رموز دينية ويسارية في مؤتمر المعارضة الموسع في لندن بعد الاعلان عن مشروع الميثاق (٢من٢)

القرار الحكيم الذي اختاره سماحة الشيخ علي سلمان، حول المشاركة في المؤتمر الموسع للمعارضة البحرينية .. وماذا قال عنه عبدالرحمن النعيمي؟ وماهي أهم القرارات والتوصيات التي صدرت في البيان الختامي للمؤتمر؟

ربما يفهم من اصرار سماحة الشيخ على سلمان، على المشاركة في المؤتمر الموسع للمعارضة البحرينية المنعقد في مبني مؤسسة دار الحكمة في لندن في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2000، بعد مرور قرابة ثلاث سنوات من قرار مقاطعة مؤسسة الدار مع زميليه الشيخ حمزة الديري، والسيد حيدر الستري، بانه قد أسقط من حساباته جميع الخلافات التي حدثت بينه وبين الامناء الثلاثة لمؤسسة دار الحكمة، بسبب السياسة الادارية والاقتصادية للدار، من حيث انه قد راجع نفسه بالطريقة المثلى للتسامح والتعامل مع الآخرين بالنية الحسنة والمخلصة والصادقة، وفضل عدم شخصنة هذه المسألة على الاطلاق، وأثبت من خلال ذلك أنه ليس الشخص الذي يبحث عن الخصومات واختلاق المبررات العقيمة، وانما الشخص الذي ينظر إلى الآخرين بروح الاخوة الحقة والصادقة، والذي ينظر إلى الأمام بشغف من أجل خدمة القضية الوطنية العليا، التي تحتاج إلى وحدة الصف ووحدة الكلمة ومفهوم العمل المشترك والمصير الواحد في جميع الظروف الصعبة والحساسة.

ولم يكن في وارد نيته غير الولوج في نهج التوافق والاعتدال، وهذه ظلت هي إحدى الصفات الجليلة والحميدة التي تميزت بها شخصية سماحة الشيخ علي سلمان المتزنة والمعتدلة والصبورة، وقدرته على معالجة المشكلات المعقدة والصعبة بروح الأخوة والشفافية والتسامح والعفة.

ولا زلت أتذكر ما قاله لي، عبدالرحمن النعيمي في ذات يوم، بأن الثقة تبقى عالية بقدرة الشيخ علي سلمان، على معالجة المشكلات الحساسة والصعبة التي يمكن أن تواجه تحالفات المعارضة البحرينية، إذا ما قدر لها أن تشرع في طريق التوافق والاعتدال، وتعمل على تأسيس مشروع وطني مشترك يتطلع له الشعب، ولما لا فهو شاب طموح ورجل دين معتدل ومتواضع وذو عقلية متفتحة ومطلعة ويتمتع بذكاء سياسي قل نظيره في صفوف القادة السياسيين الجدد في البحرين، حيث كنت قد سمعت منه هذا الكلام عندما كنا نتبادل الحديث معا حول فكرة تأسيس مشروع جبهة وطنية عريضة وموحدة تضم جميع فصائل الحركة الوطنية والاسلامية وقوى التغيير في البلاد، وذلك على غرار هيئة الاتحاد الوطني التي دشنت في حقبة سنوات الخمسينات من القرن الماضي، والتي كانت قد احتضنت جميع قوى التحرر الوطني والطوائف البحرينية، والتي ظلت فكرتها راسخة في فكر النعيمي وحلمه وتطلعه، منذ ذلك الوقت وحتى بعد أن فارقت روحه الطاهرة الحياة الدنيا، بحيث انه ظل يطرح شعار ضرورة قيام جبهة وطنية عريضة في البحرين، وبصورة مستمرة في جميع جلسات ولقاءات المعارضة البحرينية، ويحث الجميع على ضرورة العمل من أجل النهوض بها وتشييد اسسها ومعالمها على أرض الواقع، وفي أسرع وقت ممكن، لانه ظل يعتقد في قرارة نفسه، بأن أي مماطلة أو تأخير سوف يدفع حتما إلى استمرار تباينات واختلاف وجهات النظر وصراع المواقف المبدئية على صعيد تيارات المعارضة، والتي هي بأمس الحاجة إلى التكاتف والتضامن الجوهري، لاسيما أن السلطة البحرينية أخذت تستقوي وبكل شراسة بهشاشة وضعف وخلافات وتشتت قوى المعارضة.

وكنت حينها قد أبديت له خشيتي من دور وقوة نفود رموز التيار الديني العقائديين المتشددين والمتزمتين للغاية الذين أخدوا يحكمون سيطرتهم الروحية والابوية المطلقة على جميع اتباعهم وانصارهم ويصدرون لهم الفتاوى الدينية، والذين هم يأخذون في المغالاة المتشددة جدا في مواقفهم تجاه اليسار التقدمي بشكل عام، ويحاولون فرض النفود والشروط على أشكال التحالفات السياسية الوطنية، وقلت له أنهم من خلال تعصبهم لشخوصهم ومواقعهم وتوجهاتهم العقائدية والفكرية وشكوكهم المدفوعة بعوامل الخوف من اليسار، ربما يكون باستطاعتهم وضع العصا في الدواليب ويعرقلون أية مساعي حميدة وهادفة لتأسيس مشروع جبهة وطنية عريضة وموحدة في البحرين، ومن هنا ربما قد تكون فرص التوافق والتلاحم والانسجام بين الدينيين واليساريين البحرينيين تبقى مشوشة وضئيلة للغاية، ولكن عبدالرحمن النعيمي، أصر على القول، بأنه ليست لديه تلك الخشية الكبيرة من ذلك الأمر وانه ” يوجد هناك من بين القوى الدينية، من نستطيع أن نتكلم معه ونتوافق معه في القضايا المصيرية الوطنية ” وانه على الرغم من أن رجال الدين يظلون يحملون رسائل روحية ومواعظ فقهية واجتهادات للمجتمع، فانهم في نفس الوقت يبقون ضليعون في فهم أمور السياسة والحقوق المدنية العامة.

ولذا فانه لابد أن يكون هناك في الأفق بصيص أمل قد يخدم مشروع التوافق والانسجام والتعاون التام بين مختلف القوى اليسارية والدينية، التي تتطلع إلى الامام وإلى بناء مقومات ومرتكزات تشييد الدولة المدنية الحديثة، وبحيث انه لايمكننا أن نتجاهل أو نرفض الاصوات الكثيرة من المتنورين الدينيين الذين يتوقون للقيام بخطوات واسعة في هذا المضمار ولديهم الروح القومية والنضالية النهمة لخدمة القضية الوطنية، ويشعرون بأن عليهم أن يقوموا بدور في تكريس وتعزيز أواصر الوحدة الوطنية، ولذلك يجب الاستفادة من أية فرصة متاحة للتشاور والتعاون معهم لايجاد الحلول الكفيلة بمواصلة الدرب لخوض معترك النضال الوطني المشترك من أجل قيام الدولة الدستورية المنشودة، وهكذا يعتبر كلام النعيمي، تأييدا رائعا واعتزازا من جانبه بسماحة الشيخ علي سلمان، الذي برز في عالم السياسة أبان سنوات الانتفاضة الدستورية في تسعينيات القرن الماضي حيث كان الرجل يتقدم الصفوف الامامية للمناضلين والثائرين ضد سياسات السلطة البحرينية الاستبدادية القمعية.

وظل في الاعوام التي تلت هذه الانتفاضة الشعبية يدفع الثمن غاليا لصموده في وجه الظلم ومطالبته بالاصلاح والحكم الدستوري الحقيقي والجوهري، بأن يمضي سنوات طويلة في غياهب السجن، التي حصل عليها أثناء فترة الاعتقالات التعسفية ضد القادة الوطنيين بعد حراك الرابع عشر من شباط/ فبراير 2011 حيث اعتقل الشيخ علي سلمان، الأمين العام لجمعية الوفاق الاسلامية، بتهمة التحريض على العنف والتخابر مع دولة خليجية جارة ” دولة قطر ” ولكنه أعلن خلال المحاكمة الجائرة التي ادانته في تلك القضايا المزعومة بانه كان كبش فداء، وأصر على انه بريء من جميع تلك التهم المفتعلة والملفقة، ووصف المحاكمة بانها غير نزيهة وغير قانونية، وانه كان يناضل من أجل قضايا حقوق الانسان في البحرين والمصلحة الوطنية العليا.

جدول العمل والبيان الختامي :

افتتح المؤتمر بتلاوة من آيات الذكر الحكيم، ومن بعدها وجه المشاركون فيه التحية البالغة لنضالات شعب البحرين وتضحياته وقوة صموده في وجه السلطة البحرينية المستبدة، وكذلك تحية تقدير واجلال لكوكبة الشهداء الابرار الذين سقطوا في ساحات النضال الوطني دفاعا عن القضية والشعب، واستمر جدول أعمال المؤتمر يحث الخطى على مدى جلستين صباحية ومسائية، ترأس الجلسة الاولى الصباحية، سماحة الشيخ علي سلمان، وهي الجلسة العاصفة، التي استعرض فيها غالبية المشاركين أهم وآخر التطورات في البحرين، وأهداف وتطلعات ومآرب المشروع الاصلاحي والجدوى والنتائج المرتقبة بعد تدشين مشروع ميثاق العمل الوطني، الذي اطلق عنانه من القمقم حاكم البحرين الجديد، حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، والاوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحقوق المدنية التي ظلت متردية ومؤسفة للغاية في ظل أحكام قانون ومحاكم أمن الدولة.

وكذلك انشاء مجلس الشورى البديل عن المجلس الوطني المنتخب، الذي تم حله خلافا للقانون وبشكل قسري بقرار بمرسوم أميري في العام 1975 ولجنة ميثاق العمل الوطني المعينة بكامل اعضائها من جهة الحكم، والتي كانت تضم العديد من الشخصيات الاجتماعية ورؤساء جمعيات المجتمع المدني والنفع العام، المعنية بدراسة مفاصل المهام الرئيسة الاولية في مشروع الميثاق، وبما في ذلك قضايا المعتقلين والموقوفين على خلفية أحداث الانتفاضة الدستورية وقضية المبعدين والمنفيين، حيث رأى المشاركون في المؤتمر، أن المهمة كبيرة ومعقدة، وأن مشروع الاصلاح، الذي فصله حاكم البحرين الجديد، على مقاسات قامته، لايمكن له أن يلبي بشدة كافة التطلعات والمطالب الاساسية الجوهرية، التي ناضلت واستشهدت من أجلها أجيال من شعب البحرين، بقدر ما يمكن له أن يحفظ ماء وجه النظام السياسي، الذي تمرغ عبر عقود طويلة من الوقت في وحل الانتقادات والاعتراضات المحلية والدولية بسبب غياب الديمقراطية وحقوق الانسان، واستطاع بفرض القوة المطلقة والغاشمة، أن يكرس ويعزز هيمنته الفئوية الواحدة على جميع مفاصل الدولة والمجتمع، ومن دون أن يجد هناك من يردعه أو يحاسبه على جميع عيوبه واخطائة وأفعاله المشينة والفاحشة .

وترأست أنا (هاني الريس) الجلسة الثانية المسائية للمؤتمر، بناءا على طلب تقدم به سماحة الشيخ علي سلمان، بشكل شخصي لكي أنوب عنه في ترأس تلك الجلسة، ولم يعترض أحدا على ذلك الأمر، سوى أن أحد الاخوة المشاركين قد اقترح بأن يستمر سماحة الشيخ علي سلمان، في تصدر عمل الجلسات حتى النهاية، ولكن سماحة الشيخ على سلمان، أصر على موقفه بأن يترك لي المجال لكي آخذ مكاني للنيابة عنه في تصدر تلك الجلسة، والتي كانت قد استغرقت الكثير من الوقت نظرا ليس فقط حيال طرح العديد من المداخلات المعقدة والطويلة بشأن النظر في جميع القضايا المتعلقة بمشروع الميثاق والسياسة الجديدة للحكم، بل أيضا ما يمكن للمعارضة أن تقدمه من مشروع وطني متكامل لحل جميع الصعاب والمشاكل التي يستوجب عليها معالجتها في حال الممانعة أو اتخاد قرارها المعلن بشأن موضوع الرجوع إلى البحرين واستكمال مشروع النضال السياسي في الداخل، وكنت كثيرا أعتز بثقة سماحة الشيخ علي سلمان، في شخصي، وفي العلاقة الاخوية الحميمية التي جمعتنا لسنوات طويلة تحت راية النضال الوطني المشترك في ساحات المنافي القسرية، وقد تقدمت له ببالغ الشكر الجزيل على موقفه الأخوي النبيل، وكذلك دعوته لي في اعتلاء المنصة الرئيسية للمؤتمر .

في ختام هذا المؤتمر، أعلن المشاركون عن البيان الختامي، وسلسلة طويلة من المقترحات والتوصيات المهمة، والتي كان من أبرز وجوهها على الاطلاق، ضرورة التمسك بالثوابت الوطنية الاصيلة وبدستور البحرين العقدي للعام 1973 والعمل على تشييد دولة برلمانية دستورية قوية، ونظام عادل ورفاهية الشعب، وتأكيد السيادة الوطنية والاستقلال عن أية عوامل خارجية، والاسراع في معالجة كافة القضايا الصعبة والمعقدة التي ظلت معلقة عبر عقود وسنوات طويلة وتضرر من خلالها المجتمع، ومنع كافة أشكال التمييز وتوفير جميع الفرص الاجتماعية والعمل للمواطنين، وتبييض السجون والمعتقلات في البلاد وتعويض ضحايا القمع والاضطهاد السياسي، والاعتذار الرسمي لجميع عوائل الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن الوطن والأمة.

ووضع نهاية ملزمة للسلطة للاقلاع عن نهج الماضي القمعي، ومحاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الانسان، والغاء قانون ومحاكم أمن الدولة السيء الصيت والذي بسببه تم قرار حل المجلس الوطني المنتخب وعطلت جميع المواد الحيوية من دستور البحرين الشرعي للعام 1973، واعادة الاعتبار للمجلس الوطني المنحل أو اجراء انتخابات جديدة حرة ونزيهة بحسب مواد ونصوص دستور البلاد الشرعي، واشاعة السلام والوئام للمجتمع، وعقد مؤتمر موسع لجميع أطياف المعارضة في الداخل والخارج، يكون إما في دمشق أو بيروت، حيث يفسح في المجال مشاركة الامناء العامين لفصائل المعارضة البحرينية، الذين تعذر عليهم الحضور إلى لندن (عبدالرحمن محمد النعيمي، والشيخ محمد على المحفوظ) بسبب عدم حصولهما على تأشيرات السفر إلى المملكة المتحدة البريطانية في ذلك الوقت، وذلك من أجل وضع خطة عمل وبرنامج وموقف متماسك في صفوف المعارضة حول القضية الوطنية في ظل الميثاق، وقد رشح المؤتمر أربع شخصيات لاعداد وصياغة برنامج عمل المؤتمر القادم المقترح، وهم سماحة الشيخ علي سلمان (مستقل)، والدكتور سعيد الشهابي (الامين العام لحركة احرار البحرين الاسلامية)، والشيخ عبدالحميد الرضي (رئيس مجلس الشورى للجبهة الاسلامية لتحرير البحرين)، وهاني الريس (لجنة التنسيق بين الجبهة الشعبية في البحرين وجبهة التحرير الوطني البحرينية) ولكن نظرا لتسارع وتيرة التطورات السياسية الجديدة في البحرين، وتسابق جحافل المبعدين والمهجرين البحرينيين في الخارج على العودة إلى البلاد، كما لو أن أبواب “الجنة البحرينية” الموعودة قد شرعت على مصراعيها إلى استقبالهم واحتضانهم ورعايتهم، وذلك بعد عزم السلطة البحرينية على تجسيد واقرار مشروع ميثاق العمل الوطني المصطنع، واعلان قرار العفو العام الشامل وغير المشروط، قد حال من دون اتمام تلك المهمة الكبرى، التي كنا نعقد عليها الآمال الكثيرة والتطلعات الكبيرة نحو تماسك وتضامن ووحدة قوى المعارضة في الخارج، وقول كلمتها الفصل في موضوع العودة الجماعية المشتركة أو الفردية إلى الوطن، والعمل على أعداد برنامج وطني متكامل وشامل للمرحلة النضالية القادمة، ودفع تعويضات مالية لجميع العوائل والافراد من المبعدين، وعوائل الشهداء، والغاء كافة الاحكام الصادرة على جميع السجناء السياسيين، والغاء قانون ومحاكم أمن الدولة، وتبييض السجون والمعتقلات، وتفكيك وحل جميع اجهزة الدولة السرية، ومحاسبة المتسببين في قتل الناس خلال الاحداث الدامية والمؤلمة، التي استمرت سنوات طويلة، واستشهاد المواطنين تحت وطأة التعذيب خلال جولات التحقيق في مراكز الأمن والمعتقلات والسجون في البحرين، وكنا نرى في ذلك فرصة ذهبية قد لا يمكن تعويضها بأي ثمن لجميع قوى المعارضة البحرينية، اذا ما تعثرت هناك في الافق أية عملية اصلاحية حقيقية جوهرية، ويأخذ كل ذي حق حقه، ولكن للاسف الشديد ان جميع تلك الآمال والتطلعات الكبيرة المنشودة قد بقيت محبطة للغاية في النهاية، إذ أن النظام البحريني قد أشاح بوجهه عن الجميع بعد أن استكمل بناء مشروعه السياسي الجهنمي، وتفرد بكافة قرارات الدولة والمجتمع، وضرب بجميع وعود واحلام ونصوص وبنود مشروع ميثاق العمل الوطني بعرض الحائط .

هاني الريس

21 تشرين الأول/أكتوبر 2021

Loading