الصراع على عرش المشيخة الخليفية الأولى في البحرين (١ من ٢)

بعد وفاة أحمد بن محمد آل خليفة (زعيم القبيلة) ومؤسس المشيخة الخليفية الاولى، والذي إستمر في كل سنوات حكمه منذ العام 1783 وحتى العام 1796 (قائدآ وحيدآ من دون أي منازع) وكان بقوة حزمه وبطشه، وفرض قبضته الطاغية على جميع مفاصل الحياة السياسية و المجتمع، قادرا على توطيد دعائم حكم (المشيخة) وتعزيزها والدفاع عن كيانها المستقل عن فلك القوى والقبائل العربية الاخرى، التي قدمت له الدعم المادي والعسكري خلال مراحل ما قبل الغزو وما بعدها، في غياب الحريات والمشاركة الشعبية، وقهر كافة أطياف وقوى المعارضة الشعبية، التي توحدت وتصدت بقوة في مواجهة مسيرة الغزو المشؤوم، حيث إستطاع بمختلف وسائل القوة والعسف العام، أن يكرس جهده وقوته الذاتية من أجل التصدي لكافة التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية المحذقة، التي استهدفت إسقاط العرش والكيان السياسي، وتوحيد صفوف أفراد قبيلته في المقام الاول كمحدد رئيس لعملية استمرارها وبقائها في السلطة والحكم على امتداد عقود بعيدة من الوقت، والسير على خطى الاهداف والثوابت الاربع، التي وضعها بنفسه في الاسابيع الأولى، من بداية الغزو المشؤوم، كقاعدة واساس للهيمنة والتسلط، إنهارت بسرعة خاطفة عملية تماسك الوحدة العائلية، وتضخمت الاطماع والمشاكل السياسية والمعنوية والمصالح الذاتية بين الاقطاب الرئيسة التي ظلت تمسك بزمام الامور في البلاد، وتوحشت في مواجهة بعضها البعض وكذلك في مواجهة المجتمع البحريني برمته، وانشغل كل فرد من افرادها بكيفية تحقيق رغباته في الصعود الى سدة الحكم، التي عبرت عنها بشكل بليغ صراعاتهم الدموية المجنونة، حول من يحق له أن يرث منصب الزعيم المؤسس، ويستمر في متابعة ونجاح المسيرة.

وعلى رغم العملية الطويلة والمضنية، التي رافقت هذه القضية، وحسمت من خلالها قضية الجدل المفرطة بشأن الصراع على تنصيب الوريث الجديد للمشبخة، نتيجة ما قيل عن توافق مجلس العائلة على تنصيب الأبن الأكبر لزعيم القبيلة، سلمان بن أحمد بن محمد أل خليفة، حاكماً على المشيخة، تحت وطأة الصراعات والمشاكل الداخلية والخارجية، التي هددت مستقبل هذه العائلة واستمرار بقائها في السلطة والحكم، بعد تصعيد وتائر الخلاف الشرس على منصب ولاية العهد اللاحق، واتساع الهوة بين الفرقاء المتصارعين على الامتيازات، استمر الصراع الشديد يحث الخطى بين مختلف الاجنحة الطامحة في تسلق العرش وفرض النفود السياسي، وبرزت بينهم خلافات حادة ومشكلات سياسية محورية عديدة.

بلغت مستوى الاحتراب الحقيقي والفوضى واراقة الدم، وذلك بعد فترة زمنية قصيرة للغاية، من رحيل سلمان بن أحمد بن محمد آل خليفة، الذي حكم البلاد بدكتاتورية مفرطة، في الفترة ما بين العام 1796 و العام 1821، بالمشاركة الثنائية مع شقيقة عبداللة بن أحمد بن محمد آل خليفة، والذي إستمر طيلة ذلك الوقت يفرض ظله كشريك في السلطة حتى العام 1843، حيث تميزت فترة حكم الآخوين الشقيقين، بمختلف مظاهر الاستبداد ونهب الثروة الوطنية وممارسة الطائفية والعنصرية وبشكل خاص ضد الطائفة الشيعية، وتعزيز أساليب رفض التعاون والتشاور المطلوب مع عامة الشعب في مختلف القضايا الوطنية الملحة المتعلقة بالحياة السياسية والمعيشية اليومية، بدأت خلال تلك الفترة تدور في الأفق، مقدمات معارضة صارمة، و رحى حرب طاحنة بين حاكم المشيخة، عبد الله بن أحمد بن محمد آل خليفة، وشريكيه في سدة الحكم، خليفة بن سلمان بن أحمد آل خليفة، و بين محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة، وبين ثلاثة من أبنائه العشرة، الذي قيل بأنهم قد تمردوا عليه طمعا في الصعود إلى السلطة والتمتع بالامتيازات، وظلوا يكررون المطالبة بتنحيه عن سدة العرش، بعد وصفه من قبلهم ” بالرجل الضعيف ” و غير القادر على السيطرة على الأوضاع الصعبة في المشيخة، إضافة الى كبر سنه واعتلال صحته، وبدا الجميع ينشطون نحو عزله وإسقاط حكمه بمختلف الادوات والوسائل المتاحة والممكنة.

ولكن عندما عجزوا عن تحقيق أهدافه ومراميهم الواضحة والمعلنة نحو هذا التوجه، ووجدوا أن الوقت لم يكن لصالحهم في ظل وجود وسائل ردع وظراوة مقاومة محتملة ضدهم، لاذ جميعهم بالفرار هاربين على أعقابهم، الى منطقة الدمام في شبه الجزيرة العربية، وقد احتموا هناك عند بعض القبائل العربية، التي تحالفت معهم ووفرت لهم المكان الأمن ووعدتهم بتقديم العون المطلوب على المستوى السياسي، وحتى وسائل العمل العسكري، الذي باستطاعته أن يحقق لهم كل طموحاتهم واحلامهم وتطلعاتهم نحو الصعود إلى العرش، وكان في مقدمة جوقة الحلفاء المتعاونين معهم، فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود، الذي زودهم بالسفن والرجال المقاتلين و أدوات و معدات الحرب، ولكنهم عندما خسروا جميع معارك الحروب الضروس، التي خاضوها لاسقاط التاج من على رأس حاكم المشيخة، توجهوا جميعا نحو شبه جزيرة قطر، حيث إحتموا هناك بشيوخ القبائل العربية، الذين قدموا لهم المكان الأمن، و واجب الضيافة والدعم السياسي والعسكري، وأخذوا يستعدون لترتيب أوضاع حروبهم العسكرية اللاحقة في البحرين .

حرب (الحويلة – الناصفة)

ومن مقر إقامتهم في الحويلة (شمال شبه جزيرة قطر)، ظل يراقب أبناء حاكم المشيخة الثلاثة وأنصارهم، تطورات الأوضاع المشحونة، داخل المشيخة البحرينية، وظلوا يسعون لبناء قوة عسكرية ضخمة والعمل على تدريب الجنود المقاتلين الاقوياء الاشداء، تمهيدا لاجتياح البلاد، وصاروا يخططون لضربة عسكرية محكمة تستهدف هجوم مباغت على المشيخة، والاطاحة بعرش والدهم عبدالله بن أحمد آل خليفة، الذي ظل يدافع عن مستقبلة السياسي والسلطوي بكل شدة و شراسة، ضد أي هجوم عسكري محتمل يستهدف الاطاحة بعرشه، سواء على أيادي أبنائه الثلاثة المتمردين، أو غيرهم من القوى الاخرى الطامحة في الوصول إلى سدة الحكم.

وبعد أن إستكملوا مشروع مخططاتهم السياسية و العسكرية، أرسلوا رسائل إنذار إلى والدهم يدعونه بضرورة التخلي عن العرش بالوسائل السلمية، قبل أن يستخدموا ضده ضرورة الامر الواقع عن طريق شن الهجوم المسلح، ولكن الاخير، تجاهل جميع الاندارات و الرسائل التهديدية، ورفض الانصياع لها، في نفس الوقت الذي قام فيه، بتجهيز جيشاً مدربا ومدججاً بالسلاح، و وضعه تحت امرة وتصرف أبن شريكه الآخر في السلطة، محمد بن خليفة آل خليفة، وبمساعدة بعض أنصاره في البحرين، وعدد من القبائل العربية المتعاونة معه في شبه جزيرة قطر، الذي قد وجد فيهم النخوة والعزيمة والقوة والاستعداد بالوقوف إلى جانبه، وعندما زحفت جحافل أبنائه الثلاثة معتمدة على عامل الوقت، والقوة العسكرية والبشرية الكاسحة، نحو قلاعه ومراكز إدارته المحصنة بمختلف أدوات القتال.

تصدى لهم، قائد الجيش محمد بن خليفة آل خليفة، واشتبك معهم في معركة ضارية وحاسمة سميت في وقتها ” بحرب الحويلة ـ الناصفة” والحق بهم هزيمة موجعة وقاضية، راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى والمفقودين من الطرفين، وقد ظهر واضحا بعد نهاية المعركة الحاسمة التي انتهت بهزيمتهم الساحقة، أن الانتصار الكبير الذي تحقق على يد محمد بن خليفة آل خليفة، دفعه حاكم المشيخة عبد الله بن أحمد بن محمد آل خليفة، ثمناً باهضآ في حياته السياسية، التي لم تستمر سوى بضعة شهور معدودة من خواتيم هذه المعركة الشرسة، حيث، أنقلب عليه قائد جيشه، محمد بن خليفة آل خليفة، بعد أن وضف انتصارات هذه المعركة لاطماعه ومصالحه الشخصية، وقد دفعت به زهوة الغرور بهذا الانتصار الكبير، إلى أن يتصرف كما لو أنه الزعيم المنقذ للبلاد والعباد، وبدأ حينها يبحث عن مواقع قوة ومنافد سهلة يتسلل من خلالها إلى الجلوس على قمة العرش، وذلك بعد أن أخد يجاهر بالقول انه لولاه لما تحقق ذلك الانتصار العظيم، وأنه يعتبر صاحب الفضل الاول والاخير، في القضاء على محاولات أبناء عمه الثلاثة، التي كانت تهدف إلى تقويض العرش والسيطرة على زمام الأمور في المشيخة، وإنه يريد الآن أن يقبض الثمن البطولي الخاص الذي يستحقه، وعندما إتيحت له أول فرصة مؤاتية في هذا الشان، تمرد على صاحب العرش، و مضى يسابق الزمن من أجل عزله أو القضاء عليه بالقوة.

وعندما استكمل جميع خططه للمواجهة العسكرية المطلوبة، قام بإرسال قواته المدججة بالسلاح والعتاد والرجال الاقوياء الاشداء، لفرض الحصار على قلاع عمه المحصنة ومقرات حكمه في جزيرة المحرق متسلحا بمختلف أدوات القتال، ومستهدفا الضغط عليه لاجباره على إعلان التنازل عن العرش، تحت ماقيل انها ضرورات الامر الواقع الجديد بعد نهاية حرب الحويلة الرابحة، التي غيرت معظم الأوضاع في المشيخة، و تحت مبررات وذرائع عدم قدرة الحاكم على تحمل مسؤوليات الحكم، التي تحتاج أول ما تحتاج إلى ضرورة وجود (القائد المتمرس) والقادر على ضبط الاوضاع الفالتة من عقالها، وتحسين العلاقة المتوترة مع المجتمع، الذي عانى الأمرين من كل السياسات الطائشة المستبدة، وتوفير الأمن والاستقرار، غير أن عمه عبدالله، الذي صدمته (حالة التمرد) هذه، و التي لم يحسب حسابهاتها ونتائجها الواضحة المسبقة، مضى غير آبه بهذا الحصار القوى و المحكم الذي إشتد حول عنقه، و أصر على التمسك بالعرش، وكان يبدل كل ما في وسعه من جهود سياسية ودبلوماسية واسعة، لفك هذا الحصار الكبير، الذي ضيق الخناق عليه، ولم يبقى أمامه من خيار أخير سوى ان يحسم الامر بواسطة المواجهة العسكري، و حينها راح يطلب الدعم والمساندة، من شيوخ القبائل العربية، التي كانت قد تعاطفت معه سابقا في شبه جزيرة قطر، والتي مالبثت أن استجابت على الفور لهذا المطلب، و سارعت بأرسال طلائعها الأولى المقاتلة، إلى ساحة المعركة في البحرين، وعندما تقدمت جحافل تلك الطلائع، نحو الميدان، وحاولت أن تفك الحصار، تصدى لها، محمد بن خليفة آل خليفة، وجحافل جيشه وخاضوا معها معركة طاحنة استمرت عدة ايام، ولكنها إنتهت بهزيمة ساحقة وموجعة في خاصرة جيش محمد بن خليفة آل خليفة، حيث إضطر على إثرها الاخير، إلى الفرارهاربا مذحورا إلى شبه الجزيرة العربية، وقد إحتمى هناك عند بعض شيوخ القبائل العربية المعروفة، التي وفرت له الاقامة والمال والمكان الآمن.

ومن منفاه في شبه الجزيرة العربية (السعودية) صار يطلق أصوات الوعيد والتهديد، بالعودة إلى المشيخة، عله يستطبع أن يعيد الحراب إلى نحر عمه، و يأخد بثأرات تلك الهزيمة المؤلمة التي لحقت به، بعد أن دغدغت في مخيلته، زهوة إنتصارات (حرب الحويلة) دائما ملتصقة في أعماق فكره وجوارحه، وتبرر له دوافع الانتقام والثأر المحتوم، وتزين له الطريق في محاولاته اللاحقة لتحقيق أحلامه بالوصول إلى سدة الحكم، وبعد فترة قصيرة من إقامته في منطقة دارين بشبه الجزيرة العربية، وبعد أن تعسرت عليه فرص العودة إلى البلاد، بواسطة السلم أو عبر خيار الولوج في طريق الحروب الصعبة، غادر ارض الجزيرة العربية، إلى شبه جزيرة قطر، و كانت في استقباله هناك بعض العائلات الصديقة، التي وفرت له أرضا خصبة للتحرك نحو تحقيق أهدافه وطموحاته المنشود .
ومن هناك بدأ محمد بن خليفة ال خليفة، بترتيب أوضاع حرب العودة، وأخذ الثأرات، التي كانت تستهدف حلمه الاول والاخير وهو تربعه على سدة الحكم .

معركة (ماء الحنينية) الضروس

ومن منفاه القسري في شبه جزيرة قطر، أدرك محمد بن خليفة آل خليفة، إنه لا بديل عن تحقيق أحلام العودة إلى المشيخة، التي قضت عليها إنتصارات عمه عبدالله، والتي كرست وعززت استمرار بقائه على سدة الحكم، إلا أن يقرع طبول الحرب وفرض القتال، الذي ربما قد يفتح له الطريق لتحقيق حلمه، وبدأ يحشد من حوله أسباب الحرب والرجال المقاتلة والامدادات العسكرية اللوجستية وغيرها، وذلك بالتعاون مع بعض القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية، بإضافة الى عدد من مناصريه في شبه جزيرة قطر، في مسعى ملح لغزو البحرين، وكان يأمل من خلال ذلك تحقيق هدفين أساسيين، الاول هو الوصول إلى سدة الحكم، والثاني، هو أن تمحى من ذاكرته صورة الهزيمة المذلة التي لحقت به في (حرب الحويلة – الناصفة).

وعندما أطلق أجراس الحرب، واستعد للمواجهة القادمة، سارعت لتلبية دعوته والاصطفاف تحت رايته، قبائل البوكواره والبنعلي والنعيم، وانضم الى جوقة تلك القبائل، شقيقه، علي بن خليفة آل خليفة، المقيم في البحرين، الذي كان يشعر بالضيق من ممارسات حاكم المشيخة، والذي قيل بأنه قد لعب الدور الأبرز لتهيئة المناخ النفسي لشعب البحرين، من أجل تقبل أوضاع الحرب المحتملة، وبعد أن تهيأت له كافة الظروف الذاتية والموضوعية، واستكمل جميع مشاريع حرب تكسير العظام، أعلن عن بدء ساعة الصفر لغزو البحرين، وبعدها زحفت عساكره المدججة بالسلاح والعتاد والدخيرة الحية، تحث الخطى، نحو القلاع الذي كان يتحصن فيها عمه حاكم المشيخة، وأحكمت عليها الحصار وبدأت بعمليات تدميرها واحراقها، ثم واصلت الزحف نحو منطقة الرفاع الغربي، حيث كانت قوات عمه المدججة بالرجال والعتاد، تتمركز هناك على مشارف ومحيط بئر ماء الحنينية (1843).

ودارت بين طرفي الصراع، رحى معركة دامية ومجلجلة، إتسمت ردود أفعالها من دون أدنى شك بحافز ثأري قديم، وحقد لا يضاهيه أي حقد دفين، وقد توجت نتائجها النهائية والحاسمة، بانتصار محمد بن خليفة آل خليفة، التي عكست قوة عزيمته العسكرية الصلبة و اصراره على المواجهة والتحدي وتعويض خسارته الفادحة في (حرب الحويلة) الدامية والمفجعة، وعندما شعر بأن الهزيمة أتية لامحالة، سارع حاكم المشيخة عبدالله بن أحمد، وعدد من اتباعه وانصاره إلى الفرار هاربين جميعاً من هول المعركة الكارثية، إلى سواحل بلاد فارس، حيث قضى بعضهم هناك برهة من الزمن والبعض الآخر حاول التأقلم مع أوضاع الحياة الجديدة، وفضل البقاء في ظلها، وبعد عذاباته الطويلة في المنفى قرر، عبدالله بن أحمد آل خليفة والحلقة الضيقة من أفراد إسرته، مغادرة ايران بشكل طوعي الى الجزيرة العربية، رافعين عصا الانتقام والتهديد والوعيد باسترداد التاج التي أسقطته عن رأسه (معركة ماء الحنينية) الضارية.

ومباشرة بعد أن وضعت الحرب أوزارها، والتأكد من تطبيع الاوضاع في البلاد، أعلن محمد بن خليفة آل خليفة، نفسه حاكماً مطلقاً على المشيخة، وأصبحت أمامه مهمات وتحديات صعبة وخطيرة، في نطاق إدارة شؤون المشيخة والمجتمع، وكان من أهمها على الاطلاق، تثبيت شرعية سلطته المشكوك في أمرها، والتي انتزعها انتزاعا بفرط القوة، والعمل على تحسين الاوضاع السياسية والاجتماعية، التي تأثرت بصراعات العائلة الخليفية الحاكمة، واضطرابات المجتمع، وتحصين نفسه من التهديدات الخارجية المحتملة، ولا سيما من جانب عمه عبدالله، الذي خسر السلطة والحكم، وبلغ مرحلة شديدة من الاصرار على إستعادة عرشه بكافة الوسائل الممكنة والمتاحة، وهذا لن يكون بالامر السهل على الحاكم الجديد، الذي ورث عن سلفه جملة من المشاكل الداخلية والخارجية الصعبة و المعقدة، وبخاصة الأوضاع الاقتصادية والأمنية التي تضررت بقوة نتيجة سوء التخطيط والنهب المبرمج والمنهجي لموارد الثروة الوطنية وسرقة أراضي المزارعين البحرينيين الفقراء، وترويع الناس وحرمانهم من أرزاقهم.

ولكن بدلآ من تصحيح كل تلك الاوضاع السيئة والمدمرة، و العمل على إتخاد الاجراءات الكفيلة معالجتها واصلاحها، والسير بالبلاد والمجتمع، نحو شواطىء الامن والاستقرار، وتنفيذ المطالب الوطنية، التي ظل يطالب بها شعب البحرين، أمعن الحاكم الجديد في اتخاذ القرارات الظالمة ضد المجتمع البحريني برمته، وتفرد بكل شؤون السلطة والحكم، و قام بفرض سياسات ضريبية إضافية ظالمة بحق الجميع، بالرغم من ضرورات إحتياجاته الملحة والمطلوبة، في ذلك الوقت بالذات، إلى من يؤازره و يقف إلى جانبه، من أجل العمل المشترك على تكريس وتعزيز إدارة حكمه البائس والعاجز عن المقاومة وتحقيق الاهداف والتطلعات الكبيرة.

ولذلك فقد تميز عهده بالكثير من الاحتجاحات والاضطرابات الشعبية المتواصلة، و كذلك المنازعات القائمة في صفوف أبناء العائلة الحاكمة نفسها، وكانت أهم التحديات التي اقلقت مضجعه وشغلته عن متابعة الأمور الدقيقة والحساسة في المشيخة، هي تلك المشاكل الصعبة، التي إرتبطت بدعوات أبناء عمه عبدالله المعزول عن سدة الحكم، في المطالبة بالثأر، وبإستعادة عرش والدهم المخلوع من جديد، ولكنه في ما يبدو استطاع التغلب عليهم، بسبب عدم قدرة هولاء الرجال الانداد على المواجهة العسكرية، وعدم وجود انصار لهم مخلصين في الداخل البحريني، وعلى مستوى مشيخات الجوار، الذين يمكن أن يؤازرونهم ويدعمونهم عسكريا، ماجعل دعواتهم للقتال غير ذات معنى ويعصى عليهم توحيد العمل المشترك بينهم، حتى بدأت الأمور أمامهم غاية في التعقيد.

وفي نفس الوقت، الذي اخذ فيه تحالفهم المشترك ينفرط بشكل سريع، وصار كل فردا منهم يعقد الصفقات السياسية مع الحلفاء من القبائل العربية بشكل سري ومنفرد، وذلك من أجل تحقيق طموحاته وأهداف الوصول إلى سدة الحكم، و قد تطلب ذلك الامر منهم وقتا طويلا لاعادة مواضع الانسجام، الذي مزقته الاحقاد والفتن و الصراعات العائلية القوية، ولكن النزعات الفردية ظلت تلاحق أفكارهم وطموحاتهم، لان كل فرد منهم كان يطمح فقط في مهمة الاستحواذ على السلطة و تسلق العرش، ووعي الحاجة الملحة الى بذل المساعي الحثيثة، الى تجنبهم من خسارة الامتيازات وحوافز الحكم، ومهام الهيمنة الفئوية القوية، التي أصبحت ملتصقة دائما بفكر أجداد العائلة وأحفادها الاقدمون الأوائل و اللاحقون.

هاني الريس

1 يناير 2024

Loading