كيف تنظر الحكومات والشعوب الاسكندنافية للصراع العسكري المرعب في اوكرانيا ؟

ظلت مشاهد الحرب الدموية الكارثية في اوكرانيا، منذ بدء العملية العسكرية الروسية في 24 شباط/ فيراير ، سببا رئيسيا لقلق حكومات دول المنظومة الاسكندنافية وشعوبها، من أن يطالها جزء من شرارات الحرب، ومن آفاق مطامع جيوسياسية روسية محتملة قد تصل إلى حدود دول جيرانها الاوروبيين، وتواجه خلالها مصيرا كمصير اوكرانيا التي أخدت تمزق أوصالها أدوات الحرب المتطورة والممنهجة بكل صرامة وبشاعة، ففي الفترة مابين 21 و22 آذار/ مارس 2022  التقى  كبار المسؤولين في مجلس دول الشمال الاوروبي ( الدنمارك والسويد والنرويج وفلندا ) في مدينة مالمو جنوب السويد، لمناقشات تقييمية وتنظيرية تتعلق جميعها بتطورات الاوضاع في المنطقة، ورسم خريطة لاشكال التعاون المدني في الازمات، ونمادج الرفاهية في بلدان الشمال الاوروبي، وقد تصدر موضوع الحرب في اوكرانيا جدول اعمال تلك المناقشة التقيمية، وقد التقت جميع آراء المشاركين، على أن الحرب الدائرة في اوكرانيا، هي حرب ” طاحنة عبثية ” ولا يبدو فيها رابحا أو خاسر سوى الشعبين الجارين الاوكراني والروسي، الذي سيلحق بهم بالغ الضرر وسيدفعون أثمان باهضة في خضم معاركها الدموية، ولكن على الرغم من ذلك كان على مجلس دول الشمال الاوروبي، التي قد تعززت جميع المخاوف في نفسه، أن يقدم أقوى دعم معنوي وسياسي إلى اوكرانيا، والسعي لتحقيق نتائج ايجابية لتعزيز قدراتها الدفاعية والاقتصادية لمواجهة الدب الروسي، والدفاع عن نفسها بشتى الوسائل الدبلوماسية أو العسكرية المتاحة، ومن هنا بدى هذا المجلس انه داعما ومؤيدا لاوكرانيا وبشكل مطلق، ورافضا بقوة اصرار للعملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، وبدى وكأنه قد استلهم كل ما كانت قد نشرته رئيسة الوزراء الدنماركية، ميتي فريدريكسن، في تغريدة على صفحتها في ” الفيس بوك ” حيث قالت فيها:” نحن ندعم اوكرانيا بكل صراحة ووضوح، وقد وافقنا تماما على مواصلة الدرب لدعمها بجميع الوسائل الممكنة ولن نتخلى عن ذلك “، وكذلك الامر بالنسبة لتصريحات ملك السويد، كارل السادس عشر غوستاف، التي وصف فيها الحرب في اوكرانيا بانها ” كارثة انسانية ” وان بلاده تدينها بشدة وصرامة، وتتضامن مع جميع ضحاياها، ومعتبرا ان ما يحدث في هذه الحرب له عواقب وخيمة على السويد، لانها تقترب اليوم من حدودها، وكذلك أيضا كل ما كان قد شوهد في جميع عواصم الدول الاسكندنافية من تحركات وتظاهرات جماهيرية حاشدة لدعم ومساندة اوكرانيا في مواجهة العملية العسكرية الروسية.

جلسة في البرلمان:

وفي الوقت نفسه، استضافت لجنة الدفاع في البرلمان الدنماركي، ومركز الدراسات الاستراتيجية العسكرية الدنماركي، في قاعة البرلمان الدنماركي، جلسة مناقشة مفتوحة شارك فيها العديد الخبراء والمستشارين الامنيين والعسكريين والاقتصاديين الدنماركيين، تناولت جميع التطورات على الساحة الاوكرانية، والاهتمام المتزايد لحلف شمال الاطلسي ( الناتو ) بمنطقة الشمال الاوروبي، بالاضافة إلى المسائل السياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية، التي هي محل اهتمام ويقضة لما يمكن أن يحدث لها في المستقبل، وتخللت جلسة النقاش عروض تقييمية من قبل وزير الدفاع الدنماركي، مورتن بود سكوف، ومدير السياسات الدفاعية والامنية في الدنمارك، ومجمعات الشركات التجارية في حلف الناتو، وكانت جميعها تدعم سياسة العقوبات الاقتصادية الغربية والدولية على روسيا، حيث دعا مجتمع الاعمال الدنماركي، إلى ضرورة فرض عقوبات صارمة ضد روسيا حتى لو كان الأمر سيؤثر تأثيرا بالغا على الصادرات الدنماركية من السلع والخدمات التي تقدر أثمانها بأكثر من 15 مليار كرونة دنماركية، وذلك بحسب ما صرح به نائب الرئيس التنفيذي لشركة ( دانسك اندوستري ) الدنماركية العملاقة، خلال الجلسة المفتوحة، والذي كان قد أكد على أن هناك دعم واسع النطاق في مجتمع الاعمال الدنماركي من أجل تشديد العقوبات الاقتصادية على روسيا، معتبرا ذلك بالشيء الصحيح الذي يجب استخدامه في الوقت الراهن، من أجل اضعاف الاقتصاد الروسي الذي يعاني الآن من حصار اقتصادي دولي كبير ومؤثر.

ويعود الدعم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي الدنماركي وبشكل مكثف إلى اوكرانيا، منذ العام 2014 عندما وقفت حكومة رئيس الوزراء السابق، لارس لوك راسموسن، اليمينية، إلى جانب الحكومة الاوكرانية، ضد روسيا الاتحادية بعد ضم الأخيرة شبه جزيرة القرم إلى حضنها، ومما تبدو عليه الأمور فأن الدنمارك ماضية في تنفيذ كل ما التزمت به في دعم ما وصفته بالاصلاحات الديمقراطية التي جرت في اوكرانيا ومساعدتها في النهوض من معاناتها الاقتصادية ودعمها بشتى الوسائل الممكنة  لمواجهة روسيا في الحرب.

انقسام في أوساط المجتمع الدنماركي فيما يتعلق بالحرب:

وكما هو الحال بالنسبة لجميع الشعوب الاوروبية وحول العالم، التي شاركت في وجهات النظر المختلفة، أو انها أعلنت عن مواقفها الرافضة أو المؤيدة للحرب، تباينت المواقف والاتجاهات لدى السياسيين والمفكرين والمثقفين وافراد المجتمع الدنماركي ازاء ما يحدث في روسيا واوكرانيا الآن، ويدور الجدل حول الجدوى من هذه الحرب، فبينما انتقدت وعارضت الاحزاب السياسية اليمينية، وكذلك الحزب الحاكم في الدنمارك، الحرب ووصفتها ب ” العبثية والكارثية ” واتخذت ضدها مواقف متشددة وصارمة، باعتبار انها بررت في بادئ الامر كوسيلة لحماية الامن القومي الروسي، إلا أنها أصبحت تستخدم لقتل الناس وتشريدهم وتدمير المدن والتوسع الجغرافي، وانها في النهاية ربما قد تفتح الباب على مصراعية امام حرب عالمية ثالثة، أيدت الاحزاب والقوى السياسية اليسارية الدنماركية العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا، باعتبارها ضرورة ملحة من أجل حماية الامن القومي الروسي، ووضع حد للهيمنة الاحادية الامبريالية على النظام العالمي، وتغيير موازين القوى الدولية، وشددت على انه اذا خسرت روسيا الحرب اليوم فانها ستواجه متاعب حقيقية، وانها فرصة روسيا الاخيرة للانتصار على التحالف الاميركي الاوروبي الذي يريد فرض واقع مختلف جديد على العالم، وفي تغطية اعلامية أكثر دقة للحرب، من خلال برنامج خاص للقناة التلفزيونية الثانية ( تي. في 2) تحدث عدد كبير من المحللين السياسيين والعسكريين، وكذلك المواطنين الدنماركيين العاديين وبعضهم من اصول روسية عن وجهات نظرهم حول ما يدور في مجرى ومتاهات الحرب، فقال، مايكل كلوث، الاستاذ المشارك في السياسة الدولية في جامعة روسكيلدا الدنماركية، أن التغطية الاعلامية في جميع الحروب حتى في المجتمعات الحرة مع حرية الصحافة تكون مشوهة ومنحرفة دائما، وهذا هو الحال أيضا مع الحرب في اوكرانيا، وان من الامثلة الفاقعة على ذلك ما تظل تنقله وسائل الاعلام الدنماركية عن التقييمات الاوكرانية في الصراع في الخطوط الامامية للجبهة وفي غيرها بتحيز ملفت، وهذا يعني أن الارقام في أدهان مستخدمي وسائل الاعلام الدنماركية والغربية، ربما قد تكون مشوهة وتعكس فقط التقييمات الاوكرانية المتفائلة لعدد الطائرات، التي تم اسقاطها والدبابات التي تم تدميرها والجنود الذين قتلوا من جانب القوات الروسية، وتصرف النظر عن التقييمات الروسية في هذا الشأن، وهذا أمر لايمكن له أن ينسجم مع حرية الصحافة المطلوبة.

ويقول، أنطون نيكولاييف، وهو مواطن دنماركي من أب روسي وأم لاتفية، ومتزوج من إمرأة اوكرانية، ويعيش في الدنمارك منذ العام 2006 وقد سبق له أن زار اوكرانيا وعاش فيها لسنوات طويلة:” أن روسيا ليست هي وحدها المسؤولة عن هذه الحرب في الوقت الراهن، وان اوكرانيا هي أيضا تتحمل هذه المسؤولية، حيث أن رئيسها قد جرها لحرب كارثية دموية، وعليها اليوم أن تتحمل كل هذه التبعات، ولا يجب القاء اللوم على روسيا وحدها فقط، وهو يعتقد أن وسائل الاعلام الدنماركية والغربية تغطي القضية من جانب واحد فقط وهو التركيز اوكرانيا، والجانب الذي يكون فيه الروس هم الاشرار والاوكرانيون هم الطيبون، وحيث تتحمل الحكومة الروسية مسؤولية الصراع في اوكرانيا، والحكومة الاوكرانية غير مسؤولة بالمطلق عن جميع ارهاصات الحرب، والنزاعات الداخلية الحالية.

وقفة تضامنية مع النازحين من اوكرانيا:

وفي سياق متصل، نظمت السفارة الاوكرانية وقفة تضامنية مع العائلات الاوكرانية التي نزحت من أهوال الحرب، إلى الدنمارك، وذلك في ساحة البرلمان الدنماركي في يوم الاحد  20 آذار/ مارس 2022 بحضور حشد كبير من الجمهور، وفي مقابلة تلفزيونية على القناة التلفزيونية الدنماركية الثانية، قال السفير الاوكراني في الدنمارك، ميخايلو فيدونيك ” انه لامر رائع للغاية أن تقدم الدنمارك المساعدات السخية للاجئين الاوكرانيين في مثل هذا الوقت الصعب، واشار من خلال المقابلة، أنه لا يتوقع أن يبقى هؤولاء اللاجئين في الدنمارك لفترة طويلة لان لهم اصدقاء وازواج في اوكرانيا، وهم يأملون جميعا أن تنتهي هذه الحرب قريبا ويعودون إلى ديارهم.

ووفقا للسفير ميخايلو فيدونيك، فان العديد من الاوكرانيين يواجهون اليوم صعوبة في فهم ان هناك حربا في بلادهم، ويعتقد البعض انه يمكنهم العودة الى ديارهم في غضون أسابيع، وهو أمر لايمكن أن يحدث الآن، ولكنه في نفس الوقت قال أنه لا يستبعد أبدا أن يضطر بعض الاوكرانيين للبقاء في الدنمارك على الرغم من انتهاء الحرب، حيث دمرت الحرب منازلهم وتم قتل رجالهم ولم يعد لديهم أي شخص حاليا في اوكرانيا. وكانت دائرة الهجرة الدنماركية قد اشارت إلى ما لا يقل عن عشرة آلاف لاجىء اوكراني قدموا إلى الدنمارك منذ اندلاع الحرب في بلادهم.

وفي يوم الاثنين 20 آذار/ مارس 2022 نظمت منظمة العفو الدولية في الدنمارك بالتعاون مع منظمات حقوقية أخرى، مظاهرة أمام مبنى البرلمان الدنماركي تحت شعار ” سياسة اللاجئين العادلة للجميع ” وذلك من أجل اقتراح جديد جرى تقديمه للبرلمان الدنماركي، من أجل حماية اللاجئين على قدم المساواة بين الجميع.

وفي هذا الصدد قالت عضو البرلمان الدنماركي وزعيمة حزب اللائحة الموحدة اليساري، ماي فيلادسن :” أن جميع اللاجئين القادمين إلى الدنمارك، يستحقون نفس الترحيب الحار الذي قدمته الدنمارك إلى اللاجئين الاوكرانيين، وانه لا ينبغي أن يكون هناك بالمطلق أي تمييز بين لاجىء وآخر في نطاق القانون، وكذلك لا ينبغي على الحكومة الدنماركية، أن تقوم بصرف مليارات الكرونات الدنماركية على اللاجئين الاوكرانيين وحدهم، وتتجاهل أوضاع غيرهم من اللاجئين.

هاني الريس

25 آذار/ مارس 2022

Loading