رحيل محمد عبدالجليل المرباطي .. أحد الرواد الأوائل للحركة العمالية في البحرين
في يوم الجمعة المصادف 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 غيب الموت المناضل الوطني والاممي واحد الرواد الأوائل المؤسسين للحركة النقابية والعمالية البحرينية، بعد معاناة طويلة مع المرض، الذي انهك جسده وقدرته على الحركة والذي كان قد قضى جل حياته منذ ريعان شبابه، مناضلا شجاعا ومدافعا شرسا عن قضايا العمال والإنسانية، داخل البلاد وخارجها في ساحات المنافي القسرية، قبل أن يعود مع قافلة المناضلين العائدين إلى أحضان الوطن، بعد إعلان السلطة البحرينية عن قرار العفو العام الشامل في البحرين في العام 2001 .
غادر المناضل المرباطي البحرين هاربا من بطش السلطة البحرينية وقمعها وتعسفها ضد المناضلين الوطنيين والقوميين والامميين و الاسلاميين، وشعب البحرين، المطالبين بالحقوق السياسية و النقابية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، خلال فترة الانتفاضة العمالية و الطلابية الكبرى في (مارس 1965) والتي ظلت تداعياتها مستمرة تحث الخطى لمدة شهر بكامله، قبل أن تستحقها جنازير وخيول وبنادق وهراوات جنود الشرطة البحرينية وقوات الحماية البريطانية المشتركة، وتقوضها وتقتل العديد من المواطنين المنتفظين، وتعتقل الآلاف من الرجال و النساء و الشباب و الأطفال بصورة عشوائية وتدفع بهم إلى جحيم معتقلاتها وسجونها المظلمة والمعتمة، وبعد معاناة مع رحلة فراق الديار والعائلة والزملاء والاصدقاء، استقر به المقام في أحضان دمشق و بيروت، حيث ظل يقاتل هناك بصحبة رفاقه المناضلين البحرينيين المنفيين من قيادات و كوادر الجبهة الشعبية في البحرين، ونحن منهم، رافعا معهم راية النضال الوطني الشرس من أجل خدمة القضية الوطنية و القضايا القومية والاممية و فلسطين .
سنوات النضال في المنفى كانت طويلة ومتعبة ومنضنية، وكانت قاسية و شديدة على شخص كان في ريعان شبابه وتوهج أحلامه بمستقبل مشرق ومزدهر في بلاده، خاصة وان المرباطي كان قد خرج من رحم عائلة بحرينية كريمة متوسطة الحال، ولا يملك معه من المال سوى ما نذر، ولا من مسكن ياويه في بلاد الغربة، وعاش في اوائل سنوات المنفى في وضع اقتصادي صعب، وظل يسكن لعدة سنوات في بيت المناضل الوطني الرمز عبدالرحمن محمد النعيمي، الأمين العام للجبهة الشعبية في البحرين، وهو البيت التي ظلت جميع أبوابه مفتوحة على مصراعيها لاستقبال أو ضيافة جميع المناضلين البحرينيين من مختلف التيارات السياسية اليسارية والقومية والإسلامية وتقديم واجبات الإقامة أو الضيافة لهم على أحسن وجه وأفضل تقدير .
كان المرباطي رئيسا لاتحاد عمال البحرين، في الخارج ومقره العاصمة السورية دمشق، وكان مثابرا على العمل ومتحملا للمسؤولية، وكان عضوا في لجنة قيادة الخارج للجبهة الشعبية في البحرين، وعضوا في إتحاد العمال العرب و إتحاد العمال العالمي، وعضوا في لجنة التنسيق بين الجبهة الشعبية وجبهة التحرير الوطني البحرينية، التي تأسست في دمشق في حقبة سنوات التسعينات من القرن الماضي، من أجل قيادة العمل الوطني وتوصيل صوت شعب البحرين في الخارج، والتي لم يبقى من اعضائها المؤسسين الأحياء على قيد الحياة حتى الآن سوى ستة أعضاء (عبدالنبي حسن العكري و عبدالجليل صالح النعيمي وعبدالله علي الراشد البنعلي وبدر عبدالملك والدكتور عبدالهادي خلف وهاني الريس). ولكن للأسف الشديد أن إستمرار الصراعات واختلاف وجهات النظر والرؤى داخل لجنة التنسيق، حال دون استمرار عملها وانشطتها وتوقفت بشكل نهائي في أواخر التسعينات رغم الدعوات والمحاولات المتكررة من جانب عبدالرحمن النعيمي لاحيائها من جديد قبل العودة إلى البحرين .
ظل المرباطي بحق وحقيقة وفيا لمبادئه ومواقفه الصلبة وقيم ومبادئ النضال النقابي والعمالي، و الكفاح العنيد عن قضايا الحركة العمالية والإنسانية في البحرين، وعلى المستويات القومية والقارية والدولية، ويشرب من النبع التي حفرته الجبهة الشعبية في البحرين من أجل خدمة القضية الوطنية وقضايا الأمة العربية وفلسطين .
وشارك المرباطي، ممثلا لاتحاد عمال البحرين في جميع المؤتمرات والندوات و ورش العمل النقابية والعمالية التي نظمها الإتحاد العام للعمال العرب، و كذلك أيضا التي نظمتها اللجان والاتحادات العمالية العالمية، وكان صوتا مدويا في الخارج، دفاعا عن قضايا العمل والعمال في البحرين .
وكان المرباطي رفيق درب وصديق ومحب للجميع حتى من كان يختلف معه في الرؤى والافكار، وتربى على يده جيل من الناشطين النقابيين في الخارح، وكان صاحب نظرة ثاقبة للامور، وهادئ الطبع، وغزير الأفكار، ومتسامح وحسن الأخلاق وعزيز النفس ومتقشف في الملبس والطعام والمسكن، ولم تتلوث يده بالفساد، ولم يتنكر للجميل، ولم يحلم ابدا بالثراء والبهرجة والصعود للمراكز والمواقع العالية الرنانة، بقدر ما كان يحلم بسعادة الناس كرامتهم و عزتهم و تقديم العون والمساعدة لهم في جميع الامور، و بوطن حر يتسع صدره لجميع أبنائه الأوفياء و المخلصين ولا يرجف فيه الأمل .
رحم الله الفقيد السعيد المناضل العمالي محمد عبدالجليل المرباطي، وغفر له واسكن روحه الطاهرة فسيح جناته مع الخالدين، والهم أهله ورفاقه و أصدقائه و محبيه الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون
هاني الريس
18 نوفمبر 2024