الرسوم الدنماركية ووجهة نظر الحكومة
في الوقت الذي أخذت تتسع فيه رقعة الاحتجاجات والمسيرات في العالم العربي والإسلامي، منددة بإعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم، وداعية إلى مقاطعة الدنمارك تجاريا وسياسيا كونها لم تعتذر من المسلمين، دافع رئيس وزراء الدنمارك انس فو غاسموسن عن حق الصحف بإعادة نشر الرسوم، تماشيا مع قانون حرية التعبير والصحافة.
وكانت أكثر من 17 صحيفة دنماركية اعادت نشر الرسوم بعد إعلان الشرطة اعتقال ثلاثة أشخاص مسلمين بتهمة الاعداد والتخطيط لاغتيال الرسام في الصحيفة الدنماركية يولاندبوستين، وهو يحظى بحماية الشرطة منذ نشر الرسوم أول مرة في 2005.
وخلال الاحداث الغاضبة التي شهدتها كوبنهاغن في شهر فبراير/ شباط الماضي، وأدت إلى حرق ابنية وسيارات وتكسير واجهات محال تجارية، لم تستطع أجهزة الامن تحديد الفاعلين على رغم حملة الاعتقالات والتحقيق التي شملت معظم المناطق التي تقطنها جاليات مسلمة.
رئيس الوزراء ندد بأعمال الشغب وأعلن ان حكومته ترفض الابتزاز والخنوع للتهديدات الداخلية والخارجية التي تمس الحياة الديمقطية في الدانمارك، وستبقى متمسكة بحرية التعبير ورافضة أية قيود دينية أو عقائدية مهما كان مصدرها.
وتعهد في الوقت ذاته بمواصلة السعي للمحافظة على العادات والقيم والحريات، والوقوف ضد اي محاولة للنيل من النظام البرلماني، وقال: ان من واجب الذين يؤمنون بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة ان يحتقروا مظاهر العنف والعنصرية المقيتة والتطرف الأعمى، وان يقوموا بمحاربة كل هذه المظاهر السلبية.
وأكد المسئول الدنماركي أن البلاد شهدت في الفترة الأخيرة تهديدات بالقتل ضد أناس قد عبروا عن آرائهم بواسطة الكتابة أو القول أو الرسم، حيث اعتبر البعض ذلك بمثابة عمل مهين لدين محدد.
وقال المسئول إن الحرية الفردية متاحة في الدنمارك، والحكومة اتخذت موقفا واضحا من كل المحاولات التي تحد من حرية الرأي والتعبير، والحق في تناول نقدي للأديان والمعتقدات والمذاهب، والنظام السياسي يقف دائما مع حرية الأديان. وتدين اية محاولة لإقصاء وعزل الناس بسبب خلفياتهم الدينية أو أصولهم العرقية والاثنية والمذهبية، لكن حرية الأديان تعني أيضا حرية الاعتقاد الدين نفسه والتعبير عن ذلك علنا. حرية التعبير وحرية الأديان متلازمتان ولذلك ستبذل الحكومة جهودا كبيرة لكي تحافظ على عالم يستطيع الإنسان فيه ممارسة دينه كيفما شاء، والتعبير عن آرائه بحرية.
ويؤكد المسئول الدنماركي انه على رغم وجود مصادر حريات وتسامح وعدل ومساواة بين أفراد المجتمع، توجد هناك أيضا مجموعات دينية متطرفة لا تعترف ولا تحترم المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام حكم الشعب في البلاد. لقد شاهدنا اعتقالات لمتهمين في قضايا الإعداد والتخطيط والدعوة للإرهاب، وتمت محاكمة بعضهم وصدرت أحكام قضائية، من دون ان يتعرض احدهم للتعذيب. ان قضايا الإرهاب التي تشهدها البلاد منذ سنوات يجب الا تقود إلى الكراهية وعزل الأجانب بمن فيهم الجاليات المسلمة التي تعايشت بصدق وإخلاص في المجتمع الذي قدم لها الأمن والاستقرار والحرية. لكن هذه القلة القليلة المتهمة بالتطرف يجب الا نسمح لها بتدمير وجود الغالبية الكبيرة المندمجة بشكل جيد في المجتمع.
يقول الدنماركيون إنهم أصبحوا ضحايا لموجات العنف والتسيب الأمني الذي يمارسه بعض الشباب من المهاجرين وهم يخترقون التقاليد الديمقراطية والمكونات الثقافية المختلفة التي يفتخر بها المجتمع.
ومعروف أن النظام السياسي الدنماركي يقوم على الديمقراطية والحكم الدستوري واحترام حقوق الإنسان، حيث شكلت مناخا يتيح لكل فرد في المجتمع فرصة التعبير عن الرأي والدفاع والاعتراض وحرية النقد، بما في ذلك حرية المعتقدات الدينية.
ويشكل المسلمون عددا يزيد على المئتين وخمسين ألفا، معظمهم من آسيا وإفريقيا والبلقان، إذ شهدت الدنمارك موجات واسعة من اللاجئين والمهاجرين بدأت منذ منتصف القرن العشرين.
معظم المغتربين واللاجئين في الدنمارك يشعرون أنهم مظلومون ومضطهدون بسبب عدم المساواة في العمل والتعليم والعنصرية السائدة. فالمجتمع حسب شعورهم، يعتبرهم من الدرجة الثانية، على رغم اندماج الجيلين الثاني والثالث في المجتمع. لذلك يطالبون المجتمع بانصافهم ومساواتهم في الحقوق والواجبات المكفولة دستوريا، وحسب المواثيق والشرائع المعنية بالديمقراطية وحقوق الإنسان