الانتداب البريطاني و مزاعم إستقلال البحرين

بعد إستقرار أوضاعها السياسية والمعنوية في البحرين، وحرصها على حماية كيانها السياسي والاجتماعي والامني، من أية مخاطر كبيرة محتملة، داخلياً وعلى المستوى الخارجي، سعت عائلة آل خليفة، بكل ما تمتلك من قوة ونفود ومن وسائل مذلولة ومكائد كثيرة لتكريس وتعزيز (شرعية) وجودها في البلاد، وما لبثت بعد سنوات كثيرة من تلك الممارسات الشنيعة، أن ارتمت في أحضان القوى الكبرى الاقليمية والدولية من أجل تحقيق أغراض تلك المهمة، فلم تتوان لحظة واحدة عن طلب حماية أمنها السياسي والذاتي، من قبل حكومة المملكة المتحدة البريطانية، بوصفها القوة العالمية الكبرى في ذلك الوقت، والتي ظلت تبسط نفودها في شبه القارة الهندية والخليج، بشكل واسع النطاق منذ نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلادي، تحت مبررات واهية و كثيرة و من أهمها على الاطلاق، مكافحة تجارة الرقيق الابيض ومحاربة القرصنة في مياه الخليج الشرقية، وإعتبارها كممر مائي مفتوح لتوافد السفن والقواعد البريطانية، وضمان وجود مراكز متقدمة لاستيراد وتصدير منتوجاتها الى مختلف المناطق العالمية في الجنوب و الشرق والغرب، وبخاصة شبه القارة الهندية وإيران، التي كانت تستورد منهما مختلف الانسجة القطنية ومواد الفلفل والسكر والارز والفول، ومواد الخام من الصوف والحرير، وماء الورد والخضار والفواكه، وغيرها من موارد الثروة الزراعية والمائية.

وفي العام 1820، كانت عائلة آل خليفة، قد طلبت النجدة العاجلة والملحة من حكومة التاج البريطانية، لتقديم كل أوجه المساعدة المباشرة والعاجلة لدعمها و مساندتها ومشاركتها ” كوسيط ” في قضية كانت تتعلق بصراع خارجي، بينها وبين سلاطين مسقط وعمان، بشأن موضوع حق بسط السيادة على البحرين، حيث كان حكام السلطنة، في ذلك الوقت بالذات يتطلعون إلى فرض الهيمنة على المنطقة بشكل كامل و مباشرـ ويهددون استقرار وأمن البحرين، حيث انهم كانوا يرسمون بسفنهم وقوافلهم العسكرية، حدود وطنهم من ساحل عمان إلى السواحل الشرقية من شبه الجزيرة العربية، ويعتبرون جزر البحرين جزء لا يتجزء من حدود عمان الجغرافية الشاسعة والعملاقة، بعد أن كانت جحافلهم قد غزت أراضي جزر البحرين، واحكمت عليها الحصار، وفرضت عليها دفع الجزية، في مقابل حماية سفنها في عرض البحر وممرات مضيق هرمز، وكان ذلك بالتحديد في العام 1718 في عهد الامام اليعربي الثاني حاكم السلطنة، وذلك تحت قيادة سيف بن سلطان، في محاولة الاستيلاء عليها ثم إخضاعها والحاقها بولايات السلطنة و نظمها وقوانينها، وعندما فشلت الوساطة البريطانية الهشة، وتعسرت إفق الحلول السلمية، وأصبحت نذر الحرب بين الطرفين قائمة لا محالة، تحولت هذه الوساطة إلى موقف سياسي داعما للبحرين، بحيث وقفت حكومة التاج البريطانية، في وجه التهديد العماني لحكام البحرين، ومنعت الهجوم المحتمل عليهم بواسطة سفن وجيوش السلطان، من خلال نشر الرسائل والتحذيرات والانذارات، التي تفيد بقدرة حكومة التاج البريطانية على فرض كل ماتريد وترغب في المنطقة تحت ضرورات الامر الواقع، وتحت تكرار إستغاثات عائلة آل خليفة لها بتقديم المساعدة العسكرية من أجل التصدي للمخاطر العمانية والخارجية المحذقة، التي قد تهدد بقاء كيان مشيختها في البحرين، ونظرا للمواقف البريطانية الجادة والحاسمة بشأن الدفاع عن كيان مشيخة عائلة آل خليفة، والخوف من المواجهة العسكرية غير المتكافئة مع دوله عظمى، تريث سلاطين عمان و مسقط عن إعلان أية مواجهة عسكرية حاسمة، قد تكون نهايتها خاسرة أمام إصرار حكومة التاج البريطانية على منع أي تغلغل عماني محتمل يستهدف دويلات المنطقة واحتلالها.

وبحسب روايات عدد من الباحثين، ظل سلاطين مسقط وعمان، يحاولون بين فينه واخرى القيام بشن هجمات مسلحة وخاطفة تستهدف زعزعة الامن في البحرين تمهيدا لغزوها واحتلالها بالقوة، واسترجاع جميع إستحقاقات الديون المتراكمة على عائلة آل خليفة، من الاموال المتأخرة من دفع الجزية، وبعض الرسوم المستحقة عليها في مقابل السماح لسفنها التجارية بالمرور عبر منطقة مضيق هرمز الخاضعة لنفود السلطنة وسيطرتها، والتي ظلت تفرضها فرضا على حكام البحرين طوال أكثر من 30 عاما من الزمن، عندما إستطاعوا في واحدة من أشرس المعارك الملحمية البحرية، أن يلحقوا بقواتها الهزيمة الساحقة والموجعة، ويحتلوا البحرين في العام 1799، وأن يقوموا بتعيين السلطان سالم مسؤولا عن ادارة شؤون البلاد وتحصيل الجزية، وذلك بعد فرار عائلة آل خليفة، إلى شبه الجزيرة العربية، بعد عجزها عن دفع الجزية و التصدي للهجوم العماني القوي والكاسح، غير أن الاخيرة و بعد مراحل طويلة من تكرار محاولاتها اليائسة لرد إعتبارها في البحرين، إستطاعت في العام 1810، أن تنتصر على سلاطين مسقط وعمان في إحدى المعارك البحرية الضارية والحاسمة، وتحقق حلم إستعادة نفودها من جديد في البلاد، وتعلن عن نهاية حكم سلاطين مسقط في المشيخة البحرينية.

وخلال العام 1802، حاول سلاطين مسقط وعمان، أن ينفدوا هجمات عسكرية جديدة وممنهجة، عله يحالفهم الحظ مرة اخرى باستعادة مجدهم في البحرين، لكن جميع محاولتهم باءت بالفشل والتراجع، عندما قضى على كل أحلامهم وطلائع جيوشهم، التي حاولت إختراق السدود المنيعة، تحالف عائلة آل خليفة، وزعماء الحركة الوهابية، الذين دافعوا بكل شراسة عن عرش العائلة الحاكمة في البحرين، وأمدوها بالسلاح والعتاد والاموال، ثم مالبثوا أن مدوا ابصارهم وأطماعهم وتطلعاتم للحصول على موطىء قدم في البلاد، يكون أكثر من مجرد تعاون أو تحالف قصير، بقدر ما يستوجب أن يكون شرينا حيويا لبسط النفود في البحرين، والتحكم بمصيرها و بكل ثرواتها المالية.

ويذكر، أن البحرين، كانت في ذلك الحين، من بين إحدى الدويلات الساحلية الصغيرة الخاضعة للوصاية الوهابية غير المباشرة مابين العام 1803 و العام 1809، ولكن في مطلع العام 1810، حاولت الحركة الوهابية، بقيادة فيصل بن تركي (زعيم الدولة السعودية الثانية) أن تفرض كل قوتها الضاربة والمباشرة على الشيخة البحرينية، وقامت بتعيين شخصية بارزة من رموزها العائلية واليا على البحرين، لمتابعة شؤون خدماتها في البلاد، وكان مطلوب منه أن يجمع أموال الزكاة، من فقراء البحرين ويرسلها الى خزانة مركز القرار لدى قادة الحركة الوهابية في الدرعية، مع التجاهل الكامل للظروف المعيشية الصعبة والقاسية، الذي كان يعاني منها شعب البحرين برمته في ذلك الوقت، والتي ارادها الوالي السعودي، فرصة مؤاتية للامساك بزمام الامور في البلاد، والظهور بمظهر الرجل الاكثر حرصا على كافة مصالح الوصاية الوهابية على البحرين .

وفي مطلع العام 1811، انتهزت عائلة آل خليفة فرصة الزحف المصري الذي أخد يشق طريقه بشكل سريع وملفت، من أجل تقويض أهداف و تطلعات الحركة الوهابية، وقطع شرايين إمتداد وتوسع نفودها المحتمل في العديد من بلدان المنطقة العربية، وسعت لعقد بعض صفقات التحالفات السياسية والعسكرية المشبوهة مع أعدائها السابقين سلاطين مسقط، والذين سبق لهم أن صادروا قراراتها في تكريس وتعزيز مفهوم السيادة على الارض، و ظلوا يفرضون عليها دفع الجزية لاكثر من 30 عاما من الزمن، وذلك تحت عاملين أساسيين الاول يتمثل بصرف أنظارهم عن محاولات استرداد نفوذهم في البحرين، والثاني لكونها تعتبر نفسها خاضعة لضغوط وتحديات اقليمية كبيرة وخطيرة، وقد تحتاج إلى من يستطيع أن يقدم لها الدعم السياسي والمساندة العسكرية، وذلك تحسبا إلى أية تحرشات وتدخلات خارجية محتملة، وقد استمر زواج هذا التحالف المصلحي بين عائلة ال خليفة العمانيين ، حتى العام 1813، عندما تعرض سلطان مسقط في حملته العسكرية على شيوخ القواسم في رأس الخيمة لهزيمة موجعة، فانتهزت عائلة آل خليفة، الفرصة وتنصلت لبنود ذلك الاتفاق، وأعلنت بكل صراحة انها في حل من التزاماتها السابقة تجاه سلاطين مسقط، الذين خسروا هذه المعركة وأصبح مستقبل مصيرهم في مهب الرياح، ما يؤكد على عمق النوايا الخبيثة والسيئة لعائلة ال خليفة، تجاه من يثق بها ويؤتمنها على أمنه و مقدراته ومصالحه .

وعلى أمتداد عقود طويلة من الزمن، كان سلاطين مسقط وعمان، و كذلك قادة الحركة الوهابية السلفية في صدارة التهديدات المباشرة وغير المباشرة، التي ظلت تتعرض لها مشيخة عائلة أل خليفة في البحرين، حيث تصاعدت وتيرة الاتهامات المتبادلة بين الاطراف الثلاثة حول مصير البلاد الاقتصادي و السياسي والجغرافي، وتوسعت آفاق الحرب بين سلاطين مسقط وعائلة آل خليفة، خاصة بعد أن انفصمت عرى التحالف الوهمي و المصلحي، وتكشفت النوايا السيئة والمبيتة، التي بنت عليها عائلة آل خليفة مرتكزات ذلك التحالف الهش وغير المقدس، وكانت خاتمة المعارك، التي نشبت بين الطرفين، قد كلفت سلاطين مسقط الكثير من الخسائر المادية والمعنوية الفادحة، حيث فرضت عليهم عائلة آل خليفة، انتصارها، بقيادة قائد جيشها و سفنها (عبدالله بن أحمد آل خليفة) حاكم جزيرة المحرق وبرفقته (خليفة بن سلمان آل خليفة) قائد سلاح الخيالة وحاكم مدينة المنامة، بحيث أودت هذه المعركة الكاسرة، بحياة العديد من جنوده وأنصاره وتذمير معداته وسفنه، و قيل حينها أن السلطان سيف بن علي، الذي كان يقود بنفسه رحى المعركة الملحمية الدامية، قد نجا بأعجوبة من هول المذبحة الرهيبة، التي تعرضت لها قواته في رحى هذه المعركة الشرسة، ولكنه قد إصيب ببعض الجروح الطفيفة، في أحدى ساقيه، وقيل أيضا بأن هذه المعركة، كانت آخر المعارك الكارثية الطويلة، التي خاضتها عائلة آل خليفة، مع سلاطين مسقط وعمان، دفاعا عن عرشها ومشروع مشيختها المستقلة في البحرين .

و قد تكررالامر نفسه عندما زحفت جيوش الدولة المصرية، بقيادة القائد العسكري، ابراهيم باشا في العام 1811 لغزو الجزيرة العربية، بهدف تقويض إمتداد مشروع الحركة الوهابية العقائدي، الذي ظل يطمح بقوة إلى الاقتراب من حدود العديد من المناطق العربية، واحتمالات امساكها بزمام الامور في بعض دول المنطقة، بذلت الحكومة البريطانية جهودا كبيرة لمنع التغلغل المصري في الخليج وخاصة البحرين، حيث كان حكام مصر في ذلك الوقت يتطلعون بقوة إلى بسط نفودهم وسيطرتهم على المياه الدافئة في هذه المنطقة الحيوية، نظرا لاهميتها الاقتصادية وتراثها التاريخي والثقافي والديني وموقعها المميز الجغرافي، الذي يتوسط قارات العالم الثلاث ويرفدها بالتجارة.

وفي العام 1840 إتيحت فرصة سانحة لحكومة التاج البريطانية، بأن تلعب الدور البارز والمحوري في قضايا الصراع على عرش المشيخة في البحرين، الذي كاد أن يعصف بمستقبل حكم عائلة آل خليفة، ويندر بزوال تاريخ حكمها للبلاد، وذلك عندما التمس منها أقطاب العائلة البارزين، تقديم المساعدة والعون و التدخل بشكل مباشر في جوهر نزاع عائلي خطير إشتدت وطأته بعنف بين حاكم المشيخة، عبد الله بن أحمد بن محمد آل خليفة، وبين معارضيه ومنافسيه من أفراد العائلة الحاكمة، على مستوى أحقية الجلوس على العرش وبخاصة من جانب إبن شقيقه محمد بن خليفة آل خليفة، الطامح بالوصول إلى سدة الحكم والتفرد بالسلطة، وذلك بعد تعسر جميع الحلول في إيجاد مخارج كفيلة بحسم هذا الصراع المعقد ، مما سهل للتاج البريطاني فتح أبواب التدخل الحر والمباشر، في الشأن الداخلي البحريني وبشكل سافر من خلال أبرام إتفاقيات الحماية والامن القومي، بحيث استطاعت الحكومة البريطانية اللعب على أوراق التناقضات والخلافات الحادة، التي مزقت أوصال عائلة ال خليفة ، و فرضت عليها، كل ما تريد وترغب من شروط مذلة في مختلف القضايا المصيرية الهامة، ضمن ما كانت تعتبره من ضرورات الامر الواقع في البحرين والمنطقة، و الزمتها بأحترام كل ما نصت عليه هذه الاتفاقيات والمعاهدات، وبخاصة معاهدة السلام البحري، المبرمة بين الطرفين، في العام 1820، وإطلاق يدها في حل منازعات الاسرة الحاكمة في البحرين ، والاهم من ذلك كله، قامت بفرض اتفاقيات إضافية مذلة في ظل هيمنتها السياسية والعسكرية، كان من شأنها أن قيدت سياسات حكام المشيخة البحرينية، و كل تطلعات المجتمع، ودفعت بالبلاد، إلى إتون صراعات داخلية شديدة الوطئة، ومطالبات وطنية ملحة لم تنقطع من جانب الحركة الوطنية البحرينية، بأستعادة السيادة والاستقلال، والتي إستمرت تحث الخطى طوال سنوات حقبة الانتداب البريطاني، وتداعياتها اللاحقة المستمرة .

وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، التي توجت بانتصار جبهة الحلفاء، على دول المحور، وسحق النازية الهتلريه الشوفينية وأنصارها، سعت حكومة التاج البريطانية لتوسيع سيطرتها و نفودها في البحرين، ونقلت في أواخر العام 1946، مقر المقيم السياسي البريطاني في الخليج، من مدينة بندر بوشهر الساحلية الايرانية، وبعض وحدات قواعدها العسكرية في شبه القارة الهندية، إلى البحرين، والتي أصبحت تمثل في مابعد (رأس الحربة) القوية والموجعة التي تصدت لكل حركات التحرر الوطني في المنطقة، وحاولت أن تحطم طموحات وأمال شعوبها من نيل الحرية والديمقراطية والسيادة والاستقلال .

ومنذ ذلك الوقت التزم جميع حكام عائلة آل خليفة، المتعاقبين على سدة الحكم في المشيخة، باحترام وتنفيد كافة المعاهدات والاجراءات والاوامر البريطانية المستبدة والظالمة، التي تم تطبيقها واعتمادها بعناية ممنهجة، ضد مصالح شعب البحرين وطموحاته في الحرية والاستقلال وتأسيس الدولة البرلمانية الدستورية، طوال مراحل السيطرة البريطانية السياسية والعسكرية والامنية، والعمل على إبرام الاتفاقيات والمعاهدات الجديدة، التي كان بوسعها أن تحمي كافة أوضاع عائلة آل خليفة في حكم المشيخة، والتفرد ببعض القرارات و الامتيازات، ومن أبرزها معاهدة العام 1816 المشؤومة التي كبلت البحرين وشعبها، بالقيود الفولاذية المحكمة، جراء تدخلات المسؤلين في سلطة الانتداب البريطانية السافرة والمباشرة، في مختلف القضايا الحساسة والمصيرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية في المشيخة البحرينية .

وبعد مرور حقبة زمنية بعيدة، من تواجد سلطة الانتداب البريطانية في البحرين، واستغلال جميع مواردها و ثرواتها وخيراتها الوطنية، واضطهاد شعبها وتطويقه بالاجراءات التعسفية القمعية، وفرض المعاهدات الأمنية الضمنية والعلنية السافرة، والتي يمكن الاستفادة منها إلى بعد حين، منحت حكومة حزب العمال البريطاني، التي قررت بشكل واضح الخروج من مستعمراتها في عدن ومناطق شرق السويس، مشيخة ال خليفة في البحرين، ما سمى بـ “استقلال البحرين” في الرابع عشر من أغسطس للعام 1971، بعد تسوية اقليمية لدعاوى ايران في البحرين، وبعد توافق سياسي بين الاطراف الرئيسية الأربعة: ” المملكة المتحدة البريطانية والولايات المتحدة الاميركية والسعودية وايران ” من خلال وساطة الامم المتحدة على موضوعة الاستقلال، والذي كان ينص على عدم دخول البحرين في الاتحاد الخليجي، وصرف النظر عن احتلال ايران للجزر العربية الثلاث (طمب الكبرى، وطمب الصغرى، وأبوموسى) مع إضافة بعض البنود (السرية) التي تعطي الايرانيين، ضمانات حق التدخل المباشر في الشأن الداخلي البحريني، في حالات الضرورات القصوى، مثل محاولات ضمها إلى دوله أخرى أو دخولها في أي إتحاد خليجي، أو عندما تتعرض،لازمات ومخاطر داخلية وخارجية كبيرة، وتمت على إثر هذه التسوية عملية جلاء القوات البريطانية من قواعدها في البحرين، واستبدلت معاهدات الحماية المبرمة بين البلدين، في حقبة سنوات (ماقبل السيادة والاستقلال) بمعاهدات الدفاع والرعاية والتسهيلات التجارية والامنية، الذي استمر العمل بها من دون اي توقف طوال عدة عقود من القرن الماضي، للتأكيد على قوة العلاقة الحميمية بين المملكة المتحدة البريطانية وحكام المشيخة الخليفية في البحرين، وإستمرار بقاء الحكومة البريطانية (كمرجعية) سياسية وحيدة في معالجة الخلافات والمنازعات الخطيرة بين حكام هذه المنطقة على موضوعات الحدود الجغرافية السيادة والامن، وغيرها من المشكلات والقضايا السياسية والامنية الملحة، التي كانت قد عصفت بمشيخات الخليج في ذلك الزمن الصعب .

وعلى الرغم من أن بريطانيا، سحبت كل جنودها و معداتها وقواتها العسكرية، المرابطة، بمختلف قواعدها البحرية والبرية والجوية في البحرين، الا انه من المستحيل تماما، إغفال إنها أبقت على العديد من خبرائها ومستشاريها العسكريين والامنيين، وبخاصة الذين إعتبرتهم من فوج الطلائعيين الاوائل الذين قدموا لها اهم و أفضل الخدمات في المشيخة البحرينية، ومن أبرزهم العميد أيان هندرسون، التي أوكلت إليه أصعب مهمة استخباراتية وأمنية، وهي قيادة مشروع (الدولة السرية) في البحرين، طوال سنوات الستينات وحتى حقبة التسعينات من القرن الماضي، فالحكومة البريطانية اثبتت لنفسها منذ ذلك الحين، بانها ستظل باقية في البلاد، وان تحت تصرفها إدارة مختلف مسؤليات العملية الاستخباراتية والأمنية، وذلك من أجل المحافظة على ما كانت تصفه بثبات قوة مستوى العلاقة الحميمية والاصيلة بينها وبين عائلة آل خليفة، ولذلك فانها لن تتنكر للكرم الحاتمي والجميل، الذي حظيت به من قبل حكام عائلة ال خليفة، التي كانت قد وقفت معهم دائما وأبدا في السراء والضراء، وفي خندق واحد لمواجهة مطالب الحركة الوطنية البحرينية، برحيل سلطة الانتداب البريطانية في البحرين، وجلاء جميع مكاتبها الامنية، ومختلف قواعدها العسكرية، واسترداد السيادة الوطنية، ولذلك فانها كانت تعتبر ردها لهذا الجميل، هو استمرار بقائها بشكل ضمني، من أجل ضمان حماية واستقرار كيان هذه المشيخة وحماية نظامها الأمني والسياسي. واستمرار بقاء عائلة ال خليفة على سدة الحكم، وهذه الأوضاع استطاعت أن تحافظ على ثبات جوهر بقائها واصالتها، منذ ذلك الوقت وحتى اللحظة الراهنة .

إذا، فإن ما كان يطلق عليه بـ “استقلال البحرين” وانضمامها إلى عصبة الأمم المتحدة، في حينها، كدولة مستقلة وذات سيادة، هو في واقع الأمر استخفافاً واستغفالا بعقول شعب البحرين برمته، حتى لا يقال بعد ذلك بأن البلاد ما زالت تعيش على أنغام السياسات الامنية والاستعمارية البريطانية، وتقبل خصائص تراثها و تقاليدها السياسية والامنية، والغريب في الأمر حقا، فانه حتى الان لم تعترف عائلة آل خليفة بانها قدمت البحرين وشعبها هبة وقربانا لسياسات حكومة التاج البريطانية، التي اوغلت في نهب وسرقة ثروات البلاد، الاقتصادية والنفطية، وشيدت بناء دولة المخابرات السرية الرهيبة، التي حصدت من خلالها أرواح الكثيرين من المناضلين الشرفاء من أبناء وبنات البحرين، الذين عارضوا و قاوموا سلطة الانتداب البريطانية، وعارضوا سياسات النظام الخليفي القمعي، بل إنها تصر على القول بأن المملكة المتحدة البريطانية، كانت فقط دولة حامية، وليست دولة مستعمرة أو منتدبة او وصية على شعب البحرين .

وبعد سنوات طويلة من جلاء جميع قوات الحماية البريطانية من قواعدها في البحرين، والمتمثلة في (قاعدة القوات البحرية الملكية في الجفير، وقاعدة قوات سلاح الجو الملكي في المحرق، وقاعدة قوات المشاة في الهملة) وتنظيم الشعب أحتفالاته السنوية لاحياء ذكرى يوم الجلاء، أصرت عائلة آل خليفة، على تغييب تاريخ 14آب/ أغسطس من العام 1971 الذي كان يسمى ب (عيد الاستقلال الوطني)، من ذاكرة شعب البحرين، واقدمت على فرض يوم السادس عشر من كانون الاول/ ديسمبر من كل عام، وهو اليوم الذي جلس فيه (زعيم القبيلة الخليفية) عيسى بن سلمان آل خليفة، على سدة العرش، عيدا وطنيا بديلا لشعب البحرين، و لذلك يقول البعض بأن ما اقدمت عليه العائلة الخليفية الحاكمة، بصدد استبدال عيد الاستقلال الوطني، بعيد جلوس الحاكم على سدة العرش، يشير إلى كافة المعارضين والمناوئين، بأن هذا التاريخ هو من نتاج ميثولوجيا ماسمي(بعهد الاصلاح) الذي حمل لوائه جميع ” حكام المشيخة طبقة بعد طبقة” ومرتزقتها ومختلف مشاريعها المشبوهة، بعد نهاية حقبة الانتداب البريطاني الطويلة وتداعياتها الصارخة، و التي ظلت بعض مؤثراتها السياسية والاجتماعية والامنية قائمة حتى بعد توقيع عائلة آل خليفة، على الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة الاميركية، في العام 1971، والتي أعطت بدورها الحق للقوات البحرية الاميركية باستخدام قاعدة الجفير البحرية، التي كانت في سنوات سابقة بمثابة الملك الخاص لقطاعات البحرية البريطانية، وبعض أرصفة ميناء سلمان، إضافة إلى قاعدة المحرق الجوية، التي كانت في كل الأوقات، مسرحا لهبوط وإقلاع الطائرات الحربية الاميركية، من دون طلب الاذن، أو الالتزام بأية إتفاقية أمنية .

وليس هنالك أدنى شك من أن عائلة ال خليفة، التي أستطاعت أن تستبيح كافة المحرمات في البحرين، لايمكن لها أن تكتسب مثل هذه الصفة، التي بدأت منذ سنوات تاريخ الغزو المشؤم، وإستمرت تحث الخطى حتى المرحلة الراهنة، إلا لانها نصبت نفسها وصية على شعب البحرين برمته، مفترضة انها وحدها فقط القادرة على حكم البلاد والعباد، وأن الاخرين ليسو سوى مجرد رعايا تابعين لها، حيث حاولت بجميع الطرق والوسائل الملتوية و الخبيثة، أن تفرض كافة مشاريعها السياسية والامنية المشبوهة على أرض الواقع بواسطة القهر والعسف العام، ضاربة بعرض الحائط أصوات الارادة الشعبية المطالبة بالحريات، و بكل تعهداتها و التزاماتها الوطنية والدولية، والتي ولدت تداعياتها المباشرة وغير المباشرة، في واقع الامر أزمات سياسية وإجتماعية وإقتصادية وأمنية خطيرة، داخل البحرين وعلى المستوى الخارجي، فالعائلة الخليفية الحاكمة بدلت كل ما في وسعها من جهود سياسية واعلامية وامنية طوال العقود الماضية والحاضرة من أجل تحقيق تلك الاهداف، وتكريسها وتعزيزها على أرض الواقع، ولا يسعها بعد ذلك وبأية صورة من الصور، التفريط في كل ما كانت تعتبره إرثا تاريخيا لها في البحرين، والذي يجب أن يكون رافدا أساسيا لاستمرار بقاء جميع أفرادها متربعين على سدة العرش طبقة بعد طبقة، ومن دون أن تولي أية أهمية بالغة و موجبة، لكل ما كان يتعرض له شعب البحرين، من ظلم و إستبداد وقهر و مصائب عظيمة، كانت هي السبب الرئيس في تكريس و تعزيز جذور كل هذه المحن و الأوجاع، على أمتداد جميع تلك العقود السحيقة .

هاني الريس
19 ديسمبر 2023

Loading