20 عام من الانتظار وأيام البحرين الجميلة “لم نعشها بعد”

حمد بن عيسى آل خليفة عند تسلمه مفاتيح العرش :” أجمل الأيام لم نعشها بعد “

قال أمير البحرين الجديد، حمد بن عيسى آل خليفة، الذي تسلم مفاتيح العرش، بعد رحيل والده عيسى بن سلمان آل خليفة، في قصة موت غامضة، انه يتطلع دائما إلى الأمام، وأن البحرين أمامها أكبر الفرص لتحقيق المزيد من التطور والازدهار، وقال في خطابه الأميري الأول أمام أعضاء مجلس الشورى المعين، لمناسبة انعقاد دورته الجديدة ” ان أجمل الأيام لم نعشها بعد” معتبرا بأن العد العكسي لكل هذه التطورات قد بدأ .

كلمات رائعة وجميلة ومنمقة، حاول أمير البحرين الجديد أن يرسم من خلالها صورة المرحلة القادمة للبحرين، والكلمات نفسها تحاول أن تعيد إلى أدهان المواطن البحريني ما قد قاله قبل نحو 25 سنة قد مضت الاستاذ حسن الجشي، رئيس المجلس الوطني المنتخب في البحرين والمعطل عمله منذ ذلك الوقت، في أول خطاب له بمناسبة انتخابه رئيسا للمجلس الوطني عن ” إن أجمل الأيام لم نكتبها بعد” في أول اشارة واضحة بأن التجربة الديمقراطية إذا ما نجحت في البحرين، فانها سوف تكتب فصولا جميلة لاجيالها اللاحقة. وكلمة “أجمل الأيام” هي بالمناسبة قول مقتبس من أقوال الشاعر المناضل الشيوعي الشيلي، بابلو نيرودا، الذي كان يتغنى بنجاح الديمقراطية في شيلي ويعد شعبها في ظل استمرار هذه التجربة الفتية بالمزيد من التطور والازدهار، ولكن الشاعر قد قضى نحبه في غفلة من الزمن على يد دكتاتور شيلي السابق الجنرال أغستو بينوشيه، وقد ملئت الحسرة على ضياع الديمقراطية قلبه بالمرارة.

خطاب أمير البحرين، وبرغم ما حمله من بعض الكلمات الجميلة في حق صورة المستقبل للبحرين، قد خيب آمال الغالبية الساحقة من شعب البحرين الذي كان يصبوا بشغف إلى نجاح هذه التجربة، وأعاد إلى ادهانها من جديد تلك الصورة الناصعة لتاريخ البحرين في ظل التجربة الديمقراطية الحقيقية التي خسرتها بعد انقلاب الحكم على دستور البلاد الشرعي للعام 1973 وحل المجلس الوطني المنتخب، وفرض مختلف تدابير قمع الحريات العامة، وهو الراغب اليوم في استعادتها كلها من جديد، ولكنه للاسف الشديد وجد جميع الابواب موصدة أمامه بعد ذلك الخطاب المطبوخ بالسموم والذي لم يتطرق فيه أمير البحرين الجديد، لا من بعيد ولا من قريب إلى استعادة الديمقراطية المفقودة وتبني الاصلاح السياسي والدستوري الصحيح والمطلوب.

على الرغم من ذلك كانت الآمال كلها معلقة على بعض المفاجآت التي تعود أمير البحرين، على اطلاقها بين حين وآخر، لكي يقدم نفسه أمام الرأي العام البحريني بأنه صاحب المبادرات الحميدة و “المكرمات السامية” والقادر على العفة عما يشاء ويرغب، وفي غمرة تلك الاحداث كان المراقبون يتوقعون بأن يبادر هذا الأمير الشاب بتنفيد بعض الوعود والتطمينات التي قطعها على نفسه وأمام شعب البحرين، بعد تسلمه لمقاليد السلطة قبل نحو أكثر من سبعة شهور، وأن يصدر أمرا بالعفو عن أكثر من 1000 موقوف ومعتقل في سجون البحرين، والسماح إلى أكثر من الف عائلة بحرينية تعيش في المنافي القسرية بالعودة غير المشروطة إلى البلاد، ووقف عمليات القمع والاعتقال التعسفي الممنهجة ضد الاصوات المطالبة بالاصلاح السياسي والدستوري، والعمل على تكريس وتعزيز قيم الديمقراطية والسماح لمنظمات المجتمع المدني البحرينية في العمل المستقل، ولكن للاسف الشديد لم يحدث أي شيء من ذلك على أرض الواقع.

ولكن بعد أيام قليلة فقط من تلاوة هذا الخطاب الأميري، أصدر أمير البحرين، قرارا بمرسوم رقم “34” لسنة 1999، يقضي بانشاء لجنة حقوق الانسان في مجلس الشورى المعين، والذي قد وصف قرار أمر تشكيلها أحد المراقبين الدوليين بالقول، انه اقترن “بالتزام حكومة البحرين بالتوقيع على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، ورفع التحفضات عن أبرز موادها المتمثلة في المادة “20” من الاتفاقية الدولية، والوعود الأخرى التي قطعتها الحكومة للمنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان حول تحسين سجل البحرين في هذا الشأن، كما برزت أهميته أيضا من خلال كل ما تعرض له الحكم في البحرين من اعتراضات وانتقادات عربية وقارية ودولية شديدة بسبب انتهاكات حقوق الانسان وغياب الديمقراطية. وجاء في الأمر الأميري، أن تتشكل اللجنة من 6 أعضاء ويعين رئيس مجلس الشورى، رئيس اللجنة وينتخب أعضاء المجلس 5 أعضاء منهم، وتكون فترة عمل اللجنة سنة واحدة، وحدد  الأمر الأميري أيضا اختصاصات اللجنة والمهام المناطة بها، وهي دراسة التشريعات والنظم المعمول بها في دولة البحرين من حيث كل ما يتعلق منها بمسائل حقوق الأنسان، واقتراح ما تراه مناسبا في هذا الشأن، اضافة إلى الاسهام والتعاون مع الاجهزة الرسمية المعنية بتنمية الوعي بحقوق الأنسان، والعمل على رعايتها وحمايتها، واقتراح الحلول لها، ومشاركة اللجنة في الندوات الداخلية والخارجية، وتنمية الصلات وتوثيق العلاقات مع مختلف المنظمات الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان، وبحث ودراسة كل ما يحال إليها من قبل أمير البحرين وكذلك من رئيس مجلس الوزراء، من موضوعات تدخل ضمن مجالات حقوق الانسان، وترفع اللجنة جميع تقاريرها وتوصياتها عبر رئيس مجلس الشورى إلى كل من أمير البلاد، ورئيس مجلس الوزراء، لاتخاذ ما هو مناسب في شأنها، وتنص المادة “7” من هذا الامر الأميري، على أن تقارير اللجنة وتوصياتها لا تخضع للمناقشة والتداول في جلسات مجلس الشورى ولجانه ـ لاحظ هنا معنى ” الديمقراطية المقيدة والمزيفة” ويتضح من خلال ذلك وفي اشارة واضحة وصريحة بأن “لجنة حقوق الانسان في المجلس وجميع انشطتها وتقاريرها وتوصياتها” ليست سوى مجرد دمية تحركها أيادي الأمير حمد بن عيسى آل خليفة، وعمه رئيس مجلس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، من حيث انهما صانعي القرار، وعبرهما تتخد جميع القرارات المناسبة والاجراءات التي يمكن للبحرين أن تقدمها إلى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان.

وفي هذا الوضع لا يمكن لنا أن نستبق الحدث أو أن نزعم بالقول أن هذه اللجنة لايمكن لها أن تقدم أية مساهمة حتى لوكانت بسيطة في مجال حقوق الانسان في البحرين لانها مقيدة الايادي ولا تمتلك أية صفة اعتبارية، بل انها ربما قد تساعد من دون شك على كشف بعض الحقائق والارقام المهولة التي قد تكون مغيبة أو تحاول الاجهزة الامنية البحرينية تغييبها بطرية أو اخرى، وفي حالات معينة فانها ستساعد أيضا على معرفة كل ما يعانيه المواطنون البحرينيون في مختلف مجالات الحياة العامة، ولكننا في نفس الوقت لا نخفي شكوكنا أو قلقنا من صحة تقارير تلك اللجنة المسيسة، لا لشيء، بل لانها الجهة التي يريد لها الحكم أن تكون طيعة في يده، وأن تكون مظلته الواقية التي تغطي عيوبه وتوجهاته وتجاوزاته وتخدم مصالحه. وليس في تلك الحقيقة أية غرابة من ذلك، فاللجنة هي تابعة اساسا لمجلس شورى معين بكامل اعضائه من قبل الحكم، والمجلس بصفته اللادستورية هو احد مؤسسات الدولة الرسمية الراهنة، ويفهم من نص قرار تكوينها لم تعمل نشاطاتها أو تقاريرها باستقلالية عن سياسات السلطة والحكم، بل يكون هناك إشراف مباشر لصيرورة عملها وتوجهاتها وتقاريرها من قبل امير البلاد ورئيس مجلس الوزراء، وكذلك تأثير المادة “7” التي تفرض على اللجنة سير العمل وقيود المناقشة والتداول في جلسات هذا المجلس، ولذلك تصبح تلك اللجنة ليست أكثر من مجرد مظلة للحكم يحتمي بها عن كشف عيوبه وكل أخطائه الفاحشة في مجال حقوق الانسان، أمام المنظمات الحقوقية الدولية، ومما لا شك فيه فان الحكم له رصيد كبير في تحويل اهتمام المنظمات الدولية وقلقها من تردي اوضاع حقوق الانسان في البحرين، إلى جهة التصديق بالوعود والشعارات الرنانة التي يطرحها بين حين وآخر بتحسين سجلاته في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان.

من هنا يمكن القول بان انشاء لجنة كهذه وجعلها بمثابة الواجهة التي يحتمي بها امام المنظمات الدولية عن كل تجاوزاته واستمراره بانتهاك حقوق الانسان وحصار الديمقراطية، لا يمكن للمواطن البحريني الاطمئنان لتوجهاتها وتقاريرها التي تبدو نتائجها كلها محسومة لصالح الحكم، في حين أن المواطن البحريني يحتاج أول ما يحتاج جهة حقوقية حقيقية مستقلة تنصفه وتحمي حقوقه وتدافع عنه، وتحاسب الدولة على تجاوزاتها وأخطائها وتجعلها مسؤولة أمام المجتمع على كل أفعالها الخاطئة.

وإذا كان أمير البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، صادقا في وعوده كما ادعى في خطابه الأميري لمناسبة تتويجه أميرا جديدا للبلاد، على كتابة صفحات جميلة للبحرين في المراحل اللاحقة، فأن أهم ما يمكن أن يسجله في عهده، هو استعادة الديمقراطية التي خسرتها بعد الانقلاب على الدستور وحل المجلس الوطني المنتخب في العام 1975 ومعالجة كافة الاسباب والمسببات الحقيقية لدوامة الازمات السياسية والاقتصادية والامنية التي استمرت تحث الخطى منذ عهد والده الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة، وحتى اللحظة الراهنة، وحل جميع أجهزة دولة المخابرات السرية، التي مازالت تراقب حركات وسكنات المواطن البحريني وتبعث في نفسه الخوف والقلق، واطلاق سراح كافة المعتقلين والمسجونين لاسباب سياسية وحقوقية، وتعويض ضحايا القمع وأهالي الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن قضايا الشعب والوطن، والسماح لجميع المبعدين والمنفيين بالعودة غير المشروطة إلى الوطن، واعادة الجنسية الوطنية لجميع من تم سحب جنسياتهم من المواطنين، وتوفير كافة الفرص الاجتماعية والعمل لكل مواطن ومواطنة بحرينية، واشاعة العدل والمساواة بين المواطنين من دون تمييز أو تفضيل، وتكريس وتعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين، وفتح آفاق للحوار الوطني المسؤول، وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني وتمكينها من حماية حقوق الانسان .

هاني الريس

ممثل لجنة الدفاع عن حقوق الانسان في البحرين ـ مقيم في الدنمارك


“هذه المقالة مضى على نشرها قرابة عقدين من الزمن، على صفحات جريدة “العرب” الصادرة في لندن بتاريخ 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 1999 . واليوم ماذا تغير ؟ لم تغير كل هذه الوعود في الأمر شيء، بل أن الاوضاع الراهنة المشهودة تعتبر أسوأ مما كانت عليه في تلك الحقبة بكثير، فالدولة البوليسية القمعية لازالت تخنق الحريات وتراقب الناس وتحاربهم في أرزاقهم وتنشر التمييز بينهم وتشد بقبضتها الطاغية على جميع مفاصل السلطة والمجتمع، في نفس الوقت التي أصبحت فيه غير قادرها على التوفيق بين ضرورات التغيير الحقيقي المطلوب الذي بشر بقدومه الحاكم الطاغية، وبين معاناة مجتمع انعدمت المساواة فيه، وصار باغلبيته الساحقة يعيش تحت مستوى خط الفقر ويكابد من أجل الحصول على كسرة الخبز، في دولة خليجية نفطية، فيما الاقلية وغالبيتها من أفراد العائلة الحاكمة وحواشيهم والمحسوبين عليهم يتمتعون بامتيازات وأموال الدولة والشعب، ويستبيحون المحظور وليس هناك من رادع يردع ”

هاني الريس
15 تشرين الأول/ أكتوبر 2021

Loading