لماذا فشلت أطراف المعارضة البحرينية حتى الآن في تنظيم مؤتمر جامع وموحد في الخارج؟

لماذا فشلت أطراف المعارضة البحرينية حتى الآن في تنظيم مؤتمر جامع وموحد في الخارج ؟

قبل عدة أيام مضت، وجه الأب الروحي لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية البحرينية، الشيخ عيسى أحمد قاسم، تقريع لاذع إلى أطراف المعارضة البحرينية التي تعمل في الخارج حول أسباب فشلها في رص الصفوف والتقارب والانسجام التام في ما بينها، وعجزها عن تنظيم مؤتمر جامع وموحد ينقذ “الدين والشعب والأرض” بحسب ما كان قد نشره في تغريدتين على حسابه الشخصي على تويتر، حيث جاء في سياقهما:”سعى أي ساع من خارج المعارضة أو منها لعرقلة اجتماع ينظم أطرافها لقول الكلمة التي ترضي الله ورسوله والمؤمنين، وتنقذ الدين والشعب والأرض، ومعنى ذلك عملا مدانا غير صالح، وكاشفا عن تقدير سيء أو قصد غير نظيف” و”أن المعارضة المتعددة إذا حال تعددها بينها وبين أن تجتمع لتقول الكلمة التي فيها مصلحة العباد والبلاد مما يخدم الحق وتنفع الخلق لفاقدة كثيرا من جداوة التمثيل للشعب” .

وفي هذا الشأن، كان الشيخ عيسى أحمد قاسم، واضحا ومباشرا في حديثه، وفي التعبير عن مخاوف تعكس حقيقة فقدان اللحمة والترابط داخل أطراف المعارضة التي ظلت تعاني من خلافات عديدة وشديدة على مر السنوات والأيام، في وقت أخذت تتزايد فيه محنة شعب البحرين من جراء السياسات الطائشة والاستبدادية والقمعية للسلطة البحرينية، والتي بلغت حدود الخطوط الحمراء، التي لا يمكن بالمطلق التغاضي عنها أو السكوت عليها.

ولكن عندما وجه، الشيخ عيسى أحمد قاسم، سهام تقريعاته اللاذعة المبطنة منها والمعلنة، وكشف عن بالغ استيائه من بعض أطراف المعارضة في الخارج، التي “حال تعددها بينها وبين أن تجتمع لتقول الكلمة التي فيها مصلحة العباد والبلاد وانقاذ الارض”، وأعتبرها فاقدة الجدوى لتمثيل الشعب، بعد أن عجزت عن تنظيم نفسها في تكتل أو ائتلاف متضامن وموسع، فانه ربما كان قد غاب عن مخيلته مشهد الخلافات الفكرية والايديولوجية الشديدة والمزمنة التي نخرت جسم المعارضة البحرينية بجميع الوانها وفئاتها وتياراتها وفصائلها الإسلامية واليسارية والقومية، على امتداد عدة عقود مضت، وحالت من دون وجود أي انسجام أو وحدة أو تلاحم أو تماسك.

ثم انه هو نفسه الذي ما برح يطالب المعارضة بضرورة نزع الفرقة والتفرقة، والتوجه نحو طريق التجانس والانسجام والسعي “لإنقاذ الدين والشعب والوطن”، من خلال تنظيم الصف ووحدة الكلمة والمصير الواحد المشترك، فانه قد رفض في السابق ـ وربما قد يكون في الحاضر أو ربما يحدث ذلك في المستقبل ـ دعوات المشاركات و التحالفات السياسية الجوهرية والمبدئية مع القوى الديمقراطية الوطنية، وحتى بعض القوى الدينية الأخرى، المعاكسة لتوجهاته السياسية والعقائدية والفكرية، وربما كان ذلك في نظره هو إرضاءا للعقيدة الإسلامية وللمشاعر الدينية لشريحة كبيرة من أبناء الطائفة الشيعية في البحرين، وبشكل قد ترك انعكاسات سلبية على الوضع الداخلي للمعارضة البحرينية، وأثر إلى حد كبير ومقلق على استعداداتها وتمكنها من مواجهة سياسات السلطة البحرينية الطائشة والقمعية، بروح واحدة وجسد واحد ورأي موحد

والدليل على ذلك هو عدم مساهمته وعدم اعترافه بصيغة العريضة النخبوية المشتركة من جميع فئات وتيارات وطوائف المجتمع البحريني خلال تفجر الانتفاضة الدستورية المباركة في تسعينيات القرن الماضي، التي كان يتصدرها سماحة الشيخ عبدالامير الجمري، ونخبة مجتمعية وسياسية من الوطنيين الديمقراطيين والإسلاميين، بل وأعتبرها بمثابة “حبر على ورق”.

وهو أيضا نفسه الذي امتنع بشدة عن مقابلة الرموز والقادة الوطنيين الديمقراطيين العائدين من المنافي القسرية، بعد” التغيير” الذي حدث في البلاد، وهم رموز وقادة مشهود لهم تاريخهم وتضحياتهم في سبيل الشعب والوطن، لا لشيء بل لانه ظل مختلف معهم، في الفكر والرؤى والعقيدة، وأنه قد أهان مناضل رمز معروف، وهو الأمين العام لحركة أحرار البحرين، الدكتور سعيد الشهابي، في مكان عام لأنه تحدث عن ضرورة جمع شمل الاسلاميين واليساريين الذين عرفوا تاريخا طويلا من الشك والصراع المتبادل بين بعضهم البعض، في نفس الوقت الذي قد سمح فيه لنفسه بأن يلتقي مع ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة، الملطخة أياديه وأيادي والده الطاغية، بدماء الابرياء من شعب البحرين، ويشد على يديه ويصافحه بحرارة، عندما قام بزيارة مكتبه في الدراز، وجرى ذلك على عكس ما فعله وقام به سماحة الشيخ عبدالامير الجمري، الذي احتضن الجميع من أبناء البحرين من دون تمييز، وضحى من أجل كل الشعب، وكان باعتراف الجميع هو الوالد والحاضن والجامع للشمل، وهو الرمز النضالي الأول في الانتفاضة الدستورية المباركة

وبالاضافة لذلك كله فانه، أي، الشيخ عيسى أحمد قاسم، قد أعطى في جميع مشاريعه السياسية الاساسية الاولوية القصوى للمصالح الخاصة بالطائفة الشيعية، على حساب الوحدة الوطنية المشتركة بين جميع الوحدات الأساسية التي يتشكل منها المجتمع، ولم يتحرك بشكل أو آخر لتقديم أية حلول كفيلة وناجعة لمعالجة الخلل والعجز التراكمي التي ظلت تشعر به المعارضة على امتداد عقود من الوقت لمواجهة تحديات السلطة وغرورها وغطرستها المستمرة، ولم يعد ليفكر لتأسيس مشروع أو برنامج وطني مشترك وموسع ومتكامل كبديل مباشر عن ما وصفها بـ انقسامات المعارضة على نفسها وتلكؤها في تنظيم مؤتمرها المقترح في الخارج، والذي كان يفترض أن يعقد قبل نهاية كانون الاول/ ديسمبر 2021 والذي يصادف فيه احياء ذكرى يوم أو عيد الشهداء في البحرين، الذين ناضلوا واستشهدوا من أجل العباد والبلاد، والدفاع عن القيم والشرف والمبادىء الاخلاقية والانسانية، وتخليد نضالاتهم واسمائهم في التاريخ، فيما ظلت الجهة المعاكسة وهي السلطة البحرينية منهمكة بكل امكانياتها وقواها في ترتيب امور بيتها الداخلي ووضع الخطط والبرامج والمشاريع السياسية والامنية والعسكرية المتكاملة لليوم والغد، وهي تدرك تماما بأن جميع قوى المعارضة، سواء على صعيد الخارج أوفي الداخل البحريني، ماهي إلا مجرد “مزحة أو دمى” تحركها أيادي خفية خارجية، ولم تعد تمتلك أية آلة عمل فاعلة للنضال الطويل، وقد تستعصي عليها أعمال المقاومة المستمرة في ساحة الصراع السياسي، وانها مازالت منغمسة في همومها وصراعاتها وخلافاتها السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية، وانه ليس لديها الاستعداد لقرن الاقوال بالافعال عندما تكون الاوضاع ساخنة وعلى المحك في أرض الواقع، فكيف تحدث كل هذه الارهاصات المذكورة أعلاه، من رجل دين وفقيه معمم يفترض أنه يحمل رسالة روحانية وإيمانية ملهمة لجلب السلام والتلاقي والتآخي بين الجميع لا لأن يجلب سيفا يشق به صف الوحدة الوطنية المطلوبة.

والأكثر من ذلك، هو أن ادعاء، الشيخ عيسى أحمد قاسم، “بسعي أطراف من خارج المعارضة أو منها لعرقلة اجتماع ينظم أطرافها لقول الكلمة التي ترضي الله ورسوله والمؤمنين وتنقد الدين والشعب والوطن”، وذلك من دون الاشارة الصريحة والواضحة الى تلك الأطراف المعرقلة للاجتماع، يبدو إدعاء فارغا إلى حد ما، لانه على حسب علمنا ومن خلال مصادر موثوقة من داخل أطراف المعارضة، كانت هناك اجتماعات تشاورية أولية متعددة التقت حولها أطراف المعارضة المتواجدة في ساحات قم وطهران، وربما امتد بعضها إلى بيروت ولندن، وجرت بين ممثلي تلك الأطراف والتي تبين انها جزء من المعارضة وليست كل المعارضة البحرينية التي تحمل ألوانا ورؤى متعددة ومشاريع مختلفة، حيث أن أطراف المعارضة في الداخل لم تكن موجودة في تلك المشاورات، مداولات كثيرة ومحاور نقاش متشعبة حول كيفية سير العمل والاستعداد لعقد المؤتمر المقترح، وحيث كان يأمل الجميع بأن يقدم المؤتمر المأمول قدرا “أكبر بكثير” من المؤتمرات السابقة التي لم تستطيع أن تحقق آمال وأماني ورغبات شعب البحرين في الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، وتجبر السلطة البحرينية على القبول بضرورة الأمر الواقع وتغيير سلوكها ومواقفها المتزمتة والصارمة تجاه القضية الوطنية

ولكن قبل أن يتمخض أي شيء مكشوف عن كل ماجرى في نطاق تلك المشاورات، فوجىء الجميع بتسريب البعض لمعلومات مهمة لم يتم التأكد منها أو الموافقة عليها بالاجماع، إلى عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، وبأن هناك جهود ومساعي حثيثة تجري من تحت الأرض من جانب جمعية الوفاق الاسلامية والتحالف المناصر لها لعرقلة الاجتماع الذي يفترض أن ينظم أطراف المعارضة، إذا لم تتاح لها الفرصة بأن تكون في مقدمة الصف، وإذا لم تكن لها اليد الطولى في إعداد برنامج عمل المؤتمر واختيار المكان والزمان وحتى الأشخاص، وهو ما قد حدث. ومما بدت عليه الامور فان جمعية الوفاق الاسلامية وتحالفها المناصر، قرروا باسم جميع أطراف المعارضة عقد ذلك المؤتمر وبشكل عاجل، وذلك قبل أن يكون لأطراف المعارضة الآخرين، أي دور مهم وبارز في طرح الأفكار والتصورات التي يمكن أن تساعد على إنجاح ذلك المؤتمر، وعمموا على الاطراف الاخرى المشاركة في جلسات التشاور (اللجان التنسيقية للمؤتمر) توصيات وقرارات جاهزة مطبوخة من مطبخ جمعية الوفاق، وربما لا يستبعد أحدا من انها طبخت أيضا في مطابخ أخرى، لا مجال هناك للتراجع عنها، وهذا هو الأمر الذي أدى إلى الكثير من التعقيد في الأمور، وكذلك التشنجات والتوترات، وهذا هو أيضا بالتحديد ما كانت أطراف المعارضة الاخرى تأمل تلافيه قبل كل شيء آخر، ولكنها بعد ذلك وقع عليها اللوم بوجه حق أو من دون وجه حق على إخفاقاتها في المشاورات ووضع العصي في الدواليب لعرقلة الجهود نحو عقد ذلك المؤتمر.

وإلى ذلك فقد تزايد الإحساس لدى بعض الأطراف بأن هذا المؤتمر سيصبح كسابقاته من المؤتمرات الكثيرة، عديم الفائدة والنفع إذا لم يستطيع أن ينجز كل ماهو مطلوب من الشجاعة التي تمكن المعارضة من تحدي ما تراه خطرا عليها من ممارسات السلطة القمعية التي لاتزال حتى الآن مصممة على سحق المعارضة بشتى الوسائل ورفض الحوار والتسامح واخراج البلاد من النفق المظلم التي تسببت هي فيه، ويأملون بأن يتمكن هكذا مؤتمر من اثارة تسليط الأضواء على ملفات غاية في الاهمية مثل الانفراج السياسي والأمني ووقف حملات القمع المستمرة ضد الاصوات المطالبة بالتغيير ووقف حملات التضييق على الحريات العامة وحرية الصحافة وتنظيف السجون وإطلاق سراح كافة السجناء السياسيين والحقوقيين والتزام السلطة بوعودها وتعهداتها الدولية تجاه قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. 

عن أي معارضة تتحدث يا شيخ ؟

وقد يكون، الشيخ عيسى أحمد قاسم، يعلم أو قد يكون لا يعلم، بأن أطراف المعارضة البحرينية، التي ناشدها للوقوف متضامنة وموحدة في وجه السلطة البحرينية الغاشمة، ودعاها لتنظيم نفسها في الخارج، من أجل الدفاع عن القيم والمبادىء والأرض والشعب، ماهي إلا مجرد فقاعات وسحابات صيف، وهي فقط معارضة بالاسم، وأنها لا تمتلك أية مرجعية سياسية أو عقائدية معينة وواضحة، أو أية شخصية كاريزمية، أو متمرسة في قضايا النضال السياسي العريق، وهي تعاني من الضعف والعجز والكسل والرتابة وسوء التقدير للأمور الملحة والخطيرة جدا، التي ظلت تتعرض لها البلاد والمجتمع، على الرغم من كل ما ظل يمارسه ويعمل به البعض بين حين وأخر من تحركات سياسية ودعائية واعلامية من خلال المنابر الديمقراطية والحقوقية الدولية، ونشر مشاهد الفيديوهات والتغريدات ومواقع التواصل الاجتماعي والبيانات القصيرة وبعض النشرات الالكترونية والورقية.

والحق إنما هي تحركات تعكس بعض ضيق الأفق وأنها ليست أكثر من مجرد ذر الرماد في العيون لانقاذ ماء الوجه من كثرة الاعتراضات والانتقادات المباشرة وغير المباشرة، التي تصل إلى مسامعها يوميا تقريبا من داخل البلاد وخارجها، وبحيث قد سأم الشعب الكثير من ممارساتها وإخفاقاتها في توصيل صوته للمجتمع الدولي برمته، بأشكال واضحة ودقيقة وصحيحة، وخوض معارك القتال الشرسة مع السلطة البحرينية، من خلال رسم خطط وبرامج ومشاريع جادة ومنسقة وممنهجة، تكون ملهمة وقادرة على المواجهة والتحدي وفرض الواقع، وليس في عمليات الصراع على النفوذ والانانية الذاتية وكسب المنح المالية ومغانم أخرى تقدمها لها الجهات المانحة والدول الاخرى من أجل تنشيط ودعم القضية البحرينية.

وفي السنوات الاخيرة ظهر للعيان وبشكل واضح وصريح، بأن الغالبية الساحقة ممن كانوا يصفون أنفسهم “بالمناضلين والثائرين الجدد” ضد السلطة البحرينية، المتواجدين في مختلف العواصم العربية والعالمية، و ادعوا من أنهم تضرروا من عنف السلطة وبطشها، قد انتهى بهم الحال إلى جادة القنوط والسكوت والتزام الصمت المطبق، والانشغال بالأمور الخاصة، ونسوا وتناسوا حقا جوهر القضية الوطنية، وحتى الرموز والقادة والشهداء والعوائل الضعيفة المنكوبة التي ضاق على أعناقها طوق الخناق الشديد والقاتل من جانب السلطة البحرينية.

وانهمكت غالبيتهم في معارك شرسة من أجل المنافسة الشرهة في مجالات الحصول على الامتيازات والمال السائب بشتى الطرق والوسائل، وأصبح شعارهم المفضل هو “من لا يقبض لا يعمل” وليس الإخلاص والعمل الجاد والمثمر من أجل الشعب والوطن والقضية، وبعضهم في الحقيقة قد جمعوا ثروات اضافية هائلة على الأموال والامتيازات الخاصة التي يحصلون عليها من خلال منحهم حق اللجوء السياسي أو الانساني في البلدان التي لجأو إليها باسم النضال السياسي والخوف والقلق من بطش السلطة وغدرها وتعسفها، وذلك بعد أن قدم كل واحد منهم نفسه على أنه “قائد وزعيم في المعارضة” أو “مجاهد ومحارب من أجل القيام بأعمال الخير” أو أنه “يدير تجمعا سياسيا أو منظمة حقوقية أو مركزا للبحوث والدراسات”.

ولذلك صدق من قال أن المعارضة التي تعمل في الخارج، ليست هي المعارضة الحقيقية والواقعية، التي أختارها شعب البحرين لتكون إطاره السياسي في مسيرته نحو تحقيق أهدافه وتطلعاته ومطالبة الوطنية الحاضرة واللاحقة، والدليل على ذلك واضح كوضوح نور الشمس، بأنها ظلت طوال أكثر من عقد من الزمن مراوحة في مكانها و غارقة في أحلامها وتوهمها، ولم تستطيع أن تجبر السلطة البحرينية على التنازل عن أي ملف بسيط شائك أو عن  قضية ذات أهمية مطلوبة أو قرار جائر، سوى الثرثرة الفارغة وضياع الوقت وتبذير الأموال وعدم الاكتراث بشيء ذي أهمية قصوى في الثقافة الشعبية والنضال الشعبي.

وهذا يعتبر ضياع للطريق وانحطاط أخلاقي لكل من يظل يمارس مثل تلك الأفعال ويحسب نفسه على المعارضة، وإنما تبقى المعارضة الحقيقية والفعلية والصامدة والرائدة، هي التي ظلت ترفض الفرار المهين أو الاستسلام للمضايقات السلطوية السياسية والاقتصادية والامنية، وتواجه مختلف أدوات القهر والعسف العام والحديد والنار على أرض الواقع في الميدان بروح نضالية استشهادية، وتدافع عن كرامة الوطن والشرف والإنسان، وتعمل من أجل مستقبل أفضل للأجيال الحاضرة واللاحقة، ومجتمع لا يرجف فيه الأمل، وهذا “الشعار هو مستعار من جمعية العمل الوطني الديمقراطي ـ وعد ـ المعارضة في الداخل، التي ورثت عن الجبهة الشعبية في البحرين كنوزا سياسية ونضالية من الماضي العريق للجبهة ونأمل من أن تستفيد منها في الحاضر والمستقبل”.

والاخطر من هذا كله بالنسبة للمعارضة البحرينية، هو انها فقدت خلال السنوات الاخيرة رموز وقادة سياسيين بارزين وموهوبين وأصحاب رؤى ثاقبة للمستقبل، و كانوا يناضلون من أجل تماسك الجبهة الداخلية للمعارضة البحرينية ويرشدون الناس إلى الطريق السليم من أجل مستقبل أفضل للاجيال الحاضرة واللاحقة، أما بسبب الموت، أو بسبب الزج بهم في غياهب السجون، بعد إصدار أحكام ظالمة ضدهم، ومعنى هذا أن ثمة مأساة أفظع ستواجهها المعارضة البحرينية، عندما لا تجد الآن من يرشدها إلى طريق الصواب، ولا تجد من يستطيع أن يعوض عن فقدان وغياب تلك الرموز الكبيرة.

وأما هؤلاء المسمون انفسهم “معارضين ثوريين” الذين ظهروا وانتشروا كحبات الأرز، في معظم العواصم العالمية، واستفادوا بالعديد من الامتيازات على حساب الضعفاء والفقراء والمناضلين الحقيقيين الصامدين في أرض الميدان، بعد حراك الرابع عشر من شباط/ فبراير 2011 فقد فشلوا في إنتاج جيل جديد من القيادات السياسية والميدانية، بل انهم فشلوا حتى في تنظيم البيت من الداخل، والأكثر سوءا أنه تم بعد تقويض وتحجيم هذا الحراك، تفتيت وحدة الصف الوطني، واستقواء السلطة البحرينية بضعف وهشاشة جميع أطراف المعارضة .

رؤية جديدة لصياغة برنامج عمل وطني مشترك

ويجب أن تستفيد قوى المعارضة البحرينية، التي يبدو أنها فقدت بوصلتها السياسية على امتداد أكثر من عقد من الزمن بعد حصار السلطة للديمقراطية والحريات في المجتمع، بعد حراك الرابع عشر من شباط/ فبراير 2011 من حقيقة وجود نقاش أساسي عام حول تجديد نفسها وإلى أين يمكن أن تتجه عندما يتعلق الأمر بصياغة برنامج عمل وطني مشترك، حيث لابد أن يكون هناك نقاش موسع بين مختلف تيارات وفصائل المعارضة والقوى المستقلة حول الأفكار الكبيرة والاتجاهات والتطلعات الكثيرة، التي يمكن أن تخدم جميع اهداف ورغبات المواطن البحريني.

وحيث تجرؤ أطراف هذه المعارضة على تحديد توجهات واضحة وصريحة يمكن للاخرين أن يتفقون أو يختلفون معها في قضايا عديدة، ومن الاهمية أن يقوم الداعون إلى أي مؤتمر وطني محتمل، بأن يكونوا قادرين على التواصل مع جميع الأطراف الفاعلة في المعارضة المقيمة في الخارج والداخل، وعليها أن تتمكن من اختيار الاشخاص المخلصين الأكفاء والقادرين على تحمل المسؤولية، والذين يتمتعون بإرث تاريخي نضالي طويل، وضرورة الابتعاد التام عن المجاملات والمحسوبيات التنظيمية، وعليها أيضا أن تتعلم دروس كل ما حدث لها في الماضي، وتحاول أن تتغلب على عملية التوجه الواحد والفكر الأحادي والنهج الطائفي، الذي طالما هدد توافق وتماسك الجبهة الداخلية للمعارضة، وذلك بتبني خطوات ومشاريع جديدة ومفيدة للعمل النضالي المشترك، الذي يحتاج إلى وحدة الصف والموقف المتماسك نحو القضية الوطنية .

ومع أن المعارضة الحالية لا تمتلك في الوقت الراهن أي مشروع أو توجه سياسي واضح ومكشوف، فإنه يتوجب عليها بادىء ذي بدء قبل الشروع في عقد أي مؤتمر من المؤتمرات المطلوبة، أن تلتقي مع بعضها البعض للوقوف على أهداف وتطلعات المستقبل، وتقرر كيفية شكل الحوار الذي سوف ينطلق من خلاله المؤتمر لصياغة رؤية سياسية جديدة تختلف عن الرؤى السابقة التي لم تنجح ولم تقدم ما هو مطلوب بشأن رغبات وطموحات شعب البحرين . 

كما يتوجب عليها قبل أي شيء آخر، أن تثق في نفسها أولا كمعارضة رصينة وكفؤة ويعول عليها الشارع البحريني للعمل على تحقيق كافة أهدافه وتطلعاته ومطالبه المشروعة، وليس فقط لمجرد استهلاك الوقت لرفع الشعارات الرنانة الطنانة، التي لا تسمن ولا تغني عن جوع.

وعندما لا تجد المعارضة ما تتداوله وتناقشه حول الأمور المهمة والجوهرية التي يمكن أن تطرحها في مواجهة مشاريع السلطة، فإنها سوف تخاطر بمستقبلها وربما قد تخسر قواعدها وانصارها بسهولة شديدة، ثم تصبح بالتالي ليست أكثر من مجرد حبر على ورق، أمام تحديات السلطة البحرينية، ولا يستفيد منها أحداً في نهاية المطاف.

تجربة المؤتمرات السابقة للمعارضة البحرينية، أثبتت أنها عقيمة وغير فعالة ونتائجها غير مثمرة وذلك بسبب عدم الوفاء بالوعود التي ظلت تعلن عنها في قراراتها وتوصياتها في بياناتها الختامية، ناهيك على عدم الاعتماد على النفس والنضج السياسي المطلوب الذي يستطيع المواجهة ويتعامل مع الاوضاع السياسية والامنية الداخلية الصعبة والمعادلات الإقليمية والدولية الجديدة الحافلة بالمخاطر، وهي أمور لا يمكن تحقيقها إلا عبر التلاحم الشديد والفكر العقلاني الذي ينير لها طريق المستقبل، واليوم مطلوب منها إبداء رأيها في ما تريد أن تتجه نحوه للمستقبل، وأن التراجع عن ذلك سوف يفقدها مصداقيتها أمام من تقول انها تحميهم وتدافع عنهم .

بطبيعة الحال، فإن مهمة المعارضة اليوم، هي حشر السلطة في زاوية ضيقة أمام جميع المطالب الوطنية المطروحة، بأنها قوية وموحدة، وإذا لم تتقدم المعارضة بمشاريع يؤيدها ويدعمها الشارع البحريني ، فانها سوف تجد نفسها في مأزق لا يمكنها الفكاك منه بسهولة ما لم يكن لديها برنامج عمل وطني مشترك ومتكامل من جميع الاوجه وتستطيع من خلاله مواجهة السلطة البحرينية وحشرها في زاوية ضيقة من أجل الانفتاح على مطالب المجتمع وتنفيذ التزاماتها الوطنية والدولية ذات الصلة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان. 

إن الجدل حول القضايا المجتمعية الصغيرة والقضايا الفكرية التي تخص الفصائل التنظيمية للمعارضة، يجب تنحيتها جانبا، والعمل على شحذ الهمم بشكل كبير للغاية نحو القضايا الأكثر إلحاحا في المجتمع والأكثر قدرة على الالتصاق بالشارع وفرض مزيد من الشروط على السلطة لكي تستجيب لجميع المطالب الاساسية الجوهرية التي يتطلع لها شعب البحرين والذي ناضل من أجلها على امتداد عقود طويلة من الوقت، وقدم خلالها تضحيات ثمينة ومهمة .

وأخيرًا، يجب ألا يغيب عن البال أن مقدار الدعم الشعبي الظاهر على السطح الآن التي تتمتع به مختلف قوى المعارضة البحرينية ربما يكون هو الأكبر مما كانت عليه المعارضات السابقة التي عملت في الماضي من تحت الارض وتلقت ضربات شديدة وموجعة في خواصرها، ولذلك يتوجب عليها أن تعمل على مساحة أوسع ومكانة أكبر في المداولات والنقاش العام وفي النقد الذاتي، وزيادة شمولية العمل والنضال، والتواصل مع المجتمع لخلق نقاش سياسي ومجتمعي عام وواسع النطاق من خلال الاستفادة من الأدوات التكنولوجية الحديثة المتطورة العملاقة المتوفرة الآن، والتي ظلت تفتقد اليها معارضات الازمنة السابقة التي عانت من نقص شديد في أدوات توصيل صوتها لقواعدها وانصارها والصحافة والإعلام وإلى الرأي العام المحلي والدولي، وهذه تبدو أمور مهمة وضرورية وملحة لاستبدال صورة الماضي التراجعي للنضال السياسي الذي شهد الكثير من الصراعات الفكرية والتنظيمية، وأعطى للسلطة البحرينية الفرصة الكاملة و المؤاتية لطرح كل ما تريد وترغب من خطط ومشاريع تخدم أهدافها وغاياتها ومراميها التسلطية والاستبدادية المعهودة والمعروفة .

هاني الريس

22 كانون الأول/ ديسمبر 2021

Loading