السلطة المتوارثة في نظام القبيلة

كيف استقبل شعب البحرين عائلة آل خليفة أبان مرحلة الغزو، ومادا قال المستشار بلكريف، وديفد ماب عن غرور وجشع العائلة الخليفية الغازية؟

لم يستقبل أهل البحرين، عائلة آل خليفة، إستقبال “الفاتحين” عند غزوها للبلاد في العام 1783 كما كانت تزعم هذه العائلة دائماً عبر كتبها ومناهجها التعليمية، والتي كانت قد فرضتها فرضاً على مستوى جميع المدارس والمعاهد البحرينية الرسمية والخاصة، والتي ظلت شعاراتها الاساسية المركزية تزهو بـ “مصطلحات الزعامة المشيخية” و”تجدر موروث التراث الخليفى التاريحي” و “أساطير البطولة والفتح المجيد” التي صورت لنفسها، بأنه قد توج بها (بطل الغزو) وعميدها أحمد بن محمد آل خليفة، الملقب بالفاتح “انتصاراته الدموية في البحرين” والترويج لبدعة (أصالة إنتصاراتها المزعومة) وقيمتها الجوهرية التاريخية، وتخليد خصوصيتها العائلية  والعمل على تكريس شرعية وجودها في البلاد، إلى آخر ما تفتق بها نسيج خيالها من أحلام القوة والمجد والهيمنة الفئوية الطاغية، التي أرهقت ومزقت بها كاهل المجتمع البحريني برمته، إنما استقبلوها كقبيلة غازية مارست السطو والقهر والاستيلاء على الارض والسياسة والاقتصاد، واغتصاب وسرقة أموال الناس وممتلكاتهم وكافة المرافق العامة، وممارسة السلطة والحكم كأمر واقع وليس بالصفة الشرعية، والخشية من حدوث ماهو أسوأ من الظلم والبطش والقمع المنهجي وتذمير حياة الابرياء من المواطنين، استنادا إلى تجارب سابقة استخدمتها هذه العائلة الغازية، في مختلف مشاريع التوسع والقرصنة، التي اشتهرت بها في سنوات حقبة حروب القبائل على المواقع الجغرافية المميزة ومصادر ومسائل جمع الثروة والسيادة والامتيازات، ولذلك ظل طوق السوار الحديدي العملاق، التي صنعته لنفسها  من أجل تكريس وتعزيز وضعها في البلاد، يشد الخناق بقوة على أعناق الشعب البحريني برمته، ويدفع بالمزيد من القهر والاستلاب والعسف العام، وينتظر من يستطيع أن يصهره و يحطمه من الاجيال الجديدة اللاحقة، التي يمكن أن تعقد عليها آمال التحرر من سطوة وهيمنة وغرور هذه العائلة، التي أصبحت لاتؤمن سوى بسلاح القوة والعنف، ولم تعد تعترف بشيء من حقوق الاخر، فكل هذه الصنوف الوحشية والعنيفة، التي مورست من جانبها ضد شعب البحرين، أثارت بشكل واسع النطاق حفيظة جميع الفئات والشرائح والتيارات و الطوائف البحرينية، التي وقفت صفاً واحداً موحداً لمقاومتها والتصدي لها بكل أدوات النضال الحقيقية والمشروعة للدفاع عن النفس، وكذلك حياض الوطن، وقد أكدت معظم الروايات التاريخية، التي تحدث عنها المراقبون والباحثون، على قوة الصمود العنيد والجبار، الذي تسلح به شعب البحرين بمختلف فئاته وتياراته وطائفه، في وجه جحافل هذه العائلة الغازية وحلفائها من القبائل العربية، والحق بهم خسائر فادحة في العتاد والارواح، وذلك بفضل كفاحه وصبره وإيمانه بقضاياه العادلة وتماسك وحدته الوطنية، وقدم من خلاله، أروع الامثلة في المقاومة الباسلة والأستشهاد، من أجل الدفاع عن الارض وكرامة الأنسان و الحريات، فكان واقع الحال آنذاك أمراً لافتا ومبرراً ومحفزاً لإشعال فتيل الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية، التي مازالت جدوتها ملهمة و مستمرة بين مد وجزر عند شعب البحرين، منذ ذلك الوقت السحقيق المشهود، وحتى اللحظة الراهنة .

و منذ تاريخ كل تلك العقود السحيقة، التي تميزت بغرور القوة والبطش ورفض الارادة الشعبية وحقوق الانسان، وطوال السنوات الثلاث، التي أعقبت تحويل دولة المراقبة الامنية إلى ماسمي ب ” المملكة الخليفية الاولى” التي شيدت جميع اسسها وأركانها الصلبة والفولاذية، على يد الحاكم الطاغية حمد بن عيسى آل خليفة، ظل أفراد عائلة آل خليفة المتعاقبين على سدة الحكم، يستفزون مشاعر المواطنين البحرينيين بممارسة القمع المجنون، ويستعيدون تاريخ (أمجاد أجدادهم السابقين الاوائل، وصور ملاحم بطولاتهم وإنتصاراتهم الموهومة والمزعومة) ويتمسكون ليس فقط بتلابيب السلطة والحكم، والافراط في تكرار فرض شرعية وجودهم ونفودهم وسيطرتهم الواسعة والمطلقة على عمليات  صنع القرار في البلاد، والتي هي في واقع الحال لم تكتسب يوما صفة الشرعية الحقيقية والجوهرية المقبولة لدى غالبية شعب البحرين، بل أيضا ظلوا يمارسون عمليات غسل الادمغة وتضليل الافكار، وإختلاق زعم عن إصولهم البحرينية الاصيلة والعريقة، بشكل يخالف واقع الحقيقة والتاريخ، وكذلك مختلف الأوامر الملكية والمكرمات وإجراءات خنق الحريات وشراء الذمم وإعتماد نصوص ” دستور المنحة الجديد ” للعام 2002، المثير للجدل، الذي أصدره حاكم البلاد حمد بن عيسى آل خليفة، بقرار منفرد، ومن دون أية إستشارة شعبية، وكذلك مشاريع البرلمان الصوري الفاقد للاصول الشرعية، ومجلس الشورى المعين بواسطة الحكم، وتمكين أفراد من العائلة الحاكمة من إحتلال معظم المواقع القيادية الحساسة في مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع، والذي يستمر فيها التشديد دائماً على الانفرادية السلطوية، وليس المشورة والرأي واحترام حقوق وواجبات المواطن البحريني .

وعلى الرغم من أن عائلة آل خليفة، ظلت عبر تلك العصور تتباهى بقوة تماسك الجبهة الداخلية للعائلة، واستثمار جميع الجهود، من أجل الابقاء على وحدة الصف في نطاقها، حتى لو حدث ذلك بشكل ظاهري فقط، لكي تصبح في نظر الآخرين موحدة ونقية كالثلج، من مختلف مظاهر المنازعات والاختلافات والاحترابات على الامتيازات ومنابع التوارث العائلي، والصمود في وجه القوى الأخرى، التي تعارضها، أو تريد اسقاطها بشتى السبل والوسائل، هكذا فانه في الواقع لا تريد العائلة أن يخرق أحدا من أفرادها وحدة الصف، ولكننا في الواقع وجدنا هناك خلال بعض مراحل الحقب التاريخية المعاصرة والحديثة، من يتحفز لتغيير تلك الصورة الاسطورية، بحيث ظهر هناك من رحم هذه العائلة افراد من طبقات الشباب المثقفين، الذين رأوا أنفسهم بأنهم محرجين أمام وحشية آبائهم وأجدادهم الأقدمون، وكانوا يأملون بأن تسود العدالة في المجتمع، وكانوا على مشاهد قريبه لبعض مايحدث من فضائع رهيبة على مستوى الاقتصاد والسياسة والامن، ليس لها صلة مطلقة بكل ما تدعيه وتروج له العائلة الحاكمة وأبواقها في الداخل والخارج من ممارسات انسانية وأخلاقية يمكن الأقتداء بها، فكانت لبعضهم مواقف شجاعة ومشرفة أزاءها، حيث أشاروا للعديد من تلك الاخطاء المكثفة والرسمية، التي مورست ضد أبناء الشعب، ولكنهم في مايبدو لم تكن لديهم القدرة الكافية والشجاعة المطلوبة، على مواجهة سلوك النخبة السياسية العائلية المناهضة دائما للارادة الشعبية والتصدي لها، ولم تسمح لهم ضروفهم الذاتية  بالتعبير حتى عن أبسط آرائهم من دون  توقع أية مسائلة أو محاسبة أوعقاب صارم، ولم يبلغوا مستوى المكاشفة والرد على تلك التحديات الكبيرة حتى في ظروف المجال الضمني، أو فقط عن طريق الاشارة، لانهم كانو يخشون من مختلف ردود الافعال القوية والصارمة ضدهم في أوساط كبار الاشخاص المتنفدين في صفوف هذه العائلة، التي ظلت تفرض عليهم الالتزام بمنظومة القيم العائلية التقليدية، والتي نشأت وترعرعت في ظلها أجيال من السلالة العائلية العريقة، التي حرصت دائما على التمسك بشعار التمييز بين أبنائها، وعموم أبناء شعب البحرين، بوصفهم (أفراد من طبقة راقية وسامية) ويقفون فوق مستوى القوانين والانظمة وحتى الدستور، الذي فرضوه فرضا على الجميع، ولكنهم كأشخاص مثقفيين وطلائعيين، ظلوا يجهدون من أجل  تغيير هذا الواقع المتعطش لفرض السيطرة والهيمنة الفئوية الواحدة، وتقويض ثقافة المشاركة الشعبية وتكافؤ الفرص الاجتماعية والتعددية وتداول السلطة بين الجميع، وكان أحدهم على الاقل، قد إستطاع أن يكسر حاجز الخوف، واختراق منظومة هذه القيم الجامدة والمعقدة، ويعلن صراحة عن وقوفه إلى جانب شعب البحرين المقهور، ونعني به، ابراهيم بن سلمان بن خالد آل خليفة، الذي كان أول (المتحررين) من عقدة الدنب، التي لازمت أقرانه في أوساط هذه العائلة، وتمكن من المشاركة العملية والفعلية، ليس بصفة العضو المنتمي إلى الطبقة الحاكمة، بل إلى عامة أبناء المجتمع البحريني، في أول إنتخابات تشريعية حقيقية للمجلس الوطني(البرلمان) جرت في تاريخ البحرين الحديث والمعاصر، في العام 1973، والتي تم تقويضها والانقلاب عليها بطريقة غيردستورية، بعد عامان فقط من قيامها، وذلك من خلال مرسوم بأمر أميري مشؤوم صادر في العام 1975، الذي حل بموجبه البرلمان المنتخب بصورة حرة ومباشرة من قبل شعب البحرين، وتعطيل أبرزالمواد الحيوية من الدستور، ليكون بذلك أول فرد من أفراد عائلة آل خليفة الحاكمة، يحظى باهتمام شعب البحرين، لتمثيله والنيابة عنه في تلك المؤسسة التشريعية، بل ولعله كان “النموذج الأمثل” لجميع أفراد هذه العائلة، الذين كانوا يحلمون بالتغيير، والذي ستظل صورته بالتأكيد منقوشة دائما في ذاكرة شعب البحرين، فقد أصر الرجل منذ الوهلة الاولى لتبوئه المقعد النيابي،  أن ينحاز إلى جانب الشعب، مدافعاً عن حقوقه وهي تتعرض الى الظلم والاستبداد، وذلك عندما امتطى الجواد الاصيل، التي كانت قد راهنت عليه كافة القوى الوطنية واليسارية والقومية والدينية داخل البرلمان، في سياق تصديها لاخطاء السلطة وممارساتها الطائشة، وبخاصة فيما كان يتعلق بالمعركة الشرسة، التي دارت رحاها حول “مشروع قانون أمن الدولة السيء الصيت”، والذي تم بسببه حل  البرلمان والانقلاب على الدستور التعاقدي وتعطيل مواده الحيوية، ونتيجة لتعاونه ومواقفه المشرفة، مع كل هذه القوى الوطنية، في مواجهة مشاريع السلطة والحكم، إستحق كل الاحترام والتقدير من قبل شعب البحرين، وبخاصة فئات الشباب والطلبة والعمال، التي تكتلت خلفه ودعمت برنامجه الانتخابي، و التي كانت تنظر اليه كرجل صاحب مبدأ ومواقف شجاعة، و كان يومها قد اطلقت عليه الجماهير لقب ” الشيخ الاحمر” اليساري، وذلك تيمناً بالخط الثوري التقدمي الذي يسترشد في ظله تيار اليسار التقدمي، التي كانت شعبيته تتعاظم في البحرين والمنطقة، خلال ذلك الوقت بالذات حيث كانت حركات التحرر على المستوى الوطني والدولي، تشق طريقها نحو المطالبة بحرية الارادة السياسية والاستقلال والسيادة الوطنية ورفض التبعية الاجنبية، كما أنه لن ينسى له شعب البحرين، دعمه وتصديه وتصدره صفوف التظاهرة الاحتجاجية العمالية، التي نضمها عمال مصانع شركة ألمنيوم البحرين في تلك الفترة، إحتجاجا على سوء معاملتهم الانسانية من قبل إدارة هذه الشركة، التي إستغلت جهودهم وإمتصت دمائهم، حتى أن بعضهم قد فارق الحياة، نتيجة إستنشاق السموم وحمم النيران الملتهبة، التي ظلت تنفجر كالبراكين من مطابخ الصهر الجهنمية، في مقابل حفنة بسيطة من المال، والتي بسببها تم إعتقاله مع أعداد كبيرة من العمال وقياداتهم، بعد الهجوم العنيف، التي شنته قوات الامن البحرينية، لردع هذه التظاهرة العمالية المطلبية السلمية، ولهذا السبب تم تأنيبه وتهميشه بعد ذلك من قبل رئيس الوزراء خليفه بن سلمان آل خليفه، الذي كان يعتبر الحاكم الفعلي للبلاد في ذلك الوقت، لانه أصبح في نظره يمثل تهديدا استراتيجيا على نظام وهيبة وحدة العائلة .

المستشار، السير تشارلز بلكريف، وديفد ماب، يصفون أحول البحرين في ظل حكم العائلة الخليفية الغازية :

وصف، السير تشارلز بلكريف، مستشار حكومة البحرين في سنوات حقبة الحماية البريطانية السياسات المجحفة، التي مورست في ظل المشيخة الخليفية، منذ غزوها للبلاد في العام 1783، بأن جوهر السياسات الطائشة والمتفردة وعقدة الغرور بالقوة، هو الذي أعطى كافة أفراد العائلة الحاكمة (الحق) في ممارسة الظلم والاستبداد بشعب البحرين، وبخاصة الطائفة الشيعية، التي ظلت تمثل غالبية سكان المشيخة، والتي لم تحظى بالرعاية المطلوبة على غرار الطوائف الاخرى المترفة والميسورة، التي كانت عائلة آل خليفة، تقدم لها الدعم والامتيازات، وقد إستطاع جميع افرادها والمقربون منها، الاستيلاء على الحرث والنسل في ربوع البلاد، وذلك فقط، عندما تمكنت هذه العائلة بواسطة القهر والعسف العام، أن تبني لنفسها قطاعاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً منعزلاً تماماً عن جسم المجتمع البحريني، يستند الى مقومات فرض القوة الغاشمة والاستقواء بمعاهدات الحماية الاجنبية وبخاصة البريطانية، لتكريس أمنها وحماية نظامها السياسي والاقتصادي من كافة المخاطر الداخلية والخارجية .

ويضيف بلكريف ” أن هذه السياسة المعنية أساساً باظهار قوة العائلة الحاكمة وسطوتها على المشيخة والمجتمع، جعلت من البحرين بلداً اقطاعياً يحكمه حاكم اقطاعي هو وجميع أفراد عائلته، بحيث أصبحت كل اراضي البحرين بمثابة ملكهم الخاص، ويتصرفون بها كما لو أنهم أصحاب البلاد الشرعيين والاصليين ” فهم يسيطرون على كل مفاصل المشيخة بشكل مطلق وتام وحكومة المشيخة تصرف لهم العلاوات فيما هم لا يقدمون أي شيئا في مقابل ذلك، معتبرين على ما يبدو بأن القيام بأي عمل هو دون  وزنهم وثقلهم ومقامهم، إنهم اناس مستبدون و مغرورون وكسالى و يتميزون بالبخل والحقارة والندالة وانحطاط الاخلاق، وفي الغالب كانو يعيشون على أنهم من العائلة الحاكمة، وكادوا أن يفقدونه عقله لكثرة تسولهم للمال وتخلفهم وعشقهم للمظاهر الرنانة .

وأما الكاتب الصحفي البريطاني ديفد ماب، الذي أسس ورأس تحرير صحيفة (النجمة الاسبوعية) الصادرة عن شركة نفط البحرين (بابكو) في حقبة سنوات الخمسينيات من القرن الماضي باللغتين الانكليزية والعربية في نفس الطبعة، وكان منتميا للجناح الراديكالي في حزب العمال البريطاني، ومنتقدا لسياسات الحكومة البريطانية ومستشار حكومة السير تشارلز بلكريف، وكان داعما لنضالات هيئة الاتحاد الوطني البحرينية التي قادت النضال ضد سلطة الانتداب البريطاني في البحرين، وعائلة آل خليفة الحاكمة المستبدة، طوال فترة إقامته في البلاد، التي تجاوزت أربع سنوات تقريبا، فقد تحدث في جزء من مذكراته اليومية حول واقع الاوضاع الصعبة والمزرية، التي شهدتها البحرين، في ظل حكم أفراد عائلة آل خليفة، و وصفهم، بأنهم أناس (طغاة  وعديموا الرحمة، وقلبوهم أقسى من الصخر، ولا توجد لديهم أية مشكلة في القتل وسط الشارع حتى لو كان ذلك في وضح النهار) وقد إستطاعت مشيختهم المزعومة، بواسطة سلطة الحديد والنار، والتشدد وقمع الحريا ت، وبناء أجهزة الدعاية والاعلام، التي تشوه صور الآخرين، وتحرص على تمجيد رموز الحكم والاشاذة بهم في كل المناسبات، أن تفرض وجودها المشكوك بصحته في البلاد

و يقول، ماب، في معرض وصفه لهؤولاء الحكام الطغاة: ” أن أي حاكم من عائلة آل خليفة، هو حتما حكيم ورحيم وبعيد الرؤية وكريم وغير ذلك من التوصيفات التي تسبغها لمصلحته وسائل أعلام المشيخة والمريدون .

ويضيف: كل بناية تبنى وكل مدرسة تفتح وكل مستشفى يقام أو طريق يشق أو وظيفة تستحدث تحمل بصمات ” الشيخ ” حاكم المشيخة، وتمجد عهده وعطائه وكرمه .

ويتابع ماب: أن عائلة “آل خليفة قبيلة كبيرة يتزاوجون فيما بينهم فقط، ويرفضون الآخر، ومن الصعب معرفة عددهم عندما كنت في البحرين خلال حقبة سنوات الخمسينات، ولكن قيل لي أن عددهم لايتجاوز 500 شخص، وعندما رجعت الى البحرين مرة أخرى من لندن في العام 1989 وسألت وزير الاعلام طارق المؤيد، رد علي بالقول أن تعدادهم هو مابين 6-7 آلاف شخص، وعندما أبديت استغرابي من هذا الرقم، إستشهد الوزير بالسيدة نايلة آل خليفة، مؤكدا لي لاتنسى أننا في الحقيقة نتزوج ونحن صغار، كما أن تطور الاوضاع الصحية، قد أتاح لنا إنجاب المزيد من الاولاد، ولكنني وحين حسبت النمو الديمغرافي لعائلة آل خليفة بموجب تقديرات الأمم المتحدة، وجدته خارج المنطق، حيث من المفترض أن يكون عددهم 1200 شخص لاغير .

وظل يتسائل ماب : ” ماذا يعمل كل هذا الجيش الخليفي العرمرمي، العاطل عن الفكر والعمل ؟ يتوجب إيجاد مناصب لهم، حتى بدون عمل، وكان همهم الوحيد هوالصيد بطيور الشاهين ومطاردة الغزلان، ولكن هل يقرأون كتبا ؟ هذا نادرا مارأيتهم يقرأون، ولكنني عندما التقيت بعدد منهم يعملون في داخل إدارات المشيخة، لم أجد بعضهم يختلفون عن البحرينيين الآخرين .

ويضيف ماب : ” جميع أفراد عائلة آل خليفة وعلى رأسهم حاكم المشيخة، يملكون غالبية الاراضي والعقارات والجزر والجرف القاري، والخيول والغزلان، وحتى الطيور في السماء، هذه النزعة المادية والمعنوية المفرطة – يقول ماب –  تتناقض مع الاسلام الذي هو الدين الرسمي للمشيخة، لذا لابد من اعطاء الحاكم وجها إنسانيا يتمثل في آلاف الصور يبتسم فيها، معلقة في كل مكان، على الجدران، في المكاتب، في الدوائر الحكومية، في البيوت والمطاعم والمتاجر والاندية والجمعيات، وعلى الطرقات، أينما تذهب تواجهك صور الحاكم، حينما تفتح كتابا أو مجلة أو تطالع التلفزيون، تطالعك الصورة ذاتها، وأحيانا صورة الثلاثة الكبار ( الامير وولي العهد ورئيس مجلس الوزراء ) مع عبارات التبجيل والتعظيم، هكذا تغرس صورة الأب العطوف الرحيم الكريم (الحاكم) في أذهان شعب البحرين برمته، بحيث تتكرس وتصبح أمرا واقعا محتوما .

هذا الحضور الطاغي – يضيف ماب – للأله الصغير في بلد مسلم يقرأ فيه الاذآن على الملأ خمس مرات في اليوم ” لا إله إلا الله ” ماذا يعني ؟ يعني شيء واحد فقط وهو تقديس هذا الحاكم الطاغية .

ويتابع: ” آل خليفة ليسوا متساوين في المراتب أو الجاه والمال، يقول محمد بن خليفة أحد أفراد القبيلة الحاكمة في المشيخة، والموظف في مطار البحرين، حيث ينقسم آل خليفة إلى ثلاث فئات، (أ، ب، ج)، وأنا أنتمي لفئة (ج)، فعندما أنوي الذهاب مع العائلة في إجازة أذهب إلى الديوان الأميري، حيث استلم من هناك تذاكر سفر درجة (ج)، ومبلغا صغيرا من المال، أما شيوخ الدرجة (ب)، فيأخذون تذاكر درجة اولى ومبلغا أقل من المال، وأما الدرجة (أ) فيأخذون تذاكر درجة أولى ومبالغ كبيرة من المال ” .

وهذه مفارقة مذهلة ومؤلمة في نفس الوقت، بحسب شهادة أحد أفراد العائلة الحاكمة، بلغت مسامع ديفد ماب، فان ذلك كان أحد الابعاد الرئيسية المدهشة في اجراءات التمييز في الحياة اليومية العادية، ومراكز حسم القرار السياسي في مراتبية حكام المشيخة، وتمييزهم عن بقية طبقات المجتمع البحريني .

وعلى رغم أن عائلة آل خليفة، بذلت المحاولة تلو الاخرى من أجل كسب قلوب سكان البلاد الاصليين (سنة وشيعة) تارة باغراءات ما يمكن توفيره من المال والجاه لشراء الذمم وتطويع أصحاب النفوس المريضة، وتارة اخرى بفرض ضرورات الامر الواقع على المجتمع، والتذكير بموروث الماضي القمعي، والتلويح بسحق المعارضين لسياسات ما ظلت تصفها ب (السلطة الشرعية) القائمة في البلاد، من جميع التيارات و الطوائف البحرينية، الا انها بقيت عاجزة عن ان تجد فرداً واحداً من المواطنين الشرفاء من يقبل لنفسه أن يكون متعاطفاً، أو منسجما بأي شكل من الاشكال، مع عائلة قبلية متخلفة، حولت مفاهيم التسلط والقهر والقتل وسلب الحقوق ورفض الآخر، إلى مثابة عملة مقبولة ومتداولة في ثقافتها اليومية، المريضة، سوى قلة قليلة ممن كانت لهم طموحات سياسية واجتماعية واقتصادية، وقد ظل يوجد في كل عصر من يقف الى جانب الطغاة وأصحاب النفود الكبيرة، بحكم توفر كل هذه المصالح والامتيازات، ويتخلى عن كافة القيم والاعراف والدفاع عن حقوق المواطنة المسلوبة، وذلك في محاولة لتحقيق أحلامه وطموحاته ومأربه الاقتصادية والمعنوية، الامر الذي جعل شعب البحرين بغالبيته الساحقة يتوحد في نطاق كتلة واحدة وموحدة في وجه سياساتها الظالمة، ويستمر بشدة في شق طريق النضال العنيد عبر الشروع في العديد من الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية التي تفجرت الواحدة تلو الاخرى من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والكرامة والسيادة الوطنية، ويكمن سر حقد عائلة آل خليفة، على غالبية شعب البحرين، مند ذلك الوقت وحتى اللحظة الراهنة، في إنها ليست أكثر من كونها مجرد (قبيلة غازية) ومبتعدة وغريبة عن جسم المجتمع البحريني، ومارست القهر والبطش والعسف العام ضد أصحاب الارض الاصليين سنة وشيعة، وامعنت في قتل العديدين منهم، وشردت مئات العوائل إلى مختلف العواصم العربية والعالمية، وبشكل قسري، ولم تستطع في أي حال من الاحوال أن تتعايش بحق وحقيقة مع شعب البحرين، الذي لايزال يتذكر صور المجازر الوحشية الهائلة و الاخطاء والخطايا الكبيرة، التي إرتكبها رواد العائلة الاوائل ومن جاء بعدهم من الابناء والاحفاد، الذين توارثوا حكم البحرين طبقة بعد طبقة وعاثوا في البلاد فسادا.

هاني الريس

16 يوليو 2023

Loading