خمسة أيام مزعجة في جنيف 1997 .. حسن موسى شفيعي من”حقوقي” في صفوف المعارضة إلى أداة طيعة في أيادي السلطة البحرينية

في، نيسان/ أبريل 1997، كنت أشارك في دورة تدريبية لحقوق الانسان، نظمتها الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان، في مدينة جنيف، ودعت لها كافة المنظمات الحقوقية المنضوية تحت رايتها للمشاركة فيها، وكنت أمثل لجنة الدفاع عن حقوق الانسان في البحرين التابعة للجبهة الشعبية في البحرين (وعد حاليا) في هذه الدورة التدريبية. استمرت الدورة على مدى شهر كامل، وتضمنت برنامج متكامل لكيفية العمل في مجالات حقوق الإنسان والدفاع عن قضايا الديمقراطية و الحريات .

في غضون ذلك، هاتفني الزميل عبدالنبي العكري، من دمشق، وسألني عما إذا كنت اعرف شخص يدعى، حسن موسى شفيعي؟ بحريني يعمل في مجال حقوق الإنسان في لندن، قلت له للاسف الشديد، لم أتشرف حتى الآن بمعرفته، قال، هو زميل وناشط حقوقي، ومسؤول عن مكتب المنظمة البحرينية لحقوق الانسان في لندن، وأن الرجل قادم إلى جنيف للمشاركة معنا في اجتماعات اللجنة الفرعية لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة) التي سوف تبدأ بعد أيام قليلة، وأوصيك بالاهتمام بشخصه، واستقباله في مطار جنيف الدولي، والذهاب معه إلى حيث تقيم الوفود المشاركة في الدورة التدريبية للفيدرالية الدولية في الفندق، وتحجز له بشكل مؤقت (الغرفة المسجلة بأسم عبدالنبي العكري). قلت له على الرحب والسعة، وبالفعل بعد مضى ثلاثة أيام من ذلك الحديث مع العكري ، استقبلت، شفيعي في مطار جنيف الدولي، وذهبت معه الى الفندق، التي تقيم فيه الوفود المشاركة في الدورة التدريبية، وأسكنته الغرفة التي كانت مسجلة بأسم، عبدالنبي العكري، وبعد بضعة ايام وصل الاخير إلى جنيف، وتشارك مع شفيعي في نفس الغرفة، وكانت فقط ليلة واحدة، بعدها جاء شفيعي، يلتمس مني المساعدة للانتقال إلى غرفتي، وعندما سألته عن السبب، أجاب بأنه لايستطيع الاقامة مع عبدالنبي العكري في غرفة واحدة، لان الاخير، ظل يسبب له بعض المضايقات، ولم يلتزم بتنظيف أدوات المطبخ، وغير ذلك من الحجج السخيفة والواهية، لأنني اعرف زميلي العكري جيدا فهو شخص متزن وخلوق و متواضع جدا ونظيف ويحب دائما أن يقدم التضحيات والمساعدة للاخرين، حتى لو كان ذلك على حساب نفسه.

وافقت على استضافة شفيعي لعدة أيام فقط، وبعدها يدبر أموره بنفسه، وأعطيته مفاتيح الغرفة والبوابة الرئيسية للفندق، وذلك خلافا للتعليمات، التي تمنع اعارة مفاتيح الغرف إلى غير الاشخاص المقيمين في الفندق. وبعد يوم واحد فقط من ذلك، إدعى شفيعي، بأن المفاتيح قد فقدها في مكان مجهول، و طلب مني الدهاب معه الى متجر صنع المفاتيح ونسخنا نسخة ثانية للمفتاح، ولم يمض على ذلك الأمر سوى يومين فقط لاغير، حتى فاجأني بان المفاتيح الجديدة قد نسيها في أحد الامكنة التي زارها عندما كان في طريقه الى الفندق. حينها قلت يبدو هذا الامر وكانه نسيج أحدى قصص الافلام الهندية الطويلة والمملة وغير الواقعية بالمطلق .. اجبته أنا الآن لا استطيع ان افعل لك اي شئ آخر وتصرف بنفسك .. وأكتفى بهذا الجواب ولم يعد يطلب طباعة أي نسخة جديدة. وبعد أن كان ينام في غرفتي على فراش كان مطروحا في الارض، حيث لا يوجد سوى سرير لزبون واحد فقط في الغرفة، طلب مني استعارة السرير بذريعة انه يعاني من آلام شديدة في ظهرة، ولا يستطيع النوم على فراش شبه عاري في سطح الغرفة، أو هكذا كانت حججه وتبريراته.

شيئا فشيئا، ظل شفيعي يعتبر نفسه هو الرجل المستضيف، وأنا مجرد ضيف عنده، ويتصرف بكل أدوات السكن، كما يشاء ويرغب، من دون ان يطلب الاذن. وكان يشكو دائما من شحة المال الذي هو في متناول يده. وبحسب ما جاء على لسانه، أنه سافر إلى جنيف على نفقته الخاصة من أجل الدفاع عن قضايا حقوق الانسان في البحرين، رغم أن أمكانياته الجيبية تبدو ضعيفة للغاية. بين فينة وأخرى، كان يستظيفني في المقاهي، ولكنه يظل ينتظر مني أن أدفع عنه ثمن فاتورة الحساب. حتى اتصالاته الهاتفية الخاصة، وكذلك رسائل الفاكس، التي كان يدعي ارسالها إلى مقار المعارضة البحرينية في الخارج، ظل يستخدمها بشكل مجاني عبر مكاتب منظمة (شمال جنوب) الحقوقية، التي كانت تستضيف لجنة الدفاع عن حقوق الانسان في البحرين، في مختلف مواسم دورات حقوق الانسان في الامم المتحدة، وتقدم لها كافة الخدمات. علما أننا كنا نعرف الحقيقة، بأن الرجل كان يقبض كل أثمان ما يقوم به من أتعاب من خلال ميزانية مالية سخية تقدمها له حركة أحرار البحرين الاسلامية، ومن أموال التبرعات الشعبية المرسلة من البحرين، إلى بعض الجهات، التي تناضل من أجل قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين، ومن التبرعات التي تجمعها المرحومة حصة الخميري من عدد من الشخصيات البحرينية لدعم تحركات المنظمات الحقوقية البحرينية في الخارج .

أشتكيت الى عبدالنبي العكري، صعوبات تلك الورطة، التي أوقعني في مطبها، مع شخص لا تربطني به أية معرفة مسبقة، ولا اية علاقة شخصية، ولا يمكن أن يحسن مهام التصرف، ولا يحترم إصول الضيافة. لكن عبدالنبي العكري، تمنى علي أن ألوذ بالصبر وبإستيعاب ذلك الوضع الطارىء، حرصا على استمرار روابط عمل الشراكة الحقوقية، بين اللجنه والاخوة في المنظمة البحرينية لحقوق الانسان، و كان له ما أراد وتحملت جميع الأخطاء التي بدرت من شفيعي .

كان شفيعي من نوع الاشخاص المغرمين بالترف والتزمت البرجوازي، ولكن على حساب جيوب الآخرين. بعد فترة قصيرة من الوقت سافرت الى لندن، والتقيت هناك بالاخوة في حركة احرار البحرين الاسلامية، وشرحت لهم من بين الامور التي عشتها في جنيف خلال الدورة التدريبية، وكذلك دورة حقوق الانسان في الامم المتحدة، قصتي مع مشاكل شفيعي، وقالوا أن الرجل جاء يستجديهم في موضوع الذهاب للمشاركة في إجتماعات اللجنة الفرعية لحقوق الانسان في جنيف، من أجل الدفاع عن قضايا حقوق الانسان في البحرين، وظل يكرر أمامهم بأن امكانياته المادية لاتسمح له بالسفر على نفقته الخاصة، وصرفوا له ثمن تذاكر السفر، وبعض مصاريف الجيب والاقامة في الفندق، وفي نفس الوقت كان قد حصل أيضا على مبالغ أخرى من تبرعات بعض المواطنين في الداخل، المرسلة إلى المنظمات الحقوقية البحرينية في الخارج، أضافة الى المبالغ الاخرى التي كان يتقاضاها من صندوق المنظمة البحرينية لحقوق الانسان، التي يمثل مكتبها في لندن. وعندها شعرت بان شفيعي، ليس أكثر من شخص مهووس بجمع الاموال، ولا يرحم، ولا يقدر الظروف، ولا تهمه مطلقا قضايا حقوق الإنسان في البحرين، ولا حملات الاعتقال التعسفي وحمامات الدم التي عاشها شعب البحرين خلال سنوات الانتفاضة الدستورية، بقدر ما تهمه فقط أهوائه ومصالحه وطموحاته المالية .

تأكدت كل نزوات ونوازع شفيعي، الانتهازية والانانية الذاتية، بشكل قاطع، وظهر على حقيقته الواضحة والمكشوفة، عندما عاد الرجل الى البحرين خلال مرحلة الانفتاح السياسي، مع المهرولين واللاهثين والباحثين عن المناصب الحكومية الرسمية والوجاهات، ووجد الفرصة متاحة أمامه لتحسين وضعه الاقتصادي والمعنوي، فانقلب أولا على رفيقيه الذي أسس معهما مركز البحرين لحقوق الانسان، عبدالهادي الخواجه، ونبيل رجب، ثم أنقلب على المعارضة البحرينية، التي أحتضنته وقدمت له الكثير من الرعاية والاهتمام، وراح يطعن بجسدها من الامام ومن الخلف، ويسفه بنضالاتها الوطنية، عندما فتحت له وسائل أعلام السلطة البحرينية، الابواب مشرعة على مصراعيها، من أجل (نشر غسيل المعارضة) في مقابل دعمه وتمجيدة لمشروع الإصلاح .

ظل شفيعي، الذي تخلى عن ثوب المعارضة الإسلامية (كان عضوا أو محسوبا على الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين) و كذلك الحركة الوطنية على حد سواء، وبايع سلطان جائر، وظل يقاتل بكل قوة وشراسة، من أجل تبييض صورة النظام القمعي في البحرين، في مختلف المناسبات والمنابر الاعلامية، وخلال المؤتمرات والمحافل الحقوقية الوطنية والعربية والدولية، وذلك بعد أن عينته سفارة البحرين في لندن (مستشارا حقوقيا) ومدافعا عن زيف إدعاءاتها ومزاعمها أمام المنظمات الحقوقية الدولية وفي الدورات الحقوقية في جنيف . وكمكافأة له على بدل كل تلك الجهود الحثيثة، رشحته وزارة الخارجية البحرينية، بأن يكون على رأس الهيئة أو المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان، التي شيدها حاكم البحرين الطاغية حمد بن عيسى آل خليفة، في العام 2009 والتي تقوم رسالتها على تمجيد مشاريع السلطة والحكم، والدفاع عن أخطائهما في مختلف المحافل الدولية، ولكن الوزارة مالبثت أن صرفت النظر عن ترشيحه لهذا المنصب في اللحظات الأخيرة، ولاسباب لم تكن معروفة، ولكن قيل في حينها أنها كانت ربما تتعلق بضعف شخصيته وبمستواه التخصصي الضئيل في مجالات حقوق الانسان، رغم السنوات الطويلة من عمله في هذا الميدان، ومن جهة أخرى صورته النمطية المتملقة، التي ظل يتميز بها في علاقاته مع الآخرين، وقيل أيضا بأن رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، قد رفض ان يكون هذا الرجل رئيسا للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ورفض أن يستقبله في مجلسه الاسبوعي .

كانت تراود شفيعى، أوهام وخيالات حول الحظوة، التي حضى بها الدكتور مجيد العلوي، الذي أنشق هو الآخر عن صفوف المعارضة، واحتضنته السلطة البحرينية وقدمت له مكافأة بتعيينه وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية، ومن بعدها وزيرا للاسكان، وظل يطلق بالونات الاختبار وجس نبظ الشارع البحريني، بالضبط على غرار ما فعله زميله المعارض السابق في لندن، الدكتور مجيد العلوي، الذي ظل يطلق بالونات الاختبار وجس نبط الشارع البحريني، قبل تعيينه عضوا في لجنة تفعيل ميثاق العمل الوطني، ومن ثم لجنة تشغيل العاطلين عن العمل في البحرين، ومن بعدهما نائب الامين العام لمركز البحرين للدراسات والبحوث، التابع لولي عهد البحرين، سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة، برتبة وكيل وزارة مساعد، ومرة يتحدث للمقربين منه، أن السلطة بصدد ترشيحه لمنصب مندوب البحرين الدائم في الامم المتحدة في سفارتها في جنيف، و تارة أخرى بأن السلطة نفسها شددت على أختياره أمينا عاما للمؤسسة العامة البحرينية لحقوق الانسان في البحرين، ولكنه كان مترددا في قبول هذا المنصب، ولكن كل أحلام شفيعي، في الحصول على منصب رفيع في الدولة، قد تبخرت، وأكثر ما حصل عليه، بعد كل جهوده المضنية في خدمة مشاريع الدولة الرسمية، هو بقائه (كمستشار حقوقي في سفارة البحرين في لندن) وعضوا عاديا مثل سائر الاعضاء المعينيين في المؤسسة العامة البحرينية لحقوق الانسان، و دفعت له الأموال لتأسيس (مرصد البحرين لحقوق الانسان) في لندن للعمل من أجل خدمة سجل السلطة في مجال حقوق الإنسان وتشويه صورة المعارضة البحرينية، والذي لم يستمر العمل داخله سوى بضع سنوات معدودة قبل أن يغلق نهائيا بسبب ضعف برامجه ونشاطه الحقوقي غير المثمر، وحاليا يعمل شفيعي مستشارا لحقوق الإنسان في سفارة البحرين في جنيف .

وهكذا ظلت تنهار “مبادىء” أنصاف المناضلين، وأصحاب الطموحات الذاتية والطموح المسخر لجمع الثروة، عندما تصطدم بالمصالح.

هاني الريس
6 مايو 2025

Loading