سنوات ما بعد الميثاق .. حصار الديمقراطية والمجتمع (5 من 5)

مؤتمر للمعارضة في لندن، بعد انقلاب الحكم على دستور 1973 والمواد الحيوية من ميثاق العمل الوطني

في يوم 14 شباط/ فبراير 2002 تفاجأ شعب البحرين برمته، بعملية الانقلاب على دستور البحرين الشرعي للعام 1973 المتعاقد عليه بين ممثلي الشعب في المجلس الوطني المنحل، والاسرة الخليفية الحاكمة في البلاد، وكان ذلك بمرسوم بقرار أميري في العام 1975 قاد هذه العملية الانقلابية، حاكم البحرين الجديد، حمد بن عيسى آل خليفة، بعد الغائه لهذا الدستور، وإصداره دستور المنحة الجديد للعام 2002 المفصل على مقاسات قامته. متجاوزا بذلك جميع خيارات الارادة الشعبية، وكافة التعهدات والمواثيق، التي قطعها على نفسه أمام النخب السياسية والدينية في البحرين، وفي جولاته المكوكية لجميع مناطق البلاد، من أجل الترويج لما يسمى بمشروع الاصلاح، وذلك قبيل الاستفتاء الشعبي على ميثاق العمل الوطني، والتي كانت تشدد بقوة على عدم المساس بجوهر دستور البحرين الشرعي، وجعل البلاد واحة مزدهرة للديمقراطية وحقوق الانسان.

لقد حسم حاكم البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، موضوع الدستور، وصاغه بطريقة محكمة على النهج الذي وجد فيه كل ما يناسب أهوائه وطموحاته وتطلعاته في السلطة والحكم، ولم يعير أية أهتمامات بالغة بهذا الشأن من أي كان، حتى من اؤلئك الذين يستفيد من مشورتهم والمقربين له. وقد أوما دستور المنحة الجديد للعام 2002، إلى صلاحيات واسعة ومطلقة للحاكم (الملك) باعتباره فوق القانون وفوق الجميع، وقد ساوت نصوص هذا الدستور المجلس النيابي المنتخب انتخابا حرا مباشرا من شعب البحرين، بالمجلس الاستشاري (الشورى) المعين بكامل أعضائه من قبل السلطة الحاكمة في البلاد، في جميع قضايا التشريع، بل وقد أصبحت له الأفضلية في ذلك. أي أن الامور المشرعة من قبل المجلس الاستشاري هي التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وليس العكس، ويعني هذا حرمان ممثلي الشعب المنتخبين من خوض الجدل في قضايا التشريع، ونفي تمتع شعب البحرين من حقه كمصدر للسلطات جميعا، والتي أكدت عليه الفقرة الرابعة من ميثاق العمل الوطني، التي تقول:”أن الشعب هو مصدر السلطات جميعا”.

لم يستطع احد في ذلك الوقت بالذات أن يدعي بأنه كان قادرا على التصدي للمخطط (الكذبة) الذي سمي (بمشروع الاصلاح) أو حتى أن يعترض على حاكم البلاد الذي أراد أن يصنع التاريخ الجديد للبحرين بارادة منفردة من دون استشارة احد، لان الجميع أما أنهم أصبحوا مخدوعين ببريق هذا المشروع، أو أنهم كانوا يريدون ان يعطوا لحاكم البلاد الجديد، فرصة مؤاتية ومعقولة، لكي تبرز بعض أو جميع معالم مشروعه الاصلاحي، وذلك بالرغم معرفة الجميع، بانه لن يكون سوى بمثابة المعبر الاساسي لكسب الشرعية المفقودة لسلطة العائلة الحاكمة في البحرين، بعد غزوها للبلاد في العام 1873.

وقد تداعت في 30 آذار/ مارس 2002 مجموعة من قوى المعارضة البحرينية، لعقد إجتماع موسع في لندن، بقصد التداول ومناقشة تطورات الاوضاع في البلاد، والخروج بمشروع وطني مشترك لانقاد البحرين من ذلك المأزق الدستوري. عقد الاجتماع في دار الحكمة في لندن، وشارك في أعماله كل من (الدكتور سعيد الشهابي، والاستاذ حسن مشيمع، وعبدالهادي الخواجة، وعباس مكي، وعبدالغني خنجر، وجمشير فيروز، وأنا(هاني الريس) وآخرين محسوبين على حركة أحرار البحرين الاسلامية، ولم يحضرهذا الاجتماع عدد من كبار شخصيات المعارضة البحرينية البارزين من جمعيتي ” الوفاق ” و ” وعد “، الذين كان بعضهم متواجد حينها في لندن، على الرغم تلقيهم دعوة المشاركة، ولم يفصحوا حتى عن أية تبريرات لعدم مشاركتهم في المؤتمر .

تقدمت أنا، بورقة عمل مطولة إلى المؤتمر، كانت تحمل عنوان (ماذا يمكن أن نفعل للمستقبل، الذي بات بعد 14 شباط/ فبراير من دون مواجهة وحماية) واستعرضت في هذه الورقة مجمل التطورات على الساحة البحرينية، وكذلك الخطوات المهمة لمواجهة مؤامرة الانقلاب على الدستور، وكذبة مشروع الاصلاح، وبعض التصورات، التي يمكن أن تقود إلى وحدة وطنية قوية ومتراصة يمكن أن تكون في المستقبل نواة حركة سياسية جديدة تتصدر مهام النضال الوطني وصولا إلى تحقيق كافة المطالب المحقة والعادلة التي ضحى من أجلها شعب البحرين وقدم خلالها كواكب من الشهداء والمعتقلين والمسجونين والمبعدين والمنفيين في مختلف العواصم العربية والعالمية، وخلص الاجتماع إلى طرح العديد من القرارات والتوصيات، التي شجعت على استمرار الشعب في طريق النضال في وجه الحكومة والحكم حتى تحقيق جميع المطالب الشعبية المشروعة، ولن يتنازل عن أن يكون له الكلمة العليا والصوت الجهير في صنع التاريخ الجديد للبحرين، ولكن للاسف الشديد لم ينفد من تلك القرارات أوالتوصيات الكثيرة أي شيء يذكر على أرض الواقع .

هاني الريس

16 أيلول/سبتمبر 2021

Loading