زيارة لن يتذكرها التاريخ

عالم الدين البحريني السيد عبدالله الغريفي ورفاقه في قصر الحاكم الطاغية وفي ضيافته

لم نكن نعرف أي شيء عن باطن عالم الدين الشيعي البحريني، السيد عبدالله الغريفي، الذي كان يتقدم صف مشايخ الدين، الذين قيل بانهم زاروا قصر الصافرية الملكي  في 13 نيسان/ ابريل 2021 وقابلوا هناك الحاكم الطاغية حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، كي يقدموا له خالص التهاني وأطيب الاماني والتبريكات لمناسبة حلول شهر رمضان المبارك التي مضى علي زمنها عدة أيام من الوقت، سوى ظاهر الرجل الذي عرفناه في حقبة سنوات التسعينات من القرن الماضي معارضا سياسيا يقيم في المنفى القسري في دمشق، ويميل لمختلف مسائل التقشف والتسامح والاعتدال.

وبعد عودته من المنفى انشغل الرجل بقضايا التثقيف الديني ونشر الرسائل الروحية، ولم يخوض معترك عالم السياسة إلا في فترة المناقشات والمداولات السياسية التي حدثت بعد اعلان الحكم عن ما سمي بـ ” مشروع الاصلاح ” وميثاق العمل الوطني، الذي صدقه البعض ورفضه البعض الآخر، وكانت نهايته كارثية، بعد أن توسعت خلاله آلة القمع ضد المعارضين للنهج الخاطىء في مشروع الاصلاح والانقلاب على دستور البحرين الشرعي لعام 1973 ودخول البلاد في دوامة الازمات السياسية والاقتصادية الخطيرة والتدخلات المباشرة وغير المباشرة في الشأن الداخلي البحريني، وكان للسيد عبدالله الغريفي دورا معروف ومحوري في الوثيقة التصالحية، التي وقع عليها حاكم البلاد حمد بن عيسى بن سلمان أل خليفة، في منزل السيد الغريفي، وتعهد فيها بالاصلاح الحقيقي والجوهري في البلاد، واحترام الدستور التعاقدي، واطلاق الحريات العامة وضرورة المشاركة الشعبية في صنع قرارات الدولة والمجتمع، وذلك من أجل ضمان النجاح في العملية التغييرية ومشروع الميثاق.

وفي المرحلة التي شهدت تقويض الحكم للحراك الشعبي الكبير في الرابع عشر من شباط/ فبراير 2011 والقضاء عليه كليا، وقيام الحكم بحملات اعتقال هستيرية خارج اطار القانون شملت معظم قيادات الحراك الشعبي وتقديمهم لمحاكمات سياسية صورية قضت بسجنهم لسنوات طويلة بين المؤبد وخمس سنوات، خلت الساحة من الوجوه القيادية البارزة والمقاومة التي تقود النضال الحقيقي، دخل السيد عبدالله الغريفي، على خط الازمة، وبادر بادوار لم يدعه إليها أحد من قوى المعارضة البحرينية، في محاولات كثيرة تحمل صفات ” الوسيط ” الساعي إلى معالجة أو حل المشكلات ومسائل الصراع بين المعارضة والحكم وذلك تحت شعار ” إصلاح ذات البين ” وقد اضطره لاقحام نفسه في هذا الشأن كما كان يصرح به، من منطلق حرصه الشديد على وحدة الامة وتماسك جذورها وقواعدها التي إهتزت أمام العواصف العاتية بعد سنوات الحراك الشعبي، وفي هذا الوضع فرض السيد الغريفي نفسه كمرجعية تصالحية موثوقة بين طرفي الصراع بناءا على رمزية موقعه الديني المميز بين رجال الدين الآخرين، وتطلعاته الاصلاحية والوسطية، وعليه ظل يحاول أن يقفز إلى الامام لكي يقنع الحاكم الطاغية بشي لم يعد مقتنع به مطلقا من الاساس .

وفي الزيارة الاخيرة التي قام بها السيد الغريفي ورفاقه من المشايخ الدينيين، السيد سعيد الوداعي، والسيد محمد الغريفي، والشيخ جاسم المؤمن، إلى قصر الحاكم، تحت غطاء تقديم التهاني والتبريكات لصاحب العرش، بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، كان الهدف المستتر هو محاولة اطلاق صفقة تصالحية جديدة بين المعارضة والسلطة، أو كما كان يحلو للبعض تسميتها بالصفقة الاستسلامية، التي يمكن من خلالها أن تقوم السلطة بتقديم بعض التنازلات الطفيفة لترطيب الاجواء الملتهبة في البلاد، بعد سقوط بعض الضحايا في سجون ومعتقلات السلطة نتيجة انتشار وباء كورونا الفتاك، وخروج التظاهرات العارمة في شوارع المدن والقرى البحرينية، المطالبة باطلاق سراح السجناء والموقوفين على دمة التحقيقات.

ولكن العارفين بخفايا الامور يظلون يحملون الشكوك في قدرة هذه المبادرة على معالجة الوضع المأزوم ومحي تراكم الاحقاد بين أطراف الصراع في المجتمع، وكذلك عدم قدرة حاكم البلاد ومؤسساته واجهزته القمعية على التفكير الجدي والمنطقي لتغيير الاحوال حتى ولو بصورة تدريجية، لأن الظرف الحالي هو الظرف التي تمثل فيه السياسات الاقليمية والدولية الضغط على السلطة من أجل استمرار الحال كما هو من دون التفكير بأي تغيير جوهري وحقيقي يقلق الدول الحليفة في المنطقة، وكانت التجارب السابقة قد أثبتت أن السلطة البحرينية لم تتراجع قيد انملة عن موروثها السياسي التاريخي، الذي احتفضت به وحافظت علية منذ تاريخ الغزو المشؤوم وحتى اللحظة، ولم يكن في وارد تفكيرها تقديم أية تنازلات مهمة للمعارضة حتى تحت تأثير الاحتجاجات والاعتصامات والتظاهرات الشعبية، والانتقادات والاعتراضات والضغوط الخارجية القوية، التي تمارسها المنظمات الديمقراطية والحقوقية الدولية، من أجل تحسين سجل البلاد في مجال الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان .

ومن الجانب الآخر، أنه في ظل استمرار دولة المراقبة الامنية على محاسبة الناس على مواقفهم السياسية والحقوقية وتكميم الافواه، واستمر عمل دستور المنحة الذي فصله الحاكم الطاغية على مقاسات قامته ومن دون استشارة الشعب، وبقاء مجلسي البرلمان التي قاطعته الغالبية الشعبية، والشورى المعين من قبل الحكم، والاستهتار المتواصل بالارادة الشعبية، فأن الامور لا يمكن ان تبشر بالخير، وأن الزيارة الاخيرة للقصر التي قام بها السيد الغريفي ورفاقة المنتمين إلى التيار التصالحي، والتي لم تكن لها علاقة بقوى المعارضة الاسلامية والوطنية، هي أيضا مشكوك في قدرتها على المصالحة الحقيقية والجوهرية، ولذلك فانه سوف لن يتذكرها التاريخ، على الرغم من صور البهرجة التي ظهرت بها في مختلف وسائل الاعلام البحرينية.

وكذلك تغريدات المغردين المهرولين والمهزومين الذين وصفوا هذه الزيارة، واقول الحاكم الطاغية بان البحرين أصبحت في طريها إلى التغيير، وانها تفتخر بكونها ” نموذجا ” للتواصل والتسامح والعيش المشترك وتحتضن الجميع دون تمييز، وستبقى بلدا للتعايش والمحبة بين مختلف الاديان والمذاهب والشعوب القائم على احترام الجميع، وهذه اقوال معسولة سيظل يرددها الحاكم الطاغية في مناسبة وغير مناسبة من أجل أن يوهم الناس ويضلل الرأي العام المحلي والدولي، عندما وصفوها ب ” بشائر الخير السارة، أو اشارات الخير التي تتوالى في البحرين ” والتي سوف تحمل معها رياح التغيير وأجواء الفرح العارمة، والتي سوف تنقل الدولة والمجتمع إلى الاحسن والافضل، وسوف تنسي الناس هموم الماضي القمعي والكارثي التي تصدوا لها عبر عدة عقود مضت .

هاني الريس

27 نيسان/ ابريل 2021

Loading