعلام والمراجع الدينية طلبا للفتوى المجوزة أو المحرمة، وشرعت في رحلة علاقات جديدة مع اليسار وقوى التغيير في البلاد مغلفة بشعار “التحالف الوطني من أجل التغيير” بعيدا عن المشاورة أو الاتفاق مع الجبهة الاسلامية.

وبالاضافة إلى كل ذلك، القت الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين باللوم على حركة احرار البحرين، وقالت بأنها غامرت كثيرا في تجييش الشارع الشيعي، ودفعت به إلى منزلق صعب وخطير للغاية، من دون أن تحسب حسابات البيدر والحقل في خضم انتفاضة شعبية كبيرة كهذه. وكانت جميع هذه الاسباب قد شدد عليها في وقت سابق، الأمين العام للجبهة الاسلامية لتحرير البحرين الشيخ محمد علي المحفوظ، الذي إتصلت به أنا شخصيا، عبر مكالمة هاتفية من الدنمارك إلى مقر اقامته بدمشق في الساعات الاولى من تفجر الانتفاضة، وسألته عن رأيه الشخصي الخاص، وكذلك الموقف السياسي للجبهة الاسلامية من التطورات الجديدة الجارية على الأرض في البحرين، فاجابني قائلا: “الرؤية لدينا لاتزال غامضة نسبيا، لم تعد الأمور واضحة تماما حتى الآن، ولا نعرف بالضبط من يقف وراء هذا الحدث، أو من يتزعم هذه الانتفاضة، وسنظل ننتظر ما سوف يراه وسيوحي به العلماء الاعلام والمراجع الدينية، قبل أن نتخذ موقفا متسرعا أو نقول رأينا بوضوح).

وبالمثل هاجمت حركة احرار البحرين، الجبهة الاسلامية، وقالت انها ضخمت الحقائق إلى حد كبير، وكان بامكانها أن تظن بأن الاضطرابات في الساحة هذه المرحلة لا تستحق الصداع، وقد حاولت الحركة أن تبرء نفسها من جملة (المزاعم والاتهامات) التي ساقتها ضدها الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين في المناقشات، وقالت انها تعتبر نفسها فصيل من فصائل الحركة الوطنية والاسلامية، وقوى التغيير الأخرى، التي تقود النضال في الانتفاضة، وانها ليست لديها أية طموحات للزعامة أو التفرد بأي قرار يتعلق بمسار وتوجه هذا الحدث، وأن مواقفها النضالية ستظل دائما معتدلة وتصب في خدمة القضية الوطنية والشعب، وخير نموذج لها في هذا الشأن هو سماحة الشيخ عبدالامير الجمري، ذو الشخصية الفذة المعتدلة والجامعة، والذي ظل يحمل رسالة سلام ووئام وشعار مقارعة الحجة بالحجة في مواجهة الخصم واحتضانه لكل أطياف والوان وطوائف المجتمع البحريني التي تشارك برمتها في غمار معركة النضال من أجل نيل كافة حقوقها وجميع مكتسباتها الوطنية.

وقد جاء على لسان الدكتور مجيد العلوي، “بطل المماحكات والتوترات، وكذلك النكات المسلية في نفس الوقت في جميع هذه الجلسات”: “أن الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين “الشيرازية” لها استراتيجيتها ومناهجها الخاصة في التعامل مع الاوضاع السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية وحتى الدينية القائمة على مستوى الساحة البحرينية، وهي بذلك لا تثق بغير ما تراه صحيحا لنفسها ولمنهجها الاسطوري العقائدي، ولرسالتها السياسية المعروفة التي تقوم على المبدأ الحماسي الشديد، والتي مفادها هو حتمية “اسقاط النظام السياسي في البحرين بالقوة”، حتى لو اقتضى الأمر ذلك، بالرغم من كونها ليست أكثر من فئة ضيقة محدودة ولا تمتلك أية قوة شعبية داخلية، أو حتى مجتمعية طائفية مؤثرة في الشارع، وانها لا تؤمن أبدا بمبدأ الحوار الديمقراطي القائم على المصارحة والمشاركة، والتوافقات ورسم الحلول الصحيحة والمشتركة بين الجميع، والسعي نحو التغيير السلمي الحقيقي والجوهري، وهي دعوة – بحسب – الدكتور مجيد العلوي، تبدو واضحة تماما لابتعاد الجبهة الاسلامية، عن أي توجه معتدل مع الآخرين، وهي دائما على عكس ما تطرحه حركة احرار البحرين الاسلامية، من توجهات تدعوا للتضامن والتوافق والمشاركة السياسية العملية والفعلية في خندق واحد مع كافة القوى الوطنية والاسلامية ومختلف قوى التغيير التي تعمل من أجل المصلحة الوطنية العليا، وحماية المجتمع من الاضطهاد .

استمر النقاش الشديد والحاد يحث الخطى بين طرفي الصراع داخل المؤتمر، وصار يستغرق الكثير من الوقت الضائع وغير المثمر، إلى أن تمكن عبدالرحمن النعيمي، بحنكته السياسية المعروفة وسمعته الطيبة كمناضل أصيل وشخصية مميزة تحظى باحترام الجميع، أن يخفف من حدة الجدل الصاخب في جو المؤتمر، والذي قد خرج في ما يبدو عن مسألة النقاش العام حول القضية الوطنية الرئيسية في زمن الانتفاضة الدستورية، وأعاد الأمور إلى نصابها، وذلك بعد أن ناشد الجميع بعدم شخصنة المسائل الذاتية والجهوية، في مؤتمر تصالحي، ويفترض انه يجمع علاقة عمل مشتركة بين جميع فصائل الحركة الوطنية والاسلامية المعارضة، والذي يجب أن يتعامل معه الجميع في جو يسير وفق طموحات العمل النضالي الجدي والمشترك والأهداف المشتركة والشاملة على مستوى الانتفاضة الدستورية.

الشيوخ الثلاثة، علي سلمان، وحمزة الديري، وحيدر الستري، كانوا يميلون في النقاش إلى مفهوم الشفافية والاعتدال، والتقارب في وجهات النظر، ويركزون على كل ما كانوا يستمدونه من توجيهات وتوصيات وفتاوى الزعيم العقائدي للطائفة الشيعية في البحرين، الشيخ عيسى أحمد قاسم، والتركيز على ضرورة اجراء الحوار المسؤول مع النظام والذي يمكن أن يؤدي بدوره إذا كان جادا وناجحا، إلى التهدئة والسلم الأهلي، ويكون كفيلا بتحقيق كافة المطالب الشعبية، إضافة إلى كونه يضع جانبي الصراع في الساحة أمام مسؤولية الاعتراف بشرعية الآخر، وصولا إلى المصالحة الوطنية الكاملة والشاملة.

وأما بالنسبة إلى لجنة التنسيق بين الجبهة الشعبية وجبهة التحرير الوطني، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى، الدكتور عبدالهادي خلف، فقد شددوا على مفهوم الثقافة الوسطية والاعتدال، والفكر المستنير للامام، وأعلنوا من خلال النقاش عن مواقف صريحة وجدية تدعوا إلى تحرك سريع لحشد الطاقات الشعبية والتنظيمية الوطنية، والبحث عن خطوات عملية وملهمة لدعم حراك الانتفاضة الدستورية والتوجه بخطواته وانشطته وبرامجه للامام، وخوض غمار المعركة المطلبية بمختلف الوسائل الديمقراطية والسلمية، بعيدا عن العصبوية والطائفية وأعمال العنف، والعمل على انشاء جبهة وطنية عريضة تضم مختلف الاطياف والقوى والتيارات الوطنية الفاعلة على الساحة، وإعداد برنامج عمل وطني مشترك للجميع لرسم الخريطة النضالية الشاملة والواسعة النطاق في مرحلة الانتفاضة الدستورية وما بعدها، ولكي تسترشد به الأجيال الحاضرة واللاحقة من شعب البحرين، وذلك من دون تهميش أو مصادرة جهود الآخرين الذين يعملون من أجل خدمة القضية الوطنية، ويتحملون المسؤولية الرئيسية والمطلوبة في هذه المرحلة الصعبة والحرجة. هذا بالاضافة إلى مطالبة النظام بوقف قمع الانتفاضة الدستورية، والاستماع إلى رأي الشعب، واعتبار العريضتين النخبوية والشعبية التي وقع عليها أكثر من 20 الف مواطن بحريني في مراحلها الأولى قبل أن تصادرها السلطات، كبادرة اولى لحسن النوايا والتفاهمات والتوافقات بين المعارضة وأركان الحكم لوضع تسويات منصفة ونهاية عادلة لقضايا الصراع المحموم بين المعارضة والحكم، حيث انه حان الوقت الآن لانهاء عقود من المواجهات العنيفة والدامية بين الحكم والمعارضة، والسعي للعيش في ظل تعايش سلمي مجتمعي بحرية وكرامة وأمن واستقرار، ودولة مؤسسات وقانون .

في الحلقة القادمة .. ماهي اهم القرارات والتوصيات التي شدد عليها البيان الختامي للمؤتمر، وهل طبقت جميعها على أرض الواقع؟ وتظاهرة احتجاجية حاشدة أمام بوابة السفارة البحرينية في لندن اربكت طاقم السفارة وكشفت عن فضائح كثيرة مارسها النظام البحريني بحق الشعب والوطن

هاني الريس

29 كانون الثاني/ يناير 2021

Loading