مبادرة “ملكية” طيبة في البحرين ولكن ماذا بعد ؟

لمناسبة احتفاله بيوبيله الفضي لتوليه زمام الامور في البحرين، وتزامنا مع عيد الفطر لهذا العام 2024، أصدر حاكم البلاد حمد بن عيسى آل خليفة، قرارا بالعفو عن 1584 سجينا من المواطنين البحرينيين، الذين تم اعتقالهم على خلفية الحراك الثوري في العام 2011 ومن المطالبين باطلاق الحريات المدنية العامة والتغيير الحقيقي والجوهري في البلاد، بعد سنوات قاسية ومدمرة عاشها المجتمع البحريني برمته، في ظل ما سمي “بالمشروع الاصلاحي” التي تحولت بموجبه البحرين من دولة مراقبة أمنية إلى مملكة .

وبحسب تعبير “وكالة الأنباء البحرينية” الرسمية، فان مرسوم “العفو الملكي” عن 1584 سجينا من المحكومين في قضايا جنائية، وكذلك محكومون في قضايا “إثارة الشغب” كان بمثابة بادرة ملفتة لحسن نوايا حاكم البلاد، وحرصه الشديد على تماسك وصلابة المجتمع البحريني والعمل على حماية نسيجه الوطني، وكذلك كانت الصحف المحلية البحرينية قد وصفت هذه الخطوة على انها “التفاتة أبوية حنونة” لحاكم البلاد، تجاه الاشخاص الذين أمضوا سنوات طويلة في سجون البحرين، بسبب ما وصفته بضلوعهم في أعمال الشغب وإثارة الفتن الطائفية”.

وما حدث في اليومين الماضيين من حفلات كرنفالية زاهية وبهجات طيبة لعوائل السجناء ال 1584 المفرج عنهم واصدقائهم واحبتهم ومعارفهم، يعطي الانطباع بأن البحرين على موعد قريب من تغيير سياسي وأمني منشود، بدليل أن الذي قد حدث يشير إلى انفراج سياسي مطلوب منذ وقت طويل، وان خطوة الافراج عن هذا العدد الهائل من المعتقلين في سجون النظام البحريني، هي بمثابة خطوة الالف ميل لاطلاق سراح كل ما تبقى من السجناء في وقت ربما سيكون قريبا جدا، وأن هذا قد تحتاجه البحرين لمرحلة جديدة قادمة، يعم فيها السلم والوئام والاستقرار والمصالحة الوطنية .

وفي هذا الوقت، بحسب العديد من المراقبين، أستطاع حاكم البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، أن يفتح صفحة جديدة في كتاب المصالحة مع شعب البحرين، الذي ظل على الدوام يعارض سياساته الخاطئة والطائشة، ويطالب بالتغيير الجذري والجوهري واستقلال القرار السياسي البحريني، عن تأثيرات القوى الخارجية الاقليمية والعربية والدولية، وضمان كافة الحقوق المدنية للمواطنين، لذلك عكست هذه الخطوة نفسها في الحفلات الكرنفالية الصاخبة لاستقبال الاشخاص المفرج عنهم، وكذلك الحماس الملفت لمبادرة حاكم البلاد، رغم قصورها واعتبارها فرحة ناقصة بسبب عدم الافراج عن باقي السجناء السياسيين وسجناء الرأي وفي مقدمتهم رموز وقادة وطنيين، محكوم عليهم بالسجن المؤبد مدى الحياة .

ففي الايام التي سبقت قرار “العفو الملكي” باطلاق سراح السجناء، كانت هناك ضغوط َمستمرة كبيرة على النظام البحريني محليا وعلى المستوى الدولي من أجل تغيير الواقع المرير في البحرين بعد سنوات قمع معتمة استمرت تحث الخطى منذ حراك شباط/ فبراير 2011، إلى هذا اليوم، وحتى قبل مبادرة الاعلان عن اطلاق سراح السجناء، خرجت هناك في البحرين تظاهرات حاشدة تندد بمظالم النظام البحريني وعدم استجابته للمطالب الشعبية، واحترامه لحقوق الانسان واستهتاره بارواح الناس، واصراره على عدم اطلاق سراح جميع السجناء والموقوفين، وتنظيف السجون في البحرين، وذلك بعد استشهاد الشاب حسين خليل الرمرام (32 عام) من قرية الدراز، بعد تعرضة لاهمال طبي متعمد داخل سجن جو المركزي الشهير الذي يضم أكبر عدد من السجناء في البحرين، وتمارس فيه أبشع عمليات انتهاكات حقوق الانسان .

كل هذه الارهاصات وهذه الضغوط المحلية والدولية لسياسات النظام البحريني الشديدة و الصارمة على مستوى حقوق الإنسان، و التنكيل بالمعارضين السياسيين للنظام البحريني، شكلت احراجات شديدة مشتركة ل”الملك وسلطته الحاكمة في البلاد” من انهم ظلوا مصرين وبصورة واضحة على بقاء الاوضاع المأزومة مراوحة في مكانها من دون أن يمسها أي تغيير، وبالاخص في مجال الحريات المدنية وحقوق الانسان، و قد استغل حاكم البلاد، حمد بن عيسى آل خليفة، مناسبة احتفاله بيوبيله الفضي لتسلمه زمام الامور في البحرين، ومناسبة عيد الفطر، ليعلن عن قيام هذه المبادرة، بعد أن أصبحت الأمور خطيرة للغاية و لا تحتمل أي تاخير، وهذا ما جعله يجاهر بالقول، عن حرصه على تماسك وصلابة المجتمع البحريني وتدعيم وحدته الوطنية، بعد أن كان لعدة عقود من الوقت يناطح الجدار، ويرفض كافة المناشدات والمساعي الحميدة التي طالبه بتكريس وتعزيز دعائم الوحدة الوطنية، و التي تكسرت بشكل واضح و ملفت على صخرة حراك الرابع عشر من شباط/ فبراير 2011 وساهمت في تشديد قبضة السلطة البحرينية على جميع مفاصل الدولة والمجتمع وعودة النظام البوليسي القمعي، الذي ظل يذكر الناس بحقبة سنوات قانون أمن الدولة السيء الصيت، وانشغاله بمراقبة الناس في حركاتهم وسكناتهم وقيامه بحملات الاعتقال التعسفي خارج إطار القانون، ضد جميع الاصوات المعارضة والمناهضة للنظام السياسي، ومن يشتبه بأنهم من أنصار الحراك الشعبي.

ولكن هذه “المبادرة الملكية” على وجاهتها لا تقدم الاجابة الكافيه والشافية لجميع المطالب الاساسية الجوهرية التي ناضلت واستشهدت من أجلها أجيال من شعب البحرين، ومن أبرزها على الاطلاق، ضرورة اصدار قرار بمرسوم ملكي للعفو الكامل والشامل عن جميع سجناء الرأي من السياسيين والحقوقيين وانصار الحركة الوطنية والاسلامية، الذين لم يطالهم قرار العفو الاخير السابق، ويعانون الأمرين من أهوال السجن المعتمة والموحشة، وتبييض جميع السجون والمعتقلات البحرينية، وعودة جميع المبعدين والمنفيين من دون أية شروط أو قيود مسبقة، ومحاسبة جميع مرتكبي الجرائم ضد شعب البحرين، وتعويض كل من تضرر من الاجراءات الحكومية القاسية والظالمة، وقيام دولة النظام والقانون، والعدالة والانصاف، ومحاربة الرشى والفساد، والتصدي الفعال للمشكلات الكبيرة بما يرضي الناس، ويوفر لهم الحياة الكريمة بعد تاريخ طويل من الظلم والاستبداد المطلق، وتوفير الفرص الاجتماعية والعمل للمواطن البحريني، ومنع استيراد العمالة الاجنبية الرخيصة وغير المنتجة، ووقف عمليات التجنيس السياسي والعشوائي الذي أرهق كاهل المجتمع البحريني برمته، وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية وغيرها مع الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين، واستقلال القرار الوطني عن أي تأثير خارجي لا يخدم أهداف المصلحة الوطنية العليا في البحرين.

هاني الريس
12 أبريل 2024

Loading