عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية الموعودة

وعد مجلس الوزراء في جلسته الأسبوعية (11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2007) بتشكيل هيئة وطنية لحقوق الإنسان، تحمل على عاتقها مسئولية التعامل مع قضايا حقوق الإنسان ووضع السياسات العامة لمختلف القضايا الحقوقية، والتعامل مع المنظمات غير الحكومية ذات الصلة بهذا الشأن؛ بوصفها الجهة المعنية بدراسة النظم والتشريعات المعمول بها في البحرين.

خطوة تستعد السلطة البحرينية لاستقبالها في فترة قريبة جدا بعد عقود طويلة من العسف على مختلف مجالات الحياة، ومن ذلك مجال حقوق الإنسان، وهو المجال ربما الأهم الذي وقعت فيه أخطاء السياسات العامة للسلطة في غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي تتعرض الآن – قبل بحثها وإقرارها جديا في مجلس الوزراء – للشائعات والشائعات المضادة والانتقادات البناءة وغير البناءة. وعلى رغم ذلك فإننا نتمنى أن يكون تشكيل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بادرة حسن نية من قبل السلطة البحرينية بصدد الاهتمام البالغ بأوضاع حقوق الإنسان، ومختلف المؤسسات الرسمية والشعبية الراعية لها، التي تعرضت لكثير من الأزمات والمصاعب الخانقة على مدى العقود الماضية، وحان الوقت لتغييرها جوهريا تماشيا مع التغييرات الشاملة التي يمر بها العالم برمته في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ولكن هناك أسئلة كثيرة تطرح اليوم بشأن مغزى تأسيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وأهميته، وكذلك الأشخاص المنوطة بهم مسئولية القيام بأعمالها، وهي من دون أدنى شك مسئولية وطنية كبيرة، يجب على الجميع – سلطة ومنظماتٍ مدنية – المشاركة القوية والفعالة في اعداد مرتكزاتها الاساسية وتثبيتها وتأهيلها، والتي منها السياسية والتنظيمية والوظيفية والإعلامية.

وهنا نعتقد أن بالمشاركة والمكاشفة والمصارحة والعمل الجاد، تصبح لدى الجميع القدرة على تجاوز العقبات والعوائق، ولعل السؤال الأبرز في هذا المجال هو: هل الهدف الأسمى للسلطة في تشكيل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان هو خدمة القضايا الأساسية والجوهرية لمجالات حقوق الإنسان وهذا أمر في غاية الاهمية؛ لأنها تقود الآن – بحسب زعمها – عملية الإصلاح الديمقراطي الشامل في البلاد، أم أن الأمر مجرد خطوة اعلامية جديدة للفت انتباه الرأي العام المحلي والعالمي على حد سواء لما تقوم به من عمليات تجميلية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد أن حُشِرت اليوم في زاوية ضيقة وخانقة وعسيرة؛ بسبب كثير من الانتقادات والاعتراضات والمراقبة المحلية والاقليمية والدولية على أدائها وسلوكها في ذلك المجال الحقوقي والديمقراطي، الذي ظلت متمسكة بتلابيبه متفردة طيلة العقود الماضية حتى الآن؟

ولكي تتمكن السلطة من التخلص من الإرث السلبي في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومن جميع المشروعات التجميلية والتضليلية التي مورست بحق المجتمع والمنظمات الدولية، ولتفادي الاحراج أو التسبب بتشديد المراقبة الدولية، فإن من الضروري أن تبدأ تنفيذ خطوات جادة ومخلصة في هذا الاتجاه، بأن تلعب الدور الفعلي والحقيقي في تنمية الوعي الشامل في ميادين الديمقراطية وحقوق الانسان، وألا تخجل أبدا من عمليات المكاشفة والمساءلة والمحاسبة على أفعالها أمام المجتمع مادامت تكرر القول إنها جادة وحريصة كل الحرص على خدمة المجتمع وبناء الدولة الديمقراطية الدستورية على غرار الممالك الدستورية العصرية، أي أن من واجبها التخلص تماما من جميع المعضلات الكبيرة، قبل الصغيرة، التي يمكن ان تعوق مسيرتها الاصلاحية، وتتجه نحو ممارسة نهج سياسي وحقوقي واقتصادي وثقافي مختلف تماما عن نهج الماضي التعسفي، وهو نهج مبني على مبادئ التسامح والمصالحة والحوار الهادف واحترام الآخر وتطبيق الشرائع والمواثيق والعهود الدولية بهذا الخصوص.

وفيما يخص تشكيل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، فلا خلاف من حيث المبدأ على وجود مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان ترعى نشر التوعية بحقوق الإنسان وتدافع عن القضايا الوطنية المتعلقة بهذا الشأن في المحافل الإقليمية والدولية، وتتحمّل المسئولية في اعداد البرامج والأنظمة والتشريعات. فقد كان نشطاء حقوق الإنسان في البحرين طالبوا بقوة منذ أمد بعيد بقيام مثل هذا المشروع على المقاييس والأنظمة والمبادئ الدولية. فهذا الأمر هو واجب وطني يتحتم على الجميع – السلطة والمؤسسات الاهلية – رعايته والاهتمام به. ولكن المثار اليوم، بين السلطة ومعارضيها من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان بشأن هذا المشروع الوطني الكبير هو: كيف ستدار عجلة الأمور في المشروع؟ ومن يضمن نزاهته وشفافيته وصدقيته في خدمة قضايا حقوق الإنسان عموما، وليس فقط خدمة أهداف وأغراض جهة معينة؟ ومن هم الأشخاص المنوطة بهم إدارته وتسيير مهماته وتشريع سياساته؟ هل هم من أصحاب الكفاءة والنزاهة العالية والأمانة والإخلاص للشعب والوطن، أم أنهم مجرد أدوات وأرقام تريد السلطة مكافأتهم وتكريمهم مقابل ولاءاتهم وخدماتهم لها؟

لاشك في أن كل تلك الأسئلة المطروحة ما هي إلا حقٌّ من حقوق كل مواطن بحريني؛ بحكم انتمائه الوطني؛ وبحكم ما نصت عليه فِقرات ميثاق العمل الوطني والدستور، وكذلك المواثيق والشرائع الدولية؛ إذ تعطي كل تلك النصوص والبنود الدستورية الحق للمواطنين في المشاركة في السلطة والمكاشفة والمحاسبة ومراقبة آليات صنع قرارات المجتمع، فلا يمكن للسلطة وحدها احتكار جميع الصلاحيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية وغيرها، وتجييرها لنفسها فقط.

بما أن تشكيل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان لم يبدأ بعد بصورة فعلية، فنحن مازلنا بالانتظار، وحسبما نعتقد إن هناك متسعا من الوقت – قرابة الشهر أو الشهرين – للمناقشة وتبادل وجهات النظر والتوصل إلى حلول ايجابية تخدم هذا المشروع.

لا ينبغي لأحد أن يكون خارج اطار المساءلة والمحاسبة، ولا يمكن بأي حال من الاحوال أن يصمد هذا المشروع ويستقر طويلا إذا ما استمر واقع التهميش والتعسف ورفض الآخر!

Loading