فقراء العالم وأثرياؤهم… في طاحونة الأزمة المالية

أخذت آثار الأزمة المالية العالمية تنعكس سلبا على الفقراء والعديد من أثرياء العالم وبعض الحكام الذين لحقت باقتصادات بلدانهم، الأضرار البالغة نتيجة سوء التخطيط والتلاعب بالثروة الوطنية.

وتناولت مختلف وسائل الإعلام الدولية في تحليلاتها، التطورات السريعة التي حصلت في العالم برمته، منذ الأزمة المالية العالمية، فأجمعت على أن العالم يتعرض اليوم إلى «كارثة اقتصادية كبرى» يمكن أن تغير مجراه، أدت إلى إفلاس مصارف عالمية عملاقة كانت تدير حركة الاقتصاد الدولي منذ عدة عقود، وارتفاع فاحش في الأسعار وتزايد نسب البطالة بين شرائح متعددة في المجتمعات، حتى في البلدان الصناعية الكبرى، وتسريح أعداد هائلة من الموظفين والعمال، وتراخي عجلة التصنيع والتبادل التجاري بين معظم الدول حول العالم.

وأشارت، إلى أنه على رغم التوظيفات المالية الضخمة التي كانت تقدر بترليونات الدولارات، لمعالجة أسباب ومظاهر الأزمة، لا يزال الاقتصاد العالمي نازفا من جميع الأوجه، ويصعب الوصول إلى حلول ناجعة تردع هذا الانهيار الهائل في مستوى أزمة الاقتصاد.

وأوضحت بعض الصحف العالمية، عن ان أزمة الاقتصاد، كشفت النقاب عن سوء تخطيط وحسابات خاطئة، ارتكبت في حق الاقتصاد العالمي، أدت إلى نتائج كارثية على مستوى دول ومجتمعات كثيرة، تمثلت في انهيار موازنات وطنية وصعوبات بالغة في تسديد ديون ومستحقات، وحدوث صدمات موجعة ونوبات قلبية وأمراض نفسية وعمليات انتحار، بين هؤلاء الذين فقدوا في لحظة مباغتة أموالا طائلة من مدخراتهم أو ممتلكاتهم، والذين قطعت أرزاقهم بعد فصلهم من أعمالهم وتحطمت كل آمالهم وأحلامهم في مستقبل يضمن لهم ولعائلاتهم الحياة الكريمة.

وقالت صحيفة «لوموند» الفرنسية في عددها الصادر في 23 أبريل/ نيسان الماضي: «ان أزمة الاقتصاد التي غزت العالم بشكل سريع، كانت تثير قلق ليس فقط الدول الفقيرة والنامية، بل ايضا دول تعتبر ناشئة في اوروبا الصناعية الغنية، مثل جمهورية ليتوانيا (احدى جمهوريات البلطيق الثلاث في الاتحاد السوفياتي السابق) التي انضمت حديثا إلى عضوية الاتحاد الاوروبي بعد الاستفتاء الشعبي في العام 2003، وأحدثت بها الأزمة المالية العالمية اضرارا بالغة في مستوى اقتصادها المتدني أصلا، الأمر الذي لفت اهتمام رئيس الدولة فالداس ادامكوس، الذي تقدم الصفوف تضامنا مع الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد، فقرر بصفته الرئيس المؤتمن على مصالح الدولة والمجتمع، أن يكون «المثل الذي يحتذى» في زمن الأزمة، عندما رفض ان يتسلم راتبه الشهري كاملا، بل منقوصا بنسبة 16 في المئة، في خطوة وصفت بأنها «لفتة أبوية كبيرة» تضامنا مع المجتمع.

وأضافت الصحيفة: «انها ليست المرة الأولى التي تقف فيها ليتوانيا في موقع الصدارة عن غيرها من الدول التي أخذت زمام المبادرة في التصدي للأزمة المالية العالمية، فقبل عدة شهور، أعلنت الحكومة عن خفض راتب رئيس مجلس الوزراء غيديميناس كيركيلاس، والوزراء بنسبة 15 في المئة، وهي لا تزال تبحث خفض هذه الرواتب بنسبة 12 في المئة إضافية».

وفي دولة افريقية فقيرة، هي جمهورية اوغندا، لفت أنظار العالم قبل نحو الشهرين 19 فبراير/ شباط الماضي خبر مفاده، أن الرئيس الاوغندي يوري موسيفيني، يقوم ببيع قطيع من الأبقار التابعة له للانفاق على الدولة، حيث نقلت وسائل الإعلام الأوغندية والعالمية على حد سواء، نبأ قيام الحكومة ببيع العشرات من الماشية التي اهديت لرئيس الدولة، وسيتم إنفاق ثمنها على مشروعات تخص الدولة والمجتمع.

وذكرت صحيفة «كومير سانت» الروسية الصادرة في 3 فبراير، «أن الرئيس ديمتري مدفيديف، حذر مسئولين كبارا في إدارة الدولة الروسية، من عواقب تبذير الأموال في ظل الأزمة الراهنة، عبر قيامهم بزيارة منتجعات فاخرة في خارج الاتحاد الروسي، وفرض عليهم إبلاغه بتحركاتهم مسبقا، بعد ان تلقى انتقادات صارخة عن بذخهم وتبذيرهم الأموال، فيما تتخبط روسيا بأزمة اقتصادية خانقة».

وأضافت الصحيفة «أن مدفيديف، أصدر وثيقة رسمية تضمنت بعض التعليمات والتوجيهات لاعضاء الإدارة والموظفين في الكرملين ووزراء رئيسيين في حكومة فلاديمير بوتين، تفرض عليهم إبلاغه عن تحركاتهم الخارجية وتواريخ اجازاتهم، عله يحكم القبضة على اسرافهم وبذخهم، في ما يحاول إنقاذ البلاد من براثن الأزمة المالية الخانقة».

وفي مقابل ذلك، تتوارد الانباء، عن صمود الكثير من أصحاب الثروات العرب وغيرهم من أباطرة المال حول العالم، الذين استطاعوا حتى الآن الحفاظ على مواقعهم الصلبة في خريطة الاقتصاد العالمي، التي اجتاحتها تغييرات الأزمة، حيث حافظ هؤلاء على معظم ثرواتهم، بل وازدادت طموحاتهم الاستهلاكية وسعيهم المستمر لجني المزيد من الارباح ومراكمة الثروات الجديدة بالسرعة الممكنة، من دون النظر إلى حاجة ملايين الناس الفقراء في العالم برمته إلى الغذاء والدواء ومختلف اسباب العيش والبقاء على وجه الأرض.

وهناك تقديرات لمراكز اقتصادية عالمية، تشير إلى وجود أسماء عربية كثيرة، من أثرياء النفط ونخب سياسية استغلت سلطاتها السياسية والاجتماعية، من أجل مراكمة هذه الثروات على حساب مجتمعاتها التي مازالت تعاني الحرمان والفقر المدقع، من دون أن تستفيد من (نعمة النفط)، حيث تقول أرقام منظمة العمل العربية، إن هناك أكثر من 17 مليون عاطل عن العمل في الوطن العربي، هم اليوم في مسيس الحاجة إلى العمل، فيما أكد بنك آسيا للتنمية حديثا أن هناك اكثر من 56 ألف طفل في القارة الآسيوية ينتظرون الموت جراء تداعيات الأزمة المالية العالمية.

وأشار تقرير صادر منذ فترة، عن المنظمة الدولية لمكافة الفساد والرشوة حول العالم إلى وجود انشطة مالية مشبوهة وتهريب وغسيل أموال وسمسرات دولية تنتشر في الكثير من مناطق العالم.

ويضيف التقرير «ان هناك طبقة سياسية تتعاون مع اصحاب الرساميل في بعض بلدان الشرق الاوسط، على تشويه الاقتصاد العالمي ونشر الفساد والتلاعب بالثروة الوطنية، عبر سن بعض القوانين التي تسمح بالتستر على الأموال والثروات الكبيرة عن رقابة الدولة والبرلمانات ومنظمات المجتمع المدني، خوفا من المكاشفة والمحاسبة، والاستمرار في جني المزيد من الثروات على حساب الفقراء الذين يزدادون فقرا، فيما تتضاعف أموال الأغنياء إلى درجات هائلة».

Loading