فطور قصر الصافرية الملكي الشهي .. والرقص على جثث الشهداء

مرحلة ما بعد طعام الفطور لا تبشر بكل ما هو مأمول .. والتغيير في البحرين “موضوع شائك ومعقد وطويل الامد”

في اللقاء الرمضاني الأخير، الذي جمع حاكم البحرين، حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، بعالم الدين البحريني السيد عبدالله الغريفي ورفاقة الشيوخ الثلاثة، الذين ينتمون للتيار الاصلاحي في البحرين، في قصر الصافرية الملكي في 13 نيسان/ ابريل 2021  والتي تخللته وجبة فطور رمضانية ملكية دسمة تكريما لجميع الضيوف، تحدث حاكم البحرين الطاغية حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، عن وجود دولة مؤسسات في البحرين، أصبحت مؤثرة ومهمة للمشاركة الشعبية، وانها باتت اليوم قادرة على الثبات وعلى تجنب الازمات الكبيرة الناتجة عن حالات غياب الديمقراطية وحقوق الانسان، وهو يعترف بوجود ” النموذج البحريني الأمثل ” للتواصل والتسامح والعيش المشترك بين جميع المواطنين، وأن البلاد سوف تستمر وإلى ما لا نهاية بلد المحبة بين مختلف الاديان السماوية والمذاهب والشعوب القائم على احترام الجميع، وهو الذي تبنى عليه المفخرة البحرينية الحالية .

هذا الكلام الذي أخذ يبشر لمشهد جميل لبحرين الحاضر والمستقبل، والتي ترددت كل أصدائه لعدة مرات داخل قاعة اللقاء، التي زينت جميع واجهاتها وجدرانها بصور السيوف والرماح والخناجر الاثرية التاريخية التي ورثتها وحافظت عليها العائلة الخليفية الحاكمة طبقة بعد طبقة منذ تاريخ الغزوة الجاهلية المشؤومة، التي دمرت بها الحرث والنسل وحرقت الاخضر واليابس في ربوع البحرين، أشاد به جميع الضيوف، الذين وقفوا أمام هيبة و ” جلالة ” الحاكم الطاغية، صاغين وصاغرين تماما، وغير ناكرين للجميل الذي قد تفضل به عليهم في رحاب مجلسه المطرز بأشكال الفسيفساء الجميلة، كما اشادت به أيضا صحف ووسائل أعلام السلطة البحرينية وجميع الابواق المهرولة في الداخل والخارج، التي وصفت اللقاء بانه فاتحة عمل وطني وبشرى للخير ومنطلق مهم لبزوغ فجر جديد وعهد جديد في البحرين، قد يجلب الأمل للمستقبل وينسي الناس جميع المظالم غير المكبوحة، التي عانوا منها على امتداد عقود طويلة، وذلك من دون أن يدركوا بأن هذا ” النموذج المفخرة ” لم يؤسس على تلك المبادىء الاساسية المذكورة أعلاه، وانما فقط على عقلية الخيمة والقبيلة والتفرد بصنع القرارات .

هكذا بكثير من الاستهتار والاستغفال بعقول المواطنين البحرينيين، كان الحاكم الطاغية يتحدث وبتمحيص دقيق وثقة عالية، بان البحرين هي دولة مؤسسات وشراكة مجتمعية في صناعة القرار، وانها بفضل هذا التوجه باتت اليوم قادرة على الثبات والاستمرار في مواكبة العصر، وهي واحة الامن والسلم الاهلي والاستقرار والعطاء والتنمية، وهي تفتخر بكونها ” نموذجا ” للتواصل والتسامح والعيش المشترك، وهي بلد المحبة بين مختلف الاديان والمذاهب وتحترم جميع الثقافات.

هذا الكلام اصبح في ظل الواقع المر والضاغط على الحياة المعيشية اليومية للمواطن البحريني في هذا العهد الراهن المشحون بالموبقات العظيمة، كلام فارغ ولا قيمة له على الاطلاق، ولا نعتقد بأنه سيلقى آدانا مصغية له في البلاد، التي عانى أهلها على امتداد عقود ويلات ومآسي كثيرة من جراء ممارسة القمع والاستبداد المطلق والتمييز الطائفي والمذهبي، ومحاولات تغليب طائفة على طوائف أخرى في المجتمع، ولم يعد يشعر أحدا بأي جو من الاحساس بقرب نهاية لدوامة الازمات السياسية والاقتصادية والامنية التي تسبب بها النظام وظل مصرا على بقائها من دون التفكير بحدوث التغيير الحقيقي والجوهري، الذي هو مطلب الغالبية الشعبية، وأن جميع الوعود والتطمينات التي اطلقها حاكم البحرين من عنانها هي ليست أكثر من مجرد وعود مؤقتة يتم استثمارها لتهدئة هيجان المشاعر الشعبية، التي فقدت كامل ثقتها المطلقة للسياسات الخاطئة والطائشة للنظام الحاكم، الذي لم يعد حتى اليوم قادرا تماما على استيعاب دروس الماضي وتجارب الماضي المؤلم والاستفادة منها .

لقد استطاع حاكم البحرين الطاغية، من خلال هذا اللقاء أن يدغدغ بعض المشاعر المفجوعة، التي اعتقلت قوات الامن أبنائها بصورة وحشية وخارجة عن اطار القانون، أو الذين قضوا نحبهم واستشهدوا برصاص قوات الامن في الاحتجاجات، أو استشهدوا تحت وطأة التعذيب الصارم والمجنون في السجون وفي المعتقلات خلال فترة الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات التي خرجت في الشوارع مطالبة بالتغيير الجذري والجوهري وبالعدالة الاجتماعية والتعايش السلمي المجتمعي ونبذ التمييز، ووجوب بناء دولة القانون والنظام، وذلك بجرة قلم وقرار عاجل اطلق بموجبه سراح أول أمرأة وناشطة حقوقية من سجون السلطة، التي مازالت زنازينها المعتمة تضيق بالالاف السجناء من النشطاء السياسيين والحقوقيين البحرينيين وقواعد وانصار الحركة المطلبية، وفي مقدمتهم رموز وقيادات الجمعيات السياسية والمنظمات الحقوقية والمدنية.

وهلل الجميع وهتفوا وصفقوا لقرار هذه ” المكرمة السامية ” وانهالوا عليها بالمديح والاطراء وبما فيهم الناشطة الحقوقية التي اطلقت السلطات سراحها بقرار عاجل، يثمنون عاليا هذه المكرمة الملكية الابوية، ويأملون ببزوغ فجر جديد في البحرين ينسي الناس جميع كوارث ومآسي الماضي القمعي، في نفس الوقت الذي انصبت فيه جهودهم للمطالبة فقط باطلاق سراح جميع المسجونين والموقوقين، وذلك من دون التطرق إلى أية مطالب أخرى ذات صلة بشأن الاوضاع الصعبة والقاسية المعاشة في المجتمع، وكذلك السياسات الطائشة والمدمرة، التي تسببت بجميع تلك المآسي، وبشأن مكاشفة ومحاسبة جميع المسؤولين الذين تسببوا بجميع تلك المشاكل وازهقوا أرواح الناس، ومن دون أن يثاروا لارواح الشهداء الابرار الذي قتلتهم أجهزة النظام الحاكم على حين غرة وبدماء باردة وتركت عوائلهم يتيتمون ويعيشون في عوز وفقرا مدقع، ويطلبون من هذا الحاكم الطاغية أن يجر قلمه ويقرر مادام هو وحده فقط صاحب الامر والنهي في اتخاذ القرار، أن يعفوا عن جميع من طالتهم مظالمه الجبروتية غير المكبوحة، ويطلق سراحهم ويعوضهم عن جميع سنوات الظلم والقهر التي عايشوها، ويطلق العنان لحرب الوجود للديمقراطية وحكم القانون وحقوق الانسان.

نعم استطاع الحاكم الطاغية، أن يوهم العديد من الناس ويضلل فكر الاكثرية المتفائلة بحدوث التغيير، ويخدعهم باساليبه الملتوية والخبيثة، ولكنه في نفس الوقت يريد أن يبتعد عنهم بخطوات ومسافات بعيدة، عندما يصر على رفض خلق بدائل كثيرة ومهمة وطارئة في بنية نظام الحكم القائم على العقلية البدوية القبلية وتنفيد تغييرات جوهرية، إذا ما كانت لديه هناك نوايا حسنة ومبدئية وانسانية.

ولكن مما هو واضح ومكشوف على أرض الواقع أن النظام لا يريد أن يتراجع أو يتنازل بسهولة عن الارث التاريخي المهم والاصيل الذي ورثه بعد الغزوة الدموية الجاهلية التي كرست وعززت اصولها سياسات الاجداد، من أجل سواد عيون المجتمع، أو المعارضة البحرينية التي يجدها اليوم في أضعف حالاتها وتفككها وتشطرها وغياب أية مرجعية عليا تقود نضالاتها المطلبية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وهو يعرف بالضبط حجم وقوة هذه المعضلة ويقر بأنه عندما تصبح المعارضة هشة ومفتتة وليست لها مرجعية واحدة ومعروفة وموثوقة فانها سوف تفقد ثقة الناس بها وتخسر من قدرتها على التاثير والمواجهة والتحدي.

ولذلك فان قدرته في التحكم في صنع القرار ستكون أقوى من أن تقاوم، وهو ليس مضطرا للاندفاع الجنوني للتغيير السياسي الجذري والجوهري التي تطالب به المعارضة البحرينية، وللاسباب نفسها لن يتنازل حلفاء النظام سواء الخليجيين او الاميركيين او البريطانيين عن احدى معاقلهم الاستراتيجية في المنطقة إذا ما تعرضت لهبوب رياح التغيير وتبدلت وتغيرت مجالات نظام الحكم في السياسة والامن والاقتصاد، أو انتقلت من اطار سياسي حليف معروف وموثوق إلى اطار أخر غير معروف التوجهات والاهداف، ولذلك فانها ترى أن سقوف المرحلة الحالية لا تحتمل أية تغييرات عميقة في هياكل النظام السياسي في البحرين، في مرحلة دقيقة وخطيرة تلك التي تشهدها هذه المنطقة .

كل حديث أو تصور لتغيير الاوضاع في البحرين في الفترة القريبة القادمة سيكون عديم الفائدة والاهمية اذا لم يتحرر النظام البحريني من عقليته القبلية البدوية، وإذا لم يمارس حلفائه الاقليميين والدوليين ضغوط جدية وحاسمة لكبح جماح تصرفاته الصبيانية والعبثية، وحثه على سلوك مسلك العقلانية الحقة والالتزام بالقوانين والمعاهدات الدولية، واما نظرة التراجعات والتفاؤلات والبواعث التي تجدد الثقة بنظام صارم ومستبد ومتفرد وحده بصنع القرار وغير مستعد للحوار المسؤول أو الاصلاح، فانها لم تغير في الامر شيئا.

هاني الريس

1 آيار/ مايو 2021

Loading