وداعا .. حصة الخميري

قبل أن تشرق شمس الحرية الساطعة، والحياة الديمقراطية المطلوبة في البحرين، وقبل أن ترى حلمها الكبير الذي ناضلت من أجله بكل غال ونفيس يتحقق على أرض الواقع وينتصر لقيم ومبادىء الديمقراطية الواقعية والحرية لشعب البحرين برمته، رحلت عنا إلى وجه ربها راضية مرضية، في 9 حزيران/ يونيو 2021 الرائدة الاجتماعية والمناضلة السياسية والحقوقية، حصة عبدالله الخميري، تاركة ورائها فراغا هائلا لجميع المناضلين والمناضلات الشرفاء في البحرين، الذين تربوا على قيم النضال الحقيقي والتضحيات الكبيرة من أجل الشعب والوطن .

من لا يعرف، حصة الخميري ؟ تلك السيدة الفاضلة المناضلة وصاحبة القلب العطوف الحنون، الذي ظل متسعا دائما لجميع أبناء وبنات البحرين، على أختلاف انتماءاتهم ومعتقداتهم وطوائفهم، والتي شاركت معهم في أشرس معارك النضال الوطني من أجل الحرية والانعتاق والعيش الكريم في المجتمع، بكل شجاعة وصبر وتحمل، حتى الرمق الأخير من حياتها .

من لا يعرف حصة الخميري ؟ تلك الرائدة الاجتماعية العملاقة، التي ناضلت بصمت كما الجندي المجهول، في مختلف ميادين النضال الوطني والقومي والاممي، وشاركت في تشييد العديد من منظمات المجتمع المدني في البحرين، ومجالات التعليم والارشاد، وقضايا تحرر المرأة البحرينية وانعتاقها، ومعاصرة كبار الاساتذة والمعلمين والمثقفين والسياسيين البحرينيين الذين قدموا الخدمات الجليلة للمجتمع وناضلوا من أجل حريته ورفاهية ومواكبته لعصر التقدم والتطور والازدهار والتنمية، وظلت عونا لكل انسان معوز أو ضعيف، أو محتاج إلى أية مساعدة انسانية، أو مساندة معنوية .

لقد ناضلت، حصة الخميري، في ميادين عدة، منها الاجتماعية والحقوقية والخيرية والسياسية وغيرها، وخاضت في ظلها أكبر المعارك الشرسة من أجل تحقيق حلم الحياة الحرة والكريمة لشعب البحرين، الذي ظل يعاني من الاضطهاد والعسف العام وسلب أبسط حقوق المواطنة المشروعة، وكانت دائما في مواقع الصفوف الاولى للمناضلات والمناضلين البحرينيين الذين ظلوا على الدوام يتصدون لسياسات الحكم الخاطئة والطائشة، ويسعون للتغيير الحقيقي والجوهري في البلاد، وكانت احدى الرائدات الاوائل في صفوف الحركة النسائية البحرينية، التي شاركت في ساحة نضال الحركة الدستورية وانتفاضتها الباسلة في حقبة سنوات التسعينات من القرن الماضي، وطرحت فكرة اصدار العريضة النسائية المطالبة بعودة الحياة النيابية العامة وتفعيل المواد الحيوية المعطلة من دستور البحرين التعاقدي للعام 1973، بعد حل المجلس الوطني المنتخب بقرار بمرسوم أميري، خلافا لنصوص وبنود هذا الدستور، ومن بعده مرور البلاد بفراغ دستوري ومسيرة عنف واضطهاد وتكميم الافواه استمرت وقائعها تحث الخطى على امتداد أكثر من أربعة عقود من الوقت، وكانت قد تعرضت لقرار فصلها من عملها كرئيسة لدائرة التعليم المستمر ( تعليم محو الأمية ) في وزارة التربية والتعليم البحرينية، بعد اصرارها الشديد على عدم حذف اسمها من قائمة النساء الموقعين على هذه العريضة، وفضلت أن تعيش من حرمان تلك الوظيفة على الخنوع أو الذل، وذلك على عكس العديد من رفيقاتها الكثر الموقعين على هذه العريضة، الذين خضعوا للابتزاز وسارعوا بالعمل على حذف تواقيعهم خوفا من اجراءات الفصل من العمل، مفضلين مصالحهم الشخصية على المصلحة الوطنية العامة .

تعلمت وتخرجت على يدها أجيال من طلاب وطالبات مدارس محو الأمية في البحرين، وأصبح العديدين منهم في ما بعد، مناضلين ومناضلات في مختلف ميادين الحياة العامة في البحرين، ولاسيما في المجالات الاجتماعية والسياسية وحقوق الانسان، حيث عرفت كيف تؤثر فيهم وتعبر بهم ومعهم أصعب المراحل والظروف والمواقف النضالية في جميع الاحداث، في البحرين .

ظلت دائما هامة شامخة بعنفوان وبحرا ذاخرا بالعطاء والتضحيات، ونموذجا لكل إمرأة بحرينية، ناضلت وصمدت في وجه الظلم وفي وجه إغراءات وملذات الحياة الدنيا الزائلة من الوجود، ونصيره لكل انسان مقهور ولكل فقير معوز .

تعرفت على السيدة الفاضلة والمناضلة، حصة الخميري، في العام 1996  في ساحة النضال الوطني في لندن، عندما كانت تشارك مع قادة المعارضة الوطنية البحرينية المبعدين في الخارج ـ ونحن منهم ـ  في أول لقاء مشترك وموسع، يجمع فصائل الحركة الوطنية والاسلامية في الخارج، وذلك من أجل العمل على توحيد شملها، ومناقشة الاوضاع الخطيرة والمربكة، التي كانت تعيشها البحرين في ظل مسارات الانتفاضة الدستورية المطالبة بالتغيير الحقيقي والجوهري في البلاد، والعمل على كتابة مشروع وطني متكامل تشارك فيه جميع تلك الفصائل، لانقاد البلاد من المحنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، التي تسبب بها النظام البحريني، وقد وجدت فيها روح النخوتة والشجاعة والموهبة والحرص الشديد على مستقبل البلاد وشعبها، وصاحبة رؤية اجتماعية وسياسية ثاقبة، ومتطوعة لخدمة كل انسان فقير ومعوز، وكانت تجمع التبرعات للعمل الوطني الذي يخدم القضية الوطنية، ولازلت اتذكر انها استضافتنا في تلك المناسبة في شقة عائلتها المتواضعة في لندن، المهندس عبدالرحمن محمد النعيمي، والدكتور عبدالهادي خلف، والصحفية خولة مطر، وانا ـ هاني الريس ـ بعد أن توجهت لنا بدعوى كريمة لمناقشة مسودة مشروع العمل الوطني المشترك لفصائل الحركة الوطنية والاسلامية في الخارج، الذي تم طرحه على المجتمعين في المؤتمر الموسع للمعارضة البحرينية، الذي عقد لمدة يومين متتاليين في بيت الدكتور سعيد الشهابي في لندن، وقد قامت بأهم وأروع واجبات الضيافة في تلك الدعوة .

لقد رحلت عنا هذه السيدة الفاضلة والمناضلة، في وقت صعب وحساس من تاريخ النضال الوطني لشعب البحرين، حيث لا تزال البلاد تشهد تداعيات دوامة الازمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والامنية، التي تسبب بها النظام الاستبدادي القمعي في البحرين، وحيث تزدحم معتقلات وسجون البلاد بالنشطاء السياسيين والحقوقيين وقواعد وانصار الحركة الوطنية والاسلامية، وتمتلىء ساحات مختلف العواصم العربية والعالمية بالمبعدين والمنفيين من النشطاء البحرينيين واسرهم، تاركة فراغا هائلا في الساحة النضالية الوطنية، كما لدى افراد عائلة الخميري الكرام، فلهم ولنا التعزية بهذا المصاب الجلل، رحمك الله يا حصة عبدالله الخميري، واسكن روحك الطاهرة فسيح جناته مع الشهداء الخالدين والابرار.

هاني الريس

12 حزيران/ يونيو 2021

Loading