السحر ينقلب على الساحر .. كيف كان حاكم البحرين الطاغية يحلم بأن يصحوا ذات صباح ويجد الطائفة الشيعية في البحرين غارقة في البحر؟

بعد نهاية حرب الخليج الثانية، المعروفة بأم المعارك، أو حرب تحرير الكويت، التي شنتها قوات التحالف المكونة من 34 دولة عالمية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ضد العراق، وتوجت بانتصار جيوش التحالف وسحق الجيش العراقي وطرده من دولة الكويت في العام 1991، بدأت تنكسر حواجز الخوف في المنطقة وتنتعش آمال شعوبها ببزوغ عصر جديد يتوسع فيه نطاق الحريات الديمقراطية والحكم الدستوري وحقوق الانسان مع تغييرات سياسية حقيقية وجوهرية على مستوى الانظمة السياسية القبلية والعشائرية الحاكمة التي فرضت “الهيمنة الفئوية والقبضة الفولاذية الطاغية” على المجتمعات هناك ومن دون أي رادع يردع .

في هذا الوقت بدأت تتصاعد أنشطة حركات التحرر الوطني في المنطقة، ضد الانظمة الدكتاتورية الحاكمة، التي ظلت على امتداد عقود من الوقت تتفرد بالحكم وتعمل على تهميش شعوبها وحرمانها من المشاركة الحقيقية والفعلية في ادارة شؤون حياة الدولة والمجتمع، ووضع نهاية لبقايا ما كان يسمى بعهد الانتدابات والمعاهدات، وكانت من بين حركات التحرر هذه، الحركة الوطنية والاسلامية في البحرين، التي بدأت تخترق حاجز الصمت والخوف وترفع شعار مطلب الحريات الديمقراطية والحكم الدستوري وحقوق الانسان وتغيير البنية الطبقية للحكم في البحرين، ففي مطلع العام 1994 التقت نخبة من رجال الدين والسياسيين والمثقفين البحرينيين لصياغة مشروع وطني تحرري للمطالبة بعودة الحياة البرلمانية المعطلة منذ أكثر من عقدين ونيف من الوقت، وتفعيل المواد الحيوية من دستور البحرين العقدي للعام 1973، وعودة المعارضين البحرينيين المنفيين والمهجرين من الخارج من دون قيود وشروط مجحفة، وتحقيق العدالة والانصاف للمجتمع، وكانت هذه النخبة الوطنية تدعمها جماهير واسعة النطاق من جميع الطبقات المحرومة والمضطهدة من مختلف الطوائف البحرينية، وسعت بكامل جهودها لتغيير مفهوم موازين القوى عن طريق العمل السياسي السلمي المكرس في مواد ونصوص دستور البحرين الشرعي، وقد بدأت إولى خطوات هذا المشروع، بتدشين عريضة شعبية موسعة وموقعة من مختلف أطياف وطوائف المجتمع، بحيث بلغت نسبة الموقعين عليها من مجموع النخب والمواطنين في الايام الثلاثة الاولى من التدشين، أكثر من 25 ألف توقيع، ومن بعدها تضاعفت نسب التواقيع وبلغت مستويات كبيرة جدا، وعندها قرر قادة العريضة الشعبية، الذي كان في صدارتهم سماحة الشيخ عبدالامير الجمري، وهو أحد كبار علماء الشيعة الافاضل في البحرين وقاضي المحكمة الجعفرية، وفضيلة الشيخ عبداللطيف المحمود، وهو أحد العلماء الافاضل في الطائفة السنية، والاستاد الجامعي، ونخبة من القادة السياسيين اليساريين المعروفين في صفوف الجبهة الشعبية في البحرين وجبهة التحرير الوطني البحرينية، ونواب سابقين في البرلمان البحريني المنحل، ان يلتقوا بحاكم البحرين الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة، ويعرضوا عليه جميع المطالب الوطنية المطروحة بتلك العريضة، ويناشدونه في استخدام كافة صلاحياته السياسية والدستورية، حول المواقف التي ينبغي اتخاذها لمعالجة الاوضاع المأزومة في البحرين، قبل أن يشتعل لهيب الاحتجاجات الصاخبة في عموم البلاد بشكل يترك انعكاسات سلبية على الأمن الوطني، وتفلت الامور من عقالها، استشاط الحاكم غضبا وحذرهم من الاقتراب إلى قصره، وبعد ذلك أعطى الاوامر لقوات الامن والمخابرات البحرينية باعتقالهم تحت ذريعة العصيان والتمرد ومخالفة أوامر ولي الأمر، والدعوة إلى نشر الفوضى، وعندما أوصد الحاكم الطاغية، جميع أبواب الحوار المسؤول والمصالحة الوطنية، أصبحت البلاد معلقة على كف عفريت، وبدأت تنشط القواعد النخبوية والشعبية بغالبيتها الساحقة نحو تسويق مشروعها الوطني، الذي استقطب الجميع من الاسلاميين واليساريين والقوميين والمستقلين، والتي بواسطته تفجرت جذوة الانتفاضة الدستورية الشعبية، التي شهدت عصرا من النضال الثوري العنيف الذي يختلف عن عصور الانتفاضات الشعبية التي عرفها البحرينيون، حيث سقطت في خضمها أعداد كبيرة من الشهداء الابرار والمعتقلين والمنفيين في مختلف العواصم العربية والعالمية، ومحاصرة قرى ومناطق وتمشيطها وحرقها وتدميرها، على امتداد أربع سنوات كاملة ومدرجة كلها بالدماء .

في هذا الوقت الخطير والعسير والمؤلم، كان حمد بن عيسى آل خليفة (حاكم البحرين الحالي) وليا للعهد والقائد الاعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع، وكان إلى جانب أجهزة الامن والاستخبارات البحرينية معنيا بضرورة استتباب الامن والاستقرار، بعد التطورات المتسارعة والخطيرة للغاية، التي شملت عموم البلاد، وبالتعاون مع جميع قادة هذه الاجهزة، أعلن الحرب بمنتهى الصراحة والوضوح على الحركة الاحتجاجية المطلبية، وكان قد أكد على أنه يريد ألقضاء عليها بجميع الوسائل الممكنة بما في ذلك استخدام القوة المفرطة إذا لزم الامر، لانه ظل يعتقد بأن التعايش السلمي لايمكن أن يقوم بين السلطة السياسية وخصومها، وكان يعني بهؤولاء الخصوم هم أبناء الطائفة الشيعية، التي تمثل غالبية السكان في البحرين، حيث يصل تعدادها بحسب الاحصاءات الرسمية إلى 73 في المئة من تعداد السكان، والتي كانت لها مواقف مشهودة ومعروفة من الملاحم والانتفاضات المتكررة ضد العائلة الخليفية الحاكمة في البلاد، التي كانت قد غزت البحرين بالقوة العسكرية، واستولت على الارض والكيان السياسي، وجميع موارد وثروات البلاد ومن دون أي خجل أو توقف، وبهذه الصفة الصق بها تهمة التمرد على الحكم وقيادة الحركة الاحتجاجية المطلبية، ونشر الدعوة إلى اسقاط الحكم بالقوة وبالاعتماد على قوى خارجية، وأكد في تصريحات صحفية عدة، بانه سوف يجعل من جميع المناطق الشيعية أراض محروقة، إذا لم تتوقف الاحتجاجات وتعود الاوضاع إلى طبيعتها المألوفة، وبقرار مباشر من جانبه شخصيا وبمباركة من حاكم البحرين الفعلي رئيس جهاز المخابرات البحرينية العميد المتقاعد البريطاني أيان هندرسن، تم اتخاد خطوات كبيرة باتجاه سحق الحركة المطلبية، وقامت قوات الامن والجيش والحرس الوطني بشكل مشترك، بمحاصرة ومداهمة جميع المناطق الشيعية، التي كانت تعتبرها “بؤر تخريبية” وتوغلت في كل جوانبها، وقامت بعمليات تمشيط وتفتيش المنازل باشكال عشوائية ومستفزة، ونظمت حملات اعتقال تعسفي ضد رجالها ونسائها وشبابها وحتى الاطفال، الذين كانوا يتصدون لتلك القوات، في نفس الوقت التي كانت فيه الطائرات المروحية العسكرية تجوب سماء تلك المناطق وبخاصة في ما كان يطلق عليها ب “البؤر الآسخن” في الاحتجاجات، السنابس والمقشع وباربار والدراز وبني جمرة، وتقوم بعمليات التقاط الصور للتظاهرات، وتمطرها بوابل من المنشورات التي تدعوا الناس إلى وقف التظاهرات والاحتجاجات والعودة إلى منازلهم حتى لايتعرضوا للمحاسبة القانونية، ولكنه على الرغم من قسوة القمع والاعتقالات الوحشية، لم يتفرق الناس ولم يتجاوبوا مع دعوات المناشدة ومضوا غيرقلقين أو مذعورين، من آلة القمع السلطوية الفتاكة، يرددون شعارات الانتفاضة الدستورية، ويمجدون قادتها، ويواجهون بصدور عارية قوات الامن البحرينية ومرتزقة النظام الخليفي، مع سماع الانباء عن استعدادات يجريها جيش النظام السعودي للتدخل السريع والمباشر في الشأن الامني الداخلي البحريني، إذا ما تطورت الاوضاع إلى مستويات خطيرة، وكان في مجالسه المفتوحة التي يلتقي فيها مع كبار المسؤولين في النظام ووجهاء البلاد وضباط الامن والمخابرات، يتحدث حمد بن عيسى آل خليفة، من “اننا إذا ما استطعنا أن نقضي على “البؤر الارهابية” التي تنطلق من داخل القرى والمناطق الشيعية، يمكن للفوضى أن تنتعش ويعم خراب البلاد، وإذا لم نستعد لمواجهة طموحات ورغبات الطائفة الشيعية، التي تسعى لاسقاط نظام الحكم عن طريق القوة، فان الاسرة الخليفية الحاكمة، وجميع أبناء وبنات الطائفة السنية في البحرين، سيواجهون مصيرا كمصير الانظمة السياسية التي تم الاستيلاء عليها بالقوة، وستصبح البحرين دولة شيعية تابعة لنظام الجمهورية الاسلامية في ايران، ولهذا السبب ولغيره كان يتوجب علينا جميعا مواجهة “محنة التفوق الشيعي” التي تزداد قوة وتمايزا في هذا الوقت، والتي تريد بكل الوسائل أن تسحب البساط من تحت أيادي “القيادة الشرعية” وكذلك الطائفة السنية “العمود الفقري” للسلطة الحاكمة في البلاد.

هكذا، كان يحلم ولي العهد والقائد الاعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع، حمد بن عيسى آل خليفة، أبان انتفاضة الحركة المطلبية الدستورية، والذي كان قد مارس خلالها جميع الضغوط على والده الحاكم الراحل عيسى بن سلمان آل خليفه، وعمه رئيس مجلس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، من أجل اخماد جذوة الانتفاضة الدستورية بالقوة، والتنكيل بابرز قادتها ورموزها وفي مقدمتهم، سماحة الشيخ عبدالامير الجمري، الذي سجن وعذب وضحى بحياته دفاعا عن مصالح الضعفاء والفقراء في البحرين، وكان  يمني النفس بأن يصحوا ذات صباح ويجد جميع المناطق الشيعية وسكانها غارقة في البحر، ومنذ ذلك الوقت بدأت تدغدغ أحاسيسه ومشاعره فكرة جهنمية باستبدال هذه الطائفة ليس فقط بطائفة واحدة بل بطوائف أخرى متعددة الاجناس والمذاهب، السنية والمسيحية والبوذية واليهودية أيضا، وحينها بداء يخطط بشكل ممنهج لمشروع جلب الجحافل الهائلة من المجنسين العشوائيين، لتعديل التوازن السكاني، وصناعة طابور خامس، لحماية مرتكزات النظام السياسي والعائلة الخليفية الحاكمة، ومواجهة محنة التفوق العددي للطائفة الشيعية في البحرين، وخلق واقع جديد يصبح فيه الحكم متمركزا في أيادي العائلة وحلفائها واصدقائها داخل الطائفة السنية، ولكن طعم مخطط “تغيير التوازن الديمغرافي المنشود، الذي ورثه، حمد بن عيسى أل خليفة، وجميع أحفاد العائلة الخليفية طبقة بعد طبقة، عن أجدادهم الاوائل بخصوص تذمير الطائفة الشيعية وسحقها ومنعها من الوصول إلى سدة الحكم، كان في واقع الأمر مخطط نقمة ومرير النكهة، وكان قد اضر كثيرا ليس فقط بمشروع الحكم الجهنمي، بل أيضا بأبناء الطائفة السنية الكريمة وبشعب البحرين الاصلي برمته، حيث ثبت أن “المجنسين” يمكنهم أن يكونوا بالفعل “طابور خامس جيد للنظام السياسي” لكنهم في نفس الوقت يصبحون بمثابة أدوات تهديد صارمة لتعكير صفوه وربما الانقلاب عليه، إذا ما اشتد عودهم وتوسعت طموحاتهم نحو الصعود للسلطة، وفي ما كان النظام السياسي قد وجد في طائفة المجنسين فائدة عظيمة له لانها تقوي نفوذه وتساهم في تعزيز حظوره، أصبح المجتمع بطوائفه الاصلية السنية والشيعية، يعاني من وجود الطائفة الجديدة والدخيلة عليه اشد المعاناة، فبدلا من أن يعيش الناس في أمن وأمان وتماسك صفوف الجبهة الداخلية، صاروا يعيشون في خوف وقلق من اصحاب سوابق عظيمة في الفتك واللصوصية وطراق الليل وقطاع الطرق، الذين يعيثوا في البلاد فسادا ويضمرون لها الشر، واصبحت خزائن الدولة شبه مقفرة أو هي مقفرة بالفعل بسبب كثرة الانفاق الخاص عليهم وعلى اسرهم، حيث اخذت الدولة تخلع عليهم الخلع العظيمة وتعهد اليهم المناصب الرسمية والادارية الكبرى، واصبحوا شيئا فشيئا جزءا لايتجزا من سلطتها وكيانها المادي والمعنوي، واللافت للنظر ان الفئات والشرائح المتعددة داخل الطائفة السنية التي وقفت الى جانب النظام الخليفي في صلب مخططه الطائفي، سرعان ما انقلبوا عليه، حين تضررت مصالحهم وصاروا يعانون الامرين من افعال المجنسين وممارساتهم غير الاخلاقية والطائشة والامتيازات الكثيرة والمتعددة التي يحصلون عليها، في وقت لايزال يعاني منه المواطن البحريني الاصلي من ابسط حقوق المواطنة المشروعة ويعيش حالات البؤس والفقر المدقع والحرمان من العمل والتوظيف والرعاية الصحية والتعليم وامور معيشية أخرى، والدليل القاطع، هو ما ذهب إليه الكثيرون من أبناء الطائفة السنية الكريمة، الذين اكتووا بنيران المجنسين العشوائيين، حين قالوا في تصريحات متكررة على الفيديوات، وفي بعض مواقع التواصل الاجتماعي انهم “يفضلون جهنم الطائفيين الشيعة على جنة عائلة آل خليفة” التي حرمتهم من متعة الحياة الكريمة والعيش الرغيد، وجلبت لهم الغرباء من المجنسين “الاوغاد” ودنست أرض البحرين الطاهرة باقدام الصهاينة الغاصبين والمنبوذين، ان وصول بعض أبناء الطائفة السنية الكريمة، أو غالبيتهم إلى مثل هذه القناعة وفي مرحلة مشحونة بالاحقاد والكراهية الطائفية، هو بالتاكيد الدليل القاطع على فشل المشروع الخليفي العقيم للتجنيس السياسي والعشوائي، ومحاولاته لتشطير المجتمع الوطني البحريني وتمزيقة، وهو أمر يحتم على الغيورين المخلصين من أبناء البحرين، الوقوف صفا واحدا وموحدا لمواجهته وتقويضه والقضاء عليه، قبل أن لا ياتي اليوم الذي قد لاينفع فيه الندم، وقبل الوصول إلى ذلك المنزلق الخطير، نتمنى على الجميع أن يثوبوا إلى رشدهم وأن يستلهموا ماضي الوحدة الوطنية الباهر والزاهر، والذي تعايش فيه الجميع في أمن وأمان واستقرار ملموس .

هاني الريس

8 يوليو 2023

Loading