رموز دينية ويسارية في مؤتمر المعارضة الموسع في لندن بعد الاعلان عن مشروع الميثاق (١من٢)

بعد أن عكفت السلطة البحرينية على تهيئة الشارع لاقتراع كبير بـ “نعم” لمشروع ميثاق العمل الوطني .. قوى المعارضة البحرينية في الخارج تعقد مؤتمرا طارئا لمناقشة آخر المستجدات ..

في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2000، وعلى ضوء التطورات الاخيرة التي شهدتها الساحة البحرينية، بعد تدشين حاكم البلاد الجديد حمد بن عيسى آل خليفة، الذي تسلم مفاتيح الحكم خلفا لوالده الراحل عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة، ما يسمى ب ” مشروع الاصلاح ” والذي خرج من رحم مشروع ميثاق العمل الوطني، عقدت فصائل المعارضة البحرينية في الخارج مؤتمرا سياسيا طارئا بشأن التداول والتشاور في ما بينها حول آخر المستجدات على الساحة البحرينية، وكذلك معرفة ما سيؤول إليه مشروع ميثاق العمل الوطني، التي تقدمت به الحكومة كخطوة تمهيدية للمصالحة الوطنية، والتوصل إلى أفكار وخطط وبرامج ومشاريع مشتركة للمستقبل، وذلك في مبنى دار الحكمة في لندن، والتي كانت بموجب مبادرة تقدمت بها حركة أحرار البحرين الاسلامية، إلى جميع فصائل الحركة الوطنية والاسلامية، وجميع شخصيات المعارضة المبعدين والمهجرين والمقيمين في الخارج .

تناول المؤتمر عدة قضايا أساسية جوهرية ومفصلية حول مجمل التطورات السياسية والاجتماعية والأمنية الجارية بشكل حثيث في البحرين، بعد اعلان حمد بن عيسى آل خليفة، عن طرحه لمبادرة إصلاحية وميثاق عمل وطني، يكون قادرا على إعادة البلاد لمساراتها الطبيعية العادية، وينسي الناس كل آلامهم وأوجاعهم على امتداد عقود مضت، ويرفع عن كواهلهم جميع الخطايا والاخطاء التي ارتكبت في عهد والده الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة، وتسببت في مجملها بحدوث أزمة ثقة مفرطة بين الحكم والمجتمع، إستمرت تداعياتها الكارثية تحث الخطى على امتداد أكثر من أربعة عقود من الوقت، ويختصر بدوره جميع مسافات الطريق الطويلة نحو بناء دولة مدنية عصرية على غرار الدول المتقدمة في بقاع العالم .

حضر المؤتمر قرابة 40 شخصية دينية ويسارية معارضة في الخارج، وكان من أبرز هذه الشخصيات (الامين العام لحركة أحرار البحرين، الدكتور سعيد الشهابي، والدكتور منصور الجمري، والشيخ علي سلمان، والشيخ خليل سلطان، والشيخ محمد حبيب المقداد، والشيخ عبد الحميد الرضي، والشيخ أبو أيوب، وكريم المحروس، وجواد عبدالوهاب، وعبدالهادي الخواجة، وحسن موسى، وعبدالرضا أحمد، وعبدالنبي العكري وأنا (هاني الريس) ناهيك عن حزمة كبيرة من الاسماء المعروفة التي تحسب على تيارات المعارضة البحرينية المناضلة في الخارج.

وكان متواجدا في صفوف الحضور، نبيل رجب ـ بصفته ضيف على المؤتمر قادما من البحرين، ولذا لم يدرج إسمه في سجل المشاركين المعتمدين في المؤتمر، لانه جاء  من البحرين إلى لندن بناء على دعوه قدمتها له لجنة الدفاع عن حقوق الانسان في البحرين للمشاركة في ورشة العمل الحقوقية المشتركة التي نظمتها اللجنة بالتعاون مع المنظمة البحرينية لحقوق الانسان، وذلك بعد تطوعه للعمل في صفوف اللجنة، حيث كان قد بدأ معها بداية مشواره كناشط متطوع في مجال حقوق الانسان في البحرين، وكان يزودها بين حين وأخر ببعض الاخبار المتنوعة والمعلومات حول كل ما كان يحدث على صعيد الداخل في الشأن الحقوقي والاجتماعي البحريني، وذلك عبر المكالمات الهاتفية التي ظل يجريها معها على امتداد فترات طويلة عندما يكون خارج الديار البحرينية، وكان ذلك قبل أن يشيح الرجل بوجهه عن نشاط اللجنة ويتنكر لجميع أفضالها عليه بعد أن إشتد ساعده في عالم النشاط الحقوقي. كما ضل يوجد هناك في داخل قاعة المؤتمر خط ساخن عبر الهاتف المباشر والفاكس بين الدكتور منصور الجمري، الذي كان يقود الجهد المكثف والمضني لهدف نجاح عمل المؤتمر، مع الدكتور عبدالهادي خلف، في مقر اقامته في السويد، بعد أن تعذر على الأخير الحضور إلى لندن، بهدف اطلاعه أولا بأول على كل ما كان يدور من نقاش وتبادل آراء واجراءات في داخل قاعة المؤتمر، كما إرسلت له بواسطة الفاكس نسخة من مسودة البيان الختامي، التي ساهم في مراجعة كل محتوياتها، وقدم خلالها خلاصة آرائه ومقترحاته ومواقفه.

موقف صعب وشديد الاحراج :

ونظرا إلى جدية وأهمية ذلك المؤتمر، حرصت حركة أحرار البحرين الاسلامية، على مشاركة جميع المعارضين البحرينيين في الخارج، في أعمال ذلك المؤتمر، من دون النظرة إلى إقصاء أو تهميش أي أحد عن هذه المشاركة والاستئناس برأيه ومشورته، وبتفويض مباشر من جانب قيادة حركة أحرار البحرين، أجريت مكالمة هاتفية عشية انعقاد المؤتمر، مع سماحة الشيخ حمزة الديري، التي ظلت تربطني به علاقة ودية في ديار المنفى، كي أحثه على أهمية  المشاركة والمساهمة معنا في أعمال ذلك المؤتمر، ومعه السيد حيدر الستري، كونهما من الشخصيات البارزة والمؤثرة في صفوف قيادات المعارضة في الخارج.

وبعد أن تقدمت له بالتحية الاخوية، سألته عما إذا كان قد تلقى أي علم عن عزم قوى المعارضة البحرينية على عقد مؤتمر موسع وشامل، يتناول مجمل التطورات الاخيرة المتعلقة بمشروع ميثاق العمل الوطني وما سمي بـ “عهد الاصلاح “، وأجاب بالنفي، ثم قلت له حسنا إنه سيكون هناك مؤتمر طارىء لقوى المعارضة البحرينية سوف يعقد غدا صباحا في مبنى دار الحكمة وبرعاية حركة احرار البحرين، ونأمل أن تكون انت وزميلك السيد حيدر الستري، من بين المشاركين فيه نظرا لاهمية حضوركم والاستئناس بآرائكم.

قال:” انه سعيد في مفاتحته بهذا الخصوص، وانه على كامل الاستعداد ومعه زميله السيد حيدر الستري للمشاركة في هذا المؤتمر أو غيره من المؤتمرات التي يمكن أن تنظمها المعارضة البحرينية في الخارج، وانما يوجد لديهم هناك تحفظ وشرط واحد وهو أن لا تعقد مثل هذه المؤتمرات في مبنى مؤسسة دار الحكمة، وأن لا تكون تحت رعاية حركة أحرار البحرين، وعندما سألته عن السبب قال، يوجد لدينا موقف متشدد من الاشخاص الذين يهيمنون على القرار في مؤسسة دار الحكمة، ويتصرفون كما لو أن جميع مقدرات هذه الدار قد أصبحت ملكا خاصا لهم ولاتباعهم من دون غيرهم من الاشخاص.

وعلى هذا الاساس وغيره اتخذنا قرارنا الخاص والشخصي بالمقاطعة والممانعة من الحضور في مبنى مؤسسة دار الحكمة ـ وانه من الافضل للمؤتمر أن يعقد في مكان آخر غير مؤسسة الدار حتى لا يقع في فخ ومصيدة الشبهات والالتباسات، وأن حركة أحرار البحرين لديها أهداف ومآرب شتى حول الدعوة لتنظيم هكذا مؤتمر موسع في هذا الوقت.

تفاجأت كثيرا بحديث سماحة الشيخ حمزة الديري، عن مؤسسة دار الحكمة، وعن اصراره الشديد على عدم المشاركة في المؤتمر، وكذلك الهجوم الكلامي المكثف والصارم الذي شنه على الدكتور سعيد الشهابي والدكتور منصور الجمري، ومعهم سماحة الشيخ علي سلمان، في العديد من مقاطع هذا الحديث المطول، التي استغرق أكثر من ساعة وربع الساعة من الوقت، وكان يسرد من خلاله قصص وروايات تنافر ومشاكل كثيرة حدثت بينهم . وكان حينها جالسا بجواري، نبيل رجب (واعتقد انه ربما قد تسنت له فرصة الاستماع إلى بعض ما دار في هذا الحديث الطويل) وذلك في صالة الشقة السكنية التي كنا قد اقمنا فيها ( عبدالنبي العكري، ونبيل رجب، وانا ) في منطقة إجور روود، خلال مشاركتنا في ورشة العمل الحقوقية في لندن.

كنت أحاول التخفيف من ثورة الغضب والانفعال الشديد التي إنتابت سماحة الشيخ حمزة الديري، بعد أن قلت له بأن هذا المؤتمر سيعقد في دار الحكمة وانه سيكون تحت رعاية حركة أحرار البحرين، وكنت حينها أشرح له أسباب وأهمية إنعقاد هذا المؤتمر بالنسبة لقوى المعارضة والقضية البحرينية على حد سواء وضرورة تبادل وجهات النظر في ما يتعلق بتلك المرحلة الدقيقة والحساسة في تاريخ البحرين، والخروج بنتائج قوية ومهمة تتطلع لها المعارضة البحرينية وكذلك شعب البحرين بمختلف فئاته وطوائفه.

ولكنه للاسف الشديد ظل يصر على المكابرة والرفض المطلق للمشاركة العملية، وذلك ليس فقط تحت ذريعة ان المؤتمر سيعقد في مبنى مؤسسة دار الحكمة، بل وانه قد تمالكه الشك في قدرة المؤتمر على أن يكون مؤشرا للظهور بأي نتيجة ايجابية يتفق حولها الجميع، لأن حركة احرار البحرين، لا تريد أن تعطي الفرصة للآخرين أن يفكروا ويقترحوا ويقرروا ما يشاؤون بخصوص الاوضاع في البحرين، إذ انها أخذت تصور لنفسها منذ بداية الانتفاضة الدستورية على انها وحدها فقط من يستطيع أن يقود خيار الطائفة الشيعية، وكذلك الشارع البحريني برمته، ومن حقها الآن ان تتصرف بماء تشاء وترغب، وأضاف سماحة الشيخ الديري مستدركا:” ولذلك فان عقد ذلك المؤتمر لن يكون أكثر من مجرد لعبة ومضيعه للوقت”.

قلت إلى سماحة الشيخ الديري: لكن الشيخ علي سلمان، وهو أحد الاشخاص الثلاثة الرئيسيين الذين قاطعوا مؤسسة دار الحكمة، وكانوا يرفضون الذهاب إليها، بسبب كثرة الخلافات الشديدة التي حدثت في ما عرف بصراع الدكاترة الثلاثة ( سعيد الشهابي ومنصور الجمري ومجيد العلوي ) والشيوخ الثلاثة ( علي سلمان وحمزة الديري والسيد حيدر الستري ) حول ممتلكات مؤسسة الدار وسياسة ادارتها ومصادر تمويلها، وذلك عندما إتصلنا به ليلة البارحة وطرحنا علية موضوع المؤتمر أعطانا وعدا قاطعا بالحضور والمشاركة فيه.

أجاب الشيخ الديري: الشيخ علي سلمان، قد يكون هو حرا في تصرفه وسلوكه، وأن باستطاعته الحضور كشخصية مستقلة، ثم أستدرك قائلا: ومع ذلك لم أستبعد أبدا بأن يكون (الشيخ علي سلمان، قد اعتبر المؤتمر أمرا واجبا عليه حاليا ودخل شريكا في اللعبة) وحينها قاطعت كلام سماحة الشيخ الديري، وسألته عن أي لعبة تتحدث ياشيخ؟

أجاب:”  اللعبة التي كانت قد رسمتها وخططت لها حركة احرار البحرين، سعيا وراء الظهور الاعلامي اللافت الذي يمكن أن يضعها في مقدمة حركات المعارضة البحرينية التي أخذت تقود مرحلة نضال الحركة الدستورية، سواء على مستوى الخارج أو الداخل، وهو ما يعكس رغبتها بوضوح في عدم التوجه المطلوب نحو العمل الوطني الجامع والمشترك بين مختلف فصائل الحركة الاسلامية والوطنية، وقد وقع الشيخ علي سلمان، في كمين تلك اللعبة بوصفه كطرف محايد في المؤتمر.

ثم أردف سماحة الشيخ الديري قائلا:” في كل الاحوال، بأسمي ونيابة عن زميلي السيد حيدر الستري” نتقدم لكم وللمؤتمر ببالغ الشكر الجزيل على دعوتكم لنا للمشاركة في المؤتمر واننا في نفس الوقت نتقدم لكم ببالغ تأسفنا واعتذارنا عن الحضور معكم في دار الحكمة، وهذا يكفي.

وبعد أن سمعت من سماحة الشيخ الديري كل هذا الحديث الطويل والمشحون بالانفعال الشديد، لم يعد لدي ما قد أقوله لسماحته بهذا الصدد، سوى أن كررت له القول بأن المؤتمر يجب أن يلقى المساندة ودعم الجميع وهو أمر مهم للغاية من أجل خدمة القضية الوطنية، وأن مؤسسة دار الحكمة يجب أن لا تكون عائقا شديدا في وجه من يريد أن يضحي من أجل تلك القضية، وكما هي ليست الدار التي تخص فقط حركة احرار البحرين، بقدر ما هي تعتبر بمثابة مشروع وقف مشترك اجتماعي ومركز ثقافي وملاذ آمن لجميع أبناء البحرين المتواجدين في لندن.

وإلى هذا الحد توقف الحديث بيني وبين سماحة الشيخ حمزة الديري، بعد أن وجهت له بالغ التحية والتقدير لوضوح موقفه وصراحته، مع إنني كنت أتمنى عليه وزميله السيد حيدر الستري المشاركة معنا في هذا المؤتمر، بوصفهما قطبين أساسيين من أقطاب المعارضة البحرينية المناضلة في الخارج، ولديهما الكثير من الفكر النير الذي يمكن أن يتحدثوا فيه تجاه القضية الوطنية .

الحلقة القادمة .. كيف كان القرار الحكيم الذي إختاره سماحة الشيخ علي سلمان، حول المشاركة في المؤتمر .. وماذا قال عنه عبدالرحمن النعيمي ؟ .. وماهي حزمة الخطوات والمقترحات والتوصيات الكثيرة، التي صدرت في طيات البيان الختامي للمؤتمر .

هاني الريس

8 تشرين الأول/أكتوبر 2021

Loading