الإصلاحات الجديدة في نظام الهجرة إلى أوروبا

بعد فشل المنظومة الأمنية الأوروبية الجبارة في مواجهة تمدد «تسونامي المهاجرين واللاجئين» الوافدين من مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى دول الاتحاد الأوروبي، وبعدما تكررت شكاوى ايطاليا واليونان ومقدونيا وصربيا، إلى المفوضية الأوروبية، بشأن المشاكل الكبيرة، التي يعانون منها بسبب تدفق المزيد من المهاجرين واللاجئين، وبعد إصرار دول شرق أوروبا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على رفض تقاسم حصص اللاجئين، التي أقرَّتها المفوضية الأوروبية في العام 2015 لحل أزمة اللجوء في أوروبا، تقدمت الأخيرة بثلاثة مقترحات أساسية جوهرية لإصلاح البنية التحتية لنظام اللجوء والهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي، تهدف إلى وضع آلية تصحيحيَّة جديدة، يمكن من خلالها إعادة توزيع اللاجئين الوافدين من مراكز العبور الأولى إلى مناطق أخرى في عموم القارة الأوروبية، وتشييد نظام جديد يَغضُّ البصر عن نقاط الحدود الذي يدخل منها طالبو اللجوء، إلى دول الاتحاد الأوروبي، واعتماد نظام مركزي موحد في نطاق المؤسسات الأمنية التابعة إلى الاتحاد الأوروبي، بدلاً من الاعتماد على القوانين الوطنية الخاصة.

ومن بين أهم خيارات الإصلاح، التي تقدمت بها المفوضية الأوروبية، بالإضافة إلى ما تقدم، تعديل بعض قواعد «اتفاقية دبلن» الأولى، التي يطلب بموجبها الأشخاص حق اللجوء في أول دولة يدخلونها من دول الأتحاد الأوروبي، ما قد يتيح المجال إلى كل من إيطاليا واليونان، رفض طلبات اللجوء الإجباري، والسماح للكثير من اللاجئين بمواصلة عبورهم إلى أوروبا.

لكن الكثير من دول الاتحاد الأوروبي، تتخوف من إجراء أية تغييرات طارئة على نظام اللجوء الحالي، حيث إن بريطانيا وعدد من دول شرق أوروبا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، قد أعلنوا صراحة معارضتهم لاستمرار النظام الحالي، الذي لا يسمح لهم ترحيل طالبي اللجوء إلى البلد الأول الذي دخلوه من دول الاتحاد الأوروبي.

وفي هذا الصدد، يرى رئيس المفوضية الأوروبية، فرانس تيمرمانس، أن نظام اللجوء الراهن يبقى نظاما مرحليا مؤقتا، وأن المفوضية تسعى إلى وضع نظام مستقر ودائم، من أجل المستقبل، يستند إلى قواعد صلبة تكون أكثر انصافاً لتقاسم مسئوليات استضافة اللاجئين، وفتح قنوات مشروعة وآمنة لجميع الاشخاص الذين يطلبون الحماية لدخول الاتحاد الأوروبي.

ويقول المراقبون، عندما كانت أوروبا غارقة في سبات عميق، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وخلال حقبة الحرب الباردة، بسبب غضّ بصرها عن تدفق الموجات العاتية من المهاجرين واللاجئين القادمين من مختلف مناطق الحروب والاضطرابات والفقر حول العالم، إضافة إلى كل من كان باستطاعته من مواطني دول المعسكر الاشتراكي السابق، اختراق الستار الحديدي، بغية الوصول إلى دول الغرب، نتيجة تمسكها بشكل جدي بشعارات نشر الديمقراطية الحديثة وحماية أوضاع الناس الذين يعانون من وطأة الفقر والجوع ومن الاضطهاد السياسي، قد فتحت على نفسها «أبواب جهنم» حيث تقاطرت عليها من كل حدب وصوب جحافل المهاجرين واللاجئين الباحثين عن ملاذات آمنة وحياة كريمة ومستقبل أفضل.

ولأنه لا يمكن للدول الأوروبية الكبرى، التي غزتها كل هذه الجحافل في السابق، وخلال السنوات الأخيرة، رأت هذه الدول أنه يجب عليها التكيف مع عالم جديد مختلف بالنسبة إلى قضايا اللجوء والهجرة، لا يمكن أن يشكل أي تهديد واضح لمصالحها الحيوية، على رغم أنها تظل بحاجة دائمة إلى عناصر تشكيل مجتمعية جديدة، بسبب سكانها الذين يشيخون، ولذلك تبنت المفوضية الأوروبية برامج تصحيحية جديدة على أنظمة اللجوء والهجرة، تخفف من الأضرار الاقتصادية والاعتراضات الشعبية الواسعة، التي بلغت مستوى الذروة في منتصف العام 2015 بدخول أكثر من مليون لاجىء من مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والبلقان إلى دول الاتحاد الأوروبي، وأدركت أن بمقدورها تصحيح جميع تلك الأخطاء التي مورست في معالجة قضايا اللجوء والهجرة مبنية على أفكار وبرامج جديدة، قد تساعد دول الاتحاد الأوروبي على محاربة الهجرة غير الشرعية، التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في بلدان غرب أوروبا الغنية، وهو ما اعتبره الكثير من المراقبين مؤشرًا على أن أوروبا بدأت تشعر بعمق المعاناة الموجعة، التي تسببت بها أخيراً أزمة اللجوء والهجرة، وتعين عليها خوض غمار حملة مواجهة ضخمة صاخبة، تردع بها عصابات التهريب وعمليات الاتجار بالبشر، إذ إنه بعد بضعة أشهر من بلوغ الأزمة لأوجها في أواخر (أغسطس/آب 2015)، أغلقت جميع دول الاتحاد الأوروبي حدودها الخارجية، وشددت على مراحل القيود المفروضة على تنقل اللاجئين في منطقة «الشينغن» التي ظلت أبوابها مفتوحة للتبادل التجاري وعبور الأشخاص، إلى حين اشتداد أزمة اللجوء، التي أوقعت أوروبا في محنة البحث عن مخارج قانونية وانسانية وأخلاقية للتصدي لها.

ولكنه على رغم كل تلك المحاذير والإجراءات، لم يتغير الوضع بشكل مقبول بعد إغلاق الحدود اليونانية المقدونية وطريق البلقان، إذ استمر تدفق اللاجئين بأعداد هائلة إلى أوروبا بعد تنفيذ إجراءات هذا القرار، وبحسب مصادر الأمم المتحدة، حاول أكثر من 180 ألف لاجىء الوصول إلى شواطىء أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، ولقي قرابة 800 شخص حتفهم غرقا خلال الشهور الأخيرة الماضية من العام الجاري، وقال أحد المراقبين لتلك الأوضاع، إنه عندما تستيقظ أوروبا من سباتها سترى نفسها غارقة في جحيم معاناتها، التي لم تنتهِ مع عمليات تدفق اللاجئين غير الشرعيين، الذي ينتهزون الفرص، ويبتدعون الوسائل الملتوية والغامضة للوصول إلى أهدافهم في أوروبا، على رغم مصرع المئات من اللاجئين والمهاجرين في البحر والبر، عند محاولات عبورهم إلى البلقان ودول الاتحاد الأوروبي.

Loading