الحديث المعسول لوزير الداخلية البحريني .. ليس الفارس على الحصان الأبيض

تصحيح الأوضاع المازومة في البحرين يحتاج إلى الشجاعة والصدق ..

في جميع الزيارات الخاصة التي قام بها وزير الداخلية البحريني، راشد بن عبدالله آل خليفة، إلى جميع محافظات البلاد، قبل عدة أيام، بقصد الترويج لما وصفه ب (الانطلاقة الاستراتيجية الجديدة) من أجل الشراكة المجتمعية والتواصل مع كافة فئات وشرائح المجتمع، وتوعية المواطنين امنيا وتعزيز الدور الأجتماعي وحماية الأمن الوطني وتصحيح الاوضاع.كان الوزير يردد أكثر من مرة، بأن البحرين قد تمكنت تحت قيادة حاكم البلاد حمد بن عيسى ال خليفة، من تجاوز أخطاء الماضي، و حققت إنجازات عظيمة لا مثيل لها في تاريخ الدولة، في قضايا الأمن والسياسة والاقتصاد، وهي في طريقها لتحقيق المزيد من التنمية والازدهار، و العمل على تصحيح جميع الأوضاع تجاه كل ما يؤثر على النسيج الأجتماعي والسلم الاهلي، وعدم إتاحة الفرصة لشق الصف الوطني، وتعزيز الهوية البحرينية وتاصيلها والمحافظة عليها والتمسك بها، في إطار مجتمع متكامل، وغير ذلك من الكلام المعسول الذي أخذ يدغدغ به مشاعر المواطن البحريني، في وقت دقيق و حرج تعيش فيه البلاد، أسوأ الأزمات السياسية و الاجتماعية و الا قتصادية والامنية، التي تسببت بها السلطة والحكم ؟ .

وعلى ضوء كل هذا الحديث الطويل و المعسول، الذي تردد على لسان وزير الداخلية البحريني، و التي روجت له الصحافة الصفراء في البحرين على أوسع نطاق، تطرح الأسئلة التالية، هل ان البحرين تحت قيادة حاكم البلاد، حمد بن عيسى ال خليفة، قد تجاوزت بالفعل أخطاء الماضي، وحققت الكثير من الإنجازات الكبيرة على طريق التقدم و التنمية والازدهار؟ وهل ان الهوية البحرينية الأصيلة هي بالفعل معززة ومكرمة في ظل قيادة هذا الحاكم الطاغية؟ وهل ان العمل على تصحيح الأوضاع تجاه كل ما قد يؤثر على النسيج الاجتماعي والسلم الاهلي وعدم إتاحة الفرصة لشق الصف الوطني، يبدأ به العمل بشكل احادي و منفرد، و من دون مشاورة المجتمع، ومن غير تأسيس بنى حديثة ( نقابات عمالية واحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني) حرة و مستقلة عن تأثيرات و سياسات السلطة الرسمية وتوجهاتها؟

في المجال الأمني:
البحرين، التي كانت قد تحولت على أيادي حاكم البلاد، حمد بن عيسى ال خليفة، في العام 2002 من دولة مراقبة أمنية صارمة، إلى (مملكة دستورية) لم تستطيع حتى اللحظة الراهنة، ان تتجاوز أخطاء الماضي القمعي التعسفي، والذي كانت قد تأسست قواعده و ركائزه، بعد غزو عائلة ال خليفة، للبحرين واحتلالها بفرط القوة قبل أكثر من 260 عام من الزمن، وفرض الغزاة سيطرتهم و قبضتهم الفولاذية على جميع مفاصل الدولة والمجتمع، والتي استهدفت قضايا الأمن برمتها، وبشكل اساسي القضاء على أي محاولة من جانب شعب البحرين، لتغيير الواقع المعاش في البلاد، وطرد الغزاة، او حتى تجاوز أنظمة القبيلة الحاكمة المكرسة في ادهانها وقواميسها، وإلى حد هذا اليوم، ماتزال هذه القبضة الفولاذية قائمة على ارض الواقع، والدليل القاطع هو فرض قانون الطوارئ غير المعلن في البحرين منذ العام 2011 و تشديد المراقبة الأمنية على حركات الناس وسكناتهم، و خنق حريات الرأى والتعبير والضمير، ومراقبة صارمة و َممنهجة على جميع التغريدات والمنشورات والفيديوهات، التي تنتقد و تعارض السياسات الخاطئة و الطائشة للسلطة والحكم، والتي تطرح مطالب التغير الحقيقي و الجوهري في البلاد، والتي تتضامن و تساند نضالات الشعوب الأخرى في تحقيق امنها واستقرارها ورفاهية مجتمعاتها، و العمل على توسيع السجون والمعتقلات، والمضي في حملات الاعتقال التعسفي، وإجراء المحاكمات الظالمة، ضد الأصوات الوطنية الشريفة المطالبة بنشر الأمن والاستقرار، و بتحقيق كافة الحقوق المشروعة للمواطن البحريني، التي كفلتها القوانين الدستور، وسيادة البلاد واستقلالها، فاين هو إذن الحديث عن استقرار الأمن وهدوء الأوضاع، والسعي لتصحيح الأوضاع ومعالجة القضايا الملحة، الذي قد تبجح بها وزير الداخلية البحريني، في احاديثه المعسولة امام الناس، وعلى صفحات الجرائد والتلفزة، و في جلسات قاعات المحافظات في البلاد؟ .

هذا الإستقرار البوليسي والامن المزعوم، إذا هو لم يحفظ كرامة وسعادة المواطن البحريني، ويحقق أحلامه وأمانيه في دولة حرة مستقلة، و رفاهية اقتصادية ونظام اجتماعي عادل و منصف، فهو ليس اكثر من كونه خداع ونفاق و دجل، و اكذوبة واضحة ومكشوفة، وهي لن تنطلي على شعب البحرين .

في المجال السياسي :
أن الهيمنة والسيطرة الفئوية القوية من جانب العائلة الخليفية الحاكمة، على جميع مفاصل السلطة والحكم، وتفردها بعمليات صنع القرار، من التفاهمات و دون مشاركة الآخرين، تبقى هي وحدها فقط الصورة البارزة، التي تميز السياسة البحرينية الحالية، وتبقى هي أيضا بعيدة كل البعد عن قيم الديمقراطية والحرية والمساواة الاجتماعية والاقتصادية مع المجتمع، وهي في واقع الأمر سياسة قديمة، و عقيمة و لم تؤسس بالمطلق على مبدأ الأكثرية واحترام الحقوق المدنية و الانتخابات الحرة والمشاركة في السلطة والحكم والتعددية المؤسساتية، والنقد والرقابة الرسمية و غير الرسمية، وبنى تحتية اقتصادية واجتماعية متطورة، على غرار ما هو قائم و معمول به في جميع الدول المتطورة و المتقدمة والممالك البرلمانية الدستورية.

وعلى الرغم مما يقال عن وجود برلمان منتخب ومجلس شورى وقضاء مستقل، ونزاهة مالية، ومنظمات مجتمع مدني، و جمعيات سياسية وحقوقية، مستقلة عن تأثيرات السلطة وانظمتها وقوانينها، تعمل في البحرين، بموجب القانون الدستور، فإن الحقيقة القاطعة، هي ان جميع هذه المؤسسات المذكورة اعلاه، هي تحمل الطابع الصوري، وتلف في فلك الحكم، ولم يسمح لها بامتلاك حق النقد و لا المصارحة و المكاشفة و لا محاسبة السلطة أو الحكم على أفعالهم أمام المجتمع .

في إطار المجتمع الواحد :
على امتداد عدة عقود مضت، تعرض المجتمع البحريني بمختلف ألوانه وتياراته وطوائفه إلى التهميش والتفقير وحتى الاقصاء، على أيادي العائلة الخليفية الحاكمة، والتي اخذت تعمل بكل قوة وتشدد، منذ حقبة سنوات احتلالها للبلاد، على مفهوم القاعدة البريطانية الخبيثة و المعروفة ب (فرق تسد) فكانت تسعى على الدوام لاضعاف قوة وصلابة الجبهة الداخلية للمحتمع، و تعمل على شق الوحدة الوطنية، من خلال تغليب طائفة على أخرى في المجتمع، و تحاول أن تمنع او تعرقل قيام تشكلات اجتماعية، متجانسة اجتماعيا و سياسيا وثقافيا، تكون غير مرتبطة باوامر السلطة و توجهاتها سياساتها الرسمية، وتحاول ايضا تجويع الناس وتفقيرهم من أجل مضاعفة ثرواتها وامتيازاتها وحدها، وتعقد صفقات الشراكة فقط مع الأقوياء، وتذل وتقهر الضعفاء و البسطاء من أفراد الشعب .

في إطار تصحيح الأوضاع وترميمها :
لا تنظر غالبية شعب البحرين، التي اكتوت بنيران وجشع واطماع وتحديات وغطرسة العائلة الخليفية الحاكمة، إلى ما تحدث به وزير الداخلية البحريني، راشد بن عبدالله ال خليفة، بنظرة ثقة و تفاؤل حقيقية وترقب لما قد يتحقق على الأرض من امور وصفها الوزير، ب(الخيرة و النافعة) للمجتمع من أجل تكامله وتماسكه وتضامنه، و كذلك ايضا، لم يثق الشعب بكل ما يصرح به كبار المسؤولين في البحرين وفي مقدمتهم حاكم البلاد حمد بن عيسى ال خليفة، الذين ظلوا يغدقون الوعود الواحدة تلو الأخرى، حول مهام ومشاريع التغيير والتجديد، ومنح كافة الحقوق المشروعة للمواطن البحريني التي كفلها الدستور ونصت عليها المعاهدات الدولية، ثم ما يلبثون، ان يتنكرون لها ويستبدلونها بقوانين و قرارات وإجراءات تناسب اذواقهم و اهوائهم، و سعة قاماتهم الضيقة، ولم يثق الشعب بالكلام المعسول، الذي يظل يتكرر بين وقت آخر حول ضرورات انتقال البلاد من إطار سلطوي استبدادي استمر يحث الخطى لعدة عقود، إلى إطار ديمقراطي دستوري و تعددي، ويحقق للشعب جميع رغباته و تطلعاته و احلامه وأمانيه، حيث أن النظام الخليفي، لا يريد التخلي تماما عن ماضيه القهري و التعسفي، ولا يريد التنازل بكل سهولة عن جميع امتيازاته الفئوية ومصالحه الذاتية و نظام حكمه المتفرد بصنع القرار، ويترك للشعب حرية اختيار النظام الذي يمكن أن يحقق له الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار .

و إذا فإن كل حديث جرى حول تصحيح الأوضاع في البحرين، كان مخالف للمنطق و سيكون عديم الأهمية والمصداقية والواقعية، من دون معالجة جميع أوجه القصور والأخطاء الفادحة و الفاحشة، التي قد تسببت في استمرار دوامة الازمات في البلاد، منذ ذلك الوقت و حتى اللحظة .

هاني الريس

9 نوفمبر 2024

Loading