الموت يغيب .. المناضل الوطني جواد العكري

ناضل من أجل الحركة النقابية والطلابية والحقوق المدنية في البحرين

ظل تاريخ النضال الوطني من أجل الديمقراطية والحريات المدنية وحقوق الانسان في البحرين على امتداد عقود طويلة يروي قصص وحكايات عن هموم الوطن والمواطن، وعن جميع ضحايا قمع السلطة البحرينية، ويسطر احصائيات الارقام التي لا تعد ولا تحصى عن كواكب الشهداء والمعتقلين والمسجونين والمصابين بالامراض النفسية من جراء التعذيب الوحشي داخل سجون السلطة، وكذلك المئات من المبعدين والمنفيين من العوائل البحرينية في مختلف العواصم العربية والعالمية الذين دافعوا عن قضايا الشعب والوطن وتعرضوا لجميع المحن والمصائب .

المناضل من أجل الحركة النقابية والشبابية والطلابية والحقوق المدنية في البحرين، جواد حسن العكري، الذي غيبه الموت في 23 حزيران/ يونيو 2021  هو أحد هؤولاء الضحايا الذين تعرضوا لعسف السلطة البحرينية وبطشها، وضاقت بهم أرض البحرين ولم تتسع لغير قبورهم، حيث أمضى الفقيد الراحل، الذي كان ينتمي إلى جيل المناضلين اليساريين البحرينيين القدامى الكلاسيكيين، الذين تركوا بصماتهم الواضحة على تاريخ الحركة النضالية السياسية والنقابية والطلابية في البحرين، وعملوا بشجاعة متناهية من تحت الأرض، في ظل ارهاب دولة المخابرات البحرينية، واجراءات منع الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني المستقلة، معظم حياة الصبا والشباب في خدمة القضية والوطنية في صفوف الحركة النقابية الطلابية اليسارية البحرينية، وقد تعرض للكثير من الملاحقات والتعذيب الوحشي على أيادي جلادي الاجهزة الامنية البحرينية، على امتداد ثمان سنوات أمضاها بتعب وأرق وقلق في غياهب السجن، بدأت منذ العام  1975 وانتهت في العام 1983 حين أطلقت السلطات سراحه وأجبرته على عدم القيام بأي نشاط سياسي محظور، وبعدها ظل يعمل بخطى حثيثة من تحت الأرض خدمة للقضية الوطنية.. وأكاد أجزم أن كل سنوات العذاب التي أمضاها في غياهب السجن وتعرض خلالها لمختلف أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، وهو ” المتهم ” التي لم تثبت عليه أية تهمة واضحة مخالفة للقانون ليست سوى انها مكيدة وحربا ظالمة أرادتها السلطة البحرينية لتصفية حساباتها مع شقيقه الأكبر المناضل الوطني الشجاع، عبدالنبي العكري، الذي رفع راية النضال ضدها بشراسة ولاحقته أجهزة أمنها على فترات زمنية متباينة من أجل مواجتهه وأعتقاله ولم تتمكن من ذلك، والذي بعدها نجح في الفرار وغادر البلاد إلى الخارج خوفا من البطش، ومكث في المنافي القسرية قرابة 40 سنة وبالاخص في سلطنة عمان واليمن وسوريا، أي أنه أصبح رهينة سهلة في أياديها لكي تستطيع أن تجبر بها شقيقه الأكبر عبدالنبي، على العودة إلى البلاد وتصفي حساباتها معه بالكامل .

كان الفقيد الراحل جواد العكري، ناشطا ثوريا ومشهودا في نزاهته واستقامته وشجاعته وقدرته القيادية في صفوف الحركة النقابية والشبابية والطلابية البحرينية ـ بحسب ـ العديد من رفاقه الذين عاصروا سنوات النضال معه، وذلك منذ كان طالبا جامعيا يتلقى علومه في كلية التجارة في جامعة دمشق، وكان حينها قد انتخب لامانة سر رابطة طلبة البحرين في سوريا منذ العام 1970 وحتى العام 1971 ومن بعدها أمين سر اللجنة التحضيرية التي دشنت حجر الأساس لقيام الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الخارج، وكان عضوا في المؤتمر التاسيسي للاتحاد الذي عقد في العام 1972 وانتخب عضوا في المجلس الاداري، ثم عضوا في الهيئة التنفيذية في العام 1973 وكان مسؤولا عن نشاط اللجنة الاعلامية للاتحاد في ذلك الوقت .

تعرفت عليه لاول مرة في البحرين في أوائل العام 1975 من خلال اجتماع موسع عقدة لجنة المتابعة الرياضية، التي تشكلت من عشرة أعضاء يمثلون 10 أندية رياضية بحرينية من دوري الدرجتين الاولى والثانية لكرة القدم البحرينية، أعضاء في الاتحاد البحريني لكرة القدم، كانت تسعى لمهمة سحب الثقة من الهيئة الادارية العليا للاتحاد الرياضي البحريني لكرة القدم التي كان يرأسها الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة ( وزير الداخلية البحرينية السابق ) وعضوية كل من جميل جواد الجشي، وغازي رضي الموسوي، وسيف جبر المسلم، ومبارك بن دينه، وشناف فيصل، وعبدالله حمزة، ومحمد يوسف أحمد، والعمل على تنظيم انتخابات جديدة وشفافة للاتحاد، وذلك لاسباب ظلت تتعلق بالبيروقراطية الثقيلة التي كانت تمارسها الهيئة الاتحادية العليا في عملها في ذلك الوقت، والتي غدت عائقا في وجه أي تطور ملموس في ميدان كرة القدم البحرينية، وكذلك عدم انتهاجها خط تشاوري مع الاندية الاعضاء من أجل اتخاذ القرارات الهامة المتعلقة بجميع أنشطة لعبة كرة القدم داخل الاندية وخارجها، وتباطؤها في العمل على تطوير مستويات لعبة كرة القدم البحرينية واصرارها على عدم الرغبة في زيادة عدد الاندية في مسابقات الدوري العام للدرجتين الاولى والثانية، وتركها لجميع هذه الاندية وحيدة تتخبط بمشاكلها المعنوية والمادية وأمور أخرى. وقد وجدت في الفقيد الراحل جواد العكري، الذي كان مشاركا معنا في اجتماعات اللجنة، ممثلا عن نادي الديه الثقافي والرياضي، بعض الخصائص المميزة في المداولات والمناقشات الطويلة التي ظلت تطرح خلال اجتماعات اللجنة، ومنها سرعة البديهة والأخذ بزمام المبادرة للكلام وطرح التصورات الجديدة والمفيذة للعمل المطلبي تجاه القضية الرئيسية للاندية. ثم التقيته بعد مرور سنوات طويلة للمرة الثانية في دمشق في أواخر العام 1990  عندما كنت وقتها أعيش في المنفى القسري بعد خروجي من السجن، والنجاح في عملية الفرار إلى خارج حدود البلاد خوفا من بطش السلطة، والمرة الثالثة والتي كانت الآخيرة صادفت في البحرين في العام 2002 بعد اعلان السلطة عن قرار العفو العام الشامل وغير المشروط الذي عاد بموجبه معظم المبعدين السياسيين البحرينيين في الخارج إلى البلاد ـ ونحن منهم ـ وعرفت في شخصية الرجل جميع معادن معنى الاخوة الحقة والشهامة وكرم الضيافة وحسن المعشر وطيبة القلب والتواضع والاخلاق ونكران الذات، وكذلك معدن الحنين إلى ماضيه النضالي القتالي الذي تعثر بسبب فرض قوة الحديد والنار في الشأن الداخلي البحريني، وهذه كانت كلها صفات حميدة ومتأصلة من صفات ظلت توصف بها عائلة المرحوم الاستاذ والمربي القدير الحاج حسن العكري، والد هذه العائلة الكريمة، والذي استطاع أن يلهم بمشاعره الابوية الحنونة والعاطفية الجياشة جميع أبنائه وبناته، ويرشدهم إلى الطريق السليم من أجل مستقبل مشرق يسعدهم ويكرس استقرار حياتهم، ويجعل منهم أساتذة ودكاترة ومهندسن، ومناضلين حقيقيين، وبذلك استطاع أن يحقق حلمه، حيث أن جميعهم ومن دون استثناء انخرطوا في النضال من أجل الارتقاء بمستوياتهم الثقافية ومؤهلاتهم العلمية العالية، وأن يخدموا القضية الوطنية ” ومثال ذلك صاحب النضالات الوطنية والعربية والاممية المعروف، عبدالنبي العكري ” والتي لاتزال نضالاته المشهودة تحث الخطى من دون أي تعب أو كسل أو ملل .

رحم الله، الاستاذ المناضل، جواد العكري، وأسكن روحه الطاهرة فسيح جناته مع الخالدين والابرار، والهم أهله ودويه الصبر والسلوان .

هاني الريس

27 حزيران/ يونيو 2021

Loading