الحماية البريطانية ومزاعم إستقلال البحرين

ما هو الدور الاساسي والمحوري الذي لعبته بريطانيا العظمى لفرض الوصاية على البحرين قبل نصف قرن من الزمن؟ وكيف وقفت عائلة آل خليفة وحكومة التاج البريطانية في خندق واحد لمواجهة مطالب شعب البحرين في الحرية والاستقلال؟

بعد إستقرار جميع أوضاعها السياسية والاقتصادية والذاتية في البحرين، وحرصها على حماية كيانها السياسي والاجتماعي والامني، من أية مخاطر كبيرة محدقة، داخلياً وعلى المستوى الخارجي، سعت عائلة آل خليفة، بكل ما تمتلك من قوة ونفود ومن وسائل مذلولة ومكائد كثيرة لتكريس وتعزيز (شرعية) وجودها في البلاد، وما لبثت بعد سنوات كثيرة من تلك الممارسات الملتوية والخبيثة، أن أرتمت في أحضان القوى الكبرى الاقليمية والدولية من أجل تحقيق تلك الاهداف، فلم تتوان لحظة واحدة عن طلب حماية أمنها السياسي والذاتي، من قبل حكومة المملكة المتحدة البريطانية، بوصفها القوة العالمية الكبرى في ذلك الوقت، والتي ظلت تبسط نفوذها على مد العين والبصر على أرجاء شبه القارة الهندية والخليج، وبشكل محموم منذ نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك تحت مبررات ودرائع شتى وكان من أهمها على الاطلاق، مكافحة تجارة الرقيق الابيض ومحاربة القرصنة في مياه الخليج الشرقية، وإعتبارهذه المنطقة كممر مائي مفتوح لتوافد السفن والقواعد العسكرية البريطانية، وضمان وجود مراكز تجارية متقدمة لاستيراد وتصدير منتوجاتها الى مختلف مناطق الشرق والغرب، وبخاصة شبه القارة الهندية وإيران، التي كانت تستورد منهما مختلف الانسجة القطنية ومواد الفلفل والسكر والارز والفول، ومادة الخام من الصوف والحرير، وماء الورد والخضار والفواكه، وغيرها من كنوز وموارد الثروة الزراعية والحيوانية والمائية، التي أسست عليها لاحقا ثرواتها المالية وقوة نشاطها الاقتصادي .

عائلة آل خليفة تستجدي حكومة التاج البريطانية لطلب الحماية الأمنية:

وفي العام 1820، حاولت عائلة آل خليفة، أن تستجدي حكومة التاج البريطانية، وعرضت عليها ثم طلبت منها تقديم المساعدة المباشرة والعاجلة بخصوص مساندتها ومشاركتها ” كوسيط ” في قضية كانت تتعلق بصراع خارجي، بينها وبين سلاطين مسقط وعمان، بشأن موضوع حق بسط السيادة على البحرين، حيث كان حكام السلطنة، في ذلك الوقت بالذات يتطلعون إلى فرض الهيمنة على المنطقة بشكل كامل ومباشرـ ويهددون استقرار وأمن البحرين، إذ أنهم كانوا يرسمون بسفنهم وقوافلهم العسكرية، حدود وطنهم من ساحل عمان إلى السواحل الشرقية من شبه الجزيرة العربية ومحيطها، ويعتبرون جزر البحرين جزء لا يتجزء من حدود عمان الجغرافية الشاسعة والعملاقة، بعد أن كانت جحافل جيوشهم قد غزت في فترة سابقة أراضي هذه الجزر واحكمت عليها الحصار، وفرضت على حكامها دفع الجزية، في مقابل حماية أساطيل سفنهم في عرض البحر وممرات مضيق هرمز، وكان ذلك بالتحديد في العام 1718 في عهد الامام اليعربي الثاني حاكم السلطنة، وذلك تحت قيادة قائد الجيش السلطاني، سيف بن سلطان، في محاولة الاستيلاء على البحرين، ثم إخضاعها والحاقها بولايات السلطنة وأنظمتها السياسية والعسكرية.

وعندما فشلت الوساطة البريطانية الضعيفة والهشة، وتعسرت إفق الحلول السلمية، وأصبحت نذر الحرب بين الطرفين قائمة لا محالة، تحولت هذه الوساطة إلى موقف سياسي داعم للبحرين، بحيث وقفت حكومة التاج البريطانية، في وجه التهديد العماني لحكام البحرين، ومنعت الهجوم المحتمل عليهم بواسطة سفن وجيوش السلطان، وذلك من خلال تكرار نشر الرسائل والتحذيرات والانذارات، التي تفيد بقدرة حكومة التاج البريطانية على فرض كل ماتريد وترغب في المنطقة تحت ضرورة الامر الواقع، وتحت تكرار إستغاثات عائلة آل خليفة لها بتقديم العون والمساعدة العسكرية من أجل التصدي للمخاطر العمانية وكذلك الخارجية المحذقة، التي قد تهدد استمرار بقاء كيان مشيختها في البحرين، ونظرا للمواقف البريطانية الجادة والحاسمة بشأن الدفاع عن كيان مشيخة عائلة آل خليفة، والخوف من المواجهة العسكرية غير المتكافئة مع دوله عظمى، تريث سلاطين مسقط وعمان عن إعلان أية مواجهة عسكرية حاسمة، قد تكون نهايتها خاسرة  أمام إصرار حكومة التاج البريطانية على منع أي تغلغل عماني محتمل يستهدف البحرين، أو أي من دويلات تلك المنطقة واحتلالها.

وبحسب روايات العديد من الباحثين، ظل سلاطين مسقط وعمان، يحاولون بين فينه واخرى القيام بشن هجمات مسلحة وخاطفة تستهدف زعزعة الامن في البحرين تمهيدا لغزوها واحتلالها عن طريق القوة، واسترجاع جميع إستحقاقات الديون المالية المتأخرة المتراكمة على عائلة آل خليفة، في ما يتعلق بدفع الجزية، وكذلك بعض الرسوم المستحقة عليها في مقابل السماح لسفنها التجارية بالمرور عبر منطقة مضيق هرمز الخاضعة لنفود سلاطين عمان ومسقط، والتي ظلت تفرض على حكام البحرين طوال أكثر من 30 عاما من الزمن، عندما إستطاعوا في واحدة من أشرس المعارك  الملحمية البحرية، أن يلحقوا بهم أقسى الهزائم، ويحتلوا البحرين في العام 1799، وأن يقوموا بتعيين السلطان سالم مسؤولا عن ادارة شؤون البلاد وتحصيل الجزية، وذلك  بعد فرار عائلة آل خليفة، إلى شبه الجزيرة العربية، بعد عجزها عن التصدي للهجوم العماني القوي والكاسح، غير أن الاخيرة و بعد مراحل طويلة من تكرار محاولاتها اليائسة لرد إعتبارها في البحرين، إستطاعت في العام 1810، أن تنتصر على سلاطين مسقط وعمان في إحدى المعارك الدموية الضارية، وذلك بدعم ومساندة عسكرية من جانب زعماء الحركة الوهابية، الذين قدموا لها المال والسلاح والرجال المقاتلة والسفن .

البحرين تحت الوصاية الوهابية:

ويذكر، أن البحرين، كانت في ذلك الحين، من بين إحدى الدويلات الصغيرة الخاضعة للوصاية الوهابية غير المباشرة مابين العام 1803 و العام 1809، ولكن في مطلع العام 1810، حاولت الحركة الوهابية، بقيادة فيصل بن تركي (زعيم الدولة السعودية الثانية) أن تفرض قوتها الضاربة والمباشرة على المشيخة البحرينية، وقامت بتعيين شخصية من رموزها العائلية واليا على البحرين، لمتابعة شؤون خدماتها في البلاد، وكان مطلوب منه أن يجمع أموال الزكاة، من فقراء البحرين ويقوم بارسالها الى خزائن مركز القرار لدى قادة الحركة الوهابية في الدرعية، مع التجاهل الكامل للظروف المعيشية الصعبة والقاسية، التي ظل يعاني منها شعب البحرين برمته في ذلك الوقت، والتي ارادها الوالي السعودي، فرصة مؤاتية للامساك بزمام الامور في البلاد، والظهور بمظهر الرجل الاكثر حرصا على كافة مصالح الوصاية الوهابية على البحرين، ويفرض شروطا صعبة وقاسية على عائلة آل خليفة في مقابل حمايتهم من أية غزوات خارجية أو قلاقل داخلية  .

نوايا سيئة وخبيثة:

وفي مطلع العام 1811، انتهزت عائلة آل خليفة، فرصة الزحف المصري الذي أخد يشق طريقه بشكل سريعوملفت، من أجل تقويض تطلعات الحركة الوهابية وقطع شرايين إمتداد وتوسع نفودها المحتمل في العديد من بلدان المنطقة العربية، وسعت لعقد بعض صفقات التحالفات السياسية والعسكرية والتزاوج المصلحي مع أعدائها السابقين سلاطين مسقط، والذي سبق لهم أن صادروا قراراتها في تكريس وتعزيز مفهوم السيادة على الارض، وضلوا يفرضون عليها فواتير دفع الجزية لاكثر من 30 عاما من الزمن، وأبرمت معهم اتفاق الهدنة والصلح، وذلك تحت عاملين أساسيين الاول، يتمثل بصرف أنظارهم عن تكرار محاولات استرداد نفوذهم في البحرين، والثاني، لكون العائلة تعتبر نفسها هدفا للمطامع الخارجية، وتحتاج بشكل جوهري وملح إلى من يستطيع أن يقدم لها الدعم السياسي والمعنوي والمساندة العسكرية لردع المخاطر الاجنبية، وقد استمر زواج التحالف المصلحي بين عائلة آل خليفة والسلاطين، حتى العام 1813، عندما تعرض سلطان مسقط وعمان في حملته العسكرية المباغتة على شيوخ القواسم في رأس الخيمة لهزيمة موجعة وقوية، تنصلت بعدها عائلة آل خليفة، لجميع نصوص وبنود ذلك الاتفاق، وأعلنت بكل صراحة انها في حل من التزاماتها السابقة تجاه سلاطين  عمان مسقط، الذين خسروا معاركهم أمام القواسم، وأصبح مستقبل مصيرهم في مهب الرياح، ما يؤكد على عمق النوايا السيئة والخبيئة للعائلة الخليفية، تجاه من يثق بها ويؤتمنها على أمنه أو عرضه أومصالحه .

الانتصار الخليفي على سلاطين عمان ومسقط:

وعلى أمتداد عقود من الزمن، كان سلطان مسقط، و كذلك دولة الحركة الوهابية السلفية في صدارة التهديدات المباشرة وغير المباشرة، التي ظلت تتعرض لها مشيخة عائلة أل خليفة في البحرين، حيث تصاعدت وتيرة الاتهامات المتبادلة بين الاطراف الثلاثة حول مصير البلاد الاقتصادي و السياسي والجغرافي، وتوسعت آفاق الحرب بين سلطان مسقط وعائلة آل خليفة، خاصة بعد أن انفصمت عرى التحالف المصلحي، وتكشفت النوايا السيئة والمبيتة، التي بنت عليها عائلة آل خليفة مرتكزات ذلك التحالف الهش وغير المقدس، وكانت خاتمة المعارك، التي نشبت بين الطرفين قد كلفت سلطان مسقط الكثير من الخسائر المادية والمعنوية، حيث إنتصرت عليه عائلة آل خليفة، بقيادة قائد اساطيلها البحرية (عبدالله بن أحمد آل خليفة) حاكم جزيرة المحرق وبمعيته (خليفة بن سلمان آل خليفة) قائد سلاح الخيالة وحاكم مدينة المنامة، حيث أودت هذه المعركة بحياة العديد من جنوده وأنصاره وتذمير معداته وسفنه، و قيل حينها أن السلطان سيف بن علي، الذي كان يقود بنفسه رحى الملحمة الدامية في ساحة الحرب، قد نجا بأعجوبة من هول المذبحة الرهيبة، التي تعرضت لها قواته، ولكنه إصيب ببعض الجروح الطفيفة، في أحدى ساقيه، وقيل أيضا بأن هذه المعركة، كانت آخر المعارك الكارثية الطويلة، التي خاضتها عائلة آل خليفة، مع سلاطين عمان ومسقط، دفاعا عن عرشها ومشروع مشيختها المستقلة في البحرين .

وتكررالامر نفسه عندما زحفت جيوش الدولة المصرية، بقيادة القائد العسكري، ابراهيم باشا في العام 1811 لغزو الجزيرة العربية، بهدف تقويض إمتداد مشروع الحركة الوهابية العقائدي، الذي ظل يطمح بقوة إلى الاقتراب من حدود العديد من المناطق العربية، واحتمالات امساكها بزمام الامور في بعض دول المنطقة، بذلت الحكومة البريطانية جهودا كبيرة لمنع التغلغل المصري في الخليج وخاصة البحرين، حيث كان حكام مصر في ذلك الوقت يتطلعون بقوة إلى بسط نفودهم وسيطرتهم على تراب هذه المنطقة الحيوية، نظرا لاهميتها الاقتصادية وتراثها التاريخي والثقافي والديني وموقعها الجغرافي الحيوي الذي يربط القارات الثلاث بالعالم .

دور بارز ومحوري لبريطانيا في البحرين:

وفي العام 1840 إتيحت فرصة سانحة لحكومة التاج البريطانية، بلن تلعب الدور البارز والمحوري في قضايا الصراع على عرش مشيخة آل خليفة في البحرين، الذي كاد أن يعصف بمستقبل حكم هذه العائلة، ويندر بزوال تاريخ حكمها للبحرين، وذلك عندما  التمس منها أقطاب العائلة البارزين، تقديم المساعدة و التدخل بشكل مباشر في جوهر نزاع عائلي خطير إشتدت وطأته بعنف بين حاكم المشيخة، عبد الله بن أحمد بن محمد آل خليفة، وبين معارضيه ومنافسيه من أفراد العائلة الحاكمة، على مستوى أحقية الجلوس على العرش وبخاصة من جانب إبن شقيقه محمد بن خليفة آل خليفة، الطامح بالوصول إلى سدة الحكم، حتى لو تطلب الامر فرض سلاح القوة ونزيف الدماء، وذلك بعد أن تعسرت عليها جميع الحلول في إيجاد مخارج كفيلة بحسم هذا الصراع المخيف، مما سهل على العرش البريطاني فتح أبواب التدخل الحر والمباشر، في الشأن الداخلي البحريني وبشكل سافر من خلال أبرام إتفاقيات الحماية والامن، بحيث استطاعت الحكومة البريطانية اللعب على أوراق التناقضات والخلافات الحادة، التي نخرت جسم هذه العائلة، و فرضت عليها، كل ما تريد من شروط مذلة في مختلف القضايا المصيرية الهامة، ضمن ما كانت تعتبره من ضرورات الامر الواقع في البحرين والمنطقة، و الزمتها بأحترام  كل ما نصت عليه هذه الاتفاقيات والمعاهدات، وبخاصة معاهدة السلام البحري، المبرمة بين الطرفين البريطاني والبحريني،في العام 1820، وإطلاق يدها في حل منازعات الاسرة الخليفية الحاكمة في المشيخة البحرينية، والاهم من ذلك كله، قامت بفرض اتفاقيات إضافية مذلة في ظل هيمنتها السياسية والعسكرية والامنية، كان من شأنها أن قيدت سياسات حكام المشيخة الخليفية، وجميع تطلعات المجتمع نحو الحرية والديمقراطية والسيادة الوطنية والاستقلال، ودفعت بالبلاد، إلى إتون صراعات داخلية شديدة، ومطالبات وطنية ملحة لم تنقطع من جانب الحركة الوطنية البحرينية، بأستعادة السيادة والاستقلال، والتي إستمرت تحث الخطى طوال سنوات حقبة الحماية البريطانية وتداعياتها اللاحقة المستمرة.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، التي توجت بانتصار دول الحلفاء، على دول المحور وقضت على العقيدتين النازية في المانيا الهتلرية والشوفينية الموسولونية في ايطاليا، سعت حكومة التاج البريطانية لتوسيع نفودها في البحرين، ونقلت في أواخر العام 1946، مقر المقيم السياسي البريطاني في الخليج، من مدينة بندر بوشهر الساحلية الايرانية، وبعض وحدات قواعدها العسكرية المنتشرة في المنطقة، إلى البحرين، والتي أصبحت تمثل في مابعد (رأس الحربة) القوية والموجعة التي تصدت لكل حركات التحرر الوطني في البحرين وفي المنطقة برمتها، وحاولت أن تحطم طموحات وأمال شعوبها من نيل الحرية والديمقراطية والسيادة والاستقلال .

ومنذ ذلك الوقت التزم جميع حكام عائلة آل خليفة، المتعاقبين على حكم المشيخة البحرينية، باحترام المعاهدات والاجراءات والاوامر البريطانية المستبدة والظالمة، التي تم تطبيقها واعتمادها بعناية ممنهجة، ضد مصالح شعب البحرين وطموحاته في الحرية والاستقلال وتأسيس الدولة البرلمانية الدستورية، طوال مراحل السيطرة البريطانية السياسية والعسكرية والامنية، والعمل على إبرام الاتفاقيات والمعاهدات الجديدة، التي كان بوسعها أن تحمي كافة أوضاع عائلة آل خليفة في حكم المشيخة، والتفرد ببعض القرارات و الامتيازات، ومن أبرزها معاهدة العام 1816 المشؤومة التي كبلت البحرين وشعبها، بالقيود الفولاذية المحكمة، جراء تدخلات المسؤولين في سلطة الحماية البريطانية السافرة والمباشرة، في مختلف القضايا الحساسة والمصيرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية في البحرين .

مزاعم استقلال البحرين:

وبعد مرور حقبة زمنية بعيدة، من تواجد سلطة الحماية البريطانية في البحرين، واستغلال جميع ثرواتها وخيراتها الوطنية، واضطهاد شعب البحرين وكسر إرادته بفرض القوة وتطويقه بالاجراءات التعسفية القمعية، وفرض المعاهدات الأمنية الضمنية والعلنية، والتي يمكن الاستفادة منها إلى بعد حين، منحت حكومة حزب العمال البريطاني التي قررت الخروج من مستعمراتها في عدن ومناطق شرق السويس، حكام المشيخة البحرينية، ما سمى بـ “استقلال البحرين” في الرابع عشر من أغسطس للعام 1971، بعد تسوية اقليمية لدعاوى ايران في البحرين، وبعد توافق سياسي بين الاطراف الرئيسية الأربعة: ” المملكة المتحدة البريطانية والولايات المتحدة الاميركية والسعودية وايران الشاه ” من خلال وساطة الامم المتحدة على موضوعة الاستقلال، والذي كان ينص على عدم دخول البحرين في الاتحاد الخليجي، وصرف النظر عن احتلال ايران للجزر العربية الثلاث (طمب الكبرى، وطمب الصغرى، وأبوموسى) مع إضافة بعض البنود (السرية) التي تعطي إلى الايرانيين، ضمانات حق التدخل  المباشر في الشأن الداخلي البحريني، في مختلف الضرورات القصوى، مثل محاولات ضمها إلى دوله أخرى أو دخولها في أي إتحاد خليجي، أو عندما تتعرض، إلى أزمات ومخاطر داخلية وخارجية خطيرة، وتمت على إثر هذه التسوية عملية جلاء القوات البريطانية من قواعدها في البحرين، واستبدلت معاهدات الحماية المبرمة بين بريطانيا والبحرين، في حقبة سنوات (ماقبل السيادة والاستقلال) بمعاهدات الدفاع والرعاية والتسهيلات التجارية والامنية، الذي استمر العمل بها من دون توقف طوال عدة عقود من القرن الماضي، للتأكيد على قوة العلاقة الحميمية بين المملكة المتحدة البريطانية وحكام المشيخة الخليفية في البحرين، وإستمرار بقاء الحكومة البريطانية (كمرجعية) سياسية وحيدة في معالجة الخلافات والمنازعات الخطيرة بين حكام هذه المنطقة على موضوعات الحدود الجغرافية والسيادة وغيرها من مختلف المشكلات السياسية والامنية الملحة، التي عصفت بمشيخات الخليج في ذلك الزمن الصعب .

وعلى الرغم من أن الحكومة البريطانية، سحبت كل عدتها وعتاداتها وقواتها العسكرية، المرابطة، بمختلف قواعدها البحرية والبرية والجوية في البحرين، الا انه من المستحيل تماما، إغفال إنها أبقت على العديد من خبرائها ومستشاريها العسكريين والامنيين، وبخاصة الذين إعتبرتهم من فوج الطلائعيين الاوائل الذين قدموا لها أفضل وأصعب الخدمات في المشيخة البحرينية، ومن أبرزهم العميد أيان هندرسون، التي أوكلت إليه أصعب مهمة استخباراتية وأمنية، وهي قيادة مشروع (الدولة السرية) في البحرين، طوال حقبة سنوات الستينات وحتى فترة التسعينات من القرن الماضي، فالحكومة البريطانية اثبتت لنفسها منذ ذلك الحين، بانها ستظل باقية في البحرين، وان تحت تصرفها إدارة مختلف مسؤليات العملية  الاستخباراتية والأمنية، وذلك من أجل المحافظة على ما كانت تصفه بثبات قوة مستوى العلاقة الحميمية والاصيلة بينها وبين عائلة آل خليفة، ولذلك فانها لن تتنكر للكرم الحاتمي والجميل، الذي حظيت به من قبل هذه العائلة، التي وقفت معها دائما وأبدا، في خندق المواجهة ضد مطالب الحركة الوطنية البحرينية، برحيل سلطة الانتداب البريطانية في البحرين، وجلاء جميع مكاتبها الامنية، ومختلف قواعدها العسكرية، ولذلك فانها كانت تعتبر ردها لهذا الجميل، هو استمرار بقائها بشكل ضمني، من أجل ضمان حماية واستقرار كيان هذه المشيخة المشؤومة ونظامها الأمني والسياسي، وهذه الأوضاع استطاعت أن تحافظ على ثبات جوهرها منذ ذلك الوقت وحتى اللحظة الراهنة.

هاني الريس

12 آب/أغسطس 2021

Loading