نواب بحرينيون يشتمون الشعب وينفخون في نار الفتن الطائفية المقيتة

التقيت في قاعة فندق (راديسون ساس) في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، وفد برلماني بحريني، كان في مهمة عمل إلى الدنمارك (لم تعلن عنها وسائل الاعلام الدنماركية في حينها) في الفترة مابين 15 و18 آذار/ مارس 2014 ممثل من النواب، أحمد الساعاتي، وأحمد راشد الملا، وعبدالرحمن بومجيد، وعبدالله بن حويل، وناصر آل خليفة.

وكان الوفد حينها يقوم بجولة ميدانية لعدد من دول الاتحاد الاوروبي، تهدف بصورة أساسية، إلى حشد التأييد لصالح حكومة البحرين، بخصوص مناقشة ملفها الحقوقي في مجلس حقوق الانسان بجنيف للعام 2014، الذي قد تأثر تأثيرا بالغا على المستوى العالمي بسبب حصار الديمقراطية وانتهاكات حقوق الانسان في البلاد.

ولأسباب بقائي في المنفى على إمتداد عدة عقود مضت، عرض علي الوفد (مساعدته) من أجل تسهيل إمور العودة الطوعية إلى البحرين، والاستقرار النهائي هناك، وأعطى لي أعضاء الوفد بعض ضمانات عدم تعرض الاجهزة الامنية البحرينية لاستجوابي ومحاسبتي على الماضي النضالي السابق، وإمكانية توفير بعض فرص العيش الكريم في البلاد، والسعي لتوفير بعض المواقع الوجاهية بين مؤسسات الدولة الرسمية.

رفضت العرض، تحت مبررات أن لدي مشكلة مزمنة مع النظام السياسي في البحرين استمرت على امتداد عقود من الوقت، وهي في مجملها تتعلق باللامبالاة هذا النظام بمختلف قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان في البلاد وعدم السعي لمعالجتها ومواكبة العصر.

جري بيننا في بداية اللقاء حديث ودي وهادئ حول تطورات الاوضاع في البحرين، ولم يكن هناك أي حظر على أي موضوع خلال الحديث الذي إستغرق مع أعضاء الوفد أكثر من ساعة من الزمن، حيث كان كل شيء مفتوح، ولكن شيئا فشيئا تطور مجرى الحديث وتشعبت جوانبه إلى مناقشة موضوعات وطنية حساسة ودقيقة.

كنت حينها قد وجدت نفسي وحيدا في مواجهة حامية الوطيس مع أشخاص أصروا على أن يظهروا لي تعصبهم وتشددهم وإفتخارهم (بالتجربة الديمقراطية والحقوقية الجبارة) المستلهمة من ثمار ومآثر (مشروع الاصلاح) وتحويل البحرين من دولة مراقبة أمنية إلى مملكة دستورية على غرار الممالك المتقدمة في العالم. وعلى أساس نظرتهم المتفائلة جدا للمستقبل المشرق للبحرين في مختلف مجالات الحياة العامة، ظلوا يسردون لي القصص المطولة وذات الطابع التجميلي، حول التغيرات والتحولات السريعة، التي أخذت تشق طريقها في البلاد، في ظل الرعاية الشاملة والكاملة، التي توليها (القيادة الرشيدة) تجاه الدولة والمجتمع.

كانت رسالتهم واضحة، ولكن كان القلق والخوف من ممارسات قوى المعارضة البحرينية في الداخل والخارج أكثر وضوحا، وكانت اللهجة متشددة دائما تجاه من كانوا يعتبروهم ب (المتشددين والخارجين على القانون العام) الذين ينشرون الفوضى في الداخل ويشوهون صورة البحرين في المحافل السياسية والحقوقية في الخارج، وكانت المفاجأة لي شخصيا وربما أيضا إلى الحاضرين من أعضاء الوفد، هو ذلك التصرف الاعوج، الذي بذر من النائب في البرلمان البحريني عبدالله بن حويل، الذي يفترض أنه يمثل شعب البحرين برمته داخل قبة البرلمان وفي خارجه، أن يندفع بكل شراسة في مهاجمة طائفة معينة من طوائف المجتمع البحريني، ويكيل لها الاتهامات، ويشكك بتاريخها وأصولها وولائها الوطني، ويتطاول على بعض رموزها التاريخية السياسية والدينية، بكل قوة عنترية .

وعلى الرغم من أنني حاولت تجنب الجدل مع أشخاص لا أعرف عن خلفياتهم السياسية أوالفكرية أي شيء ظاهر وملموس، فأن كثرة الاتهامات والانتقادات المبطنة والمعلنة والمغالطات الفاحشة، التي ساقها نائب برلماني يفترض فيه أنه يمثل جميع الفئات والشرائح والطوائف البحرينية، ضد الطائفة الشيعية، ورموزها وكافة عناصر تشكيلها الاجتماعي، بانهم غارقين من قمة الهرم حتى أصغر فرد في نطاق هذه الطائفة بالعمالة لقوى ودول أجنبية، والدخول في معارك مستمرة مع سلطات البلاد الشرعية، عبر ممارسة العصيان المدني وشل الحركة على الطرق بواسطة أساليب الاحتجاج والتظاهرات العنيفة، وبخاصة تلك التي حدثت في السنوات الاخيرة، بشكل يذكر بكل ما قامت به مختلف وسائل الاعلام المحلية الصفراء بتلفيق الاتهامات الواهية ضد أبناء هذه الطائفة في سنوات حقبة التسعينات من القرن الماضي، عندما رفعت الحركة الدستورية البحرينية بكل أطيافها والوانها شعار الاصلاح والتغيير الحقيقي والجوهري في البلاد، ودفعت خلالها أثمان باهضة من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، جعلتني أن أبتعد عن تحفظاتي وهدوء أعصابي.

تحدثت اليه عن صعوبات الحياة المعيشية اليومية والتمييز الذي تتعرض له الطائفة الشيعية، التي صب بالغ حقده ضدها، والتي كانت موضع خوفه وقلقه وشكوكه، وهي بالتأكيد طائفة لها وزنها الاجتماعي وتمثل ركيزة هامة واساسية من أركان المجتمع البحريني، ولا يجوز في كل الاحوال التجني عليها، وكذلك تباطؤ السلطة في معالجة وتنظيم وتحفيز خطوات الاصلاح والمعركة ضد حريات الرأي والتعبير والضمير المتعارف عليها في ظل الانظمة البرلمانية الدستورية، والتي كانت بحق وحقيقة واحدة من الاسباب المباشرة التي مثلت الاخطار الدائمة على مستوى البلاد والمجتمع .

كنت دائما أتوجه له في أقوالي، أن بالامكان حل الازمات والمشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية مهما صعبت أو تعقدت في البلاد، بكل شفافية وعقلانية، وبروح أخوية وحلول توافقية بين الجميع بعيدا عن عمليات التشهير وتحقير الاخر وتلفيق الاتهامات ضده، لان في ذلك السبيل الوحيد لتجاوز مختلف الازمات المستعصية وتدليلها، حيث أن المشكلة الكبرى التي ظلت تعاني منها البحرين على إمتداد عدة عقود مضت، هي ليست من صنع طائفة أو تيار سياسي معين، بل هي نتيجة واضحة لازمة الثقة الخانقة بين السلطة والمجتمع، والخوف والقلق من توجهات وفكر الاخر، ولكن للاسف الشديد كان يبدو من الصعب جدا أن أستطيع إقناع شخص كان متحاملا للغاية على سلوك حياة طائفة يصر على إعتبارها (مارقة ومسيئة) ومتسببه في كل ما يحدث من أزمات صارمة في البلاد.

هكذا بكثير من البساطة يجري تعاطي شخص يفترض أنه يمثل الشعب وينوب عنه في داخل المؤسسة التشريعية، مع شأن داخلي يتسم بالكثير من الحساسية الوطنية وصراع مرير يختلف في حقيقتة وأبعاده عن أي صراع أخر في المنطقة .

هنا تلتبس مسائل الحق بالباطل، والكراهية والود، في حديث النائب عبدالله بن حويل، الذي تجراء حيث لايجرؤ الآخرين، بطرح كل أفكاره وأقواله المسمومة والموسومة بالطعن في تاريخ واصول طائفة معينة من طوائف البحرين المخلصة، والتجني عليها وتلفيق الاتهامات ضدها بممارسة (العنف والتخريب وتشويه صورة البحرين في الداخل والخارج) في ما الوضع السياسي والامني المتدهور منذ عدة عقود من الزمن، مازال سيد الموقف والغالب على كل الاصعدة في الحياة العامة في البحرين، ولا أريد أن أذكر هذا النائب المتحامل بقوة على أبناء طائفة معينة من طوائف المجتمع، بحجم المعاناة القاسية والصعبة، التي تعرضت لها الطائفة الشيعية في البحرين، التي ظلت بمثابة “البعبع المخيف” في نظره، وراح يطعن في خاصرتها، على مر التاريخ.

فهو لابد أن يعرف الامر جيدا، ولا داعي في هذا الوقت الدقيق والحساس، إنكاء الجروح العميقة ونبش الاحقاد، ولكن ما يجب أن يعرفه بن حويل، ويتمعن فيه هو أن غالبية أبناء الطائفة الشيعية في البحرين، قد ظاقت بهم سبل العيش، وكل ما تفرزه صنوف التمييز والتهميش، ومواجع الفقر والجوع، في بلد خليجي نفطي، يفترض أنه تحول في السنوات الاخيرة من بلد ملتزم بشعار المراقبة الامنية الصارمة إلى بلد (ديمقراطي دستوري) على غرار البلدان المتقدمة والمتطورة في العالم، وعلى الرغم من معاناتهم ومآسيهم وتفقيرهم وتمييزهم واحتقارهم من جانب السلطة البحرينية، ظلوا ينظرون إلى أبناء الطوائف الاخرى في المجتمع البحريني بروح أخوية ومصير مشترك.

وليس كما يدعي بن حويل، أنهم يعيشون في عزلة طائفية ومذهبية مطبقة، عن جسم وهياكل المجتمع البحريني الواحد الموحد، ويمارسون مختلف وسائل العنف والتخريب وتشويه صورة البلاد في الداخل والخارج، وذلك بسبب أن أجدادهم الاوائل كما ظل يدعي بن حويل، هم من غير المواطنيين البحرينيين الاصليين الاقحاح، حيث أن السيد محمود العلوي، أحد كبار الوجهاء الشيعة في البحرين، قد استوردهم من مختلف المناطق الشيعية في ايران، في غابر الزمان السحيق. ولذلك فهو يرى اليوم كل ما يتسم به أحفادهم من أفعال وتصرفات (مشينة بحق الدولة والقيادة الرشيدة) ويمارسونها في مختلف صور السر والعلن، وينسى أو يتناسى.

بكل تأكيد من أن هناك أيضا أعداد هائلة من أبناء وبنات الطائفة السنية الكريمة هم أيضا مستوردين من التبعية الايرانية، وهو ربما قد يكون أحدهم، ولكن ربما لا يعرف بن حويل من هو الشخص المسؤول، الذي جلبهم إلى البحرين، في ذلك الوقت، ولربما يكون هو نفسه أحد المروجين البارعين لمشروع توطين طوائف سنية في البحرين، من أجل تغيير الطابع الديمغرافي للمجتمع، والذي يهدف بكل صراحة ووضوح إلى تغليب طائفة على أخرى داخل المجتمع وتزعزع التوازن والاستقرار، ثم أن عائلة آل خليفة الحاكمة في البحرين نفسها من هو الشخص أو الاشخاص الذين أتوا بها إلى البحرين؟ هي لم يأتي بها أحد بل هي أتت من تلقاء نفسها عبر غزوة جاهلية، وقد اصبغت عليها صفة “الفتح المجيد للبحرين” وكانت قد حرقت خلالها الزرع والضرع وأمعنت في قتل الناس ونهب ممتلكاتهم وثرواتهم وتشريدهم وتهجيرهم بشكل قسري.

وذلك بعد أن أحكمت سيطرتها واحتلالها لربوع البلاد بقوة الحديد والنار، وفي نفس الوقت لم يستقبلها شعب البحرين استقبال الفاتحين كما كانت تدعي وتروج لذلك في مختلف شعاراتها ومناهجها التعليمية، بل استقبلها كقبيلة غازية ومحتلة، وتوحد في مواجهتها ومقاومتها والدفاع عن الارض والكيان السياسي المسلوب. وفي السنوات الأخيرة اللاحقة، غزت البحرين قوميات أخرى مهجنة خلطت الحابل بالنابل في النسيج الاجتماعي البحريني الاصلي، ومعروف أن الذي جلبهم هو التجنيس السياسي العشوائي، التي مارسته السلطة البحرينية من أجل معالجة محنة التفوق الشيعي في المجتمع، التي ظلت تقلق مضاجع العائلة الخليفية الحاكمة على مر الازمان، ولم تجد لها مخرجا سوى تكريس وتعزيز ادعاءاتها الملفقة والباطلة بان الطائفة الشيعية في البحرين تريد أن تبتعد بنفسها دائما عن خط النسيج الاجتماعي المتين والمتكامل داخل المجتمع، وهي لا تنتمي للقومية العربية، وانما جميع منابت اصولها وفروعها تعتبر أعجمية، ولذلك يتوجب عليها ترويضها وتهميشها داخل المجتمع .

هاني الريس

7 كانون الأول/ ديسمبر 2021

Loading