الرياضة في خدمة السياسة (1)

كيف كانت السلطة البحرينية تستغل الرياضة لخدمة أهدافها الأمنية ؟

على امتداد السنوات الاربع التي شهدتها الانتفاضة الدستورية في حقبة سنوات التسعينات من القرن الماضي، حاولت السلطة البحرينية، بشتى السبل والوسائل، إستغلال النشاط الرياضي في البحرين كوسيلة من وسائل المراقبة الحكومية المفرطة على المواطنين وفرض الإجراءات المقيدة للحريات، وكانت في ذلك الوقت بالذات قد طالبت جميع الاندية والاتحادات الرياضية، وبما في ذلك مؤسسات النفع العام في البلاد، التقيد التام بنصوص الدستور البحريني والقوانين، التي تحظر على الاندية والاتحادات الرياضية ممارسة النشاط السياسي، وفي خطوة لافتة حاولت الضغط عليها بشدة لتقديم صكوك الولاء والطاعة، و التوجه نحو ما تراه  (القيادة السياسية) خدمة للمصلحة الوطنية العليا في وقت تعيش فيه البلاد فترة أمنية حرجة وصعبة في ظل توسع نطاق الحركة المطلبية الدستورية، التي انطلقت شرارتها في البحرين بعد كسر حاجز الخوف خلال حرب الخليج الثانية وتداعياتها الكارثية في المنطقة. وفي ذلك الحين فرضت الحكومة البحرينية على جميع الاندية والاتحادات، تحت وطاة الوعيد والتهديد القيام بنشر إعلانات مدفوعة الثمن في جميع الصحف اليومية البحرينية، تشيد بمواقفها (الوطنية العليا) وبأجراءاتها الامنية ضد ما أسمتهم ب “المخربين”، الذين يسعون لتغيير النظام السياسي بالقوة، والاستعانة بقوى خارجية، والتي كانت قد مورست بوحشية صارمة لاذلال وسحق حراك الانتفاضة الدستورية، وبوسائل مخيفة للغاية كانت قد خطت خطوات أكبر من قانون أمن الدولة البحريني السيء الصيت، وهددت جميع الاندية والاتحادات الرياضية باغلاق أبوابها بالشمع الاحمر وبسحب تراخيصها الرسمية الممنوحة لها من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والمؤسسة العامة للشباب والرياضة، وقطع المساعدات الحكومية عنها إذا ما راوغت أو رفضت الأمتثال لجميع تلك الأوامر .

وكان من الواضح في ذلك الوقت، أن جميع الانشطة الرياضة في البحرين بما فيها مسابقات لعبة كرة القدم، اللعبة الأكثر شعبية في العالم، قد شهدت هبوطا حادا في مستوى الاقبال الجماهيري على مختلف الانشطة الرياضية، وأصبحت غالبية الملاعب والصالات الرياضية المفتوحة المغلقة على حد سواء، التي كانت تغص باعداد هائلة من الجمهور، في سنوات ما قبل تفجر شرارة الانتفاضة الدستورية، خاوية على عروشها من المشاهدين والروابط الجماهيرية للفرق المتنافسة، وبما في ذلك ايضا المناسبات الاقليمية والدولية الهامة، نتيجة توسع الاضطرابات التي شملت عموم البلاد، وقادت خلالها حملات منظمة وهستيرية من الملاحقات والمداهمات و الاعتقالات العشوائية التعسفية، التي مارستها الشرطة وجهاز المخابرات البحرينية، ضد قادة وقواعد الحركة الدستورية المطلبية، وقد أدت نتائج تلك الاحداث وتداعياتها المقلقة والخطيرة، الى هبوط حاد للغاية في مستويات الحركة الرياضية البحرينية بمختلف ميادينها وفي طليعتها ميدان لعبة كرة القدم .

ومع استمرار حالة الاحتقان الشعبي وتصاعد موجات القمع الصارمة المقننة والمسعورة، لشهور طويلة ، وتطبيق قرار إجراءات الاحكام العرفية غير المعلنة في البلاد، التي إستمرت تحث الخطى على امتداد سنوات تلك الحقبة المعتمة في مراقبة الناس ورصد حركاتهم وسكناتهم، وأعتقال الالاف منهم وتقديم البعض إلى محاكم أمن الدولة سيئة الصيت، على خلفية مشاركاتهم في الاحتجاجات والاعتصامات ومساندة مشروع الحركة المطلبية الدستورية، وتشريد وتهجير المئات من العوائل البحرينية، إلى مختلف العواصم الخليجية والعربية والعالمية، فأن جميع الملاعب والصالات الرياضية تقريبا، أصبحت ساحاتها ومدرجاتها عارية أومهجورة أو شبه مهجورة، حيث صار الناس وقتها يركزون فقط على سلامة أوضاعهم الذاتية ويحرصون على البقاء في بيوتهم، بدلا من الذهاب الى الملاعب أو الصالات حتى لا يصادفوا أمامهم أي محظور قد يعرضهم للمسائلة، أو أي من حملات الاعتقال التعسفي العشوائي التي اتسعت جوانبها بشكل مخيف ومرعب لتشمل الرجال والنساء والاطفال .

وفي سنوات تلك الحقبة المعتمة من ممارسة القمع المطلق وتخويف الناس بشتى الطرق، تجاوزت السلطة البحرينية جميع مستويات التسامح والرآفة، وركزت بشكل مباشر على مهمات تضييق الخناق على جميع الاندية الرياضية والثقافية والاتحادات، وكذلك جمعيات النفع العام باعتبارها كحواضن مفتوحة  لجماهير الشعب، وفرضت عليها اجراءات وقوانين مجحفة للغاية لاعلاقة لها البتة بالنشاط الرياضي أو الثقافي، سوى التوجه على نحو مرتبط بسياسات السلطة وكافة اجهزتها الامنية، وظلت على الدوام تزرع في داخلها وجوه الشر من المخبرين السريين، الذين يحاولون جمع التقارير عن كل شاردة وواردة بين الاعضاء في نطاق تلك المؤسسات الأهلية ، وتحاول أن تعيق أو تمنع اجراء أية انتخابات حرة ومباشرة للجمعيات العمومية سواء في نطاق الاندية أوالاتحادات، التي كانت مألوفة تماما في حقبة سنوات ما قبل حصار الديمقراطية وحل المجلس الوطني المنتخب في العام 1975 بقرار بمرسوم أميري، بسبب رفض غالبية أعضاء المجلس الوطني لقانون أمن الدولة الصادر في العام 1974، والاصرار على فرض أحكام هذا القانون السيىء الصيت، الذي يحظر العمل في النشاط السياسي، وذلك للحيلولة من دون حصولها على مجالس منتخبة مباشرة من داخل اطرها وجمعياتها العمومية، وأصبحت السلطة الحاكمة وحدها فقط من يقوم بممارسة وبتفعيل هذا الدور من خلال تعيين رؤساء الاندية والاتحادات واختيار أعضاء المجالس الادارية ممن تكتشف فيهم الولاء لها وتقديم الطاعة، والتي سوف تقوم لاحقا باتخادهم واعتمادهم كبيادق وأدوات طيعة ودمى تحركها باياديها كما تشاء وترغب لتنفيد مختلف اجنداتها ومشاريعها الرقابية والاستخباراتية الجهنمية المطلوبة، والحيلولة من دون ظهور أوبروز شخصيات قيادية مستقلة وحرة تعمل في تلك المؤسسات الوطنية الاهلية، ويكون مشكوكا في ولاءاتها للسلطة، أو ممن يعتقد بأنهم من المحسوبين على تيارات وجبهات المعارضة البحرينية التي تعمل من تحت الارض، حيث كان يتوجب عليها اعطاء دور أعظم لكل المتعاونيين معها والمنتسبين إلى الشبكة العنكبوتية الواسعة من الأجهزة الأمنية، وإلى توسيع دائرة المتعاونين والحلفاء الممكنين بهذا القدر أو ذاك لأجل الاستفاذة منهم في تمرير أهدافها ومشاريعها الأمنية .

تقرير سري لجهاز المخابرات البحرينية (القسم الخاص)

في احد التقارير السرية لجهاز المخابرات البحرينية، الذي كشف عنه مسؤول كبير من مجموعة خبراء الاكاديمية الرياضية الامريكية في البحرين، خلال فترة عملهم في البلاد، خلال سنوات حقبة السبعينات من القرن الماضي، تشير إحدى الجوانب الرئيسية فيه، إلى “ضرورة أن تضع السلطة البحرينية، نظام مراقبة شاملة ومحورية على جميع الاندية الرياضية والثقافية وكافة المؤسسات الشبابية والطلابية والعمالية، بوصفها حواضن شعبية، كوسيلة احترازية مهمة وضرورية من وسائل مكافحة ومحاربة الافكار المتطرفة والمستوردة من الخارج، والعمل بشكل ممنهج وسري للغاية على  مراقبة ورصد تحركات الاشخاص داخل هذه المؤسسات، الذي يعتقد بانهم أعضاء أو مناصرين للحركات السرية التي تعمل من تحت الارض لمعارضة سلطة الحكومة البحرينية، ويمكن لجهاز الشرطة والأمن العام اعتقال أي شخص لمجرد الاشتباه من كونه يعمل لمصلحة إحدى هذه الجهات المحظورة، وتفتيش مكان اقامته من دون اذن قضائي، ووضعه رهن المسائلة والاستجواب، وهناك بند أخر في التقرير يشير إلى أنه “يجب أن تكون جميع الاندية الرياضية والثقافية والاتحادات ومؤسسات رعاية الشباب والاندية الطلابية وجمعيات النفع العام، وبما في ذلك جميع المدارس الابتدائية والثانوية للبنين والبنات، بمثابة مراكز فرعية لرصد الاخبار والمعلومات التي يمكن إستخلاصها والاستفادة منها لجميع أوجه المراقبة الامنية، ويحتاجها جهاز القسم الخاص (المخابرات البحرينية) وذلك لهدف التصدي للممارسات الخارجة عن القانون ومواجهة جميع التيارات ذات النزعة العقائدية المتشددة والمتطرفة المناهضة للسلطة، التي يعتقد بأنها تتحرك من وراء الستار في داخل هذه المؤسسات.

ومن هنا لوحظ بشكل عام، أن السلطة البحرينية، قد ضيقت الخناق على جميع المؤسسات المدنية ذات الكثافة الجماهيرية الواسعة، التي يفترض أن تكون ذات توجهات مستقلة عن عمل وأنشطة المؤسسات الرسمية، وعملت على تبني العديد من الخطط والمشاريع والبرامج الامنية، التي تضمن من خلالها السيطرة الكاملة والشاملة على أنشطة وفعاليات تلك المؤسسات، والسعي المستمر والمكثف وراء خلق بدائل جديدة لهياكلها، وترشيح وجوه معروفة في صفوف الاسرة الخليفية الحاكمة، وبعض وجهاء البلاد، ك “أيادي خارقة” للاستفادة منها واستخدامها كأدوات طيعة لتنفيذ السياسة الامنية، ويظهرون على السطح كما لو أنهم أشخاص من أصحاب الوجاهة والحكمة والعقل، ويمتلكون الوزن والارجحية للعمل على تطوير وخدمة قضايا الشباب والرياضة البحرينية.

الحلقة القادمة .. كيف استطاع جيل من أبناء الاسرة الخليفية الحاكمة في البحرين أن يتغلغل بشكل سلس في الشأن الرياضي والشبابي البحريني، وقرار حكومي بإغلاق أندية وجمعيات .

هاني الريس
10 أيار/ مايو 2023

Loading