قضية شرطي

تصدرت أخبار اعتداء المواطن المغربي حسن اليعقوبي (زوج عمة ملك المغرب)، على شرطي مرور بإطلاق النار عليه خلال قيام الأخير بواجبه الرسمي في الدار البيضاء قبل عدة أيام، الصفحات الأولى للصحف المغربية، وكذلك بيانات المنظمات الحقوقية المغربية وبعض وسائل الإعلام في الوطن العربي، وأصدر المركز المغربي لحقوق الإنسان بيانا طالب فيه السلطات المغربية بتسليط الأضواء على هذه الحادثة التي وصفت بـ «المأساوية والمثيرة لقلق الرأي العام في المغرب» والذي يعتقد بأنها قد تفجر أزمة ثقة عميقة قد تصيب رجال الأمن المغاربة في عمليات تأدية واجباتهم الرسمية بأمانة، عندما يحاول البعض طمس معالم هذه القضية التي تتناول شخصا من أفراد البيت الملكي، الذي يفترض فيهم القيام بمسئولياتهم الرسمية والوطنية لحماية القانون وصون حريات وكرامة المواطنين.

وما قامت بتبريره جهات موالية للقصر الملكي حول ملابسات هذه الحادثة، بأن زوج عمة الملك، الذي حاول أن يفرض نفسه فوق القانون، ولم يراع القيم الإنسانية والأخلاقية تجاه المواطنين، بأنه كان يعاني من «مشاكل عقلية» عند محاولته إهانة الشرطي بكلمات نابية واستخدام الرصاص الحي بقصد الترويع، قال عنها حقوقيون مغاربة بأنها قضية جنائية خالصة، ويجب ألا تترك في دهاليز الإهمال، لأن من ارتكب هذا الفعل هو فرد من أفراد الأسرة المالكة، وإنما الواجب أن تأخذ مجراها القانوني، باعتبار أن الضحية هو مواطن كان يؤدي واجبا رسميا، وكاد أن يُقتل في هذه الحادثة، وأن زوج عمة الملك كان يقود سيارته، وهذا يعني أن «مختل العقل الذي يعاني من مشاكل نفسية» لا يمكن أن يقود السيارة ويحمل معه السلاح.

وتكشف مثل هذه الحادثة المأساوية، في المغرب وفي سائر البلدان المشابهة للنظام السياسي المغربي، التي تسيطر عليها أوهام العظمة والتفرد بالسلطة وصنع القرارات من دون استشارة المجتمع، مدى استهتار أصحاب النفوذ الكبيرة في السلطة والحكم بحياة المواطنين، وأحيانا بهدر دمائهم لمجرد نزوات صغيرة، لأن ما هو قائم هو استقواء هؤلاء (المسئولين الكبار في الدولة) بمواقع القوة والنفوذ والسلطة، وليس بما تنص عليه الأنظمة والدساتير التي أقسموا عليها بأنفسهم أمام شعوبهم وتعهدوا بحمايتها وصيانتها والدفاع عنها.

ولعل مثل هذه الحادثة المؤسفة حقا، تكشف مدى زيف الأنظمة السياسية التي ما برحت تتشدق باحترامها للديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، حيث يمارس المتنفذون في السلطة والحكم، خرق الحريات لمجرد شعورهم باستياء شعبي يطالب بأبسط حقوق المواطنة المشروعة وتوفير لقمة العيش، والتمتع بكافة الحقوق المدنية والاقتصادية والثقافية والفكرية المتعارف عليها في المواثيق والمعاهدات الدولية، ويقومون بسلب ممتلكات الناس وأرواحهم ويعتدون على حرماتهم من دون وجه حق، وهم دائما مستعدون لإيجاد المبررات الكافية للهروب من المسئولية تجاه تصرفاتهم اللا قانونية واللا أخلاقية.

والسؤال المطروح في هذا المجال، هل على المواطن في الدول التي لا تحترم قوانينها ودساتيرها والتزاماتها الدولية تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن يتحمل مختلف أساليب القهر والإذلال والتعسف العام كضريبة محتومة لأولي الأمر من الذين ينقضون العهود والمواثيق التي قطعوها على أنفسهم أمام شعوبهم باحترام القوانين والدستور وصيانة حقوق المواطن، في مقابل أن يحافظ هؤلاء الحكام على عروشهم باقية إلى أبد الدهر؟

Loading