المسلمون وليس الإسلام في ألمانيا

تحدى حزب «البديل من أجل ألمانيا» العنصري، كل الأصوات التي تعتبر المسلمين في ألمانيا، جزءاً لايتجزأ من النسيج الوطني الألماني، وتسبب في تعميق مستوى الخلاف الشديد، بشأن الإسلام والمسلمين في ألمانيا، بعد تبني مؤتمر الحزب في صلب برنامجه السياسي والاجتماعي، بنداً خاصّاً يعتبر فيه «الاسلام ليس جزءاً من ألمانيا» في غمرة حرب ثقافية وإعلامية داخلية (قديمة وحديثة) تدور بشأن قضايا الإسلام والمسلمين في نطاق الدولة الألمانية، وفشل الجهود كافة، الرامية إلى إزالة شعور الكراهية الذي يستهدف جميع المسلمين في ألمانيا، وخاصة في أوساط الأحزاب وقوى المجتمع العنصرية والنازية.

وعلى رغم أن مواقف حزب «البديل من أجل ألمانيا» المتشددة والعنصرية جدا ضد الإسلام والمسلمين في البلاد، استقطبت كوادر وقواعد وجماهير الأحزاب والمنظمات والقوى العنصرية والمناهضة للهجرة بشكل واسع النطاق، فإنها من جهة أخرى وحَّدت بصورة أوسع شمل الأحزاب والقوى اليمينية المعتدلة والوسطية واليسارية والعلمانية، التي عرفت تاريخًا طويلاً من مواقف التضامن والتآخي ووحدة المصير بين الشعوب، المرتكزة على قواعد القيم والمثل والمبادىء الإنسانية والأخلاقية الصرفة.

وردّاً على البند الحيوي الجديد، التي طالبت به، نائبة رئيسة الحزب، بياتريكس فون شتورش «المناهض للإسلام» والذي كرسه حزب «البديل من أجل المانيا» في برنامجه السياسي الجديد، والذي اعتبر فيه الإسلام ليس جزءاً من ألمانيا، قال رئيس كتلة التحالف المسيحي في «البرلمان الألماني» فولكر كاودر، في لقاء صحافي مع صحيفة «أوسنابروكه تسايتونغ» إن المسلمين في الواقع، يمثلون جزءا لا يتجزأ من النسيج المجتمعي الألماني، ولكن ذلك لا يعني القبول بنهج الشريعة الإسلامية في ألمانيا. وأضاف أن «هناك قرابة أربعة ملايين مسلم يعيشون بشكل طبيعي في ألمانيا، وهم جزء من المجتمع، ولذلك فإنهم يتمتعون بحرية ممارسة عقيدتهم وتقاليدهم، بحسب ما تنص عليه القوانين والأعراف المعمول بها في البلاد.

وبرر فولكر كاودر، موقفه المبدئي المعارض للإسلام، بأن الدين الاسلامي، لم يستطع أن يترك له أية بصمة واضحة ومؤثرة على المستويين التاريخي والثقافي في ألمانيا.

وقال، إن هناك عدة مدارس ومناهج فقهية، وطوائف متنوعة في الإسلام، تشير إلى أنه «لا يوجد إسلام موحد ومشترك تجتمع حوله الأمة الاسلامية، بقدر ما توجد هنالك وجوه متباينة» يتصارع حولها المسلمون في كل مكان في العالم، إضافة إلى كل ما للإسلام من مؤثرات وتطلعات كثيرة «لا يمكن أن نقبلها في ألمانيا»

ومعروف، أن مؤتمر حزب «البديل من أجل ألمانيا» المنعقد في مقاطعة شتوتغارت في (1 مايو/ أيار 2016)، قد اعتمد في برنامجه السياسي الجديد، بندا ينص على أن «الإسلام ليس جزءا من ألمانيا» ويرفض بناء صوامع للمساجد، ورفع الأذان وبعض المظاهر الاسلامية مثل الحجاب الإسلامي، بوصفها «رمزاً للهيمنة الإسلامية» وذلك خلافاً إلى كل ما كان يجاهر به كبار المسئولين الألمان، الذين شددوا على شعار «الإسلام جزء من نسيج المجتمع الألماني»، وفي صدارتهم الرئيس الألماني السابق، كريستيان فولف، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إضافة إلى بعض قادة الأحزاب والنشطاء اليساريين، ومختلف قوى المجتمع المدني في ألمانيا.

وحديثاً وقعت جرائم بشعة وغير مألوفة سابقاً في ألمانيا، ضد المهاجرين واللاجئين، في عدد من مراكز إيواء اللاجئين في مختلف المقاطعات الألمانية، ولاسيما مقاطعات البلاد الشرقية «جمهورية ألمانيا الديمقراطية الشعبية سابقاً» حيث اتخذت بعض هذه الجرائم طابعا همجيا مميزا، مثل إشعال الحرائق بالقنابل اليدوية الحارقة، وتدمير أجزاء حساسة من مراكز اللجوء على رؤوس من يقطنونها، وتقول الشرطة الألمانية، إن هذه هي أساليب القوى المتطرفة والنازية الجديدة، وتبدي مخاوفها من أن تشكل موجة معاداة الإسلام، تهديدا سافرا لاستقرار وأمن الدولة الألمانية، وهي تحاول أن تدرس كيفية استخدام نظام طوارئ لمحاربة هذه الظاهرة المخيفة والمقلقة.

إلى جانب ذلك، انتشرت في عدد من المقاطعات الألمانية الشرقية، وبتشجيع من أحزاب اليمين المتشددة والمتطرفة، أشد وأوسع شعارات العنصرية والكراهية المقيتة، ضد المهاجرين واللاجئين الجدد من سورية والعراق وأفغانستان ودول الشمال الإفريقي، الذين وجدوا أنفسهم أخيرا يعيشون في ظل أجواء رعب وتوتر وقلق مستمر، مع تصاعد العمليات الوحشية، التي تنفذ ضدهم من دون شك تحت حافز إجرامي.

وبالإضافة إلى ذلك كله، أظهرت بعض استطلاعات الرأي، التي أجرتها عدة مراكز استطلاعية ألمانية، خلال الفترة التي أعقبت قرار «سياسة الأبواب المفتوحة» التي اعتمدتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لحل أزمة اللجوء الكبرى في أوروبا، عدم رغبة غالبية المجتمع الألماني، بمن فيهم التيار الذي ينتمي إلى الخط الرئيسي لحزب المستشارة ميركل «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» وحلفاؤه في الحكومة، في استقبال المزيد من المهاجرين واللاجئين الجدد، حتى لو كانت أوضاعهم مأساوية وتدعو إلى الشفقة الإنسانية؛ لأنهم وافدون من دول إسلامية يكتنفها الغموض الشديد، وتعاني جميعها من وطأة الدكتاتورية والحروب والاضطرابات، ولأن ألمانيا تضرر نسيجها الاجتماعي، وارتبكت أوضاعها الاقتصادية والأمنية، بسبب تدفق الموجات العاتية من اللاجئين، الذين تظل تدغدغ أحلامهم فكرة الحصول على ملاذات ثابتة وآمنة في ألمانيا، أو في إحدى الدول الغنية، الأعضاء في الإتحاد الأوروبي.

وللتذكير فقط، فإن نسبة السكان المسلمين في ألمانيا، بلغت قرابة 4 ملايين مسلم، بحسب بعض المصادر الرسمية الألمانية، غالبيتهم من القوميات التركية والكردية والبلقانية، التي وفدت إلى البلاد في حقبة سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي، عندما استعانت بهم الحكومة الألمانية للمساهمة في إعادة بناء ألمانيا، ضمن ما يعرف «بمشروع ماريشال للعام 1947 الاستراتيجي الاقتصادي والتنموي» بعد كارثة الدمار الرهيب، التي تسببت بها الحرب العالمية الثانية في أوروبا.

Loading