شهر عسل الدنمارك .. في قمة الاتحاد الاوروبي

كيف يمكن قراءة رحلة رئيسة وزراء الدنمارك، ميتي فريدريكسن، للمشاركة في قمة دول الاتحاد الاوروبي، المنعقدة في يومي الجمعة والسبت ( 17 و 18 ) تموز/ يوليو 2020، والمخصصة لمناقشة ميزانية الاتحاد الاوروبي للسنوات السبع القادمة، وصندوق الانعاش الاقتصادي للدول المتضررة من كارثة وباء كورونا الفتاك،وذلك بعد مضي قرابة 48 ساعة فقط، على اتمام مراسم حفل رفافها من خطيبها المصور والمخرج السينمائي، بو تنغيبرغ، حيث بدأت بعدها قمة الفرح والانتصار لحلم الزواج ؟ وحيث نشرت على موقعها الشخصي في إنستجرام بأن ” شهر العسل ” سيكون هناك في قمة الاتحاد الاوروبي، التي ستناقش أبرز وأهم القضايا الاقتصادية، المتعلقة بدول الاتحاد ؟ فبقرارها حضور قمة الاتحاد الاوروبي، وتأجيل تتمة فرحة الاحتفال بالزواج، والتي هي قد تأجلت في السابق لفترات طويلة،كانت قد أعطت الاهمية الاولى والقصوى للمصلحة الوطنية العليا، وقدمتها على المصلحة الشخصية، في وقت كانت هي في أمس الحاجة اليه، من أجل الاستراحة المطلوبة وراحة، من عناء ضغوط العمل ومتاعب الاحتفال، ومتابعة رسائل المهنئين والمباركين باتمام هذا الزواج السعيد، والتي ردت فيه عليهم بكلام مختصر، و ودود للغاية ” شكرا على تحياتك ” .

وحيث أن هذه الخطوة، ظلت مفتوحة على كل الاحتمالات،حيث عرف عن الدنماركيين، بأنهم مغرمين بكثرة الاعتراضات والانتقادات والمبالغة في ما قد يخطىء فيه السياسيين من هفوات، حتي ولو كانت بسيطة، أو غير مقصودة في الواقع، فأنها خطوة تعتبر مثالية، وقمة في المشاعر الوطنية الجياشة، التي تصب في خدمة قضايا الشعب والوطن، وليست فقط المصلحة الذاتية الضيقة المحدودة، فغالبية الدنماركيون، يعرفون جيدا بأن ما يقال على لسان رئيسة وزرائهم، ميتي فريدريكسن، من أقوال يجري بالفعل تطبيقها بحذافيرها على أرض الواقع، وبقدر ما هو ممكن ومستطاع ومعقول، ومن دون أية مآربة، أو مداورة، أو تسويف، وقد شعرت غالبية الدنماركيين بذلك، عندما أنجزت رئيسة الوزراء، وفي غضون أقل من عام واحد، من تسلمها مفاتح الحكم في صيف العام 2019، الكثير من خطط الاصلاح، التي تعهدت بتحقيقها على أرض الواقع، في الحملة الانتخابية التشريعية الماضية، التي قادتها كزعيم للحزب الاشتراكي الديمقراطي، والكتلة اليسارية الحمراء المعارضة، وذلك على العكس مما كان قد شعر به الدنماركيون، في سابق سنوات الماضي، من تعهدات ووعود كثيرة، أطلقتها زعيمة حزب المحافظين، ليني اسبرسن، التي كانت تطمح بالوصول، إلى سدة الحكم في تلك الاوقات، ولكنها لم تحظى سوى بمنصب وزيرة الخارجية، في حكومة الكتلة الزرقاء البرجوازية بقيادة رئيس الحكومة، لارس لوك راسموسن، في العام 2010، كأول إمرأة دنماركية، تتسلم هذا المنصب، على مستوى الدنمارك، وكذلك الاتحاد الاوروبي في ذلك الوقت، والتي فقدت غالبية الدنماركيين الثقة باقوالها وأفعالها، وذلك بعد أن نشرت الصحافة المحلية غسيل بعض أخطائها الفاضحة، وتعرضها بعد ذلك لضغوط متزايدة حول عملها، تتعلق بأخلاقيات الوظيفة الرسمية، وامتناعها عن السفر، إلى أحد المؤتمرات الدولية، التي شاركت فيها الدنمارك، وفضلت الذهاب في إجازة خاصة ترفيهية داخل البلاد. ولذلك عندما قطعت رئيسة الوزراء، ميتي فريدريكسن، أجازة اتمام حفل الزواج، وذهبت إلى إجتماعات قمة دول الاتحاد الاوروبي في بروكسل، التي وضعت خطة انقاد لاكثر من 750 مليار يورو، بهدف انقاد الاقتصاد المتعثر، في عموم أوروبا، ومساعدة الدول الاوروبية المتضررة من كارثة وباء كورونا، وجدت نفسها هناك أكثر  أحتفالية وشعورا بالزهو والنصر للمطالب الدنماركية، التي كانت قد وضعتها على طاولة النقاش، وظلت متمسكة بها حتى اللجظة الراهنة، وأعطت إشارة واضحة، إلى الناخبين الدنماركيين، بانها قاتلت في هذه القمة، من أجل مصالحهم، ومصالح الدنمارك العليا .

لقد كان على رئيسة الوزراء، ميتي فريدريكسن، أن تطرح في رحلتها هذه إلى بروكسل، عدة قضايا مصيرية تتعلق بالاقتصاد الدنماركي، وكذلك الاوروبي، المتعثر في ظل أزمة وباء كورونا الفتاك، وجميع تداعياته المستمرة، والتي تواجه فيه دول الاتحاد مشاكل معقدة أكثر من الحلول، وطالبت بحصول الدنمارك على أكبر قدر ممكن من خصم المدفوعات المقررة في المفاوضات،حيث كان يتعين على الدنمارك والسويد وهولندا والنمسا ( أبقار أوروبا الحلوب ) دفع مبالغ أعلى لميزانية الاتحاد الاوروبي .

وفي تصريح صحفي مختصر، أمام الصحفيين في مطار بروكسل، يوم الجمعة 17 تموز/ يوليو 2020، وهي ترتدي للمرة الاولى ضمادة للوقاية من خطر تفشي وباء فيروس كورونا، قالت رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن :” اننا نريد التوصل إلى قرار تاريخي للاتحاد الاوروبي بشأن ميزانية السنوات السبع القادمة، ودعم صندوق الانعاش الاقتصادي للبلدان المتضررة من ازمة وباء كورونا بجميع الوسائل الصحيحة والمعقولة والمنصفة ” .

وفي تصريح آخر لصحيفة ” يولانتد بوستن ” الدنماركية، في نفس اليوم، قالت رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن :” نحن نتطلع في التوصل إلى حلول مشتركة بين جميع دول الاتحاد الاوروبي، ولا نريد أن ندفع أثمان باهضة إلى بلدان، لا تستطيع حتى اصلاح نفسها، وانها سوف تتمسك بقرار الدنمارك، بأن لا تقدم المزيد من الاموال، إلى الاتحاد الاوروبي، مما هو أكثر من المعقول ” .

واضافت للصحيفة :” موقفنا مبدئي وواضح، ولن يتغير فيما يتعلق بالميزانية، حيث نحن ملتزمون بامتلاك ميزانية أكثر معقولية مما هو مخطط له حاليا ” .

وتبلغ المساهمة الدنماركية الحالية للاتحاد الاوربي، قرابة 19.7 مليار كرونة دنماركية، تغطي ميزانية الاتحاد الاوروبي للفترة القادمة ما بين العام 2021 و 2027، وبحسب الخطة الجديدة للاتحاد الاوروبي، فأنه يتوجب على الدنمارك، أن تساهم بأكثر من 5.590 مليار كرونة دنماركية، إذا ما تمت الموافقة على الخطة، وهذا يعني نسبة 30 في المئة من الميزانية الوطنية .

هاني الريس

18تموز/ يوليو 2020

Loading