إستمرار الصراع على عرش المشيخة الخليفية الأولى في البحرين (2 من 2)

إستمر حاكم المشيخة الجديد، محمد بن خليفة آل خليفة، يمارس مهمات حكمه متفردا، وحده فقط بصنع القرار، ومهيمناً على كل مفاصل المشيخة بمعزل عن مشاورة الآخرين، حتى اؤلئك الذين فرض عليهم الانضوا تحت رايته من أتباعه، وظلوا يرفدون نظام حكمه المتغطرس بالدعم المادي والمعنوي، ممن كانت لهم طموحات سياسية وإقتصادية منشودة، متحدياً كافة العقبات والمشاكل الداخلية الصعبة، التي واجهته وبخاصة الانقسامات الحادة، التي حركت مجاري المياه الراكدة بين أجنحة الحكم المتصارعة على الامتيازات، وسط العائلة الحاكمة وبخاصة آل عبدالله، وآل سلمان، حول موازين القوى المسؤولة عن سياسات السلطة التنفيذية، وقمة الهرم المشيخي، في نفس الوقت الذي كانت تشهد فيه البلاد الكثير من الاضطرابات والاحتجاجات المطلبية الشعبية، التي كانت تعصف بكيان هذه المشيخة، وكانت المخاطر الخارجية، ولا سيما من جانب الدول الكبرى الاستعمارية الطامحة بالتوسع في المنطقة، أمثال الدولة العثمانية، وروسيا، والمانيا والمملكة المتحدة البريطانية، التي ظلت تذغدغ أحلامهم التاريخية أطماع السيطرة والهيمنة والتفرد بالقضايا السياسية والاقتصادية، حول العالم، تهدد مستقبل الاوضاع في المشيخة، وقد إستغلت حكومة التاج البريطانية فرصة التطورات السياسة والاجتماعية الصعبة، التي شهدتها هذه المشيخة، وتصاعد عوامل الخلاف والاقتتال بين اقطاب العائلة الحاكمة، وتلويح بعضهم بالاستعداد للتعاون مع قوى خارجية معروفة، كي تدخل طرفآ في معادلة الصراع المحموم بصفة الوسيط الساعي، إلى معالجة الازمات السياسية والاجتماعية الخطيرة، وإحلال السلام والوئام في البحرين و المنطقة، فتوصلت في العام 1847 مع حاكم المشيخة، محمد بن خليفة آل خليفة، اللاهث وراء دخول التاريخ كحاكم عام على مشيخة من أهم مشيخات ساحل الخليج العربي، في ذلك الوقت، الى ابرام اتفاقية الحماية العسكرية و الأمنية، التي بموجبها تقوم الحكومة البريطانية بـ “حماية حاكم البحرين ومصالحها الخاصة”، من أية مخاطر محتملة داخلية أو على المستوى الخارجي، وقد شددت هذه الاتفاقية، في صلب بنودها الاساسية على إطلاق يد الدولة (الحامية بريطانيا) في بالتدخل السافر في الشأن الداخلي البحريني، وبخاصة الأمن والتجارة والاقتصاد، وبعض التمثيل الخارجي، في حين تبقى الحكومة المحلية مناطة بحاكم المشيخة وافراد عائلته، بصفة “حكومة خدمات لاغير” وتتعهد سلطة الحماية بدرء أي خطر أو غزو، أو سيطرة عسكرية خارجية محتملة، وتعمل على ردع الاضطرابات الداخلية الخطيرة، وحل الصراعات والمنازعات بين افراد العائلة الخليفية الحاكمة، وتتقاضى في مقابل ذلك كله جزية مالية سخية من حكام البحرين، وتعهدات معلنة وموثقة من قبل الحاكم وافراد عائلته حول تحقيق كافة رغبات وتطلعات سلطة الحماية البريطانية .

لم تكن هذه الاتفاقية الاستحواذية الظالمة والمحبطة لامآل وتطلعات شعب البحرين في الديمقراطية والحرية والاستقلال والسيادة الوطنية، سوى واحدة من اتفاقيات ومعاهدات كثيرة ومجحفة فرضتها حكومة التاج البريطانية، على حكام الشيخة الخليفية المتعاقبين، والتي ما لبثت أن صارت تهدف بصورة تدريجية و مباشرة الى فرض الوصاية الكاملة والشاملة على البلاد، وتذمير قدرات وطاقات المجتمع البحريني، المتطلع إلى الأمام، وحرمانه من تحقيق اهدافة وتطلعاته في الحرية والديمقراطية والتنمية، خاصة وأنها أتت بشكل قوي ومباشر، ليس فقط على فرض هيمنة غاشمة على جميع مفاصل المشيخة، بل أيضا لتكريس جذوة صراع دائم في المنطقة لانهاك شعوبها وتقويض حدوث أي تطور سياسي و إجتماعي وإقتصادي مطلوب، أو إمكانية العمل على مد جسور وحدة إندماجية فعلية وقوية بين شعوب ساحل الخليج العربي، على مختلف المستويات و الاصعدة .

وعلى الرغم من أن حكم المشيخة، محمد بن خليفة آل خليفة، الذي إستمرت سنوات حكمه المجحفة تحث الخطى، منذ العام 1842 وحتى العام 1867، قد حظى حكمه بالحماية العسكرية المباشرة، والدعم السياسي والمعنوي، من قبل سلطة الحماية البريطانية في البحرين، إلا انه في نفس الوقت قد تعرض بقوة وشراسة، إلى العديد من الازمات والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية الداخلية، التي هزت أركان هذه المشيخة، والتي كشفت بشكل واضح وصريح عن جميع الأخطاء الفاضحة الفاحشة، التي ارتكبها هذا الحاكم الطاغية، في جميع مناحي الحياة العامة على المستوى الوطني، والعلاقات الضرورية المطلوبة لإدارة شؤون الحكم والمجتمع، فقد تذمرت قطاعات واسعة في اوساط المجتمع البحريني، من تسلطه وبطشه وجشعه، الذي أثقل كاهل البلاد بالديون، وبفرض الضرائب الجديدة على المواطنين، اضافة الى خنوعه وتقبله ضرورات الامر الواقع المفروضة عليه من قبل سلطة الحماية البريطانية في المشيخة، واللهاث الحثيث وراء المكاسب الخاصة و الامتيازات، و توقيع العديد من المعاهدات العسكرية والامنية وإتفاقيات الاذلال و الاذعان لحكومة التاج البريطانية، التي قيدت حريات الحكم والمجتمع البحريني برمته، وتركت خلفها آثاراً سلبية على الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية في المشيخة، نتيجة تغطية كامل النفقات العامة للقواعد العسكرية البريطانية المتمركزة في البلاد، وصرف رواتب المستشارين والجنود وضباط الأمن والاستخبارات وغيرهم ممن كانوا يعملون في أجهزة ومكاتب سلطة الحماية البريطانية في البحرين، الأمر الذي جعل جميع فئات وطوائف المجتمع البحريني، تقف في كتلة واحدة موحدة في وجه هذا الحاكم المتسلط على رقابهم، و الذي ظل يتمادى كثيرا في قهرهم وتجويعهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم المدنية والسياسية المشروعة .

وعندما بلغت مستويات القمع والعسف العام ذروتها الضارية على مسرح الاحداث في البلاد، وبحيث عجز الناس عن تحملها او القبول بها مطلقا، بادرت نخب و قيادات ووجهاء من مختلف الطوائف البحرينية، بتقديم لائحة طويلة من المطالب المحقة والعادلة، إلى حاكم المشيخة، من أجل معالجة بعض الاضرارالناجمة عن سوء التخطيط المركزي والتوزيع العادل للثروة الوطنية، ولكنه وللاسف الشديد، قد رفض وبكل صلافة و تهور، الاستجابة لاي مطلب من تلك المطالب المطروحة، بل على العكس من ذلك قام بحملات رادعة و تأديبية للمواطنين الذين تصدوا لسياسات التعسف والبطش، الامر الذي قاد شعب البحرين بمختلف اطيافه وطوائفه، إلى تفجير إنتفاضة عارمة كادت ان تقوض عرشه المتهاوي اصلا، باعتبار أن السكوت عن الوضع الكارثي المذل، يعني حرمان المجتمع البحريني برمته من أبسط حقوق المواطنة المشروعة، وتجويعة وتركيعه وسلب إرادته الوطنية.
ولكن سلطة الحماية البريطانية، التي كانت قد تعهدت والتزمت بحماية أمن هذه المشيخة، وكانت تراقب الاوضاع المترنحة و المتدهورة على الساحة البحرينية عن كثب، أدركت في لحظة حاسمة، خطورة الأوضاع في المشيخة، التي كادت ان تجر البلاد إلى مستنقعات خطيرة وتهدد السلم الاهلي، تصدت للأمر الواقع و المقلق قبل أن يحدث الضرر، وسارعت عبر معتمدها السامي في البحرين، على إستصدار قرار ملح و عاجل، يقضي بموجبه، إقصاء حاكم المشيخة، محمد بن خليفة آل خليفة، عن سدة الحكم، متذرعة بعدم قدرة الاخير، على معالجة الأوضاع المهزوزة و المتردية داخل المشيخة، وتذمر فئات واسعة في اوساط المجتمع البحريني من سياساته الاستبدادية والطائشة، و تجاهله لنصوص وبنود إتفاقيات الحماية المبرمة بين بريطانيا والبحرين في العام 1861 و 1867، بعد إصراره القوي على توسيع صلاحياته القانونية في إدارة شؤون الحكم و البلاد، و بناء قوة بحرية خاصة به، بقصد استخدامها لعمليات القرصنة واحتكار الثروة الوطنية لشخصه وأفراد اسرته، اضافة الى توجهاته الخارجية نحو تعزيز وتوثيق الاتصال بدول اخرى اقليمية مؤثرة في المنطقة كالامبراطوريتين الايرانية والعثمانية، ما يعني بوجهة نظر الحكومة البريطانية، انه تمادى كثيرا في وضعه، و تجاهل بصورة متعمدة قرارات حكومة التاج البريطانية ونقض الالتزامات التعهدات والاتفاقيات الموقعة بينهم، وانه بدأ يفكر ويخطط لمشاريع الاحتفاظ بكيان مستقل عن سياسات الحماية البريطانية المباشرة، ويكون تحت وصايته المطلقة، إضافة إلى قيامه بعد ستة أعوام من توقيع اتفاقية الحماية والأمن، بتحركات مشبوهة واستعدادات مسلحة من أجل اجتياح الاراضي القطرية، بسبب خلافات سياسية وثأرات تاريخية قديمة، إمتدت جذورها من العام 1867 مع عائلة آل ثاني حكام مشيخة قطر، تتعلق بالنزاع على منطقة الزبارة، التي إستولت عليها عائلة آل خليفة، عن طريق القوة وجعلتها عاصمة حكمها الابدية، قبل غزوها للبحرين، وأصبحت بعد ذلك جزءا لايتجزء من مشيخة قطر، ولاسباب أخرى تتعلق بقضايا التجارة والقرصنة، ومحاولات حكام البحرين، لتسخير أفراد من عائلة آل ثاني بتسويق تجارة اللؤلؤ لمصلحة حكام البحرين وعائلته، ويبدو أن كل هذه العوامل الموضوعية والذاتية، التي سبق ذكرها، حفزت حكومة التاج البريطانية، للقيام بحملة عسكرية منظمة ضد البحرين، تستهدف الاطاحة بحاكم المشيخة، محمد بن خليفة آل خليفة، وتغيير واقع الامور في البلاد، بالشكل الذي يخدم مصالحها الاستراتيجية، والامنية والاقتصادية والعسكرية، وفي آب / أغسطس 1868، قررت سلطة الحماية البريطانية، الاستغناء عن خدمات حاكم المشيخة محمد بن خليفة آل خليفة، وأصدرت قرارا فوريا يقضي بعزله بشكل نهائي عن سدة الحكم، وفي نلك الاثناء قامت قوات الميجر (لويس بيلي) المعتمد السياسي في منطقة الخليج، في اليوم السادس من أيلول/ سبتمبر للعام 1868، بمحاصرة كافة السواحل البحرينية، واطبقت عليها الخناق، و دكت أساطيل سفنها الحربية بالمدفعية الثقيلة والهاونات، مقار وقلاع حاكم المشيخة محمد بن خليفة آل خليفة، في جزيرة أبو ماهر، الواقعة بإحدى ضواحي المحرق، التي كانت مرفوعة على سارياتها أعلام الأمبراطوريتين الفارسية القاجارية و السلطنة العثمانية، إلى جانب علم المشيخة الخليفية المزعومة، الذي كان يتوسط هذه الساريات، وذلك في مشهد كان يؤكد على منطق التحدي و التمرد على سلطة الحماية البريطانية وسياساتها القائمة في المشيخة، وقام الضباط و الجنود البريطانيون الذين إستولوا على مقرات الحكم، بانزال جميع تلك الأعلام من على هذه الساريات، وإعطيت الأوامر الفورية لهم، باطلاق النار على أية مقاومة مسلحة ضدهم، ثم اصدر الميجر لويس بيلي، أوامره إلى الجنود البريطانيين، باعتقال حاكم المشيخة محمد بن خليفة ال خليفة، إذا ما أبدى أية مقاومة تستهدف استمرارية المعركة، و عدم الاستسلام، كما إعطيت لهم أوامر أخرى أيضا بالعمل على احراق جميع السفن التابعة لعائلة آل خليفة، الراسية في عمق السواحل البحرينية، وكان عددها في ذلك الوقت أكثر من ألف سفينة، واجبار حاكم المشيخة على توقيع اتفاقية جديدة تمنع بموجبها أي نقض لاتفاقية السلام البحري، التي تم إبرامها بين بريطانيا والبحرين، في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1820، وإجباره على دفع غرامة مالية بقيمة 25 الف دولار امريكي، وتسليم كل ما تبقى في حوزته من أسلحة ودخائر، و سفن و معدات و خرائط ووثائق رسمية، إلى قائد الحملة البريطانية، التي أوكلت إليه حكومة التاج بعد نهاية هذه المعركة، تولى زمام الامور في المشيخة، ولم يلبث حاكم المشيخة محمد بن خليفة آل خليفة، بعد هزيمته الكاسحة و الموجعة، إلا أن ينكسر و يسلم أمره للقذر، وان يختفي بعدها مباشرة عن الانظار، ثم مالبث ان غادر البلاد، و بشكل سري إلى سواحل المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية، خوفا من الاعتقال والمحاكمة والسجن، تاركا ورائه السلطة والثروة والمال والجاه والعذابات الكبيرة والقاسية، التي تسبب بها لشعب البحرين، حيث ظل بعدها على أمتداد سنوات عدة يعاني من عذابات المنافي القسرية، و يحتمي هناك ببعض القبائل العربية، التي وفرت له الملجأ الآمن وبعض فتات الموائد، و خيرته بين الالتزام المطلق بشروط الضيافة وعدم إثارة المشاكل والفوضى، أو الرحيل عن ديارها، حيث ما يشاء ويرغب .

جلسة مشاورات بين وجهاء البحرين و المعتمد السياسي البريطاني بعد إسقاط التاج عن حاكم الشيخة .

و مباشرة بعد التأكد من فرار حاكم المشيخة، محمد بن خليفة آل خليفة، إلى خارج البلاد، وتطبيع الوضع، الذي تأثر كثيرا بفوضى السياسات الخاطئة والطائشة، التقى المعتمد السياسي البريطاني في البحرين، بنخبة من أعيان ووجهاء البلاد، في جلسة يبدو أنه للتشاور حول مستقبل الوضع المتدهور في البحرين، نتيجة عزل حاكم المشيخة وفراره للخارج، و كانت قد
وصفت بأنها (ضرورية و مهمة وطارئة للغاية)، حيث بدأت تشهد – بحسب تصريحات المعتمد البريطاني لوجهاء البلاد، أوضاع المشيخة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية، مرحلة دقيقة وحساسة وحاسمة، نتيجة الفراغ الحاصل في سدة الحكم، وصدرت في نهاية جلسة المشاورات بين الوجهاء والمعتمد السياسي البريطاني في البحرين، مذكرة توقيف ووثيقة علنية صوت عليها كل من شارك في تلك الجلسة، تشجب كافة الممارسات الخاطئة والسيئة، التي إرتكبها حاكم المشيخة المخلوع محمد بن خليفة آل خليفة، بحق البلاد والمجتمع، وتؤكد على فقدان حقه القانوني بالعودة إلى حكم المشيخة، أو حتى العودة اليها كمواطن عادي، نتيجة كل ما إرتكبه من مخالفات فضيعة، و فراره من وجه العدالة الى خارج البلاد بصورة مخالفة للقوانين .

وأصدر المعتمد السياسي البريطاني في البحرين، بعد أيام قليلة من تلك الجلسة، قرارا بمرسوم يخول بموجبه شقيق الحاكم المخلوع، علي بن خليفة آل خليفة، بالجلوس على سدة الحكم، خلفا لأخيه، وباركت عدة أفراد من عائلة آل خليفة، الذين تضرروا من غطرسة ذلك الطاغية قرار المعتمد السياسي البريطاني، وطالبوا بحدوث انفراجات داخل المشيخة تنهي قصة الحصار البريطاني المحكم على البلاد، ولكن على الرغم من كل هذه الاجراءات القاسية والمذلة، التي اتخدتها سلطة الحماية البريطانية، بحق حاكم البلاد المخلوع، لم تنهي القوات العسكرية البريطانية، حصارها المفروض على سواحل المشيخة، إلا بعد أن تعهد الحاكم الجديد علي بن خليفة آل خليفة، خطيا، بتنفيد كافة الاوامر والاجراءات، التي صاغها المعتمد البريطاني موضع التنفيذ على أرض الواقع، واحترام اتفاقية آيار/ مايو المعقودة بين حاكم البحرين وحكومة التاج البريطانية، في العام 1861 التي منحت بموجبها الحكومة البريطانية حق التصرف بمقدرات البلاد والتدخل في شؤونها الداخلية والخارجية، والتي ظلت مستمرة تحث الخطى منذ العام 1880 وحتى جلاء قوات الحماية البريطانية من الخليج والبحرين في العام 1971.

وقد وصف البريطانيون، حاكم المشيخة المخلوع،ـ محمد بن خليفة آل خليفة، بأنه رجل مهووس بكرسي الحكم، و كان ماهرا في لعبة المغامرات و المخادعات و اختلاق المشاكل المعقدة والفتن، والتسبب في الانقسامات الحادة التي عصفت بكيان العائلة الحاكمة في ذلك الوقت، وحب الشهرة والمال، وقد طغت على كل صفاته أعمال القرصنة والجشع وجمع الثروة من دون وجه حق، والجهل والعصبية والمزاج المتقلب والمكر، والاستقواء باصحاب النفوذ الكبيرة، أي أنه كان يجمع في جعبته جميع موبقات السلطة الفاسدة في المشيخة .

علي بن خليفة .. ولعبة الادوار السيئة

و بعد تسلم حاكم المشيخة الجديد،علي بن خليفة آل خليفة، مهام منصبه، في بدايات العام 1868، بايعاز وبمباركة من قبل حكومة التاج البريطانية، والتي كانت صورية من دون أية صلاحيات سياسية واقتصادية مطلقة، سوى الالتزام بتقديم السمع والطاعة إلى ولي نعمته المعتمد السياسي البريطاني، من أجل كسب وده وعطفه ورعايته، ظل يرفض هذا الحاكم الصوري في كل الاوقات المطالب الشعبية المحقة والعادلة، التي كانت تدعوه إلى تحقيق العدالة والتنمية والسلام والاستقرار في البلاد، ويستمر في تمثيل الادوار السيئة والخاطئة، التي برع في اداء ادوارها جميع أسلافه الاولين، عبر خنوعهم و تبعيتهم الواسعة والمطلقة للقوى الاستعمارية الاجنبية، وحياكة المؤامرات والدسائس ضد شعب البحرين، وسحق إرادته وتطلعاته التحررية الوطنية .

وبعد بضعة شهور فقط من جلوسه على سدة العرش، فرض عليه المعتمد السياسي البريطاني، بعض الشروط والقيود الصعبة والمجحفة، المتعلقة بتوسيع السياسات الضريبية والأمنية المستمرة في المشيخة، التي أثارت نتائجها الخاطئة والسلبية حفيظة شعب البحرين برمته، وظل يقاومها بشتى الوسائل الممكنة للحيلولة من دون تنفيذ إجراءاتها على أرض الواقع، والتطلع لمواصلة العمل على تنفيذ مشاريع سلطة الحماية البريطانية، و العمل على تجديد اتقافية العام 1847، السياسية والامنية، التي أعطت المعتمد السياسي البريطاني صلاحيات واسعة ومطلقة في التصرف بالشأن الداخلي البحريني، بوصفه صاحب القرار الاول والاخير في المشيخة، وصاحب الحق المطلق باصدار قرارات ومراسيم تعيين حكام المشيخة، أو العمل على إسقاط عروشهم عندما تتطلب الضرورة ذلك، وبصورة أكبر على التغيرات المحتملة، التي يمكن أن تحدث لاحقا في البلاد، وفي كل الاحوال فقد كانت نصوص وبنود اتفاقية العام 1847 بحد ذاتها مجحفة وخطيرة ومستهترة بمشاعر شعب البحرين وتطلعات الوطنية، وكانت موظفة بالكامل لمصلحة سلطة الحماية البريطانية، بأبعادها السياسية والامنية والاقتصادية والعسكرية، التي حرمت الكيان الاجتماعي البحريني، من أبسط حقوقه المشروعة والحقت به بالغ الضرر والحرمان، رغم تصديه لها بشكل مستمر ومقاوم، بنفس المستوى الذي كان يتصدى فيه ألى النهج الطائفي والقبلي لسلطة عائلة آل خليفة الحاكمة، وذلك نتيجة وعيه الوطني المشهود وإحساسه بكافة القضايا القومية، والاستفادة من تجارب الشعوب الاخرى التي نجحت في التصدي لحكوماتها الظالمة والقوى الأجنبية، التي استعمرتها واحتلتها، واختارت في نهاية مشوار تضالاتها الناجحة طريق الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان .

وبعد مرور بضعة شهور من فرار حاكم المشيخة المخلوع محمد بن خليفة آل خليفة، خارج البلاد، أجبر المعتمد البريطاني، حاكم المشيخة الجديد علي بن خليفة آل خليفة، على توقيع اتفاقية جديدة وملزمة، تقضي بمنع الحاكم المخلوع محمد بن خليفة آل خليفة، من العودة الى البلاد تحت أية مبررات أو حجج أو ذرائع، وبموجب هذه الاتفاقية أوصدت أمام الاخير كل الابواب، التي قد تمكنه من دخول البلاد فيما بعد وبشتى الوسائل.

حرمان حاكم المشيخة المخلوع من كافة حقوق المواطنة البحرينية 

وظل، محمد بن خليفة آل خليفة، بعد خلعه وفراره وحرمانه من حق العودة إلى البلاد، كائناً مشردا تائها باحثا عن مأوى، بعد أن كان في ذات يوم زعيم قبيلة وحاكم بلد، ولم يكن أمامه من خيارات سهله، سوى أنه تسلح بالقول المأثور (يستطيع الانسان أن ينتزعك من وطنك غير أنه لايستطيع أن ينتزع وطنك من قلبك) ولذلك تفتقت في ذهنه فكرة اللجوء إلى من تبقى من أبناء عمومته في الكويت، كي يحتمي بهم ويتوسلهم العطف وتقديم المساعدة له من أجل تسهيل عودته إلى المشيخة، حتى لو انه يبقى كمواطن عادي .
و مباشرة، عندما وطأت أقدامه أرض الكويت، طلب من وجهاء ومشايخ آل الصباح، أن يقدموا له المشورة والنصح في خياراته الصعبة، التي سوف يتسلح بها من أجل العودة إلى البحرين، واذا ما تعسرت عليه الامور أن يفتحوا له ابواب المصالحة، مع شقيقه حاكم المشيخة، علي بن خليفة آل خليفة، حتى ينتهي الأمر من دون اي مواجهة دموية، وتعهد أمامهم، بأنه سوف يحترم كل نصائحهم و أقوالهم وأفعالهم، وأنه إذا ما استطاع العودة إلى البلاد، فأنه سوف يفتح صفحة جديدة من العلاقة الودية مع شقيقه حاكم المشيخة، ومع كل من تسبب في محنته وعزله وغربته عن المشيخة ، وانه لن يسعى أبدا إلى استعادة عرشه الذي خسرة، بل أنه سوف يلتزم الصمت، ولن يتحدث ابدا في السياسة، وترك الباب مفتوحاً امامهم للعمل على إتمام صفقة المصالحة المنشودة، ومن جانبهم حاول الوسطاء الكويتيين توصيل نص هذه الرسالة وبصورة سرية محكمة إلى شقيقه حاكم المشيخة، و تم ذلك من وراء ظهر المعتمد السياسي البريطاني، خوفا من أن يتخد الاخير، قرارات أصعب وأشد من بنود الاتفاق المعقود بينه وبين الحاكم الجديد على بن خليفة آل خليفة، المتعلق بقرار منع اخيه الحاكم المخلوع محمد بن خليفة آل خليفة، من العودة مرة أخرى إلى المشيخة، وتحت أي مبرر، ولذلك عندما شعر، المعتمد السياسي البريطاني، بوجود لعبة سياسية تحاك ضده من وراء الكواليس، من أجل العفو عن الحاكم المخلوع وتسهيل أمر عودته للبلاد، تصرف ضد هذه المحاولة الملتوية والمخادعة، بحزم شديد، وذكر حاكم المشيخة، علي بن خليفة آل خليفة، بكل تفاصيل القرار الواضح و الصريح، الذي صدر سابقا، بخصوص منع الحاكم المخلوع من العودة مرة أخرى إلى البلاد، وتحت أية ذريعة ممكنة، كما ذكرة أيضا بأنه ليس سوى كونه مجرد خادم يعمل لدى سلطة الحماية البريطانية، وليس بوسعه أن يتصرف وحده فقط بشؤون البلاد، ويقرر في المسائل الخطيرة من دون علم وموافقة سلطة الحماية البريطانية، التي وفرت له كل أسباب الجلوس على العرش، كما أشار له وبكل صراحة ووضوح، بأن بنود إتفاقية العام 1847 الذي تعهد باحترامها وتنفيدها بحذافيرها على أرض الواقع ، قد نصت على تجريد شقيقه محمد بن خليفة آل خليفة، من كافة صلاحياته كحاكم في المشيخة، نتيجة إقصائه وخلعه وفراره هاربا من وجه العدالة، إلى خارج البلاد، وأنه يتوجب عليه التقيد بها.

وعند كل هذه المواقف المشددة والصارمة، لم تكن أمام حاكم المشيخة، علي بن خليفة آل خليفة، أية خيارات ممكنة وجازمة، بشأن أية تسوية حاسمة حول مسألة المصالحة مع شقيه المخلوع من سدة الحكم، سوى الانصياع للاوامر التي فرضت عليه فرضا من قبل المعتمد السياسي البريطاني، الذي انبه و توعده بالويل والثبور وعظائم الأمور، اذا ما حاول الالتفاف على بنود هذه الاتفاقية، و لم ينصاع لجميع الاوامر المطروحة امامه، بمواجهة نفس المصير المحتوم الذي واجهه شقيقه محمد بن خليفه، عندما حاول الالتفاف والتمرد على الاتفاقيات التي كانت معقودة بينه وبين حكومة التاج البريطانية، وصار يتصرف بمفرده ومن دون توضيح اية اسباب، وبذلك فشلت كل محاولات ومساعي وجهاء وشيوخ آل الصباح، من بناء جسور المصالحة بين حاكم المشيخة علي بن خليفة آل خليفة، وشقيقه الحاكم المخلوع محمد بن خليفة آل خليفة، التي كانت قد ذهبت كل أحلامه وأمانيه ومحاولات عودته إلى البحرين في مهب الرياح.

وبحسب بعض الروايات التي انطلقت من السنة بعض المواطنين المعاصرين للأحداث في تلك الفترة، ان المعتمد السياسي البريطاني في البحرين، قام بالفعل بتانيب و توبيخ حاكم المشيخة علي بن خليفة آل خليفة، على ذلك التصرف (الاحمق) وهدده بعدم التسامح معه، اذا ما حاول التمرد على اي نص من نصوص المعاهدات الموقعة بينه و بين المملكة المتحدة البريطانية، وبعد هذا القرار الذي ظل يتمسك به المعتمد السياسي البريطاني في البحرين، تمت محاصرة حاكم المشيخة المخلوع محمد بن خليفة آل خليفة، في زاوية ضيقة، بعد أن قطعت عليه كافة سبل المصالحة المطلوبة، و بذلك أصبح أسمه فقط مجرد تاريخ في شجرة الأسماء الطويلة التي حكمت هذه المشيخة المشؤومة .

إغتيال حاكم المشيخة الخليفية في ظروف غامضة 

بعد أن أوصدت في وجه، حاكم المشيخة المخلوع محمد بن خليفة آل خليفة، كل الابواب و النوافد الواسعة بخصوص العودة إلى البلاد، غادر أرض الكويت، متوجها نحو موطن أجداده الاقدمون في أفلاج نجد والحجاز، لعله يجد بينهم هناك من يستطيع أن يعاضضه و يساعدة على التخلص من محنته والوصول إلى ضالته المنشودة، فلم يجد في رحاب تلك الديار، سوى إسرة واحدة من أبناء عمومته، التي رحلت هي الاخرى من البحرين، وبصورة قسرية، إلى هناك بسبب العديد من القضايا السياسية والعائلية الخطيرة، ومن بينها قضية الصراع على عرش المشيخة، وهي عائلة إبن عمه، ناصر بن مبارك بن عبد الله بن أحمد آل خليفة، الذي كان يراوده في ماسبق حلم الجلوس على العرش، ولكنه في النهاية خسر كل ما كان يتطلع له، نتيجة ردعه ومجابهته، وكان بعدها قد فر هاربا من بطش سلطة الحماية البريطانية، التي ظلت تتعقبه وتطارده بسبب ماقيل عن ممارساته الشخصية السيئة في السلطة المشيخية، وهو بالمناسبة كان من بين أبرز خصوم محمد بن خليفة آل خليفة، ومن اشد المعارضين له، عندما كان الاخير يمسك بناصية الحكم، وقد هرب حينها الى شبه الجزيرة العربية باحثا عن مأوى، وظل طوال سنوات عديدة، هناك تراوده آمال العودة إلى المشيخة، ومن بعد ذلك أحلام الوصول إلى سدة الحكم. ويبدو أنه كانت هناك صفقة مصالحة حدثت بين الطرفين (أعداء الامس) بسبب تشابه المحن والجراح والمعاناة المشتركة في ديار المنفى، و قد تمخضت نتائج هذه “المصالحة” في ما يبدو عن تحالف ثنائي مقدس خلا من بعض العوائق و الشروط الصعبة، التي قد تعيق أو تعرقل مساعي الطرفين للوصول إلى الهدف المشترك، وهو الرغبة والطموح الجانح نحو الوصول باية طريقة من الطرق إلى كرسي الحكم. وبعد أن أستكمل الاثنان مشروع المصالحة والاتفاق على الهدف المشرك، وضعوا خطة عسكرية محكمة تهدف إلى غزو البحرين و إسقاط الحاكم واحكام السيطرة المطلقة على الكيان السياسي والأرض، بواسطة القوة العسكرية المفرطة، وقد تطلب منهم ذلك الأمر وقتا طويلا جدا حتي يستطيعون ترتيب خطة الهجوم المسلح، وحتى يسمح لهم الوقت من حشد بعض شيوخ وزعماء القبائل العربية، الذين يستطيعون إمدادهم بالرجال المقاتلة والسلاح والعتاد، وصاروا بعد أن استكملوا جميع الخطط المعدة للاطاحة بالحكم، يتحينون الفرص السانحة والمناسبات، الواحدة تلو الاخرى، تمهيدا لاعلان قرع طبول الحرب المبيتة على المشيخة، و كان ذلك بالرغم من علمهم بوقوق سلطة الحماية البريطانية إلى جانب حاكم المشيخة على بن خليفة آل خليفة، بسبب التزامها بمعاهدة الحماية الأمنية للعام 1847 التي ظلت تفرض عليها حماية جميع الأوضاع في المشيخة، من حدوث أية قلاقل او منغصات او إضطرابات داخلية، أو التهديد بعدوان خارجي محتمل، ولكن في ما يبدوا أن أصرارهم على المواجهة العسكرية في ذلك الوقت كان قاطعا وحاسما للغاية، وكان قد شجعهم أكثر على الاندفاع نحو خوض (المغامرة الصعبة) التي كانوا يخشونها في السابق، بسبب التهديدات البريطانية المباشرة وغير المباشرة بالوقوف ضدهم، هو توارد الانباء العالمية عن الانكسارات البريطانية الموجعة، بعد خروج البلاد من إتون الحرب العالمية الثانية منهوكة القوة الاقتصادية والعسكرية، حيث ظلت الحكومة البريطانية متمسكة ليس فقط في محاولات الدفاع عن نفسها، بل أيضا منع أعدائها المانيا وفرنسا و روسيا القيصرية، من التطلع نحو مستعمراتها في الخليج و شبه القارة الهندية، إضافة إلى تنامي حركات الاستقلال الوطني في بعض مستعمراتها الافريقية، الأمر الذي بدد بعض مخاوفهم من تصدي القوات البريطانية المسلحة لسفتهم المحاربة المتجهة نحو السواحل البحريتية، إضافة إلى شعورهم بأن المملكة المتحدة البريطانية، التي كانت منشغلة في ذلك الوقت بالذات بقضايا إستراتيجية دولية كبيرة تتجاوز قضية سيطرة بسيطة على بلاد صغيرة مثل البحرين، لن تقف في وجههم بشدة وحزم بالغ القوة والردع، في ساعات الهجوم المباغت، وبالاضافة الى تلك الظروف الذاتية والموضوعية، التي إستفادوا منها لترتيب خطة الهجوم على البحرين، فإن عوامل أخرى لا تقل أهمية عن هذا الجانب المهم شجعتهم على عدم التراجع عن تحقيق تلك الفرصة الذهبية، وهو وجود اضطرابات داخلية قوية شهدتها البحرين في ذلك الوقت، تمثلت بقوة الرفض الشعبي العام للسياسة الضريبية الصارمة، التي فرضها حاكم المشيخة، علي بن خليفة آل خليفة، على المجتمع من أجل توسيع ثروته الخاصة وتسديد الجزية المستحقة على عائلته لخزينة سلطة الحماية البريطانية، بموجب نصوص إتفاقية الحماية والأمن الموقعة بين الطرفين، ولذلك وجدوا الفرصة سانحة أمامهم نحو الاعلان عن ساعة الصفر للبدء بالهجوم المسلح على الأراضي البحرينية. ومالبثوا بعد ذلك أن سارعوا في أواخر شهر أيلول/ سبتمبر من العام 1869 بشن هجوم كاسح على مواقع ومعاقل حاكم المشيخة علي بن خليفة آل خليفة، حيث اجتاحت طلائع قواتهم المسلحة على الارض كافة السدود والموانع العسكرية، ودكت حوافر خيولهم الهائجة جميع القلاع المحصنة، التي كان يحتمي بداخلها حاكم المشيخة وعدد من أفراد إسرته، ودمرت معظم مراكز حكمه وأطبقت عليها الحصار، و اصدروا الاوامر إلى جميع جحافلهم على قتل، أو أسر كل من كان يتجرأ على مقاومتهم ويشهرون السلاح في وجوههم، وذلك تحت سمع وبصر جنود سلطة الحماية البريطانية، التي وقفت في تلك اللحظة موقف الحياد، وصرف النظر عن اي مشاركة في المعركة، وكان من محاسن الصدف أن نشأت بين شعب البحرين المقهور الذي أثقلت كاهلة سياسات التعسف والقمع وإرتفاع مستويات المعيشة وفرض الضرائب الباهضة، التي أرهقت حياة كل مواطن بحريني، وبين محمد بن خليفة آل خليفة، الساعي بكل الوسائل الممكنة إلى إستعادة عرشه، وشريكه في الحملة العسكرية أبن عمه ناصر بن مبارك بن عبدالله آل خليفة، علاقة قسرية، وهدف مشترك، وهو تقويض حكم علي بن خليفة آل خليفة، الذي لم يستمر سوى مدة عام واحد فقط من الزمن (‪1868-1869‬) وظل خلاله يثير الرعب والقلق في نفوس شعب البحرين، ويحمله ما لا يمكن تحمله من رسوم الضرائب وصنوف التنكيل و العسف العام، التي كانت تشمل كل شي من شجر وحجر واراضي وغيرها، لان حاكم المشيخة كان بحاجة مستمرة الى الاموال الطائلة للانفاق على ملذاته ومآربه، ودفع الجزية النطلوبة لخزينة حكومة التاج البريطاني (الدولة التي طلت تتولى حمايته ورعايته) وعندما شعر أتباع حاكم المشيخة علي بن خليفة ال خليفة، بعظمة القوة المغيرة وبضعف مقاومتهم للهجوم، وخوفهم من وقوع مجزرة مهولة في صفوفهم، إنقلبوا عليه بسرعة، واغتالوه في ظروف غامضة (1869) في عملية كانت تهدف في ما يبدو إلى إيقاف نزيف الدماء وايقاف الحرب، التي أصبحت نتائجها المحسومة، في نظرهم قاب قوسين أو أدني من وقوعهم في شراك الهزيمة، التي قد تنهي حياتهم .

وقد إختلفت روايات الباحثين حول عملية الاغتيال، فمنهم من أكد على : ” أنها حدثت على ايادي شقيقه محمد بن خليفة آل خليفة، الذي كان مصممآ على إسترداد سدة العرش، حتى لو لزم الأمر اغتيال شقيقه، ورد الاعتبار لكل هزائم معاركه السابقة، في ماء الحنينية والحويلة. ومنهم من قال: بأن ناصر بن مبارك بن عبدالله أل خليفة شريك محمد بن خليفة في المعركة هو القاتل الحقيقي، ومنهم من أشار إلى أن شخصا متهورا من افراد جماعته هو من قام بقطع عنقه. ولكن في كل الاحوال فأن الرجل لقي حتفه (مقتولا بطريقة وحشية لا تصدق) وذلك نتيجة صراع عائلي مجنون على سدة العرش .

وبعد كل ما أفرزته هذه الكارثة الدموية من عملية الاغتيال، التي زلزلت التراب وحصدت فيها الكثير من الأرواح، واصلت جحافل قوات محمد بن خليفة آل خليفة، وإبن عمه ناصر بن مبارك بن عبد الله آل خليفة، قتالها الهمجي الشرس ضد من تبقى من أتباع وانصار حاكم المشيخة (المغدور) ومطاردة فلولهم المدحورة من ساحة المعركة الدموية، والتي ظل مسرحها شاهدا على وحشية القتال العنيف، وعابقا بروائح الموت والقمع المفرط وعمليات الاسر، التي طالت بعض من نجى من المدبحة، بعد أن أطلق محمد بن خليفة آل خليفة “الرجل المنتصر” في المعركة، العنان إلى أتباعه وجنوده للقيام بتصفيتهم والتخلص منهم، ورميهم للوحوش المفترسة والكلاب الضالة في المنطقة.

هاني الريس

24 فبراير 2024

Loading