هيروشيما… الجريمة الأكبر في التاريخ

في اليوم السادس من شهر أغسطس/ آب من كل عام تستعيد اليابان ومعها العالم برمته، الذكرى القاسية المؤلمة لضحايا اول قنبلة ذرية القت بها طائرة حربية أميركية على مدينة هيروشيما (غرب اليابان)، في ساعة مبكرة من صبيحة يوم السادس من أغسطس 1945 قتل بعدها على الفور أكثر من 72 ألف انسان، وتسببت في موت عشرات الآلاف من سكان هيروشيما الابرياء بجحيم النيران وسحابة الاشعاعات الذرية التي أحرقت أجساد النساء والرجال والاطفال، ودمرت كل شيء موجود على وجه هذه المدينة المنكوبة.

ولم يمض على ارتكاب هذه الجريمة الوحشية، التي أتت في الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، ووصفها المؤرخون بأنها الجريمة الآكبر في التاريخ الحديث والمعاصر، سوى ثلاثة أيام فقط حتى ألقت احدى المقاتلات الاميركية قنبلة ذرية أخرى على مدينة ناكازاكي اليابانية، بالوحشية الرهيبة نفسها التي تعرضت لها هيروشيما، راح ضحيتها مئات الآلاف من سكانها بين قتيل وجريح ومحروق ومشوه.

وبكل غطرسة ووقاحة بررت الولايات المتحدة الاميركية فعلتها الغاشمة والمجنونة من إلقاء القنبلتين الذريتين على اليابان، وهي البلد التي أنهكتها الحرب وأصبحت في أوج ضعفها وانهيارها العسكري بعد الهزائم الواضحة التي تعرضت لها أساطيلها البحرية في مضيق الباسفيك والجزر اليابانية القريبة، وعجز أسلحتها البرية والجوية عن المقاومة والتصدي للغارات الاميركية المكثفة على العاصمة طوكيو وبعض المدن الرئيسية في البلاد التي واجهت دمارا وخرابا كبيرين، بالقول إن القصف الذري على هيروشيما وناكازاكي كان الوسيلة الضرورية والوحيدة لإجبار اليابان على الاستسلام، وتجنيب الولايات المتحدة خسائر فادحة في الارواح والمعدات اذا ما قررت قواتها المسلحة خوض غمار هذه الحرب وغزو اليابان. وتتفق عدة آراء على القول، إن الولايات المتحدة الاميركية، كانت تعلم جيدا أن اليابان أصبحت بعد الضربات الموجعة في خاصرتها، عاجزة عن المقاومة والاستمرار في الحرب، وكانت حينها قاب قوسين أو أدنى على طريق الهزيمة والاستسلام، خصوصا بعد القصف المركز والواسع النطاق على العاصمة طوكيو وضواحيها الشاسعة الذي تسبب بشكل مباشر في حريقها الشهير، الذي راح ضحيته مئات الآلاف من القاطنين في المدينة، ولكن الولايات المتحدة تعمدت افتعال هذه الجريمة والقت بهاتين القنبلتين الذريتين فقط لتركيع اليابان ولاختبار مفعولهما على البشر.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية، بعد ذلك الفعل، حظرت أية معلومات عن القنبلتين الذريتين، خوفا من تعرضها لانتقادات دولية قوية نابعة من هول ماحدث، الى أن وقعت بعد فترة طويلة معاهدة سلام مع اليابان في العام 1952.

وفي المناسبة السنوية لذكرى القصف بالقنبلة الذرية التي أحيتها مدينة هيروشيما في السادس من أغسطس 2008، تحدث عمدة المدينة تاداتوشي اكينا، عن أهوال تلك الجريمة النكراء والاضرار الهائلة التي لحقت بالوطن وبأبناء جلدته في كلمة هزت مشاعر الحشود التي وقفت دقيقة صمت على أرواح ضحايا الجريمة، دعا فيها العالم أجمع الى العمل بصدق على إحلال الأمن والسلم والوئام ونبذ الحروب، وهاجم بقوة الدول التي مازالت ترفض التخلي عن ترساناتها النووية بالقول «إن الدول التي تطالب بحظر الأسلحة النووية تشكل اليوم الغالبية في العالم، وانه فقط في السنة الماضية جرى التصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به اليابان الى الامم المتحدة والذي دعا الى حظر انتشار الاسلحة النووية فنال هذا المشروع 170 صوتا لصالحه، ولم تعارضه سوى ثلاث دول منها الولايات المتحدة الاميركية ما يعني الرغبة العالمية الكاسحة لإحلال السلم».

وبحسب الكثير من المراقبين والخبراء في السياسة الاميركية، فإن الولايات المتحدة، التي لاتزال تعتد بنفسها لكونها القطب الوحيد والأقوى في العالم، بل الدولة المتمردة والمنسحبة والرافضة لمشاريع الاجماع العالمي وتوقيع الكثير من الاتفاقات والمعاهدات والبروتكولات الدولية، بشأن حقوق الانسان والبيئة وانتشار السلاح لن يقلق مضاجعها أبدا ما حدث في هيروشيما وناكازاكي أو اية بقعة في العالم أدخلت فيها عساكرها وقهرت شعوبها بذريعة محاربة الارهاب والتطرف وهي بذلك تبتعد عن ملاقاة غالبية دول الكون التي تنشد السلام والاستقرار، ولا يهمها أن تكون منفرة وحدها تغرد خارج السرب وتنادي باستمرار الامر الواقع في مختلف القضايا الدولية.

Loading