(3 من 3) ذاكرة النضال الوطني في البحرين في حقبة سنوات التسعينات

الولايات المتحدة الاميركية تحمي البحرين

المنظمات الحقوقية الدولية تنتقد الدور الاميركي المتغطرس في البحرين، وتقول أن النفط أهم من الديمقراطية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية ..

من بعيد تبدو البحرين في نظر البعض وكأنها واحدة من الدول التي تعتمد نظام الحكم البرلماني الدستوري ، وكل شيء فيها يسير على ما يرام، دستور متوافق عليه، و برلمان منتخب، وأحزاب تنشط، وتداول وتناوب السلطة بين الاحزاب، ومكاشفة ومحاسبة أمام الجميع، ومنظمات مجتمع مدني تتحرك من أجل رصد الحقائق والاحداث، وقضاء مستقل وصحافة حرة .

هذا من بعيد، ولكن عندما يقترب أي مراقب ويحلل الأوضاع هناك بشكل عام، فانه قد يرى بأن العكس هو الصحيح، فلا وجود هنا، إلى أية مؤسسة تشريعية منتخبة انتخابا شعبيا، ولا يوجد دستور متوافق عليه بين الحكم والمجتمع، بل أن هناك سياسة انفرادية لصنع القرار، ومجالس صورية تمرر مشاريع السلطة بالبصمات، وجمعيات سياسية وحقوقية أخرى مدنية موالية ومسخرة بالكامل في خدمة أهداف وتطلعات النظام السياسي، وحريات عامة منتهكة إلى أقصى حد، وقضاء مسيس، وحملات قمع ممنهجة ضد الأصوات المطالبة بالتغيير الحقيقي والجوهري في البلاد، وصحافة صفراء مأجورة وشغلها الشاغل فقط هو تلميع صورة النظام السياسي، والتستر على جميع أخطائه وممارساته الاستبدادية القمعية .

القبضة الحديد:

ثلاث سنوات سجن أو أكثر من ذلك، عندما تعثر الشرطة على أي شخص يقوم بتوزيع كتيبات أو منشورات، أو ترويج معلومات وشعارات ضد السلطة، وتعذيب منهجي في عدة حالات، وقد يصل بعضها إلى حالة الموت، ونفي تعسفي خارج إطار القانون، وحملات اعتقال عشوائي خارج إطار القانون، لكبار السن من الرجال والنساء، وكذلك الشباب والأطفال، الذين يشتبه بأنهم من أنصار الحركة المطلبية المناهضة للسلطة، وبالاضافة إلى ذلك عقوبة الموت تحت التعذيب، وكل ذلك يحدث وبدون هوادة تحت سمع وبصر أمير البحرين، الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وحكومته وأجهزته الاستخباراتيه القمعية.

حتى الآن، فأن المعارضة البحرينية، صامدة، وملتزمة بالدفاع عن نفسها بواسطة الوسائل السلمية، من دون التصادم المباشر مع قوات الأمن، وتسير وفق قوانين الأمم المتحدة، ذات الصلة بقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان.

التواجد العسكري الأميركي في البحرين:

أن وجود الولايات المتحدة الأميركية، أصبح واضح وبشكل جلي في البحرين، وقبل هذا كان الوجود الأميركي ضعيفا للغاية وربما غير ملموس على أرض الواقع، ولكن كان مثيرا للناس في البحرين، خلال السنوات الاخيرة، مشاهدة الكثير من الأميركيين وهم يسرحون ويمرحون في أماكن كثيرة في البحرين، وكان الناس ينظرون إليهم باعتبارهم قوة استعمارية جديدة، وليسوا أصدقاء أوفياء لشعب البحرين، بقدر ما أن جميع قواهم العسكرية والمعنوية، ظلت مسخرة بشكل واضح وملموس لحماية أمير البلاد، الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وحكومته، كما يقول الناشط السياسي البحريني، والعضو القيادي البارز في صفوف الجبهة الشعبية في البحرين، والمبعد في الدنمارك، هاني الريس.

القاعدة العسكرية الأميركية:

بحسب المعارضة البحرينية، فان جنود المارينز الامريكيون، لا يشكلون أية قوة ضاربة يراد من خلالها ضرب الاحتجاجات المطلبية الجارية في عموم البلاد، بقدر ما أنهم في الواقع يمثلون جزءا من مجموعة الحرس الخاص الساهر على حماية عرش أمير البحرين، الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وحكومته، ولذلك فأنهم لا يعتبرون بأي حال من الأحوال كجهة محايدة، أو كجزء من لجان المراقبة وتقصي الحقائق، التي تراقب خروقات حقوق الانسان في البحرين، ومبدئيا فأن ذلك الأمر لم يتعارض بالمطلق مع رغبة الولايات المتحدة الأميركية، في حماية عروش المشايخ البترولية في عموم الخليج.

إجراءات متعددة:

حاليا تأمل المعارضة البحرينية، بأن يكون هناك انفراج سياسي، ومصالحة وطنية حقيقية وشاملة، تنهي بها الأزمة السياسية والأمنية المعقدة، التي استمرت تحث الخطى على امتداد أكثر من ربع قرن من الزمن، والعمل على تفعيل المواد الحيوية المعطلة من دستور البحرين التعاقدي للعام 1973، وعودة عمل البرلمان المنتخب، الذي حله أمير البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، بمرسوم قرار أميري في العام 1975 وذلك من دون أن تكون هناك أية أسباب رسمية طارئة أو ملحه إلى اتخاذ هذا القرار، أو إجراء انتخابات برلمانية جديدة حرة ونزيهة، ووقف خطوات القمع الممنهجة، التي طالت العديد من المواطنين المطالبين بالحريات، وحملات الاعتقال التعسفي ضد رموز وقادة وقواعد وأنصار الحركة المطلبية، وبالتالي عودة الأمور إلى مساراتها الطبيعية المعهودة قبل تعطيل مواد الدستور، وذلك بما يحفظ الأمن والعدل والاستقرار والتعايش السلمي داخل المجتمع، حيث يلاحظ أن المجتمع البحريني بجميع فئاته وتياراته وطوائفه، قد أرهقت كاهله جميع سياسات القمع المطلق والعسف العام، كما يقول، هاني الريس.

الولايات المتحدة الأميركية تريد فقط ضمانات النفط:

الولايات المتحدة الأميركية والغرب يعملون اليوم من أجل نشر دعاية الديمقراطية وحقوق الانسان، في الصين، وكذلك في أمريكا الجنوبية، بشكل جدي، باعتبار أن هذه الدول تنتهك قوانين الأمم المتحدة بالنسبة لحقوق الانسان، ولكن بالنسبة للبحرين وجيرانها من بلدان الخليج الفارسي، فأن الأمر يختلف تماما، حيث تنتهك هناك كرامة الانسان وتسلب إرادته، وحيث أن الولايات المتحدة الأميركية، التي تحمي عروش هذه الدول، تظل دائما تغض البصر عن كافة الانتهاكات الفاحشة، التي تمارس هناك من قبل حكام هذه الدول، وتلتزم الصمت المطبق تجاه قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، التي تطالب بها شعوب هذه المنطقة الحيوية من العالم، والسبب هو معروف بأن لديها مصالح اقتصادية وتجارية متعددة، ولديها أكبر قاعدة بحرية في البحرين، لضمان حرية الابحار في مياه الخليج الفارسي، حيث تمر عبر هذه المياه قرابة نصف صادرات النفط العالمية.

في العام 1991، شطبت البحرين، من قائمة الدول، التي تتم فيها مراقبة حقوق الانسان، بتأثير الدعم الفعال للنظام السياسي في البحرين من قبل الولايات المتحدة الأميركية وعدد من حلفائها الأوروبيين، وفي تلك الفترة بالذات حاول النظام البحريني الانفتاح على المعارضة وأبدى بعض المرونة نحو الحوار معها بشأن مختلف القضايا المهمة والجوهرية، التي ظلت موضع خلاف بينهم عبر عدة عقود مضت، وذلك في أعقاب فترة العفو العام الشامل، الذي شمل اطلاق سراح السجناء السياسيين وعودة المبعدين والمنفيين إلى البلاد، وتم من خلال ذلك السماح لمنظمة العفو الدولية ” أمنستي ” أن تزور البحرين في مهمة تقصي الحقائق، ولكن الأمور للاسف الشديد، بدأت تتراجع للخلف، بسبب العديد من الكمائن والإخفاقات، التي حدثت في مشروع الإصلاح، الذي رسم خطواته بمفرده، أمير البحرين الجديد، حمد بن عيسى آل خليفة، بحسب قول، الدكتور عبدالهادي خلف، النائب البرلماني البحريني السابق، والمبعد في السويد، والذي يعمل اليوم كاستاذ ومحاضر في مادة علم الاجتماع في جامعة لوند بالسويد.

سقوط التعهدات:

لم يفي النظام البحريني، بتنفيذ كافة الوعود والتعهدات، التي قطعها على نفسه وأمام الشعب، بشأن الاصلاح الحقيقي والجوهري، الذي تحدث عنه في جميع نصوص وبنود مشروع الإصلاح، ونحن نعلم أن الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، يقومان بالضغط الشديد على النظام من أجل تخفيف حدة التوتر وتصعيد الوضع، في نفس الوقت الذي ظلت تحرص فيه الدولتين المعنيتين، على بقاء الأمور تسير على حالها في البحرين، وكذلك مختلف دول المنطقة.

وكان من المهم لديهم، هو أن لا تتاثر مصالحهم الاقتصادية والتجارية الحيوية في البحرين، وأن لا يتعرض نظام المملكة العربية السعودية الحليف القوي للدولتين، من هبوب رياح التغيير، التي أخذت تحدث في دول المنطقة، بحسب، الدكتور عبدالهادي خلف.

هذا هو نص المقابلة الصحفية، التي أجرتها الصحفية الدنماركية، بنيلا برامينك، في جريدة ” بوليتيكن ” اليومية الواسعة الانتشار في الدنمارك، مع الدكتور عبدالهادي خلف، وهاني الريس، في عددها الصادر في 14 آب/ أغسطس 1996.

ومن هنا، كان لابد لنا من توجيه الشكر الجزيل للزميلة الصحفية الشجاعة، بنيلا برامينك، لاجراء هذا اللقاء الصحفي المشترك، وعلى كل ما قدمته من جهود كبيرة، من أجل خدمة قضايا شعب البحرين، ونريد أن نذكرها مرة أخرى، بأن جميع الأفكار التي ترسخت في مخيلتك حول تطورات الأوضاع في البحرين، خلال سنوات الانتفاضة الدستورية في تسعينيات القرن الماضي، التي قمعت بقوة الحديد والنار، وكان للولايات المتحدة الأميركية دورا محوريا فيها، من خلال دعمها الواسع النطاق لسياسات النظام البحريني، في مواجهة المطالب الشعبية العادلة والمحقة، التي دعت على مر الأزمان، إلى قيام دولة النظام والقانون، وإحلال الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان، محل دولة المراقبة الأمنية المشددة والصارمة، وكانت تأمل في وقوف الولايات المتحدة الأميركية، إلى جانبها بوصفها قوه عظمى، في العالم، والذي يفترض بأنها إحدى الدول العالمية الكبرى الساعية لنشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان، وحماية الشعوب المضطهدة والضعيفة، من أسوأ أشكال المراقبات الحكومية المفرطة وقمع الحريات، ولكنه للاسف الشديد للغاية لم تنعم المعارضة البحرينية بالقدر نفسه من المعاملة الصادقة والممتازة، التي كانت تتعامل بها الولايات المتحدة الأميركية، مع النظام السياسي البحريني، وذلك كما تعلمين، بسبب تفضيل مصالحها الاقتصادية والتجارية الحيوية الآنية والاستراتيجية، على قيم ومبادىء الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، التي تدعي وتتبجح بضرورات نشرها حول العالم، وحماية الشعوب من دكتاتورية الحكام غير المكبوحه، وتنتهج نفس سلوك مسالك الغطرسة السابقة.

ومنذ ذلك الوقت الصارم وشديد التعقيد، والتي ظلت تطحن فيه المياه في عهد أمير البحرين الراحل، عيسى بن سلمان آل خليفة، ومن بعده نجله الأمير، حمد بن عيسى آل خليفة، ظلت الولايات المتحدة الأميركية وبشكل قبيح ومكشوف، تحمي جميع جوانب العرش الملكي في البحرين، عندما يشعر بحدوث الخطر، ويتعرض وضعه وكيانه، إلى هزات وارتجاجات زلزالية، تحاول أن تزعزع أهم مرتكزاته وأركانه، أو محاولة الانقلاب عليه، بسبب جميع سياساته المحلية والخارجية الخاطئة والطائشة، وممارسة القمع الممنهج والمطلق، الذي لايزال يمارس في حق الشعب، الذي ظل يطالب على الدوام بأبسط حقوق المواطنة المشروعة، والتطلع لنشر ثقافة الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان، ومواكبة العصر، والذي قد بلغ السيل الزبى لديه من جراء الوعود الكاذبة والمماطلة والتعهدات الباطلة لتحقيق الاصلاح، والرفض الفج للحوار المسؤول مع المعارضة لوضع نهايه حقيقية وفعلية لدوامة الأزمات الصعبة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، التي أنهكت كاهل الشعب، ولا تزال تداعياتها مستمرة، ويعاني منها شعب البحرين .

هاني الريس

9 كانون الثاني/ يناير 2021

Loading