في ظاهرة وحيدة حدثت قبل 100 عام من الزمن، واليوم تعود إلى الواجهة

محكمة دنماركية تحكم بالسجن لمدة شهرين على وزيرة الهجرة والاندماج والتكامل السابقة، في قضية انفصال أزواج اللجوء في الدنمارك

بعد أربع سنوات من الجدل العام، وجلسات الاستجواب المتكررة في قاعات المحاكم الوطنية الدنماركية، والتي بلغت أكثر من 31 جلسة، واحصاء قرابة 10.000  صفحة من الوثائق والملاحق المتعلقة بقضية “العرائس الاطفال” في الدنمارك، أصدرت المحكمة الفيدرالية في كوبنهاجن، في 13 كانون الاول/ ديسمبر 2021  حكما نافدا وغير قابلا للاستئناف لمدة 60 يوما، ضد “بطلة هذه القضية” وزير الهجرة والاندماج والتكامل، انغر ستوجبيرغ، الملقبة ب “ملكة الدراما” و “المرآة الفولاذية” التي لا تحني رأسها مطلقا، وذلك استنادا إلى ما أقر به وأكد عليه 26 قاضيا من أصل 25 بأنها انتهكت قانون مسؤولية الوزراء في الدنمارك، الذي ينص على معاقبة الوزراء إذا كانوا على علم بحدوث مخالفات في وزاراتهم وفشلوا في التصدي لها، وكذلك معاقبتهم على الكذب على البرلمان. وبحسب (المادة 14) من الدستور الدنماركي، أن الوزراء وحدهم فقط المسؤولين عن اصدار القوانين والقرارات التابعة لوزاراتهم، وقد يتعرض منتهكي هذا القانون إلى فرض عقوبة تتراوح ما بين الغرامة المالية، التي قد تصل إلى مبلغ 80 مليون كرونة دنماركية، أو السجن لمدة عامين، واستنادا لتلك المادة الدستورية، طالبت المدعية العامة في الدنمارك، آن بيرجيت جامليورد، بضرورة تطبيق القانون، وتنفيد قرارالحكم بالسجن على الوزيرة السابقة، أنغر ستوجبيرغ، لانها ارتكبت مخالفة واضحة وصريحة يعاقب عليها القانون، عندما قامت باصدار قراروزاري في 10 شباط/ فبراير 2016 تم بموجبة فصل أزواج اللاجئين في مختلف مراكز اللجوء في البلاد، إذا كان أحد الزوجين قاصرين، وذلك بقصد واصرار من جانبها على تنفيده وبارادة قوية، على الرغم من تحذيرات مستشاريها لخطورة اصدار قرار كهذا .

وخلال جميع جلسات الاستجواب التي أجرتها معها لجنة التعليمات التي شكلت في العام 2019 بموجب قرار من البرلمان الدنماركي، والتي استغرقت ساعات طويلة داخل أروقة المحاكم، وصولا إلى ساعة النطق بالحكم، أصرت الوزيرة السابقة، أنغر ستوجبيرغ، على برائتها من جميع التهم الموجهة ضدها حول خرق مواد القانون، وتمسكت بمواقفها الواضحة والمبدئية، والقول بانها لم تعطي أية اشارات للمسؤولين في وزارتها تنتهك أي مادة قانونية، وانها وافقت فقط على اصدار مذكرة داخلية في 2 شباط/ فبراير 2016 تفيذ بوجود استثناءات خاصة في أمر يتعلق بقضايا اللاجئين في الدنمارك، ولهذا اعطت التعليمات بفصل الازواج القاصرين في مختلف مراكز اللجوء في البلاد، حفاضا على القيم الاخلاقية والانسانية، ودفاعا عن شرف الفتيات الصغيرات ضد ثقافة الشرق الاوسط وافريقيا، حيث يتم تزويجن بفرض القوة المفرطة “كعرائس أطفال” .

وفي ما ظل المدعون العامون يصرون على استصدار قرار عقوبة السجن المشددة وتنفيدها من دون أية محاولة للاستئناف، باعتباره “حكم قرار واضح وصحيح”. كانت الوزيرة السابقة، أنغر ستوجبيرغ، مندهشة للغاية بالحكم الصادر ضدها، حيث كانت تأمل بحكم البرائة، لانها دافعت عن قيم ومثل وثقافة الدنمارك، وقالت أن هذا الحكم، كان بمثابة سيناريو وحيد لم تتوقعه مطلقا، وانه غير منصف وغير واقعي، ولكن عليها أن تتحمله من دون أن تحني رأسها، أو تتراجع عن قيمها ومبادئها قيد إنملة، والعمل على نشر الوعي الاخلاقي والانساني في المجتمع الدنماركي برمته. وقال، رينيه أوفرسين، محامي الدفاع عن الوزيرة السابقة، أنغر ستوجبيرغ، أنه يعتقد بأن العقوبة التي حصلت عليها موكلته كانت قاسية للغاية .

وتعتبر هذه المحاكمة، هي السادسة في تاريخ الدنمارك خلال 100 عام من الزمن، ترفع فيها قضية مخالفة وزارية أمام المحكمة العليا الوطنية، وتوجد فيها سابقة واحدة فقط تتعلق بقانون المسائلة الوزرارية الصادر في العام 1964، حدثت ضد وزير العدل الدنماركي في حكومة الائتلاف بين المحافظين واليساريين الليبراليين، بقيادة رئيس الوزراء الاسبق، بول شلوتر، إريك نين هانسن، في العام 1995 الذي تلقى حكما صادرا من المحكمة الوطنية بالحبس النافد لمدة أربعة شهور، على خلفية “فضيحة التلاعب بعمليات جمع الشمل العائلي” لعوائل اللاجئين التاميل في الدنمارك، وظل على أثرها تحت قيد المراقبة مع فترة أختبار لمدة عام واحد، وكانت هي أقسى عقوبة تتخذ ضد مسؤول في الدولة، فيما انتهت ثلاث من قضايا المحاكم الوطنية الخمس الآخرى بالبراءة .

بعد النطق بالحكم، سأل الصحفيون، الوزيرة السابقة، أنغر ستوجبيرغ، عما إذا كانت نادمة، أو تأسف على أي شيء بعد اصدار الحكم عليها بالسجن ؟ قالت:”لايوجد أي شيء يستحق الندم والتأسف عليه في نطاق هذه القضية، لانني أؤمن ببساطة أن على المرء أن يلتزم اخلاقيا وانسانيا لحماية القيم والمثل وثقافة المجتمع الدنماركي، وكذلك حماية الفتيات القاصرات الذين يتعرضون للتعسف الطبقي الابوي داخل المنزل وخارجه، وانه على الاقل كان هناك بعض القضاة الذين اعتقدوا بأنني قد ارتكبت خطا، لكنني أو القول انني لو عشت مع حقيقة انني لم أعمل على حماية هؤولاء الفتيات الصغار لكنت في واقع الأمر سأعيش في وضع أسوأ من هذا الوضع .

وللتذكير فقط، هو أن الوزيرة السابقة، أنغر ستوجبيرغ، كانت قد حصلت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي إجريت في صيف العام 2019 على أكثر من 28420 صوتا شخصيا في لائحة المرشحين عن حزب اليسار الليبرالي، ثاني أكبر الاحزاب في الدنمارك، مما جعلها رابع أكثر الاصوات شعبية في عموم البلاد، وعلى موقعها الخاص على “الفيس بوك”، يتابعها أكثر من 193.642 متابع، وهي تأتي خلف رئيسة الوزراء، ميتي فريدريكسن، التي تحمل الرقم الأول من المتابعات على موقع “الفيس بوك” في الدنمارك.

هاني الريس

14 كانون الأول/ ديسمبر 2021

Loading