“صوته من المنفى أعلى الاصوات” المخابرات البحرينية تتهم النعيمي ب “التهريج السياسي و إثارة النعرة الطائفية في البحرين” 1995

سالت الدماء بغزارة في عموم البحرين، ونظمت الاجهزة الامنية البحرينية حملات الاعتقال التعسفي بشكل واسع النطاق وممنهج ضد رموز وقادة ونخب وقواعد الحركة الوطنية والاسلامية خلال زلزال الانتفاضة الدستورية للعام 1994، الذين كسروا حاجز الصمت ومضوا سابحين غير آبهين في وجه العاصفة الأمنية، مطالبين بعودة الحياة النيابية المعطلة على امتداد ربع قرن من الوقت، وتفعيل المواد الحيوية من دستور البحرين الشرعي، وعودة المبعدين والمنفيين، والحياة الحرة والكريمة لشعب البحرين، وفي ذلك الوقت ومن خارج البلاد في ديار المنفى، كان صوت المناضل الوطني، عبدالرحمن النعيمي، الامين العام للجبهة الشعبية في البحرين (وعد حاليا) يلعلع من دون توقف أو خوف، داعما القضية الوطنية والاحرار من شعب البحرين، الذين تصدوا لجميع المظالم غير المكبوحة من جانب السلطة البحرينة، في الندوات والمؤتمرات وفي الصحف العربية والاجنبية، يشد على أيادي المناضلين الصامدين في وجه السلطة، ويطالب الاخيرة بوقف نزيف الدماء البريئة، ومنع حملات الاعتقال التعسفي خارج إطار القانون، وتخلي الحكم عن الهيمنة الكاملة والشاملة على الحياة السياسية والاستماع لصوت الشعب وجميع مطالبه المحقة والمشروعة، والعمل على فتح الملف السياسي في البحرين، والعفو العام غير المشروط عن جميع المعتقلين السياسيين في سجون السلطة، والحكمة والمسؤولية من حاكم البلاد الا يتصرف بردود الافعال، بل ينظر إلى الامام ويعمل على تلبية مطالب شعبه .

وبتاريخ 24 آب/ أغسطس 1995 كتب النعيمي مقالة مطولة على صفحات جريدة (القدس العربي) الصادرة في لندن، يشرح فيها للعرب والعالم، أهوال الكارثة المدمرة التي مرت بها البحرين خلال الانتفاضة الدستورية، وكيف تصدت السلطة البحرينية للثائرين عليها بواسطة الحديد والنار ومن دون أية شفقة أو رحمة. وبعد أقل من اسبوع على نشر تلك المقالة الزلزالية، ردت المخابرات البحرينية عليها بنفس الجريدة، وباسم مستعار لمواطن مجهول (أحمد عبداللطيف. مواطن من البحرين) تتهم فيه النعيمي ب”التهريج السياسي وإثارة النعرة الطائفية في البحرين، وجاء ذلك تحت عنوان:”ردا على النعيمي ومغالطاته:المطلوب صدق النوايا لصالح البحرين، الافراج عن المخربين بدون محاكمات .. تهريج سياسي” .

وهنا نص مقالة المخابرات التي نشرتها على صفحات جريدة (القدس العربي) في يوم الثلثاء الموافق 29 آب/ أغسطس 1995 .

السيد رئيس التحرير ـ تحية طيبة .

بتاريخ الرابع عشر من هذا الشهر (آب/ أغسطس) وتحت عنوان”الافراج عن عدد من المعتقلين، والمطلوب حل سياسي” حول الاوضاع في البحرين، كتب عبدالرحمن النعيمي، مقالا يطالب فيه الحكومة بفتح الملف السياسي في البحرين، ويطالب بالعفو العام غير المشروط عن كافة المعتقلين السياسيين، ويطالب ايضا بالحكمة والمسؤولية من الحاكم الا يتصرف بردود الافعال بل ينظر إلى الامام .

وحقيقة الامر ان المقال حمل الكثير من الشعارات البراقة والمعاني الخادعة والمغالطات وخلط الامور وتعمد تشويه الحقائق.

فأي محلل للاحداث وأي كاتب منصف لايمكن أن يطالب أي نظام في العالم بأن يطلق سراح كل السجناء بدون محاكمات وبدون شروط مسبقة كشرط لتهدئة الامور .. وأي نظام في العالم يقبل بهذا التهديد الواضح يكون نظاما غير جدير بحفظ الامن والاستقرار في بلاده.

فهل من المنطق والحكمة أن يتم الافراج عن سجين ارتكب جريمة قتل عمدا مع سبق الاصرار والترصد .. وسجيا آخر قام أو شارك في حرق وتدمير الممتلكات العامة والخاصة واعترف بجريمته .. وهناك فارق كبير بين ان يقوم امير البحرين من منطلق كونه حريصا على لم شمل الاسرة باطلاق سراح بعض السجناء لان جرائمهم ربما لم ترق الى مستوى العمل الجنائي والاجرامي، وربما كان غرر بهم واندفعوا بدون تفكير في اعمال الشغب وبين أن يتم الافراج عن آخرين اثبتت التحقيقات والمحاكمات انهم كانوا مدركين لما يقومون به من عنف وارهاب .

وكان الاولى بالكاتب ان يكون اكثر حرصا على صالح بلاده بالترحيب بخطوة الافراج عن بعض المعتقلين باعتبارها بادرة طيبة من الحكومة وخطوة نحو تهدئة الامور بدلا من ان يدس السم في العسل ويدعي ـ ولا نعلم من أين استقى معلوماته ـ ان بعض المسؤولين في البحرين ابدوا تلميحات باستعدادهم لمسح قرى بكاملها من خريطة البحرين اذا استمرت الاحداث … وهو ادعاء باطل لايقصد منه الا الوقيعة بين ابناء البلد الواحد في وقت تقتضي فيه الوطنية ان نعمل جميعا على عدم ترويج الشائعات والاباطيل الكاذبة للمحافظة على كيان بلدنا وانجازاته وطي صفحات الماضي بكل سلبياتها .

وكاتب المقال يفصح عن اتجاه غريب لايدري احد هل يمثل فيه رأيه أم يتحدث عن آخرين، فهو يقول ان الخروج من الازمة لايتم على سبيل المثال بحل مشكلة العاطلين عن العمل .. وهو رأي يثير حقا التساؤل .. هل هناك من يكره او يعترض على حل مشكلة مثل البطالة أم أن هذه المشكلة من المفروض أن تظل باقية حتى تكون وسيلة لتأليب البعض بصفة مستمرة ضد الحكومة بدعوى البطالة.

أن العدل والحكمة يقتضيان أن نقف بجوار الحكومة مادامت هناك محاولات جادة للتصدي لمشكلة البطالة وايجاد حلول لها. فقد كان البعض منذ البداية يدعي ان سبب احداث الشغب هو تزايد نسبة البطالة .. والآن وقد جاءت الحكومة تحل هذه المشكلة فان هناك من ياتي ليقول هذه مسالة جزئية وليست كلية.. ونحن نبحث عن الحل الكلي وليس الجزئي .. وندخل في متاهات وفلسفات تؤكد انه مهما فعلت الحكومة فان البعض لن يكون راضيا لان هناك اهدافا اخرى واضحة يسعون اليها بعيدا عن ترديد شعارات الديمقراطية والبطالة .. الخ .

والكاتب يمضي بنا في مقاله في رحلة مثيرة من تهييج القراء عندما يقول ان المطلوب في البحرين ليس حشر الناس في المقابر وهم يودعون شهدائهم واطلاق الرصاص عليهم كما حدث في جنازة سعيد الاسكافي .. وهي طبعا عبارات قوية مثيرة .. “حشر الناس في مقابر” واطلاق الرصاص عليهم .. الخ .. ولكنه لم يقل لنا اي نوع هذا من الرصاص الذي اطلق على الناس ولايمتد او يصيب منهم احدا .. مادام هو نفسه لم يقل لنا ان احدا قد اصيب او قتل .. ومع ذلك يقول ان النظام قد حشر الناس في المقابر .. أية مقابر هذه .. الله أعلم .. ولكن الكاتب حريص على اثارة المشاعر معتقدا بننا حين نقرا مثل هذه الكتابات سوف نأخدها على انها امر مسلم به .. رغم انها لاتتفق والعقل والمنطق .

و واقع الامر ايضا ان الكاتب عبدالرحمن النعيمي يحاول اثارة النعرة الطائفية في البحرين بشكل مثير للتعجب حين يقول ان الحكومة سرحت اكثر من 90 في المئة من الشيعة العاملين في قوة دفاع البحرين واجهزة الامن وجلبت اعداد كبيرة من البلوش وعرب الجزيرة .. ولم تتردد في جلب عدد كبير من بعض البلدان العربية وتجنيسهم بسرعة لافتة .. وهي معلومات لايعتقد اي عاقل في صحتها .. او في امكانية وقوعها، لان الدولة لاتحاول ان تحل مشكلة معقدة مثل البطالة ليست مستعدة لان تجلب اعداد كبيرة كما يقول من بعض البلدان العربية لتجنيسهم، فالبحرين بلد صغير لاتحتمل موارده استيعاب مثل هذه الاعداد من المجنسين، بل أن العكس هو الصحيح حيث يعلم الجميع ان جزءا من خطة الحكومة لمواجهة البطالة هو العمل على بحرنة عدد كبير من الوظائف التي يقدر على شغلها مواطنون بحرينيون. ان الكاتب اختار لمقاله عنوانا لايقول فيه: ان المطلوب هو “حل سياسي” للازمة .. ونحن نعتقد ان المطلوب هو ان تكون هناك نوايا مخلصة لصالح الوطن .. كل الوطن بدلا من تضخيم الاخطاء .. وابراز السلبيات فقط واشعال الفتنة بين ابناء الوطن الواحد .. وتصفية حسابات على حساب الشعب البحريني باستغلال الشعارات البراقة .. وخداع الجماهير .. فنحن لانقبل ابدا ان نتعرض لتجربة تدفعنا في اتجاه الدولة المذهبية ـ فالتجارب التي سبقتنا في هذا الاتجاه علمتنا الا ننخدع ابدا بالاوهام لاننا وحدنا الذي سندفع الثمن .

أحمد عبداللطيف ـ مواطن من البحرين

هكذا حاول جهاز المخابرات في البحرين، أن يطعن بمصداقية النعيمي، في ما كتبه حول الأحداث الدامية والمؤلمة في البحرين التي تسببت فيها الحكومة في مواجهة الارادة الشعبية و كل تضحياته وتفانيه واخلاصه للقضية الوطنية والشعب وحرصه الشديد على اسداء النصيحة للحاكم بأن يسلك طريق الحق وان يكون عادلا منصفا مع شعبه، لا ان يكون ظالما حازما بشدة ثم يكسر ويخسر محبة شعبه ( وعلى الرغم من ذلك فلم يكن بإمكان السلطة البحرينية اخفاء الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في البحرين وحملات الاعتقال التعسفي وإصدار الأحكام بالإعدام كما جرى مع الشهيد السعيد عيسى قمبر، وتمشيط ممنهج من خلال قوات الأمن والحرس الوطني وقوة دفاع البحرين لجميع القرى البحرينية الشيعية بذريعة انها ( أصبحت مراكز ارهاب وتخريب) ولا يجب ان ننسى تصريحات ولي العهد و وزير الدفاع حمد بن عيسى ال خليفة ( حاكم البحرين الحالي) للصحافة المحلية بأنه سوف يجعل جميع المناطق الشيعية أراضٍ محروقة، ورمي الطائفة الشيعية البحرينية في البحر، اذا استمرت الأحداث، وتطورت وسائل المقاومة ضد الأجهزة الأمنية، لقد سمع الرائ العام العالمي والمنظمات الحقوقية الدولية رغم تعتيم وسائل الإعلام والصحافة العربية والدولية على بحور من الدماء الزكية التي شهدتها الساحة البحرينية خلال السنوات الأربع للانتفاضة الدستورية المباركة، وتضامنوا بكل شدة وثبات مع شعب البحرين وقضيته العادلة ونددوا بجميع الإجراءات والممارسات الاستبدادية والقمعية وتكميم الافواه وملاحقة و مطاردة الرموز والقادة وجماهير الانتفاضة الدستورية) والزج بهم في السجون .

هاني الريس
13 مايو 2025

Loading