نفاق الغرب في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان

قبل نحو 11 سنة من الآن (يونيو/ حزيران 1997) أعلن وزير الخارجية البريطانية الراحل روبن كوك، عن برنامج السياسة الخارجية الذي كانت حكومة حزب العمال تنوي تسويقه لنشر الديمقراطية وحقوق الانسان في الخارج، في بيان أزعج السياسيين الذين نشأوا وترعرعوا على تعاليم مدرسة بالمرستون المحافظة التي تقول «ليس لبريطانيا أية مبادئ في الخارج، بل ان لها مصالح حيوية هناك ويجب المحافظة عليها والدفاع عنها». فقد جاء في ذلك البيان «ان بريطانيا العظمى ستعمل من خلال المحافل الدولية والعلاقات الثنائية ومع الدول الصديقة والحليفة على نشر قيم حقوق الانسان والحريات المدنية والديمقراطية التي تطالب بها لنفسها».

ولكن بعد مرور زمن طويل على صدور هذا البيان المشجع، في مختلف الدول التي لم تبلغ بعد مستوى كل هذه القيم، واستنادا الى بعض الوقائع الهامة عن تلك السياسة، فإن حكومة حزب العمال التي ما انفكت عن لفت الانظار حول أهتماماتها الدولية بالديمقراطية وحقوق الانسان، وبالتالي دفعها وتشجيعها للانظمة السياسية الصديقة والحليفة باتجاه التجاوب مع المستجدات الدولية بخصوص الممارسة الديمقراطية، من أجل الحفاظ على الامن والاستقرار والتعايش المشترك والسلم الاهلي، ظلت على الدوام تمارس نهجا مخالفا لتلك التوجهات الجديدة خاصة حينما يتعلق الامر بالمخاطر المحدقة بمصالحها الاستراتيجية الحيوية، فهي وإن لم تكشف عن ذلك حقيقة، تستمر في دعم العديد من الانظمة السياسية الاستبدادية القمعية ولاسيما تلك التي ترتبط معها بعلاقات استعمارية تاريخية قديمة، والتي لا تزال تحمل أسوأ السجلات في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان، وتمدها من دون رادع انساني بالخبراء والمستشارين الامنيين والعسكريين ومختلف الاجهزة المتطورة، اذ يتم استخدامها لقمع وتعذيب المواطنين، بل وانها تحاول أن تعمل على حماية هذه الانظمة من اية عقوبات يمكن أن تتخد ضدها في المحافل الدولية.

وبسبب ذلك الدعم غير المحدود الذي كانت تقدمه المملكة المتحدة البريطانية ومعها بعض دول الاتحاد الاوروبي في مجال التقنية الامنية وغيرها الى الحكومات الصديقة والحليفة في مناطق العالم المختلفة، يزداد غرور هذه الحكومات وغطرستها وبطشها بشعوبها من دون أن تكثرث بأي شيئ قد يعكر صفو أستمرار بقائها في السلطة.

وعلى رغم أن بعضهم كان يتذرع بالقول ان هناك أنظمة سياسية لا تزال بعيدة كل البعد عن ممارسة الديمقراطية وحقوق الانسان، ويطالب بمراجعة كل هذه الممارسات من أجل احلال السلم والوئام في المجتمع، الا أن هذه الانظمة في نفس الوقت تصبح بالنسبة لهم ذات أهمية بالغة من الناحية الاستراتيجية، بحيث لا يمكن بأي شكل من الاشكال التضحية بها لصالح ما يمكن أن تطالب به شعوبها من خلال الديمقراطية والتعددية السياسية وحريات الرأي والانتخابات الحرة المباشرة. لذلك يحاولون بكل ما أوتوا على ألا تسقط هذه الانظمة الصديقة والحليفة فريسة في أيدي القوى الشعبية الديمقراطية الساعية بأخلاص الى التغيير الحقيقي والجوهري، والتي يمكن أن يهدد وصولها الى سدة الحكم المصالح الاستراتيجية لحكومات الغرب.

غير أن هذه الانظمة المحمية من الغرب، دائما تكون معرضة الى الانهيار والسقوط المدوي على أيدي القوى الشعبية الثائرة ضد الظلم والقهر والاستبداد المطلق. يحاول الغرب احيانا ترقيعها ببديل، وأحيانا لا يحالفه الحظ في الحفاظ عليها.

والواقع أن بريطانيا، وكذلك بعض دول الاتحاد الاوروبي التي جاهدت لكي تبقي هذه الانظمة الاستبدادية على رغم كل التطورات والتحولات الديمقراطية الجديدة التي شغلت العالم برمته، ولعل نظام موغابي اليوم يقدم مثالا حيا لتلك الإزدواجية التي دأبت عليها الدول الغرببية، وبريطانيا خصوصا. وهي تقف ضد نظام موغابي اليوم ليس لأنه نظام ديكتاتوري بل لأنه ضرب مصالحها في ذلك البلد.

في صحيفة «التايمز» البريطانية الصادرة في يونيو/ حزيران 2008 تحدث الصحافي مايكل هولمان عن مثل تلك الحقيقة، ليكشف نفاق بريطانيا الواضح عن حقوق الانسان، ففي مقال تحت عنوان «لا تنسوا كيف خلقت بريطانيا روبرت موغابي»، قال: «كان نادرا ما كرس وقت واهتمام لبلد لا يمس المصالح البريطانية كما هي الحال في زيمبابوي الآن، والوضع مختلف بالنسبة للعراق وأفغانستان، اذ تبرز على السطح قضايا النفط والمخدرات والإرهاب لتبرر وجود قوات بريطانية مدججة لحماية مصالحها الحيوية، اما بالنسبة لزيمبابوي فليس هناك أي تأثير حيوي لهذا البلد على فرص العمل في المملكة المتحدة». وينهي الكاتب مقالته حول اهتمام بريطانيا ببلد مثل زيمبابوي فيقول إن الأمر يعود الى دور الامبراطورية البريطانية التاريخي بخلق بلدان مستقلة لا تعاني من أية مشاكل تقلق وصايتها على تلك البلدان.

من هنا يمكن القول ان السياسات البريطانية وبعض دول الاتحاد الاوربي التي ما برحت تطالب بنشر الدينقراطية خارج حدودها باعثة على الخيبة والشعور بالاحباط، لان اهتمام تلك السياسات بالمصالح الاستراتيجية الغربية، والمحافظة على صداقات دائمة ومضمون ولائها، لا يساوي الشيء الأهم من اهتمامات الغرب بنشر الديمقراطية وقيم العدالة وحقوق الإنسان.

مثال زيمبابوي يمكن تعميمه على دول أخرى دون شك، وهنا ينبغي البحث في قواميسها عن المصالح لا عن المبادئ…!

Loading