
الذكرى 14 لرحيل المناضل البحريني عبدالرحمن النعيمي .. كفاح الفكر و القلم و النضال الشرس
في مناسبة الذكرى 14 لرحيل المناضل والكاتب و المؤلف عبدالرحمن محمد النعيمي، نعود بالتذكير بمسيرة حياته الحافلة بالنضال، التي كانت تستهدف صناعة الكتابة والتأليف والتغيير والمقاومة السلمية من أجل وطن حر، لا يرجف فيه الأمل في البحرين، فقد يرى المتابع من خلال نظرة سريعة على الموروث السياسي والثقافي لهذا المناضل والرمز مختلف أساليب حياة التقشف والزهد وتشعب فروع الثقافة والمعرفة والنضال الحقيقي لآخر عمالقة الحركة الوطنية البحرينية، الذين وهبوا حياتهم و اوقاتهم الصعبة في سبيل الحرية والديمقراطية والسيادة الوطنية و الاستقلال.
لقد كان النعيمي، أحد أبرز الشخصيات السياسية اللامعة في الساحة البحرينية، وعلى مستوى الخليج والوطن العربي، وكان وفياً مخلصاً لواجباته النضالية و الإنسانية نحو قضايا الوطن و شعوب العالم برمته، وكان متحدثاً مفوهاً وذا موهبة سياسية فريدة، ومناضلاً شرساً عن مواقفه، وظل طوال حياة النضال في المنفى القسري ( 33 عام ) ومن بعدها، أميناً وفياً لمواقفه و مبادئه، ولم يساوم عليها.
وكان النعيمي الذي اشتهر بابتسامته الوديعة وطباعه الشفافة، رجل فكر وقلم، واعتبر الثقافة معركة في ميدان السياسة، والكفاح الثوري من أجل العدالة الاجتماعية والحق، وكان يقرأ أعمال كبار المفكرين والفلاسفة والثوريين حول العالم، وانخرط في دروب النضال والتصدي للقهر في وقت مبكر من حياته خلال مراحل التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي تحت شعار «النضال من أجل الفقراء والعمال والطلاب والفلاحين» التي تنتهك كامل حقوقهم الأنظمة الاستبدادية القمعية، وكان يكتب عن هموم الفقراء والمحرومين، في العديد من المجلات والصحف العربية المرموقة من أبرزها مجلة «الهدف» الفلسطينية، و «الشراع» اللبنانية، وصحيفة «السفير» اللبنانية، وصحيفة «الطليعة» الكويتية، وصحيفة «الثوري» اليمنية، وصحيفة «القدس العربي» الصادرة في لندن، الذي كان يزودها بالعديد من المقالات المهمة والرائعة، حول الأحداث التي شهدتها البحرين على مدى أربع سنوات من عمر الانتفاضة الدستورية في تسعينيات القرن الماضي، وبعد عودته من المنفى القسري نشر مقالات أسبوعية في صحيفة «أخبار الخليج» البحرينية، كانت جميعها في خدمة القضايا الوطنية والديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين.
و عمل على تأسيس دار الكنوز الأدبية المتخصصة بنشر الدراسات والكتب السياسية والفكرية والاقتصادية والعلمية، وكان يشارك في مختلف التظاهرات والاعتصامات والحركات الاحتجاجية المطلبية التي تدعم نضالات شعب البحرين، ليصبح مع تعاقب الأوقات واحداً من أبرز «الشخصيات السياسية الثورية» في البحرين والخليج وعلى مستوى الوطن العربي. حيث أبدى تعاطفه مع معاناة شعب البحرين خلال حقبة الحماية البريطانية، وجميع المظالم التي لحقت به في سنوات القمع المعتمة، التي استمرت زهاء ربع قرن من الزمن في ظل فرض قانون ومحاكم أمن الدولة السيئة الصيت، وسارع في الانضمام في صفوف الحركة الثورية البحرينية، وحركة القوميين العرب،، وجبهة تحرير الخليج العربي، والجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج، التي خاض معها تجربة الكفاح المسلح في وديان وجبال مناطق ظفار، التي شهدت حروباً طاحنة من أجل الحرية والاستقلال، وعاش سنوات طويلة مفعمة بالعذاب والألم والقسوة، ودخل المعتقلات في البحرين التي ضاقت أروقتها و غرفها المعتمة بالمناضلين من أمثاله، وكذلك في المنافي القسرية، ثم صار أميناً عاماً للجبهة الشعبية في البحرين بعد قرار استقلاليتها عن الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج، مبتعدة عن خط النضال الثوري المسلح، لانعدام جاذبيته في زمن التغيرات الجديدة و أفكار السلم على الأرض وثقافة الحريات والتسامح وحقوق الإنسان، وذلك قبل أن يغادر البحرين إلى المنافي القسرية، في رحلة طويلة استمرت زهاء 33 عاماً من الوقت، ارتبط مصيرها بمصير الحلم الديمقرطي والعدالة الاجتماعية والدولة البرلمانية الدستورية، الذي لا يزال يشغل هموم الشارع البحريني برمته، إضافة إلى تركيزه على قضايا الشعوب العربية والعالمية في نضالاتها من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وبخاصة قضية العرب والمسلمين الكبرى فلسطين، التي نالت المدى الواسع من اهتماماته القومية، لأنه كان يرى نفسه جزءاً منها مراراً وتكراراً، وساهم في العديد من المؤتمرات العربية والإسلامية والدولية، وكان عضواً في الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، والأمانة العامة لملتقى الحوار الديمقراطي الثوري، وعضو المؤتمر الخليجي لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وعندما عاد من المنفى إلى الوطن بعد الانفراج السياسي، رفض جميع الإغراءات والامتيازات المادية والمعنوية التي عرضت عليه كتعويضات عن كل سنوات العذاب في المنافي القسرية، وأبدى استعداده لتبني تجمعاً وطنياً يضم كافة شرائح وأطياف وتيارات وطوائف المجتمع البحريني، من دون أن يستبعد أو يهمش أي طرف من أطراف العمل السياسي في الساحة البحرينية، أو أن يتخذ موقفاً سلبياً من أية جهة تسعي للاستقلالية الذاتية في طريق التغيير، معتبراً أن من حق الجميع أن يختار سياساته التي يؤمن أنها ستكون مسئولة عن مستقبل الأوضاع التي تعكس إلارادة الشعبية .
وكان دائماً على استعداد لأن يشارك الآخرين في الدروس التي تعلمها في الحياة، ولم يكن ذلك ممكناً إلا بعد جهود مضنية تبدل في ظل وجود معارضة مفتتة، وشارع منقسم على نفسه وأوضاع اجتماعية واقتصادية متردية نتيجة سنوات القمع المعتمة التي جاء بها قانون ومحاكم أمن الدولة، ورغم صعوبة هذه المهمة، استطاع النعيمي أن يرسي دعائم أول كيان سياسي معارض في البحرين والخليج، تجتمع حوله كل أطياف المعارضة اليسارية والقومية ومختلف قوى التغيير في البلاد، الذين يتطلعون إلى قيام النظام الديمقراطي التعددي، ومعترف به رسمياً و هو جمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد» التي بنت قوة مجدها السياسي من إرث الجبهة الشعبية، ومن صلابة مواقفها الثابتة والأصيلة اتجاه الدفاع عن قضايا الفقراء والمحرومين من شعب البحرين، و كانت تحتل قبل قرار حلها الظالم و التعسفي من قبل السلطة البحرينية مرتبة القوة الثانية في المعارضة البحرينية، بعد جمعية الوفاق الإسلامية، و شاركت في عدة تحالفات وطنية، وكان من أبرزها على الإطلاق المؤتمر الدستوري المعارض، التي التفت حوله معظم جمعيات وتيارات وشخصيات المعارضة البحرينية.
لم يترك النعيمي طوال فترات و مراحل النضال الوطني في البحرين و في المنافي القسرية، ما يمكن أن يؤخذ عليه، من سلوكيات الحياة السياسية والخاصة، سوى التزاماته الوطنية و القومية و الأممية، التي كان يدافع عنها بكل قوة و شراسة في جميع المحافل العربية و القارية و الدولية، و زهده وتقشفه في المسكن و الطعام والملبس، وكونه رب أسرة نموذجي، بصورة قد تجعلك تعطف على حياته الخاصة المليئة بالزهد والورع واحترام الآخر، حيث لم تغريه مباهج الحياة الدنيا وامتيازاتها الزائلة، حتى صارت شهيته تكره سائر الملذات، و بات يتعاطف مع الفقراء والمحرومين، ويتقرب إلى مختلف فئات وتيارات وطوائف شعب البحرين، وكان على الدوام يمثل عصراً كانت فيه أدوات القمع والقهر والاستبداد مسلطة على رقاب الشعوب الضعيفة، وكانت فيه تيارات وفئات وشرائح سياسية واجتماعية ودينية، تتسابق في صراع محموم على الامتيازات والمغانم والمكرمات، ولم يبقَ منها سوى الجبال الشامخة التي وقفت في وجه الرياح الصرصر، متحدية أدوات القمع والقهر والاستبداد.
ورغم بعض المآخد البسيطة ضده من قبل بعض المناوبين له، بعد عودته من المنفى القسري في العام 2001، ومشاركته مع جمعية «وعد» في الانتخابات البرلمانية للعام 2006، كان الرجل، موضع احترام الجميع، وكان داعية للوحدة الوطنية، ورمزاً للاحتجاج السلمي في وجه الإجراءات غير الدستورية، والتوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية عبر ربوع البلاد، والتحريض الإعلامي المنهجي ضد مرشحي الحركة الوطنية والإسلامية المقاطعين للانتخابات بسبب عدم شرعيتها الدستورية، و رغم أنه كان واثقاً من فوزه في هذه الانتخابات، إلا أن بعض الجهات الرسمية والأصولية قد تآمرت عليه، وقطعت عليه الطريق الذي كاد أن يصل به إلى قبة البرلمان، ولكنه يظل في زمن الانقسامات وتراجع الخطاب الوطني والقومي ذلك الرجل الصالح من الرجال الذين لم يبقَ منهم سوى القليل.
كان النعيمي رجلاً ثائراً وقائداً وطنياً فذا، استطاع أن ينجح في تحقيق تحالفات سياسية مشهودة في الواقع السياسي البحريني، ولديه اهتمامات وعلاقات خاصة بكافة أحزاب وحركات التحرر على المستوى العربي والعالمي، إضافة إلى اهتماماته بمختلف وسائل النشر وادوات ترويج الفكر الثوري التحرري، والذين يعرفون النعيمي يصفونه «بكشكول الحياة العامة» وذلك بفضل إنجازاته التاريخية في السياسة والفكر والثقافة الثورية وإحاسيسه العميقة بالطبيعة الإنسانية، ويقولون أن البحرين تحتاج في هذا الوقت بالذات إلى رجل مثل «أبو أمل» في زمن يصعب فيه البحث عن المناضلين الشرفاء و الأوفياء و الشجعان وسط التغيرات و التقلبات الكاسحة التي ظلت تحدث بسرعة البرق في الساحة البحرينية، وعلى مستوى الوطن العربي والعالم .
رحم الله النعيمي وغفر له وأسكن روحه الطاهرة فسيح جناته مع الخالدين والابرار
هاني الريس
1 سبتمبر 2025
![]()